الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة غرداية
كلية الآداب واللغات
قسم اللغة والأدب العربي
محاضرات في مادة المدارس النحوية
السنة الثالثة ليسانس
نظام ل، م، د.
شعبة: دراسات لغوية.
تخصص: اللسانيات العامة
إعداد الدكتور: غزيل بلقاسم
بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد
و على آله و صحبه أجمعين.
تقديم:
كلفت لمواسم عديدة بتدريس مادة: ( المدارس النحوية) لطلبة مستوى السنة الثالثة ليسانس شعبة الدراسات اللغوية في تخصص اللسانيات العامة، و كنت أجد حينها عنتا كبيرا في الحصول على الكتب المتخصصة في المدارس النحوية و ماكان أقلها، فطفقت أبحث عن مباحث هذه المادة في صفحات الكتب التليدة و الجديدة، غير أنه قلما وجدت كتابا معنونا بالمدارس النحوية، بل إنّ المؤلفات فيها تكاد تكون معدودة، ولعلّ أشهر ما فيها هذه الكتب:
- المدارس النحوية لشوقي ضيف
- المدارس النحوية أسطورة و واقع لإبراهيم السامرائي
- المدارس النحوية لخديجة الحديثي
- المدارس النحوية للتواتي بن التواتي
و إنّ نقرة للبحث عن موضوع المدارس النحوية في محرّك ( غوغل ) أو غيره لن تتحف الباحث بأكثر من الذي ذركناه.صحيح هناك بعض الكتب حديثا قد تناولت إحدى المدارس النحوية على حدة
و منها:
- مدرسة البصرة النحوية لعبد الرحمن السيّد
- مدرسة الكوفة لمهدي المخزومي
و إنّ نظرة على فهارس هذين الكتابين لا تسعفنا بغير هذه العناوين .نضيف على ماقلناه أننا دعينا لمناقشة بعض ملفات التأهيل الجامعي لما بعد الدكتوراه في أكثر من جامعة و في تخصص النحو العربي و أصوله، لكننا لم نجد مطبوعة واحدة اختار صاحبها موضوع المدارس النحوية.
نقول هذا لأننا كنّا نعجب من ندرة التأليف في هذا المجال، و ما كان منّا إلا أن نلملم شعثا من الكتب القديمة و الحديثة بغية توضيب محاضراتنا في هذا الموضوع النحوي لطلبة هذا التخصص.
و هذه الندرة في الكتب جعلتنا نختار مادة: المدارس النحوية لنضع مطبوعة بيداغوجية لطلبة هذا المستوى، و لما بدأنا المباحث الأولى ظهر لنا بعض ما خفيّ علينا من أسباب اطّراح أصحاب الاختصاص التأليف في هذا الشأن، ولعل من بين تلك الأسباب:
- احتدام الجدل بين مؤرخي النحو العربي حول وجود هذه المدارس.
- اختلاف حول عدد هذه المدارس.
- إنكار بعض الدارسين لوجود هذه المدارس على وجه الإطلاق.
- تداخل مباحث هذا الموضوع إلى حدّ يصعب فيه التمييز بين خصائص هذه المباحث عند كل فريق.
- تشابه المنهج في الدراسة النحوية، يطيح بفكرة الاختلاف أحيانا و خاصة أنّ موضوع الدراسة واحد و هو اللغة العربية بشتى لهجاتها.
- غياب مصطلح ( المدارس) عند النحاة القدامى.
- انفراد المستشرقين بالسبق الأوّلي إلى استعمال مصطلح ( مدارس نحوية).
و لعلّ هناك أسبابا أخرى غير هذه التي ذكرناها أفضت كلها إلى عزوف الدارسين عن التأليف في هذا المجال. و هذا الذي وطأنا به عملنا كان انطباعا عاما منا إزاء موضوع المدارس النحوية و قضاياها و مصادرها و مراجعها و أعلامها.
و أما فيما يتعلق بمفردات البرنامج المقررة على مستوى السنة الثالثة ليسانس شعبة الدراسات اللغوية تخصص اللسانيات العامة، فإنّه لدينا بعض الملاحظات نوردها فيمايلي:
لقد برمجت أربع عشرة محاضرة يفترض أن تدرّس في أربعة عشر أسبوعا، و على وجه العموم فالبرنامج طموح يستهدف أهدافا قيّمة من مباحث كثيرة و متنوعة، من شأنها أن تقدم للطلاب معلومات واسعة في تاريخ النحو العربي.
لكننا نسجل على هذه المفردات بعض الخلل و الاضطراب يتجلى أكثر في الجنوح إلى تكرار بعض المباحث في أكثر من محاضرة و من ذلك مبحث:( المنهج) إذ تكرّر في هذه المحاضرات:
- المحاضرة الرابعة: و عنوانها: مناهج المدارس النحوية العربية القديمة: الاختلاف، التخريج.
- المحاضرة السادسة: وعنوانها: المدرسة البصرية: منهجها و أعلامها.
- المحاضرة السابعة:و عنوانها: مدرسة الكوفة: منهجها و أعلامها.
- المحاضرة الثامنة: و عنوانها: المدرسة البغدادية: منهجها و أعلامها.
فإذا كان المطلوب في المحاضرة الرابعة إلقاء محاضرة على الطلاب في:مناهج المدارس النحوية العربية القديمة، فما المطلوب إلقاؤه في مبحث المنهج في المحاضرات الثلاث التوالي؟... إنّ أمر التكرار لا محالة واقع...
و مبحث ثان طاله التكرار في هذا البرنامج و هو مصطلح: ( الاختلاف) الذي ذكر في أكثر من محاضرة من غير ما إشارة إلى جزئيات البحث التي يفترض أن يتوخاها المحاضر بغية تمييز أحكام الاختلاف عند كل فريق. و لقد كان تكرار مصطلح الاختلاف هكذا:
- المحاضرة الرابعة: و عنوانها: مناهج المدارس النحوية العربية القديمة: الاختلاف، التخريج.
- المحاضرة التاسعة: و عنوانها: الاختلاف النحوي بين مدارس النحو ( المشرق)
- المحاضرة العاشرة: و عنوانها: الاختلاف النحوي بين مدارس النحو ( المغرب)
- المحاضرة الثالثة عشرة: و عنوانها: الاختلاف النحوي في المنظومات
- المحاضرة الرابعة عشرة: و عنوانها: الاختلاف النحوي في المتون.
فموضوع الاختلاف مقرر في المحاضرة الرابعة و يتعلق الأمر بجميع المدارس ثم برمج في أربع محاضرات لاحقة.
و ما كانت لنا مندوحة عن مسايرة البرنامج الذي أقرّته الوزارة و الندوات الجهوية، فلم نسمح لأنفسنا بالتصرف حذفا أو تغييرا، فاهتدينا إلى أن نركّز في المحاضرات المتعلقة بعموم المدارس على الجوانب النظرية و الأحكام العامة، و ما يليها من محاضرات تتعلق بمدرسة نحوية بعينها خصصناه بالجوانب التطبيقية و ترجمة الأعلام.
و للأمانة العلمية فلقد تصرفنا تصرفا جزئيا في التقديم و التأخير لا في الحذف أو التغيير، وذلك عندما أخّرنا المحاضرة العاشرة و التي عنوانها: الاختلاف النحوي بين مدارس النحو ( المغرب) و قدمنا عليها المحاضرة الحادية عشرة و التي عنوانها: المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية 1 و كذلك المحاضرة الثانية عشرة و التي عنوانها: المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية 2. و لا نظنّ أن هناك من يماري على أن تقديم محاضرتي المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية على محاضرة الاختلاف النحوي بينها
أمر يجافي المنهجية العلمية.
و لنا ملاحظة أخرى على مفردات البرنامج تتعلق بلفظتي ( المنظومات) و ( المتون) فالبرنامج استعملهما متقابلتين بدليل أن المحاضرة الثالثة عشرة كان عنوانها: الاختلافات النحوية في المنظومات و جعل موازيا لها في العمل الموجه درسا بعنوان: شرح المنظومات النحوية: الفصول الخمسون، ابن معطي/ الألفية، ابن مالك. علما أن( الفصول الخمسون) ليس من المنظومات النحوية. و أما في المحاضرة الرابعة عشرة فعنوانها: الاختلافات النحوية في المتون.و جعل مقابلا لها في العمل التطبيقي عنوانا: الآجرومية، قطر الندى... و في الاصطلاح العلمي إن لفظة ( متن ) لا تعني المنثور إذ يصح أن يقال: متن الآجرومية و نصها نثري كما يصح أن يقال: متن الألفية و هي نص شعري تعليمي و مع ذلك فلقد جارينا البرنامج فخصصنا المحاضرة الثالثة عشرة ببعض المنظومات النحوية و خصصنا المحاضرة الرابعة عشرة ببعض المتون ذات النص النثري.
هذا و لقد حاولنا اتباع مقترحات الهيئات العلمية لكلية الآداب و اللغات إلى حد بعيد، إذ استهللنا المطبوعة بذكر الأهداف العامة لهذا الموضوع، كما وضعنا ملخصا في ختام كل محاضرة، و ذيلناها بذكر المصادر و المراجع المعتمدة فيها.
و لقد ألزمنا أنفسنا بضوابط أخرى منها، التوثيق التفصيلي في تهميش كل مصدر أو مرجع تمت الإحالة عليه مع أنّ المطبوعة لا تعدو أن تكون وثيقة بيداغوجية ذلك أننا كنا نرنو إلى ما من شأنه تسهيل الوصول إلى أصل المعلومة و مظانها الأولى لدى الطلاب.
و على ذكر المصادر و المراجع فلقد حاولنا تنويعها من التراثية القديمة و المستحدثة الجديدة، و من القديمة نذكر: الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري،و الكتاب لسيبويه، و الخصائص لابن جني، و التسهيل لابن مالك، و غيرها كثير ... و أما المراجع الحديثة فنذكر منها: المدارس النحوية لكل من:الدكتور إبراهيم السامرائي، و الدكتورة خديجة الحديثي، و الدكتور التواتي بن التواتي...كما أننا لم نتكف بالبحث في بعض المواضيع دون الرجوع إلى المعاجم اللغوية و معاجم البلدان، إذ اعتمدنا على مجموعة نذكر منها: لسان العرب لابن منظور، المصباح المنير للفيومي، التعريفات للجرجاني، معجم البلدان لياقوت الحموي.
و مهما يكن من حال هذه المطبوعة فإننا لا ندّعي تقصيّ كل شاردة و واردة في موضوع المدارس النحوية، و لا أننا عرجنا على كلّ مظانّ المادة النحوية لهذا الموضوع، إلا أننا عملنا عملا متواصلا استغرق من الزمن عاما و نيّفا على الرغم من التزاماتنا التدريسية زيادة على التزاماتنا الإدارية و ما أكثرها.
و أخيرا نسأل الله العليم الحكيم أن يمنّ علينا و عليكم و على طلبتنا الأعزاء بالعلم و الفهم و أن يكتب لنا السّداد و التوفيق في القول و الفعل، و أن ينفع بهذا العمل إنه سبحانه و تعالى وليّ ذلك و القادر عليه.
الدكتور: غزيّل بلقاسم جامعة غرداية
بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة التمهيدية:
مدخل عام للمدارس النحوية.
المقدمة:
لقد درست في السنة الأولى والسنة الثانية علمي النحو والصرف في أربعة سداسيات، ولا شك في أنك سمعت بما يعرف باختلاف مدرستي البصرة والكوفة النحويتين من خلال الدروس، ومن ذلك المبتدأ والخبر، فلقد علمت فيه الاختلاف بين المدرستين في عامل الرفع في كل من المبتدإ والخبر، وكما تذكر فإن نحاة البصرة يرون عامل الرفع في المبتدإ هو الابتداء وهو عامل معنوي يقصد به التجرد من العوامل اللفظية غير الزائدة أو الشبيهة بالزائدة، كما يرون عامل رفع الخبر هو المبتدأ، بينما يرى الكوفيون أن عامل رفع المبتدإ هو الخبر، وعامل رفع الخبر هو المبتدأ، فهما يترافعان، فالكوفيون في هذا الباب يرفضون العامل المعنوي.
كما سمعت كذلك باختلاف البصريين والكوفيين في مصطلح صيغة (اسم الفاعل) فهي عند البصريين اسم فاعل، وعند الكوفيين فعل دائم، وكذلك اختلافهم في فعل الأمر هكذا اسمه عند البصريين وأما الكوفيون فيسمونه "المنقطع" أي منقطع من المضارع وهم مختلفون في المصطلح فالضمائر تسمية البصريين و هي عند الكوفيين كنايات، وكذلك يختلفون في أصل الاشتقاق فالأصل عند البصريين هو المصدر وعند الكوفيين الفعل، وفي الإعراب أيضًا، فالجر مصطلح بصري و الخفض مصطلح كوفي، و أنت تعلم بتأليف بعض النحاة كتبًا تتعلق بمسألة الخلاف بين البصريين والكوفيين لعل من أشهرها :(كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف) لابن الأنباري.
و إذا عدنا بك إلى الخطوات الأولى لنشأة علم النحو فستتذكّر أن النحو ظهر بمدينة البصرة بالعراق و أنّ المشهور أنّ واضعه هو أبو الأسود الدؤلي، باقتراح من الإمام عليّ – رضيّ الله عنه – و أنّ من أشهر روايات نشأة النحو هي اللحن الذي صدر من قارئ كان يتلو قول الله تعالى:
﴿ و أذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أنّ الله برئ من المشركين و رسوله﴾
[ التوبة الآية 03] و كان القارئ قد قرأ بالخطإ فجرّ لفظة ( ورسوله ) في قوله تعالى: ( من المشركين و رسوله ) عطفا على المشركين، الأمر الذي أفزع أبا الأسود و قرّر أن يضع علم النحو للناس. كما عرفت تلك المناظرات التي كانت بين أوائل النحاة و بعض الشعراء، ومن أشهرها تلك التي دارت بين النحوي: عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي و بين الشاعر الأموي الفرزدق، و لقد أسهمت تلك المناظرات و غيرها في تأسيس علم النحو العربي.
و نبقى في البصرة لنذكّرك برائد الدراسات اللغوية فيها: الخليل بن أحمد الفراهيدي و فكره اللغوي الأصيل و بتلميذه الوفيّ الناجح: سيبويه صاحب المصنّف المشهور: ( الكتاب ) الذي شغل ملأ الدنيا و شغل الناس، و لقد علمت أن علم النحو قد مكث بالبصرة زهاء قرن من الزمان فجاء أبوحمزة الكسائي و اجتلبه للكوفة.ولابدّ أن تعرف كذلك أنه كان بين البصرة و الكوفة تنافس ثقافي على أشدّه، إذ كان أهل الكوفة أصحاب رواية للشعر و أخبار العرب، و أنّ الكوفة كانت تنطوي على كنز ثمين من هذه الأشعار و الأخبار، و كان بها كبار رواة الشعر من أمثال: حمّاد الراوية و خلف الأحمر و مع كل ذلك فلقد كان باع الكوفة قصيرا في علم النحو هذا العلم الناشئ، الأمر الذي أدى بأهل اللغة فيها إلى تأسيس مذهب خاص بهم لعلّ قوامه الأساس هو العصبية العلمية، وهكذا امتدّت أفانين شجرة النحو فأظلت حاضرة بغداد ثم الحواضر العربية الأخرى بالشام و مصر و الأندلس و المغرب على مرّ الزمان. ولاشكّ في أنّك سمعت بأعلام كثرٍ شيّدوا صرح النحو العربي من أمثال ابن جني و الفراء و ثعلب و الزمخشري و ابن مالك و ابن معطي و ابن هشام وصولا إلى علماء النحو المحدثين من أمثال: مصطفى الغلاييني و محمد الخضر حسين الجزائري و عباس حسن
مهدي المخزومي و أحمد مختار عمر و علي أبي المكارم و غيرهم.... و هذه المادة النحوية المقررة عليك في هذا المستوى تدخل في نطاق ما كنّا قد أوجزناه لك في هذه المحاضرة و التي هي في مقام مدخل عام للمدارس النحوية العربية...
فهل تبادر إلى ذهنك تساؤلات من قبيل؟
ما جوهر الخلاف بين المدرستين؟
وما أسباب ذلك الخلاف؟
وهل كانت في الأصول والفروع أم فيها جميعا؟
وهل كان هناك أعلام لكل من المدرستين؟
وأخيرًا هذا السؤال: هل هناك مدارس نحوية غير هاتين المدرستين؟
وهل هذه المدارس موجودة فعلاً أم غير موجودة؟
هذه الأسئلة وأخرى ستكون أجوبتها على شكل مضامين محاضرات سندرسها – إن شاء الله- في هذا السداسي السادس والأخير من مرحلة الليسانس.
معلومات المقرر:
اسم المقرر و رمزه: المدارس النحوية. الرمز: س ل 53.
الوحدة التعليمية: وحدة التعليم الأساسية 2.
عدد المحاضرات: 14.
عدد الساعات المقررة:21.
المستوى المستهدف: السنة الثالثة ليسانس نظام: ل م د.
شعبة: الدراسات اللغوية. تخصص: اللسانيات العامة.
من أهداف محاضرات المدارس النحوية للسنة الثالثة ليسانس
شعبة الدراسات اللغوية تخصص اللسانيات العامة.
تعدّ محاضرات المدارس النحوية تتويجا لبرنامج سنتين متتاليتين تلقّى فيهما الطالب محاضرات و دروسا في مادتي النحو و الصرف، و يمكن التنويه إلى بعض الأهداف التي يتوخاها برنامج المحاضرات في مادة المدارس النحوية لطلبة السنة الثالثة وفق مايلي:
الأهداف المعرفية:
- أن يقف الطالب على مواطن كثيرة من مواطن الاختلاف النحوي بين النحاة.
- أن يفهم الطالب الاتجاهات في الدرس النحوي التي أحدثها الخلاف النحوي.
- أن يعرف أن هذه الاتجاهات و الاختلافات قد أدت إلى ظهور مصطلح جديد هو المدرسة النحوية.
- أن يتحدّد لديه مفهوم المدرسة النحوية و أن يعرف الفرق بينه و بين روافده: المذهب، الاتجاه، النزعة....
- أن يتعرّف على أشهر الأعلام و أن يعرف جملة من آرائهم و مظاهر الخلاف فيما بينهم.
- أن يلمّ بمظاهر الاختلاف في المناهج و المصادر لهذه المدارس.
- أن يتعمّق في فهم الشواهد بشتى أنواعها التي تؤسس لآراء أولئك الأعلام.
- أن يعرف المدونات من منظومات و منثورات لنحاة ظلوا مرجعا في علم النحو على مرّ العصور.
- أن يعرف الطلاب كتب الخلاف النحوي القديمة منها و الحديثة.
- أن يتعلموا أسس الخلاف النحوي و كيف ينتخبون ما يتوافق و روح العصر.
- أن يعرفوا دور النصوص العربية في تأسيس القواعد النحوية.
- أن يطلعوا على امتداد الدرس النحوي من المشرق العربي إلى الأندلس و المغرب العربي.
الأهداف المهارية:
- أن يتمكن الطالب من إجراء الوجوه الإعرابية و اختلافاتها بين هذه المدارس.
- أن يفرّق بين المصطلحات النحوية عند كل مدرسة نحوية.
- أن يكتسب فكرة أولية حول الأحكام النحوية من: الشائع – الصحيح – المقبول- الشاذ – النادر...
- أن يكتسب تفكيرا نحويا أوليا من خلال الاطلاع على أسس التفكير النحوي عند النحاة.
- أن يتمثّل أسس البحث في المواضيع النحوية بممارسة منهج البحث في اللغة المتّبع من قبل الدارسين.
- أن يصنف أزمنة الدراسة النحوية و أعلامها من خلال فهم طبقاتهم و معرفة تصنيفاتهم.
أهم المصادر والمراجع
1. أصول التفكير النحوي، على أبو المكارم.
2. الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، لبنان، 1424هـ/2004م،ط1،ج1.
3. الإيضاح في علل النحو، الزجاجي، تح: فارس المبارك، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1432ه/2011م، ط7.
4. بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة، السيوطي..
5. تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب في شرح ملحمة الإعراب للحريري، أبو المحاسن الحضرمي، تح: علي سليمان شبارة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1425ه/2009م، ط1.
6. التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في معاني القرآن، طه صالح أمين آغا، دار المعرفة، بيروت، 1428هــ/ 2007م، ط1.
7. حاشية العلامة ابن الحاج، على شرح متن الآجرومية، دار الفكر، بيروت، 1421ه/2000م، د ط.
8. الخصائص، ابن جني، تح/ محمد علي النجار، عالم الكتب، بيروت، 1431هـ/2010م، ط2.
9. الدرة الألفية، ألفية ابن معطي، تح: سليمان إبراهيم البلكيمي، دار الفضيلة، القاهرة، 2010، ط1.
10. ديوان النابغة الذبياني، تح: كرم البستاني، دار صادر، بيروت، د ت، د ط.
11. الرد على النحاة، ابن مضاء، تح: محمد إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، دت، دط.
12. شرح الأشموني، تح: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998، ط1، ج1.
13. شرح التسهيل، ابن مالك، تح: أحمد أحمد علي، المكتبة التوفيقية، مصر، د ت، د ط، ج1.
14. العقد الثمين في تراجم النحويين، الذهبي، دار الحديث.
15. الفصول الخمسون، لابن معطي، تح: محمود محمد الطناحي، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، د ت، د ط.
16. المدارس النحوية أسطورة وواقع، إبراهيم السامرائي.
17. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، دار الوعي، الجزائر.
18. المدارس النحوية، خديجة الحديثي، دار الأمل،، إربد، الأردن، ط3، 1422ه/ 2001م.
19. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
20. مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، مصر،1377هـ/1958م،
21. المذكر والمؤنث، المبرد، تح/ رمضان عبد التواب وصلاح الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1417هــ/1996م، ط2.
22. مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي.
23. نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، مكتبة إحياء التراث الإسلامي، المملكة العربية السعودية، ط1.
24. المدارس النحوية (مدرسة البصرة)، أحمد الفقيه، من الموقع الإلكتروني: basrachity.net، 01/09/2018، على: 12:40؛ مدرسة البصرة النحوية، محمد قدوم، شبكة الألوكة www.alukah.net
فهرس المحتويات
الرقم |
مفردات المحاضرة |
01 |
مفاهيم تأسيسية ( المذهب، الاتجاه، المدرسة النحوية..) |
02 |
اسباب ظهور المدارس النحوية: السياسية، المعرفية، المذهبية |
03 |
مصادر المدارس النحوية |
04 |
مناهج المدارس النحوية العربية القديمة: الاختلاف، التخريج |
05 |
المدارس النحوية في المشرق و المغرب العربيين |
06 |
المدرسة البصرية: منهجها و أعلامها- |
07 |
مدرسة الكوفة منهجها و أعلامها |
08 |
المدرسة البغدادية منهجها و أعلامها |
09 |
الاختلاف النحوي بين مدارس النحو 1 ( المشرق) |
10 |
الاختلاف النحوي بين مدارس النحو 2 ( المغرب) |
11 |
المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية1 |
12 |
المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية2 |
13 |
الاختلافات النحوية في المنظومات 1 |
14 |
الاختلافات النحوية في المتون 2 |
المحاضرة الأولى
مفاهيم تأسيسية: المذهب، الاتجاه، المدرسة النحوية
حتى تتضح هذه المفاهيم، و تتجلى المادة العلمية لابد من التطرق إلى تحديداتها في اللغة وفي الاصطلاح العلمي.
ونبدأ بالمفهوم الأول: المذهب
المذهب: جاء في لسان العرب ما نصه: "ذهب، الذهاب: السير والمرور ... والمذهب مصدره ... والمذهب المعتقد الذي يذهب إليه"[1]. والمذهب في اللغة مصدر ميمي من (ذهب) يعني طريقة الاعتقاد ورأيه.
وأمّا المذهب في اصطلاح العلوم فقد قال عنه الشريف الجرجاني: "المذهب الكلامي هو أن يورد حجة المطلوب على طريق أهل الكلام"[2].
ولقد استعمل مصطلح (مذهب) عند دارسي النحو قديمًا وحديثًا، ومن المعاصرين الشيخ محمد الطنطاوي – رحمه الله- الذي ذكر ذلك في كتابه "نشأة النحو" يقول معقبًا عن نشأة المذهب البغدادي المازج بين آراء البصريين والكوفيين تحت عنوان: "نشوء المذهب البغدادي على أيدي الجامعين بين النزعتين: ... ولقد اتسعت هذه الحركة ونمت فعالجها الكثيرون، حتى احتل مكانا بين المذهبين مذهب آخر جديد"[3].
الاتجاه:
الوجهة في لسان العرب، المقصد، والطريق، والاتجاه مزيد من (وجه) [4].
والاتجاه في النحو لا يكاد يختلف عن المذهب، أو الطريق غير أننا وجدنا أن الاتجاه قد يكون في المذهب الواحد أو المدرسة الواحدة، لأنه أي الاتجاه لا يرقى إلى معنى المدرسة أو المذهب. ذكر ذلك الدكتور التواتي بن التواتي في كتابه "المدارس النحوية" إذ يقول: "وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن مدرسة البصرة قد تفرع عنها ثلاثة اتجاهات"[5].
المدرسة النحوية:
المعنى اللغوي: جاء في لسان العرب: "درست: أي تعلمت، ودرست الكتاب أدرسه درسًا أي ذللته بكثرة القراءة حتى خف حفظه علي"[6].
والمدرسة اسم مكان يطلق على مكان الدرس.
المدرسة في الاصطلاح النحوي:
تعرض الدكتور أحمد مختار عمر إلى تحديد مصطلح المدرسة في النحو فقال: "... فإن هذا المصطلح يعني في نظرنا [والكلام كلامه] وجود جماعة من النحاة، يصل بينهم رباط من وحدة الفكر والمنهج في دراسة النحو، ولابد أن يكون هناك الرائد الذي يرسم الخطة ويحدد المنهج، والتابعون أو المريدون الذين يقتفون خطاه ويتبنون منهجه ويعملون على تطويره والدفاع عنه"[7].
وسنشرح كلام الدكتور أحمد مختار عمر بإيجاز: فالمدرسة النحوية تطلق على مجموعة من النحاة ينضوون تحت إطار موحد في التفكير والمنهج، وتكون لهم مرجعية واحدة يصدرون عنها في دراسة النحو، ولكي تضمن هذه البوتقة صفة المدرسة لابد أن يكون لها أتباع مع مرور الزمن.
هل كان مصطلح المدرسة شائعًا عند الدارسين الأوائل؟
ناقشت هذه القضية نقاشًا مطولاً الدكتورة خديجة الحديثي في كتابها القيم والفريد: "المدارس النحوية". وتوصلت إلى نتيجة، وهي أن القدماء من النحاة لم يتطرقوا إلى مصطلح مدرسة، وإنما كانوا ينسبون النحاة أحيانًا إلى بلدانهم فيقولون نحاة البصرة ونحاة الكوفة، وأحيانًا أخرى قد يستعملون لفظة (أهل) أهل البصرة وأهل الكوفة، وفي مرات أخرى يستعملون مصطلح مذهب.
تقول الدكتورة خديجة الحديثي: "يتضح من هذا العرض لمناهج الذين أرخوا للنحو والنحاة من القدماء أنهم لم يستعملوا كلمة "مدرسة" في تصنيفهم لهذه المجموعات النحوية وإنما اتبعوا في ترتيبهم نسبتهم إلى البلد الذي ظهروا فيه وتعلموا نحوه ودرَسوه ودرَّسوه، فهم بصريون وكوفيون وأهل بغداد ومصريون وأندلسيون ومن أهل قرطبة ومن أهل دمشق ولم يستخدموا كلمة مذهب في التقسيم إلا ابن النديم في تسميته من ترجم لهم في القرن الثالث"[8].
ملخص المحاضرة:
المذهب في المعنى اللغوي من الفعل ذهب، و الذهاب هو السير و المرور، و المذهب مصدر ميمي من ( ذهب) و أما في الاصطلاح طريقة تتبع في علم من العلوم تتبنى حججا و قواعد و منهجا خاصا.
الاتجاه: من الفعل ( وجه) فهو لا يكاد يختلف في معناه عن المذهب بيدأن الاتجاه قد يكون في المذهب الواحد.
المدرسة من الفعل ( درس) و معناه لغة التعلم و الحفظ. وهي اسم مكان للدرس. و في الاصطلاح النحوي المدرسة النحوية يسمى بها فريق من النحويين يجمعهم فكر واحد و منهج واحد و مرجعية واحدة. و لم يكن مصطلح المدرسة شائعا عند النحاة الأوائل.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الأولى
1. لسان العرب، ابن منظور، المكتبة التوفيقية ، باب الدال، ج4، عمان، الأردن.
2. لسان العرب، باب الواو، ج15.
3. كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني.
4. نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، مكتبة إحياء التراث الإسلامي، المملكة العربية السعودية، ط1.
5. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، دار الوعي، الجزائر.
6. المدارس النحوية، خديجة الحديثي، دار الأمل،، إربد، الأردن، ط3، 1422ه/ 2001م.
7. البحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر، عالم الكتب.
المحاضرة الثانية
أسباب ظهور المدارس النحوية
إن التأليف في المدارس النحوية - على قلته - لم يشأ أصحابه إفراده بموضوع أسباب ظهور هذه المدارس بمباحث خاصة، ولقد أمعنا النظر في مؤلفات كل من: شوقي ضيف وخديجة الحديثي والتواتي بن التواتي فلم نجدهم يفردون هذا الموضوع بمباحث معينة، فشوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية استهل كتابه بمقدمة من بين ما ذكر فيها أهمية الموضوع ثم انبرى مباشرة إلى الحديث عن المدرسة البصرية بدأ بالكلام عن نشأة النحو بالبصرة ثم عرج على أعلامها مفصلاً القول فيهم بإسهاب، ثم انتقل إلى الحديث عن المدرسة الكوفية ونشأتها وأعلامها، ثم عنون القسم الثالث بمدارس مختلفة ذكر فيه المدرسة البغدادية، والمدرسة الأندلسية فالمدرسة المصرية[9].
والأمر لا يختلف إذا نظرنا في كتاب الدكتورة خديجة الحديثي فلم نجد أثرًا لموضوع أسباب ظهور مدارس النحو، فبعد المقدمة والتقديم شرعت الدكتورة خديجة في الحديث عن موقف الدارسين عن فكرة المدارس النحوية القدماء منهم والمعاصرين ثم أثبتت وجود هذه المدارس لتنتقل إلى الفصل الأول تبدأ بالمدرسة البصرية لتتحدث بإسهاب عن مدينة البصرة وما تمتاز به من ميزات جغرافية، وما توالى عليها من علماء اللغة العربية على مر العصور ثم تحدثت عن نشأة النحو وواضعيه وأوائل النحاة.
وفي الفصل الثالث عنونته بـــ: "المذهب النحوي في الكوفة"، فتطرقت إلى الكوفة بمثل ما تطرقت إليه في البصرة بذكر اسمها وأعلامها القدامى، ثم الحديث عن نشأة النحو الكوفي وأوائل رجاله، ثم إلى خصائصه ومميزاته، والفصل الثالث عنوانه: "النحو في بغداد" وصفته بأنه نقطة تلاقي المذهبين البصري والكوفي ثم ذكرت أشهر دارسيه، وأمّا الفصل الرابع فكان عنوانه: "النحو في أقطار الوطن العربي"، بدأت أولاً بالنحو في مصر وأعلامه، ثم النحو في الأندلس وأعلامه، والمبحث الثالث عنونته بـ: "النحو في بيئات أخرى" وذكرت الحجاز واليمن والشام، وأعلام هذه الأقطار الثلاثة وأخيرًا تناولت الحديث عن النحو في المغرب العربي ونحاته[10].
وإذا تصفحنا فهارس كتاب المدارس النحوية للدكتور التواتي بن التواتي فإننا نجده بعد مقدمة الكتاب يتناول مبحث نشأة النحو، وبعده مباشرة يتحدث عن نشأة المدارس النحوية دون التعريج عن أسباب ظهورها، ثم يمضي في الحديث عن هذه المدارس بادئا بالمدرسة البصرية فالمدرسة الكوفية
ثم يذكر نحاة بغداد، فالمدرسة الأندلسية ثم يعقد ترجمة لابن الطراوة ويختم كتابه بالحديث عن نحاة الجزائر وعلماء اللسان فيها[11].
والتزامًا منا بالبرنامج المسطر فإننا لملمنا شعثا من مصادر النحو ومراجعه لنستنبط منها مضامين تتعلق بأسباب ظهور هذه المدارس في النحو العربي.
يمكن حصر هذه الأسباب في ثلاثة جوانب:
- الجانب الأول: العصبية المذهبية
- الجانب الثاني: أسباب جغرافية
- الجانب الثالث: أسباب علمية بحتة تتعلق بالقراءات القرآنية.
فإذا بدأنا بالجانب الأول والمتعلق بالعصبية المذهبية فإننا نجد فن المناظرات كان سببًا قويًا في تبلور فكرة المدرسة النحوية ولعل أشهر هذه المناظرات مناظرة سيبويه مع الكسائي، وهي المعروفة بــ: (المسألة الزنبورية). ومختصرها أن سيبويه تاقت نفسه إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية يومذاك فلما وصل إليها وهو من هو في مراتب النحاة البصريين حل بمجلس فأراد الحاضرون أن يدفعوه إلى مناظرة بينه وبين الكسائي رائد المدرسة الكوفية فقال الكسائي لسيبويه كيف تقول : كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها. فقال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب. فقال له الكسائي: لحنت، وعقدت مسائل أخرى شبيهة فلم يجز سيبويه النصب، فاحتكم إلى الوافدين على باب الخلافة وكانوا يعلمون مكانة الكسائي لدى العباسيين فارتضوا رأيه، فخرج سيبويه منكسرًا من بغداد[12].
ونذكر مناظرة ثانية وقعت بين الكسائي وأحد تلاميذ سيبويه وهو اليزيدي، وقد تكون هذه المناظرة ثأرًا من اليزيدي لأستاذه عما جرى له في المسألة الزنبورية، وموجز هذه المناظرة التي دارت بين اليزيدي والكسائي أن اليزيدي قال للكسائي أتجيز هذين البيتين؟: (من مجزوء الرمل)
مــا رأيـــنا خــــــــــربًا نقْـــــــــــ (م)* ــقَــر عــــــــــنه البــــــــيض صـــــــقْــــرُ
لا يكــــون العيـــــر مُهـــــرًا لا يكــــون الـمُـــهْــــــــــــــرُ مُــهْـــــــــرُ
فأجاب الكسائي أجيزه على إقواء، لأن حقه أن يقال هكذا: لا يكون مُهْرُ مُهْرًا، فقال له اليزيدي: لقد لحنت، لا يجوز: لا يكون الـمُهْرُ مُهْرًا ، وقراءة الرفع صواب وتوجيهها هو:( لا يكون) توكيد لفظي والمهر مهر مبتدأ وخبر [13].
ونكتفي بهاتين المناظرتين لأن المقام ليس مقام المناظرات إنما هو مقام الاستدلال بأن هذه المناظرات كانت سببًا في ظهور هذه المدارس النحوية، وأنت ترى كيف أن هذه المناظرات بين علماء القطرين البصرة والكوفة من شأنهما أن تؤجج نوازع الخلاف بين علماء النحو من جهة وبين مريديهم وتلاميذهم من جهة ثانية.
وأمّا عن الأسباب المتعلقة بالجانب الثاني والذي يخص البعد الجغرافي إنّ أهم محفل يتلاقى فيه الشعراء والأدباء وعلماء اللغة فضلاً على الباعة والتجار هو السوق ولقد كان لكل من المدينتين سوق نشطة يقصدها أولئك الأصناف الذين تحدثنا عنهم، ومنهم علماء اللغة.
أولاً: سوق المربد: وكانت سوقًا بالبصرة تقع على الجانب الغربي منها يقصدها التجار والشعراء والأدباء والخطباء وأهل اللغة، وكانت نقائض الفرزدق وجرير والأخطل تلقى فيها، إضافة إلى ذلك كان يجتمع فيها اللغويون من أمثال الأصمعي وأبي عمرو بن العلاء، فيدور بينهم ما يعنّ لهم من نقاش وجدل واستعراض لمعارفهم اللغوية والنحوية[14].
ثانيًا: سوق الكناسة: وهي سوق أريد لها أن تكون موازية لسوق المربد بالبصرة وقد كانت الكناسة بالكوفة يرتادها بالإضافة إلى الباعة والتجار والشعراء والأدباء والخطباء علماء اللغة، غير أن المؤرخين لا يضعون هذه السوق في مرتبة سوق المربد بالبصرة لأن الكناسة كان يؤمها كذلك العجم ومن فسدت سليقتهم فكانت أي الكناسة داعيًا من دواعي فساد اللغة وليس من دواعي تطورها[15].
وأما الجانب الثالث: وهو الخاص بتمايز هذه المدارس من خلال اختلاف القراءات، فالمعروف أن البصريين كانوا متشددين في قبول الشواهد، الأمر الذي جعل قياسهم قريبًا من اللغة العربية الفصيحة إلا أن في هذا الأمر شططًا يتعلق بقبول القراءة القرآنية لأن الشرط فيها أن توافق وجهًا من وجوه الصواب من اللغة العربية وليس بالضرورة ما يراه البصريون من توجيه، وقد نظم بن الجزري ثلاثة شروط لقبول القراءة يقول[16]:
وَكُلُّ مَـــا وَافَـــــقَ وَجْهَ النَحْوِ وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالاً يَحْوِي
وَصَحَّ إسْنادًا هُوَ الْقُــــــــــــرآنُ فَهَـــــــذِهِ الثَّـــــــــــلاثَةُ الأَرْكَـــــــــــانُ
فمن هنا ظهر الاختلاف بين القراء المنضوين تحت لواء هذه المدرسة أو تلك، والآيات القرآنية التي تجلت فيها اختلافات المدرستين كثيرة سنكتفي باثنتين للاستدلال على ذلك لأن الموضوع هنا ليس اختلاف المدرستين في القراءات ومن ذلك: صحة الفصل بين المضاف والمضاف إليه: فقد قرأ ابن عامر وهو أحد القراء السبعة قول الله تعالى هكذا ﴿ وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتلَ أولادِهم شركاؤهم﴾ الأنعام 137. ففي هذه القراءة المضاف هو المصدر (قتلَ) والمضاف إليه هو (شركاؤهم) والتأويل قتل شركائهم أولادهم والمفعول به هو (أولادهم) فقد فصل بين المتضايفيين بالمفعول به، لكن البصريين يضعفون هذا ويردونه. وأما الكوفيون فيقبلونه، والمعلوم هنا أن ما اختاره الكوفيون هو الصواب، لتواتره[17].
ومن اختلافات البصريين والكوفيين في القراءات كذلك جواز العطف على الضمير المجرور من دون عائد في قول الله تعال: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ﴾ النساء01. قرأها حمزة وهو من الكوفيين بالجر (والأرحام)، وهي قراءة متواترة[18].
ولا يمكن في موضوع الحديث عن أسباب الاختلاف بين المدارس أن نغفل الجانب السياسي لأن أثره في الغالب يكون حاسمًا في تغليب مدرسة عن مدرسة أو مذهب عن مذهب، وقد رأينا ذلك جليًا في المسألة الزنبورية.
ملخص المحاضرة:
يمكن تلخيص أسباب ظهور المدارس النحوية بحصرها في ثلاثة محاور:
1- العصبية المذهبية:
بغية التميز المذهبي و طلبا للأتباع و المريدين كان كل فريق يسعى لمخالفة نظيره و لو في أمور لا تستدعي الخلاف أصلا و أشهر حادثة تذكر في هذا المجال ما يعرف بالمسألة الزنبورية فلقد رأيت أن الإيقاع بسيبويه كان مبيتا في جميع المواقف و ذلك بكثرة الأسئلة و تواليها عليه.
2- الجانب الجغرافي:
لقد علمت أن هناك سوقين شهيرتين كانتا سببا في ذيوع أفكار كل من البصريين
و الكوفيين و هاتان السوقان أولاهما المربد بالبصرة و ثانيتهما الكناسة بالكوفة
و علمت كيف كان علماء اللغة و النحو من الفريقين يغشون هاتين السوقين
و يلقون فيهما أفكارهم و قواعدهم التي يتمذهبون بها الأمر الذي أدى إلى اتساع الفرق بين المذهبين.
3- الاختلاف في القراءات:
رأينا أن اختلاف القراء كان سببا في ظهور هذه المدارس و أن منهج كل فريق فرض عليه موقفا خاصا به حيال القراءات القرآنية، فالبصريون بتشددهم و صرامة منهجهم جلب عليهم بعض الشطط إذ رفضوا بعض القراءات على تواترها لمخالفتها مذهبهم في حين قبل الكوفيون بعض القراءات مع شذوذها لاتساعهم في السماع.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الثالثة
القراءات القرآنية، التواتي بن التواتي.
المدارس النحوية أسطورة وواقع، إبراهيم السامرائي.
المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي.
المزهر في علوم اللغة، ج1.
نشأة النحو
المحاضرة الثالثة
مصادر المدارس النحوية
مصادر الدراسة عند البصريين:
المعروف عن البصريين أنهم في مجال التأسيس لقواعدهم النحوية اتخذوا نمطًا صارمًا في مرجعياتهم اللغوية إذ كانوا لا يقبلون من اللغات إلا ما يمتاز بالكثرة والغلبة في الاستعمال ولا يضعون القاعدة النحوية إلا بعد استقراء شديد الدقة، عميق الملاحظة، وما لم يتحقق فيه الغلبة والكثرة ردوه إلى الشذوذ أو وصفوه بأنه لغة من اللغات[19].
ومن خلال هذه الإطلالة يمكن أن نستعرض جملة من المصادر التي كان نحاة البصرة يعتمدونها في دراساتهم اللغوية وهي:
أولاً: القرآن الكريم:
فهو بلا منازع المصدر الأصدق والمرجع الأصح الذي يطمئن إليه النحاة في استنباط قواعدهم وتحقيق أصولهم لأنه [أي القرآن الكريم]، حفظ في الصدور قبل السطور، وضمن تواتر رواياته على مرّ الزمان، كما أنه جلب اهتمام الدارسين وكتابتهم منذ فجر نزوله، وما لم يكن متواترًا من القراءات تحفظوا من الاستدلال به[20].
ويفرد الدكتور التواتي بن التواتي في كتابه: (القراءات القرآنية وأثرها في النحو العربي والفقه الإسلامي)، يفرد مبحثا خاصا بموقف البصريين من القرآن الكريم وقراءاته، ويؤكد أن البصريين اتخذوه ملاذهم الأول ومصدرهم الأصيل في دراساتهم النحوية لأنه يصلح لإقامة القاعدة النحوية مع موافقة القراءة القرآنية وجهًا من وجوه النحو، ونستنتج بعد ذلك أن النحو في بداية نشأته أقيم في الأساس خدمة للقرآن الكريم[21].
ثانيًا: الشعر الجاهلي والإسلامي:
آثر البصريون الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي كثيرًا، ورأوا أنهما أصدق النصوص بعد القرآن الكريم لنقاوتهما من الدخيل الأجنبي، وخلوهما مما يعكر صفو السليقة اللغوية التي يتمتع بها أولئك الشعراء في هذين العصرين، كما أن البصريين مدوا حبل الاستشهاد وأوصلوه إلى شعراء بني أمية جرير والفرزدق والأخطل، وقبلوا الاستشهاد بشعر رؤبة بن العجاج وأبي النجم وبشار بن برد، وتوقفوا عند الشاعر إبراهيم بن هرمة الذي عمر طويلاً إذ تجاوز النصف الثاني من القرن الثاني الهجري فهو عندهم آخر من يستشهد به من الشعراء[22].
ثالثًا: العرب الفصحاء:
رفض البصريون الأخذ عن أهل الحضر لأن ألسنتهم مظنة التأثر بألسنة الأعاجم فآثروا التطواف في بوادي الجزيرة العربية يأخذون عن القبائل الموغلة في الانعزال عن غيرها والتي بقيت لغتهم سليقية فصيحة لم تشبها شائبة اللحن والاختلاط بالأجناس فقد أخذ الخليل عن القبائل في بوادي نجد وتهامة والحجاز، وهذا التشدد في الانتقاء اللغوي والتحري عن أصول السلامة اللغوية كان جليًا في كتاب سيبويه، إذ تجافى كل شاهد فيه مظنة الانتحال أو الافتعال[23].
ومما يؤكد اعتماد البصريين في شواهدهم على أهل البادية العرب الخلص أن البصريين كانوا يفتخرون على الكوفيين لأنهم يأخذون عن أهل الحضر الذين لوثت لغتهم عادية اللحن عند الأعاجم من فرس وروم، فقال البصريون: نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز وباعة الكواميخ[24].
رابعًا: أمثال العرب وحكمهم:
لا تخلو الأمم من الأمثال والحكم، والمثل هو قول قصير مجهول القائل غالبًا يجري على الألسن بغية إصلاح الناس وتوجيههم إلى دروب السلامة وأسباب النجاح، ويعد العرب من الأمم التي كثرت أمثالها وحكمها فكان موقف البصريين أن قبلوا هذه الأمثال والحكم مصادر لمدونتهم من الشواهد لأن هذه الأمثال والحكم وإن كانت مجهولة القائل غالبًا غير أنها امتازت بالتكرار والتواتر، ومن بين ذلك: الصيف ضيعتِ اللبن، رجع بخفي حنين [25].
وأما الحديث النبوي الشريف، فإن أوائل النحاة البصريين رفضوا الاستشهاد به واتخاذه مصدرًا للقواعد النحوية ومن حججهم على ذلك أن الحديث النبوي يجوز أن يروى بالمعنى، وأن المشتغلين به هم من الأعاجم، ولابد من الإشارة إلى أنه ليس كل البصريين رفضوا الاستشهاد بالحديث النبوي، فمنهم من أكثر الاستشهاد به وفي مقدمتهم محمد بن مالك الأندلسي[26].
وفي هذه المسألة لابد من التنويه إلى أن موقف البصريين من الاستشهاد بالحديث النبوي، قد قوبل بالرفض من قبل كثير من الدارسين خاصة المحدثين منهم، و الذين استهجنوا عدم قبول البصريين الحديث النبوي مصدرًا من مصادر التقعيد النحوي، وردوا عليهم بأن علماء الحديث قد وضعوا منهجًا دقيقًا في قبول الرواية واتخذوا علمًا جديدًا يُعد من أدق المناهج إلى العصر الحديث وهو ما يعرف بعلم: (الجرح والتعديل)[27].
مصادر الدراسة عند مدرسة الكوفة:
لقد علمت فيما سبق أن البصرة كانت أسبق إلى النحو من الكوفة بزمن طويل، وأن نشأة النحو وتأسيس قواعده كان بالبصرة وأن شيخ البصريين الخليل بن أحمد الفراهيدي قد تتلمذ على يديه عالمان من أعلام البصرة والكوفة هما سيبويه منظر النحو البصري بمؤلفه: (الكتاب) والكسائي زعيم الكوفيين صاحب النحو وإمام القراء.
ومعلوم أن هذا العلم انتقل من البصرة إلى الكوفة من خلال رحلات طلاب النحو إلى البصرة وعودتهم إلى مدينتهم الكوفة بهذا العلم، فالكوفة مدينة للبصرة بمعظم مصادر دراستها في مجال النحو.
غير أنه من المفيد أن تعرف أن الكوفيين لم يأخذوا ما تعلموه من البصريين قلبًا وقالبًا إنما تصرفوا فيه بالزيادة والنقص والتحويل والتأويل ينشدون في كل ذلك مقام التميز ويرنون إلى مراتب الإبداع والسبق.
وبعد هذا يمكن أن نوجز لك أهم مصادر الدراسة عند نحاة الكوفة:
أولاً: النحو البصري:
سمع الكوفيون نحو البصريين وتتلمذوا على أعلامهم أمثال: عيسى بن عمر والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأخفش، كما حضر الكوفيون مجالس البصريين وندواتهم في علم النحو وأخذوا عنهم كتاب سيبويه تلقينًا وشرحًا، وانطلق الكوفيون من هذا المصدر البصري يبنون لمذهبهم صرحًا جديدًا[28].
ثانيًا: لهجات عربية معتمدة من قبل البصريين:
تقبل الكوفيون الشواهد اللغوية التي اعتمدها البصريون والتي نقلوها عن القبائل العربية الموغلة في البداوة مثل قيس وهذيل، كما أخذ الكوفيون عن جزء من بني كنانة وبني طيء، وهذه المرونة كما ترى خالصة من شوائب التأثر بالأجنبي لأنها لهجات أهل البوادي والأرياف[29].
ثالثًا: لهجات عربية تحاماها البصريون:
وهي لهجات القبائل العربية المتاخمة للكوفة كتميم وأسد ونزار، وقبائل أخرى جاورت بغداد كأعراب الحليمات الذين ظاهروا الكسائي على سيبويه في المسألة الزنبورية، وكان الفضل في هذا الجمع للكسائي الذي خرج إلى بوادي الحجاز ونجد وتهامة يجمع ما لم يتمكن البصريون من جمعه[30].
وللأمانة العلمية لابد من الإشارة إلى أن الكوفيين لم يكونوا يقبلون كل ما يرفضه البصريون، بل إن الكوفيين اطرحوا لهجات اتسمت بالميوعة اللغوية والبعد عن القياس العربي، من ذلك ما يعرف بعنعنة قضاعة وقيس وتميم، وفحفحة هذيل، وعجعجة قضاعة، وكشكشة ربيعة[31].
رابعًا: الشعر العربي:
وافق الكوفيون البصريين في قبول الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي أضافوا إليه ما كان يرويه كل من خلف الأحمر وحماد الراوية، وتمادى الكوفيون في قبول الشواهد الشعرية، فقد قبلوا البيت المجهول القائل وبنوا بعض قواعدهم على البيت الواحد، وقد ثبت أن خلفا الأحمر كان يصنع الأبيات ويقدمها للكوفيين فيقبلونها ويضعونها شواهد على قواعد لهم[32].
خامسًا: القراءات القرآنية:
قبل الكوفيون كل القراءات ما كان منها متواترًا وما كان شاذًا لأن مذهبهم –كما رأيت من قبل- مبني على التوسع في قبول الرواية، والترخص في الاعتماد على الشواهد ولم يكونوا مثل البصريين الذين خطأوا بعض القراءات ورفضوها وردوها وضعفوها[33].
وفي ختام الحديث عن مصادر الدراسة عند المدارس النحوية لابد من الإشارة إلى قضية هامة وهي أنه لم تؤخذ اللغة عن أهل الحضر، ولا عن القبائل المتاخمة للعجم، فلم تقبل لغة لخم وجذام بسبب قربهما من أقباط مصر، ولا من قضاعة وغسان وإياد لمساكنتهم أهل الشام وقد كانت لغتهم العبرانية ولم تقبل لغة اليمن لمجاورتهم الحبشة، ولا بكر لمجاورتهم الفرس، ولا ثقيف والطائف لأنهم كانوا على اتصال بتجار اليمن[34].
ملخص المحاضرة:
من خلال ما مرّ آنفا علمت أن مصادر الدراسة النحوية عند البصريين هي: القرآن الكريم الشعر العربي الجاهلي و الاسلامي، لغة العرب الفصحاء، و أمثال العرب و حكمهم. و أما مصادر الدراسة النحوية عند الكوفيين فكانت: النحو البصري، لهجات عربية معتمدة من قبل البصريين لهجات عربية تحاماها البصريون، الشعر العربي و القراءات القرآنية.
و الأمر الذي يجب أن يعرف في مصادر الدراسة عند المدارس النحوية القديمة أن اللغة لم تؤخذ عن أهل الحضر، و لا عن القبائل المحاذية للأعاجم
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الثالثة
1. القراءات القرآنية، التواتي بن التواتي.
2. المدارس النحوية أسطورة وواقع، إبراهيم السامرائي.
3. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
4. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
5. مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي.
6. المزهر في علوم اللغة، ج1.
7. نشأة النحو
المحاضرة الرابعة
مناهج المدارس النحوية العربية القديمة
لا شك في أن هذه المدارس النحوية منذ نشأتها كانت تصبو إلى التميز كل واحدة عن الأخرى من خلال مناهج الدراسة وجمع الشواهد اللغوية وصياغة المصطلح العلمي وتقعيد القواعد النحوية ومع كل هذا هناك رابط مشترك لا يمكن أن تنفرد به مدرسة عن أخرى هو رابط الدرس النحوي والبحث في موضوعاته لهذا السبب يمكن لنا أن نقف على المناهج المشتركة بين هذه المدارس التي اعتمدت من قبل الدارسين، وإن كنا سنتعرض لمنهج كل مدرسة على حدة في قابل المحاضرات، ولكن واحتراما للبرنامج الأكاديمي المقرر لا مانع من بلورة أهم الخصائص المتعلقة بمناهج المدارس النحوية فيما يلي:
أولاً: السماع:
يعرف الدكتور علي أبو المكارم السماع بقوله: الأخذ المباشر للمادة اللغوية عن الناطقين بها"[35].
وشرح هذه المقولة يعني أن السماع يقصد به أن اللغوي قد قام بنفسه بعملية الجمع فسمع مباشرة من القبيلة التي يريد تأصيل اللغة منها، وأنه لم ينقل له شخص آخر هذه اللغة، ولقد اعتمد كل من البصريين والكوفيين استقراء اللغة المسموعة، فكما أخذ الخليل بن أحمد البصري اللغة سماعًا عن أهل البادية، فعل كذلك الكسائي الكوفي[36].
ووجه الفرق بين سماع البصريين وسماع الكوفيين أن البصريين ينشدون في سماعهم الكثرة والتكرار ومعرفة القائل، في حين يعتمد الكوفيون في سماعهم على الترخص والإباحة فقد يقبلون الشاهد الواحد، والمجهول القائل[37].
ثانيًا: القياس:
يعرف ابن الأنباري القياس فيقول: " حمل أصل على فرع بعلة، و إجراء حكم الأصل على الفرع "[38].
ومعنى قول ابن الأنباري أن القياس عملية ذهنية يقوم بها دارس اللغة فيطلق حكم المسموع منها على الجديد المستحدث منها، كصوغ اسم الفاعل من كل فعل ثلاثي على وزن (فعل) شعر، شاعر فليس كل أسماء الفاعلين مسموعة من العرب الفصحاء، فجاز أن يقاس على ما سمع ولا غضاضة في ذلك يقول ابن جني: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب"[39].
ولقد اتبع القياس منهجًا من كلتا المدرستين فأول النحو كان قياسًا فلقد قيل عن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وهو من أوائل النحاة "أول من بعج النحو ومد القياس"[40].
ولقد كان القياس عند سيبويه كثيرًا مناطه شيوع الاستعمال وكثرة الاطراد، ويقول في ذلك الدكتور شوقي ضيف: "وطبيعي أن يكثر القياس في كتاب سيبويه كثرة مفرطة لأنه الأساس الذي يقوم عليه وضع القواعد النحوية والصرفية واطرادها هو يعتمد عنده في أكثر الأمر على الشائع في الاستعمال على ألسنة العرب"[41].
ورائد الكوفيين الكسائي كان عماده القياس ومما نظم فيه:
إنمــــــــــا النحــــــو قيــــاس يتبع وبه فـي كل أمـــر ينتفع
فإذا ما أبصر النحو الفتى مر في المنطق مرّا فاتسع[42].
هذا ولابد لك أن تعرف الاختلاف بين قياس البصريين وقياس الكوفيين، فالقياس عند البصريين يستند إلى دقة الملاحظة و نشدان الصحة والشمول، في حين لقد كان الكوفيون متساهلين في أقيستهم فبنوها على الشاذ والنادر، فنتج عن ذلك أن قاموا على غير المسموع وأصروا أن يستنبطوا منه القاعدة.
يقول شوقي ضيف: «.. فقد استخدموا [يقصد الكوفيين] القياس أحيانًا بدون استناد إلى أي سماع، ونضرب لذلك مثلاً قياسهم العطف بلكن في الإيجاب على العطف ببل في مثل "قام زيد بل عمرو" فقد طبقوا ذلك على لكن وأجازوا "قام زيد لكن عمرو" بدون أي سماع عن العرب»[43].
فالمسموع عند العرب الفصحاء استعمال بل في العطف سواء أكان المعطوف قبلها مسموعا بنفي أم كان مثبتًا مثل: حفظت القصيدة بل أبياتًا منها، و"ما حفظت القصيدة بل أبياتًا منها"، وفيما يتعلق بلكن المسموع عنها ألا تكون للعطف إلا إذا سبقت بنفي مثل: ما زرت الكوفة لكن البصرة. ولا يصح زرت الكوفة لكن البصرة لأن العرب لم تنطق به، وأنت ترى الكوفيين قد قاموا على ما لم تنطق به العرب.
ثالثًا: التعليل:
يقصد بالتعليل في النحو التفسير اللغوي للظواهر المستنبطة من كلام العرب وهذه العلل مستنبطة استنباطًا من اللغة وليست بالضرورة واجبة وكما فسرها هذه العالم أو ذاك، وبمعنى آخر علل النحو ليست كعلل الطبيعيات مثل علة الاحتراق النار. إنما هي نتيجة اجتهاد من النحاة للاستدلال على براعة الواضع العربي ودقته وفهمه للغته، يقول أبو القاسم الزجاجي عنها: "أقول أولاً إن علل النحو ليست موجبة وإنما مستنبطة أوضاعًا ومقاييس"[44].
و الحديث عن التعليل النحوي و اشتغال النحاة به منذ فجر الدراسات اللغوية، وعن أنواع العلل وموقف كثير النحاة منها، كل هذا يطول الحديث فيه وقد يستغرق صفحات لا تسمح مثل هذه المحاضرات بها، بيد أننا سنذكر أن التعليل كان دربا متبعا من قبل النحاة منذ القدم مع اختلافهم فيه منهجًا وتحقيقًا.
لقد كان الخليل بن أحمد شغوفا بالتعليل يود أن يدخله في كل ما يتعلق باللغة إيمانًا منه بعبقرية اللغة العربية وحكمة واضعيها، يقول شوقي ضيف: «وكان [أي الخليل] يسند دائمًا ما يستنبطه من القواعد والأحكام بالعلل التي تصور دقته في فقه الأسرار اللغوية والتركيبية التي استقرت في دخائل العرب من قديم[45].
ولما سئل الخليل عن العلل التي استنبطها من اللغة أهي من عند العرب قصدوها قصدًا أم هي من عنده اخترعها اختراعًا، فقال ما نصه: « إنَّ العرب نطقت على سجيتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه...» [46].
ولم يكن سيبويه أقل اهتماما بالتعليل من الخليل بل إن سيبويه حينما يورد الحكم النحوي لا يرى مندوحة عن تعليله، ومن ذلك تعليله لقبول الأسماء التنوين، والذي لم تقبله الأفعال لأنه يرى أن الأفعال تمتاز بالثقل إذا ما قورنت بالأسماء يقول: «واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض، فالأفعال أثقل من الأسماء لأن الأسماء هي الأولى، وهي أشد تمكنا، فمن ثم لم يلحقها تنوين»[47].
ويؤكد شوقي ضيف ولوع سيبويه بالتعليل بل ويراه يعلل لما كان مطردًا من كلام العرب ولما لم يكن كذلك "وتكثر التعليلات في كتاب سيبويه كثرة مفرطة، سواءً للقواعد المطردة أو للأمثلة الشاذة ... بل يعلل أيضًا لما يخرج على تلك القواعد"[48].
وإذا تصفحنا كتاب (معاني القرآن) للفراء الكوفي فإننا نصادف كثيرًا من التعليلات التي تصل إلى حد الغموض، وفي هذا الكتاب بالذات يفصح الفراء عن معارضته لآراء البصريين وتعليلاتهم من ذلك رفضه لرأي الخليل في لفظة (هلم) التي يراها مركبة من "هاء التنبيه" والفعل (لُمَّ)، تقول الدكتورة خديجة الحديثي: «ومن ذلك موقفه المخالف للخليل في تفسير بعض الكلمات الجامدة مع قولهما معًا بتركيبهما إلا أنهما اختلفا في التحليل فذهب الخليل في "هلم" أنها مركبة من "ها التنبيه" والفعل "لُمَّ" وذهب الفراء إلى أن أصلها "هل أم" من الفعل بمعنى "قصد" وفي هذا التحليل غموض في المعنى وإغراق في تفسير الحذف وتأويل المعنى"[49].
رابعًا: الرواية
يعقد الدكتور علي أبو المكارم شبه مقارنة أو قل مقارنة جزئية أظهر فيها الفرق بين السماع والرواية، فالسماع كما تحدثنا عنه من قبل هو أخذ النحوي اللغة من العرب مباشرة وأما الرواية فهي أخذ النحو اللغة بطريقة غير مباشرة، فلربما يأخذ اللغة عن نحوي غيره، أو يجد الرواية في مصنف من المصنفات، أو في أحد كتب النحو، كما يتجلى الفرق بين السماع والرواية في أن السماع محدود في الزمان بمعنى أن العالم يأخذ اللغة الراهنة في عصره، بيد أن الرواية يمتدّ زمنها في القدم كثيرا فقد يروى للنحوي في عصره لغة سبقت عصره بكثير. وأنت ترى تشابك المعنيين ببعضهما وفيما قدمناه لك كفاية لمعرفة الفرق، ويمكن القول هنا إن كل رواية سماع وليس كل سماع رواية، فالسماع كل ما نقل عن العرب مباشرة أو غير مباشرة وأما الرواية فهي النقل غير المباشر.
يقول الدكتور علي أبو المكارم مفرقًا بين السماع والرواية: "وأما ما يرويه [عالم] عن عالم آخر أو عن جيل سابق من العلماء، أو عن مصنف من المصنفات اللغوية أو كتاب من كتب النحو، فلا نعده سماعًا وإنما نعده رواية"[50].
تعامل البصريون مع الرواية كتعاملهم مع القياس من حيث التشدد في التدقيق والتمحيص ولربما كان الأمر أكثر حدة في الرواية منه في القياس لأن الرواية هي معين الشواهد التي يتحراها البصريون فلا يتسامحون البتة مع أدنى شك من وجوه النحل أو الوضع في الرواية، ولقد شبههم الدكتور التواتي بن التواتي في تعاملهم مع رواة اللغة كتعامل الفقهاء مع رواة الحديث وأنت تعلم مدى دقة الفقهاء في هذا العلم.
يقول الدكتور التواتي بن التواتي: «كانوا [يقصد البصريين] لا يطمئنون إلى كل رواية ترد عن العرب في الجاهلية إلا بعد تدقيق وتمحيص فوضعوا مقاييس لتصحيح هذه الروايات الواردة عن العرب، فكان منهجهم في الدقة والتشدد كالمنهج الذي اتبعه علماء الحديث أو أشد وكانوا يرفضون كل ما شذ من الروايات»[51].
وكان ابن جني قد اتخذ الرواية ظهيرًا على صحة آرائه فهو يروي عن سيبويه وعن الفارسي وغيرهما فيستشهد بالأشعار والقصص التي يحفظها، وكان يتتبع في كل ذلك أسلوبًا استطراديًا ينتقل به من علم إلى علم ومن فن إلى فن حتى شبهه الدكتور محمد علي النجار في تحقيقه لكتاب الخصائص في الاستطراد بالجاحظ. يقول: «يكثر ابن جني من الرواية عن غيره، فهو ينقل عن سيبويه وعن أستاذه أبي علي، وعن غيرهما من علماء البلدين، وهو يستشهد بالشعر والقصص، ويجول في فنون المعرفة، ويستطرد لما هو سبيله وهو يدنو في هذا بعض الشيء من الجاحظ»[52].
ولقد كان الكوفيون أكثر رواية من البصريين لأن الكوفيين يمتلكون مخزونًا شعريًا كبيرًا الأمر الذي شغلهم عن النحو لزمن غير قصير، غير أن هذه الكثرة الكاثرة من الأشعار ليست في مستوى واحد من الصحة، فكثير منها مصنوع منحول أو منقول عن آخرين.
قال الشيخ محمد الطنطاوي: «قال أبو الطيب الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله»[53].
وبين يدي حديثنا عن الرواية لابد من التذكير بأنها لم تسلم من بعض التغيير أو الزيادة أو النسيان من قبل الرواة هذا قبل عصر التدوين، وأما بعد عصر التدوين لم تسلم من التصحيف والتحريف.
"وقد تأثرت المرويات في مرحلة ما قبل التدوين ببعض المؤثرات في السماع ... فلم يكن الرواة جميعًا على قدر واحد من حيث قوة الحفظ ودقته، وأما بعد عصر التدوين فقد تأثرت المرويات وبخاصة الشعر بظاهرة أخرى نتجت عن التدوين ذاته وهي ظاهرة التصحيف"[54].
على أننا في هذا الأمر المتعلق بما اتصل بالرواية من تغير أو زيادة أو تصحيف أو تحريف، لا ننساق وراء الحملات المغرضة التي شنها نفر من المستشرقين الحاقدين على اللغة العربية والدين الإسلامي الذين زعموا أن هذا التحريف والتصحيف قد مس كذلك القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ومن أمثال هؤلاء (شارل بلا) و(جولد تسهير) و (ثيودور نولدكه) و(فرانتز) يقول المستشرق (شارل بلا) مستدلاً على عدم أمانة الرواية في العصر العباسي: «ونحن نعجب - دون الدخول في التفاصيل - من ضعف أمانة الرواة زمن الجاحظ ... إن الجاحظ نفسه لم يشذ عن هذا الإغراء أو هذه اللذة السقيمة التي يوفرها الكذب، فهو قد اعترف في سنّ تحتّم عليه الصراحة أنه ربما ألف الكتاب المحكم المتقن في الدين والفقه والرسائل والسيرة والخطب والخراج والأحكام وسائر فنون الحكمة ونسبه إلى نفسه»[55].
ومن الذين تصدوا لمثل هذه الحملات الحاقدة الدكتور علي أبو المكارم الذي يثبت وبكل روح موضوعية براءة القرآن الكريم من هذا التحريف والتزييف والتصحيف والتحريف.
يقول: «فإن القرآن قد برئ تمامًا مما أصاب هذه المرويات إذ دون منذ عهد النبي – صلى الله عليه وسلم- وجمعت المدونات في مصحف واحد على عهد أبي بكر، وتم نشر هذا المصحف في الآفاق على عهد عثمان»[56].
ملخص المحاضرة:
من مناهج المدارس النحوية العربية القديمة: السماع، القياس ، التعليل و الرواية و لقد عرفت شيئا من اختلاف المدارس القديمة حول هذه المناهج... فسماع البصريين ليس كسماع الكوفيين . البصريون ينشدون الكثرة و التكرار و معرفة القائل، و الكوفيون يقوم سماعهم على الترخص
و الإباحة فقد يقبلون الشاهد الواحد و المجهول القائل.. و أما القياس فلقد رأيناه عند البصريين مستندا على دقة الملاحظة و تحري الصحة و الشمول، في حين كان قياس الكوفيين يطبعه التساهل إذ بنوا قواعدهم على الشاذ و النادر.... و أما التعليل فلقد سجلنا ولوع كلا الفريقين به إلا أن تعليل البصريين كان صادرا عن اللغة في حد ذاتها فسروا به ما فهموه من علل العرب في كلامهم دون الخروج عن مجال اللغة و أما الكوفيون فقد كان تعليلهم مطبوعا بالغموض أحيانا مثلما هو
( معاني القرآن ) للفراء...و فيما يتعلق بالرواية فلقد الكوفيون أكثر رواية للشعر من البصريين.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الرابعة
1. أصول التفكير النحوي، علي أبو المكارم.
2. لمع الأدلة، ابن الأنباري.
3. الخصائص، بن جني.
4. طبقات فحول الشعراء، ابن سلام الجمحي.
5. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
6. الإيضاح في علل النحو، الزجاجي.
7. الإيضاح في علل النحو، الزجاجي.
8. الكتاب، سيبويه، ج1.
9. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
10. أصول التفكير النحوي.
11. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
12. نشأة النحو.
13. الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، شارل بلا، ترجمة إبراهيم الكيلاني.
المحاضرة الخامسة
المدارس النحوية في المشرق والمغرب العربيين
"جدلية الإنكار والإثبات"
دائمًا في سبيل الالتزام بالبرنامج المقرر آثرنا الحديث إجمالاً عن المدارس النحوية في الأقطار ابتداءً من مناقشة مسألة مهمة تثار في هذا المقام، من خلال مجموعة من الأسئلة تكون أجوبتها – إن شاء الله- مادة لهذه المحاضرة، وإن على سبيل العموم والإجمال لأننا سنشير في النصف الثاني من هذه المحاضرة إلى أسماء هذه المدارس بصفة مختصرة وتلك الأسئلة نذكرها فيما يلي:
- هل استعمل مصطلح المدارس النحوية قديمًا؟
- من هم أول من استعمل هذا المصطلح؟
- هل هناك اتفاق على وجود هذه المدارس؟
- ماهي أهم المدارس النحوية التي أجمع عليها المعترفون بوجود هذه المدارس النحوية؟
لم يستعمل الدارسون القدامى مصطلح مدرسة، ولم يعبروا بهذا المعنى إطلاقًا، ونجدهم إذا أرادوا التفريق بين النحاة يضيفونهم إلى أقطارهم، فيقولون أهل البصرة وأهل الكوفة، والمعروف أن لفظة (أهل) لا ترتبط بقريب معنى ولا بعيده بلفظة مدرسة. أو يقولون البصريون والكوفيون.
تقول الدكتورة خديجة الحديثي: «ونلاحظ من هذه التسميات أنه [تقصد أبا الطيب اللغوي صاحب كتاب مراتب النحويين] يسمي نحاة الكوفة "الكوفيين" أو أهل الكوفة ويسمي نحاة البصرة "أهل البصرة" أو البصريين...» [57].
وإذا ما تقدمنا في الزمن فإننا نجد لفظة (مذهب) قد استعملت عند ابن الأنباري صاحب (الإنصاف في مسائل الخلاف) وأن لفظة (مذهب) تقترب شيئًا من مصطلح مدرسة. يقول ابن الأنباري في مقدمة كتابه الإنصاف: «وذكرت من مذهب كل فريق ما اعتمد عليه أهل التحقيق، واعتمدت في البصرة على ما أذهب إليه من مذهب أهل الكوفة أو البصرة على سبيل الإنصاف»[58].
وإذا تقدمنا عن زمن ابن الأنباري بقرنين، نجد الإمام الذهبي لم يستعمل لا لفظة (أهل) ولا (مذهب) ولا (مدرسة) إنما يصف من ترجم له من النحاة ببلدانهم أو أقطارهم التي عاشوا فيها فحينما يتكلم عن الخليل يقول: «الإمام، صاحب العربية ومنشئ علم العروض أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري»[59].
ولما ترجم للكسائي الكوفي قال: «الإمام شيخ القراءة والعربية أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن يهمن بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفي الملقب بالكسائي» [60].
وأمّا مصطلح (مدرسة) فقد كان أول من استعمله المستشرقون في العصر الحديث تؤكد ذلك الدكتورة خديجة الحديثي: «كان المعاصرون أول من استعمل كلمة (مدرسة) قال بروكلمان وقد قسم علماء العربية مذاهب النحو إلى ثلاث مدارس: البصريون والكوفيون ومن مزجوا بين المذهبين من علماء بغداد ويبدو أنه عني بـــ: (مدرسة) مجموعة النحاة الذين كانوا ينسبون إلى بيئة نحوية واحدة»[61].
ثم اعتُمد هذا المصطلح (المدارس النحوية) من قبل مجموعة من الدارسين العرب المحدثين إذ أصدر الدكتور مهدي المخزومي كتابًا سماه: "مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو"، كما ألف الدكتور شوقي ضيف "المدارس النحوية"، وألفت الدكتورة خديجة الحديثي موسوعة عنونتها بــ "المدارس النحوية"، وأصدر الدكتور التواتي بن التواتي مختصرًا أطلق عليه: "المدارس النحوية".
وبعد مناقشتنا لفكرة استعمال مصطلح (المدارس النحوية) وتأكيدنا أن أوائل المستعملين لهذا المصطلح كانوا من المستشرقين في العصر الحديث ومجموعة من الدارسين العرب المعاصرين.
سنتطرق إلى مناقشة رأي آخر يتعلق بمدى اتفاق الدارسين العرب المعاصرين على وجود هذه المدارس أو عدم وجودها، إذ تذكر لنا المراجع أن هناك بعض المتحفظين على واقعية هذا المصطلح لأنهم يشككون في وجود هذه المدارس أصلاً، وستكون مناقشتنا لهذه المسألة بعرض رأي المنكرين لوجود هذه المدارس وتعزيزه بحججهم التي استدلوا بها على ذلك، ثم بعرض المثبتين لوجودها مع حججهم على ذلك، ثم نحاول التوفيق بين هذين الرأيين.
أولاً: المنكرون للمدارس النحوية
التزاما منا بالأمانة العلمية وطلبًا للدقة المنهجية لابد أن نذكر أن منكري هذه المدارس النحوية يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة اتجاهات:
- اتجاه لا يؤمن بوجود هذه المدارس إطلاقًا.
- اتجاه ثانٍ يقرّ بوجود مدرسة واحدة أو اثنتين لا أكثر.
- اتجاه ثالث يرفض اعتبار الجانب الجغرافي أصلاً معيارًا لهذا التقسيم.
وسنتعرض لكل اتجاه بصفة مختصره:
الاتجاه الأول:
يرفض بعض الدارسين القبول بوجود هذه المدارس النحوية لأن النحو العربي واحد واختلاف العلماء كان في الأصول لا الفروع، يذكر هذا الدكتور إبراهيم السامرائي في قوله: «وقد أنكرت أن يكون مدرستان هما المدرسة البصرية والكوفية فالنحو القديم واحد وإن كان هناك من شيء فاختلاف اللاحقين ممن دعوا بالكوفيين عن المتقدمين من البصريين لمسائل تتصل كما أشرت بالفروع لا بالأصول»[62].
ومن خلال تصفحنا لكتاب أصول التفكير النحوي لعلي ابن المكارم، ومراجعة مقدمته وخاتمته، وتتبع المباحث فيهما ومتابعة فهارس الكتاب استنتجنا أن الكاتب لا يعترف بوجود هذه المدارس البتة، فمرة يصف الاختلاف الدائر بين النحاة وصفًا تاريخيًا، فيأتي على ذكر المراحل، فيقول المرحلة الأولى والثانية والثالثة، وفي أخرى يصنفهم إلى اتجاهات لكننا لم نعثر على استعماله لمصطلح (مدرسة نحوية) وعلى سبيل المثال عندما كان بصدد دراسة مبحث تطور التعليل النحوي، نجده قسم ذلك التطور إلى مراحل.
يقول: «المرحلة الأولى وهي مرحلة نشأة التعليل النحوي، ويمكن أن يعد أباها الشرعي عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وتنتهي هذه المرحلة بالخليل بن أحمد الفراهيدي»[63].
وعن المرحلة الثانية يقول: «وتبدأ هذه المرحلة بتلاميذ الخليل بن أحمد وتنتهي بالزجاج أي أنها تمتد من أوائل القرن الرابع الهجري»[64].
ويقول عن المرحلة الثالثة من التعليل: «تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل التطور في التعليل النحوي بعد الزجاج وعلى وجه التحديد تبدأ بابن السراج أبي بكر محمد بن السري»[65].
فلقد ألفيناه عند ذكر هذه المراحل والتي بدأت من القرن الأول الهجري ووصلت إلى القرن الرابع يتحامى تصنيف آراء النحاة وتطور التعليل إلى مدارس نحوية، كما ينكر الدكتور التواتي بن التواتي إنكارًا صريحًا وجود هذه المدارس لكنه يتراجع قليلاً فيصرح بأنه يقبل ذلك بتحفظ وعلى مضض لأن الدارسين دأبوا على إثابتها.
يقول: «إن البصريين ذهبوا إلى أن الاسم مشتق من (السمو) وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من (الوسم)، لهذا ليس بخلاف تبنى عليه مدرسة ... ومهما يكن فإن العرف عند مؤرخي النحو دأب على أن هناك مدرستين نحويتين تختلفان في المنهج والتحليل والمصطلح غير أننا نقبل بوجودهما بكل تحفظ ...»[66].
الاتجاه الثاني:
وهو الذي لا يعترف إلا بمدرسة أو اثنتين وينكر غيرهما، و رأي أصحاب هذا الاتجاه يتلخص في أن النحو بدأ بصريًا ثم نضج كوفيًا، وما بعدهما ما هو إلا امتداد لهاتين المدرستين، أو هو في الأساس امتداد لمدرسة واحدة في المدرسة البصرية تنقل لنا هذا الرأي الدكتورة خديجة الحديثي بأن المستشرق "جوتولد فايل" هو أول من اعترف بمدرسة البصرة لوحدها وأنكر مدرسة الكوفة و تبعه في ذلك دارسون عرب: «.. فقال بعضهم أنه لا توجد إلا مدرسة نحوية واحدة هي مدرسة البصرة وأنكروا وجود مدرسة باسم الكوفة وقد سبق إلى القول بهذا "جوتولد فايل»[67].
وإن المتصفح لكتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف) لابن الأنباري ليجد كل المسائل المعتمدة من قبل الكاتب تتعلق بمدرستين اثنتين هما البصرة والكوفة، علمًا أن ابن الأنباري قد توفي في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، بل وحتى العنوان يحيل على هذا الرأي (الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين، البصريين والكوفيين).
الاتجاه الثالث:
وهذا الرأي يرفض اعتبار الجانب الجغرافي معيارًا لتقسيم النحو إلى مدارس، ويرى بدلاً عنه الرابط الفكري المتمثل في الاصطلاح والمنهج.
يقول الدكتور أحمد مختار عمر: «فنحن لا نوافق على اتخاذ المعيار الجغرافي أساسًا لتقسيم العلوم إلى مدارس فكرية مختلفة»[68].
ودليل ثان على رفض الدكتور أحمد مختار عمر هو تشكيكه في وجود هذه المدارس إذ عنون أحد مباحث كتابه بهذا السؤال:"هل وجدت مدارس نحوية عند العرب؟"[69]
كما يرى هذا الرأي سعيد الأفغاني منها: الذين يرفض اعتبار المعيار الجغرافي معيارًا للمدارس النحوية. يقول: «.... العلماء على أن هناك مذهبًا بصريًا وآخر كوفيًا... والمعالم الآنية ليست جامعة مانعة فليس هناك قاعدة أجمع عليها نحاة البصرة وتواتر على معارضتها نحاة الكوفة وقال بها الآخرون جميعا وعارضها الأولون جميعًا»[70].
حجج المنكرين:
- أنّ الاختلاف بين هؤلاء النحاة كان في الفروع لا الأصول.
- أن مصطلح مدرسة مجتلب أساسًا من العلوم الغربية والدليل على ذلك أن أول المستعملين لهذا المصطلح هم المستشرقون.
- أن النحاة يأخذون عن بعضهم من قطر إلى قطر فلا يسمح بتميز نحاة كل إقليم عن غيره.
- أن الاختلاف يكون بين نحاة الإقليم الواحد فقد اختلف البصريون فيما بينهم كما اختلف الكوفيون.
- أن نشأة النحو كانت بالبصرة ومن أتى بعد ذلك من العلماء كانوا عالة على نحاتها.
- إن بعض الأقاليم أقامت نحوها على انتخاب ما ترتضيه من آراء غيرها مثل مدرسة بغداد في نظرهم ليست مدرسة لأنها مزجت بين آراء البصريين والكوفيين.
ثانيًا: المثبتون للمدارس النحوية:
يرى كل من بروكلمان ومهدي مخزومي أن عدد المدارس النحوية ثلاث مدارس هي:
المدرسة البصرية
والمدرسة الكوفية
والمدرسة البغدادية
ويضيف طه الراوي ومحمد أسعد طلس مدرسة رابعة هي:
المدرسة الأندلسية[71].
والمدارس النحوية عند شوقي ضيف خمس مدارس المذكورة آنفًا ويضيف لها المدرسة المصرية[72].
ويرى الدكتور التواتي بن التواتي عدد المدارس ثلاثًا: المدرسة البصرية، المدرسة الكوفية، المدرسة الأندلسية[73].
وهذا الرأي لأحمد أمين الذي يقر بوجود ثلاث مدارس نحوية: البصرة، الكوفة وبغداد[74].
وأمّا الدكتورة خديجة الحديثي فقد كان رأيها حيال هذه الفكرة غامضًا وعلى الرغم من تأليفها لهذه الموسوعة النحوية المعنونة بالمدارس النحوية، وردّها على بعض المنكرين لوجود هذه المدارس، فإن المتصفح لكتابها هذا يجد أنها تخلط بين المصطلحين فعن البصرة والكوفة استعملت مصطلح المذهب النحوي في البصرة، المذهب النحوي في الكوفة، ثم استعملت مصطلح مدرسة بغداد النحوية، مدرسة مصر النحوية، ثم عنونت النحو في الأندلس، النحو في بيئات أخرى[75].
من حجج المثبتين :
- اختلاف هذه المدارس في المصطلح .
- اختلاف هذه المدارس في المنهج.
- آراء العلماء في هذه الاتجاهات تؤسس إلى اسقلال كل فريق بمدرسته.
- إجماع نسبي من الدارسين على وجود هذه المدارس.
ومن الآراء التي اتسمت باختلافها عن غيرها آراء الدكتور محمد المختار ولد اباه من خلال كتابه: "تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب"الذي وجدناه مستقلاً بنظرات خاصة حيال هذه المدارس، فإذا تصفحنا فهرسة الكتاب فإنه لم يستعمل مصطلح مدرسة مع نحاة البصرة، وفي حديثه عن النحو الكوفي تعرض لمبحث وعنونه بــ: "شيوخ مدرسة الكوفة".
ثم تفادى لفظة "مدرسة" واستعمل بدلها لفظة "مذهب".في عنوان: " الوصل والفصل بين مذهبي البصرة والكوفة"
ثم يذكر: ترسيخ المذهب البصري عند أتباع الأخفش.
ثم يتخلى عن مصطلح مدرسة إلى أن يصل إلى نحاة الأندلس، ليخالف دارسي النحو، فيستعمل: "مدرسة ابن مالك النحوية"
... ومعلوم أن ابن مالك معدود في المدرسة الأندلسية، ويبدو أنه يرى في ابن مالك أنه زعيم مدرسة تعدّت جغرافيا الأندلس إذ يعقد مبحثًا بعنوان: "نحو ابن مالك في المدارس المصرية".
ثم يعود إلى المغرب الإسلامي فيضع عنوانًا: "مدرسة ابن مالك في الزوايا المغربية".
ليصل محاضر شنقيط فيخصص الباب الرابع كله لهذه المحاضر، والغريب أنه يضع تحت هذا الباب مدارس أخرى فيذكر: "المدرسة البونية". نسبة لعبد الودود بن عبد الله بن بونا. ليتبعها بمدرسة:" ولاته النحوية" نسبة لمحمد بن يحي الولاتي. ثم مدرسة:" ابن عبدم الفاضلي". ثم :"مدرسة محمد بن فال". ثم: "مدرسة يحظية بن عبد الودود". وأخيرًا:" مدرسة آل بيّه" .
و بعد ذلك يكف عن استعمال "مدرسة" في القسم الرابع المعنون بــ: "النحو في العهد المعاصر"[76]. ثم يمضي في أبوابه نابذا من ورائه مصطلح مدرسة.
والغريب في رأي الدكتور المختار ولد اباه أنه في مقدمة هذا الكتاب يقسم النحو بمعيار العصر وليس بمعيار المكان فيضع مبحثًا بعنوان العصور النحوية وفيه:
عصر النشأة و التأسيس: (القرن الثاني الهجري، الشطر الأخير).
عصر التدوين والتصنيف:(القرن الثاني الهجري).
عصر البناء والتحصيل (القرن الثالث).
عصر الحصر والتنظيم ( القرن الرابع).
عصر التأصيل و التقويم ( القرن الخامس والسادس)
عصر التصحيح و التثبيت ( القرن السابع و ما بعده) [77].
ومن خلال تتبعنا لهذا التعميم في استعمال مصطلح (مدرسة) عند الدكتور المختار ولد اباه تبين لنا أنه لا يقصد المعنى الاصطلاحي للفظة (مدرسة) في أغلب الأحيان إنما كان القصد منه في استعمال كلمة (مدرسة) مكان الدراسة والذي هو في الغرب الإسلامي الزوايا والمحاضر على العموم.
ملخص المحاضرة:
لقد ألفينا خلافا بين كثير من الدارسين حول وجود هذه المدارس من عدمه و كان لكل فريق حججه فمن حجج المنكرين:
- الاختلاف بين هؤلاء النحاة كان في الفروع لا الأصول.
- أن مصطلح مدرسة مجتلب أساسًا من العلوم الغربية والدليل على ذلك أن أول المستعملين لهذا المصطلح هم المستشرقون.
- أن النحاة يأخذون عن بعضهم من قطر إلى قطر فلا يسمح بتميز نحاة كل إقليم عن غيره.
- أن الاختلاف يكون بين نحاة الإقليم الواحد فقد اختلف البصريون فيما بينهم كما اختلف الكوفيون.
- أن نشأة النحو كانت بالبصرة ومن واصله بعدها من العلماء كانوا عالة على نحاتها.
إن بعض الأقاليم أقامت نحوها على انتخاب ما ترتضيه من آراء غيرها مثل مدرسة بغداد في نظرهم ليست مدرسة لأنها مزجت بين آراء البصريين والكوفيين
من حجج المثبتين :
- اختلاف هذه المدارس في المصطلح .
- اختلاف هذه المدارس في المنهج.
- آراء العلماء في هذه الاتجاهات تؤسس إلى استقلال كل فريق بمدرسته.
- إجماع نسبي من الدارسين على وجود هذه المدارس.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الخامسة
1. أصول التفكير النحوي.
2. الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، ج1.
3. البحث اللغوي عند العرب.
4. البحث اللغوي عند العرب.
5. تاريخ النحو العربي.
6. ضحى الإسلام، أحمد أمين، ج2.
7. العقد الثمين في تراجم النحويين، الذهبي، دار الحديث.
8. فهارس تاريخ النحو العربي.
9. فهرس المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
10. فهرس المدارس النحوية، شوقي ضيف.
11. في أصول النحو.
12. المدارس النحوية، إبراهيم السامرائي.
13. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
14. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
المحاضرة السادسة
المدرسة البصرية، منهجها، أعلامها
مدرسة البصرة:
أسس المسلمون البصرة وأنشأها الصحابي عتبة بن غزوان باقتراح من الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- في (14) الهجرية، تقع البصرة في الجنوب الشرقي من بلاد العراق، لها أهمية كبيرة منذ قديم الزمان لتربعها على ضفاف نهري دجلة والفرات وتموضعها على البوابة البحرية لهذين النهرين، كما كانت منطلق الحضارة العربية وامتزاجها بالحضارات الإنسانية. والعرب الذين استقروا بها كانوا ذوي ميولات بدوية، فاتصلوا هناك بشعوب مختلفة وثقافات شتى فأثروا وتأثروا[78].
مقوماتها العلمية والثقافية:
بالإضافة إلى أهمية الموقع الجغرافي للبصرة والتنوع العرقي والامتزاج الثقافي بها، فإن لها مقومات أخرى جعلت منها أشهر مدينة عراقية في العصر الراشدي ومن تلك المقومات نذكر:
- سوق المربد:
ولقد تكلمنا عن هذه السوق أثناء مناقشتنا لأسباب ظهور المدارس النحوية ونضيف على ذلك أنها في الأصل سوق تجارية، وقد كان يباع فيها الإبل والغنم، والمربد في أصلها اللغوي الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم، وهذه السوق شبيهة بسوق عكاظ التي كانت في الحجاز إبان العصر الجاهلي، وبالإضافة إلى التجارة كانت المربد ملتقى لرواة الشعر، والقصاص أو الشعراء، والخطباء واللغويين يلقون على جموع الناس بضاعتهم الأدبية واللغوية، ويستعرضون مواهبهم وكفاءتهم أمام الناس، فيتعدى صيتهم البصرة وضواحيّها فيشتهر كل من نال إعجاب الناس ورضاهم، وهكذا كانت هذه السوق مصدرًا ثقافيًا هامًا ورافدًا من روافد اللغة العربية[79].
- المسجد الجامع ومجالسه:
بعدما أنشأ الصحابي عتبة بن غزوان – رضي الله عنه- مدينة البصرة كما أشرنا كان أول ما قام بتأسيسه المسجد الجامع في قلب مدينة البصرة غير بعيد عن مساكن الناس وطرقاتهم، فكانت بالطبع تقام فيه الصلوات، إضافة إلى مجالس القوم في أمور دينهم ودنياهم، مثل إعلامهم بشؤون الخلافة من حرب وسلم وجهاد، ولم يخل هذا المسجد الجامع من حلقات القراء والقصاص واللغويين ومن تلك المجالس نذكر:
- مجلس الحسن البصري (110ه):
اشتهر الحسن البصري بقراءته على طريقة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- والتي من أسسها الاهتمام بالتفسير والاستشهاد باللغة، فأقبل عليه الناس ينهلون من هذه الطريقة في القراءة ويستزيدون من لغة العرب وأشعارها.
- مجلس واصل بن عطاء (131ه):
كان واصل بن عطاء في بادئ أمره مريدًا من مريدي مجلس الحسن البصري، لكن واصلاً كان ميالاً إلى الجدل والاعتداد المفرط بالعقل فكان هذا إرهاصًا لظهور الاعتزال لديه، فشكل واصل مجلسًا مستقلاً كان له مريدوه.
- مجلس أيوب بن أبي غنيمة السختياني:
كان ثقة في الحديث ورعًا زاهدًا متدينًا فقيهًا، شرح أحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم بأسلوب جلب إليه كثيرًا من الناس.
- مجلس حماد بن سلمة (165ه):
اشتهر بالفصاحة ورواية الحديث من خلال الاعتناء بألفاظه وسنده وتفسير معانيه وأحكامه وكان يعدّ من أوائل النحاة[80].
فالمسجد الجامع إذًا و مجالس العلماء والفقهاء واللغويين جعلت البصرة حاضرة من حواضر العلم والمعرفة، وخاصة النحو واللغة.
منهج المدرسة البصرية:
لقد تكلمنا في المحاضرة الرابعة بصفة غير مفصلة عن مناهج المدارس النحوية القديمة، وتعرضنا إجمالاً إلى مباحث شتى كالسماع والقياس والتعليل والرواية.
وفي هذا المبحث سنقف عند خصائص المنهج عند كل مدرسة ليبرز أهم المميزات التي تمتاز بها كل مدرسة على حدة، لأن هذا سيمكّننا من التأكيد أن هذه المدارس النحوية لم تكن مجرد أسماء على مسميات إنما كانت تختلف في جوهر مهم هو منهج الدراسة، فما هو منهج المدرسة البصرية وماهي خصائصه؟
1- السماع:
إنَّ التأسيس لقواعد النحو عند البصريين أمر ذو شأن عظيم لا يمكن أن يصدر عن عقل عالم منفردا مهما كانت درجة رسوخه في اللغة العربية و إحاطته بلهجاتها ومعرفة الأصيل من الدخيل منها، بل لابد من نقل يعضد هذه المعرفة اللغوية حتى تتضح الحجة ويقوى الدليل، فمنهج السماع عند البصريين ليس سماعًا عاديًا يقبل الأثر الواحد أو الأثرين إنما يجب في هذا الأثر أن يطّرد في استعمالات لغوية شتى تتساوق معها الأشباه والنظائر اللغوية، فما اتسم بالقلة والندرة وإن كان قائما رد لعدم كثرته وتواتره، فوصفوه بالنادر والشاذ، وما كانوا يتشبثون بلغة قبيلة واحدة ولو شاع الاستعمال لديها إنما فرضوا على منهجهم في السماع من قبائل اشتهرت بالفصاحة و انعزلت في البادية فلم تلوث لغاتهم برطانة الأعاجم، فأخذوا عن هذيل وكنانة وعن طائفة من الطائيين لتوغلهم في البادية وتفردهم في أقاليم منيعة عن الأعاجم، فلم يسمعوا من قبائل كانت مظنة التأثر بالأجنبي كقبلتي لخم وجذام لمجاورتهم القبط، وما سمعوا عن قضاعة ولا غسان ولا إياد لمجاورتهم الروم بالشام ولا من بكر لقربهم من النبط والفرس[81].
2- القياس:
إن كلام العرب لا يمكن أن يستوعبه السماع جملة وتفصيلاً فليس كل الأفعال المستعملة في اللغة العربية نطقها العرب الأوائل ولا كل الفاعلين ولا كل المفعولين، لهذا كان لابد من النظر في منهج ثانٍ بعد السماع يؤسس للقاعدة النحوية معززًا بالحجة مدعوما بالدليل ذلك المنهج هو القياس الذي بواسطته أضيفت مادة لغوية جديدة على ما هو مسموع ومنقول عن العرب وفي ذلك يقول السيوطي: «ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب يقال: ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول وإنما سمعت البعض فقست عليه، فإذا سمعت "قام زيد" أجزت ""ظرُف بشر" و"كرُم خالد"»[82].
إذًا فالقياس عمل يقوم به النحاة من تلقاء فكرهم وفهمهم للغة العرب فينشئون قواعد النحو انطلاقًا من عرض ما عنّ لهم من استعمالات لغوية جديدة على ما سمع عن العرب من لغتهم القديمة.
تقول الدكتورة منى إلياس: «إذا أخذنا القياس في أبسط معانيه تبين لنا أنه عملية فكرية يقوم بها الإنسان الذي ينتمي إلى جماعة لغوية، ويجري بمقتضاها على الاستعمال المطرد في هذه الجماعة، وهذه حقيقة من حقائق الإجماع اللغوي التي تبني عليها الاستعمالات اللغوية[83].
ولقد ذكرنا من قبل شدة ولوع أوائل النحاة البصريين بالقياس واستدللنا على ذلك بعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي الذي قيل عنه إنه أول من بعج النحو ومد القياس والعلل، ولما جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي اعتمد الدقة في القياس بغية استنباط قواعد النحو و تعليلاته.
تقول الدكتورة منى إلياس: «يعتبر الخليل بن أحمد على ما نعته ابن جني كاشف قناع القياس في علمه كما أجمع مترجموه على وصفه بأنه كان الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله»[84].
ويمكن تلخيص خصائص القياس عند نحاة البصرة بأنهم تعمقوا فيه واتخذوه ملاذا لا مندوحة عنه فقد يقيسون على الكثير الكثير من لغة العرب فيضعون القاعدة، وإلا فعلى القليل، فإن لم يجدوا قاسوا على النادر، ولربما اعتمدوا على الأشباه والنظائر[85].
وأخيرًا لابد أن تعرف عن قياس البصريين أنه يتحرى الظواهر العامة المعلومة في اللغة، ويأتي بعد ذلك النظر في الظواهر النادرة والشاذة والتي كانت في معظمها نرد إلى لهجات العرب[86].
3- التعليل:
يعرّف الدكتور علي أبو المكارم التعليل بقوله: «وهكذا كان التعليل بمثابة تفسير للقواعد النحوية، يهدف إلى توضيح القاعدة بالكشف عن مبرراتها»[87].
ويقول الدكتور محمد الأشقر في كتابه معجم علوم اللغة "العلة هي سبب الظاهرة النحوية"[88].
إذًا فالتعليل أو العلة في النحو هو منهج يهدف إلى تفسير الظاهرة النحوية كما فهمها النحاة معتمدين في ذلك على إسناد فهمهم إلى قوانين العقل والمنطق.
وعلل النحو مختلفة ومتشابكة أنواعها ومضامينها بالنظر إلى المعاني النحوية المراد تفسيرها، فإذا أردنا الحديث عن أنواعها من حيث أهميتها وقوتها نجد النحاة قسموها إلى ثلاثة أقسام:
أ- العلة التعليمية:
والمراد بها الكشف عن خصائص اللغة العربية من خلال علاقة الكلم بعضه بعض بغية الإلمام بهذه العلائق المعنوية بين تراكيب الكلام مثل: قام زيد، زيد: فاعل مرفوع، لأنه هو من قام بالفعل فوجب رفعه لاطراد الرفع مع معنى الفاعلية، وسمي هذا النوع العلل الأُوّل.
ب - العلة القياسية:
يقصد بها تفسير الظاهرة النحوية وإبداء جوانب الحكمة في كل ذلك من قبيل: لماذا جاء الفاعل مرفوعًا والمفعول منصوبًا. عللوا ذلك بأن الفاعل وروده قليل في كلام العرب، فوضعوا علامة الرفع وهي الضمة الموصوفة بالثقل، فجعلوا الثقيل مع القليل طلبًا للاتزان اللغوي، و المفعول وروده كثير جدًا والفتحة أخف من الضمة، فوضعوا لهذا الكثير الحركة الأخف.
جـ - العلة الجدلية:
وهي محاولة إضفاء علل منطقية على علل النحو أو هي بما يعرف بعلة العلة من قبيل تعليل اختيار الفتحة علامة على النصب، واختيار الضمة علامة على الرفع وهلا عكست العربُ هذا الأمر[89].
وبما أننا في مقام الحديث عن التعليل عند مدرسة البصرة يجدر بنا أن نعرض واحدًا من تعليلاتهم و من ذلك تعليل كل من الخليل وسيبويه والبصريين بصفة عامة استحقاق الإعراب للأسماء، واستحقاق البناء للأفعال والحروف عللوا ذلك بأن الأسماء كلما كانت متمكنة مكناء فهي أبعد ما تكون عن الحروف فأعربت و نوّنت، و لكنّ الأسماء إذا فقدت هذا التمكن اقتربت من الحروف فشابهتها فبنيت لهذا الشبه بالحروف [90].
وهذا التعليل من قبل البصريين ينمّ على قوة الملاحظة لديهم وشدة تعلقهم بالموضوعية التعلمية في صناعتهم. تقول الدكتورة منى إلياس: «وكثير من الأمور التي أخذ فيها الخليل بهذا المبدإ جاءت مطابقة لما ثبت في الدراسات النفيسة للغة التي قامت على أصول تجريبية فتبيّن أن الأسماء أقوى تمكنًا في النفس والعقل»[91].
أعلام المدرسة البصرية وطبقاتهم:
أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو، وقيل أسلم في حياة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم- نقلاً عن الواقدي كان أول من تكلم في النحو[92].
و يقال أنه كان من شيعة علي – رضي الله عنه- وفي ذلك يقول شعرًا: ( الوافر)
يَقولُ الأَرذَلونَ بَنو قُشَيرٍ طَوالَ الدَهرِ لا تَنسى عَليّا
كان عالما باللغة فصيحًا وشاعرًا توفي سنة 69 هجرية[93].
الطبقة الأولى:
1- نصر بن عاصم الليثي:
كان أحد القراء والفصحاء، سمع عنه أبو عمرو بن العلاء، توفي سنة 89 هجرية.
2- عنبسة الفيل:
عنبسة بن معدان الفيل و لقب بالفيل لأن أباه كان يروض فيلة للحجاج بن يوسف، تعلم النحو والشعر، لا تعرف سنة وفاته وقد عاصر الفرزدق وجريرًا.
3- عبد الرحمن بن هرمز:
أبو داوود الأعرج توفي سنة 117 هجرية.
4- يحي بن يعمر العداوني:
يكنى بأبي سليمان، استقر بالبصرة، وكان فقيهًا عارفًا بالحديث عالمًا بلغات العرب، ويروى عنه أنّ الحجاج بن يوسف الثقفي سأله ذات يوم فقال: أستمعني ألحن؟ فتردّد يحيى في الجواب و لما ألح عليه الحجاج قال للحجاج: تلحن في حرف واحد. فسأله الحجاج: أين هو؟ أجاب يحيى: في القرآن. قال الحجاج:. و ماهو؟ قال يحيى في قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (24) التوبة.
فإنك تقرأ ( أحبَّ) بالرفع و حقها النصب فقال الحجاج: لن تسمع لي لحنا بعد اليوم ثم ألحقه بخراسان واليا.[94]
ملاحظة:
إلى هؤلاء الأربعة ينسب وضع علم النحو و المشهور أن وضعه كان على يد أبي الأسود الدؤلي.
الطبقة الثانية:
1- عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي:
أخذ النحو عن نصر بن عاصم و يحيى بن عمر فبلغ فيه مبلغا كبيرا حتى قيل عنه: كان أول من بعج النحو و مدّ القياس و العلل. يروى عنه أنه كان كثير الاعتراض على الفرزدق و من ذلك أنهما اجتمعا يوما بمجلس فابتدر الفرزدق بالسؤال كيف تقرأ هذا البيت:( الطويل)
و عينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب لما لا تفعل الخمر
فقال الفرزدق: فعولان. فقال له ابن أبي اسحق: ماذا لو قلت: فعولين.فردّ الفرزدق: لو شئت أن أسبح لسبحت و غادر المجلس، و لم يفهم الحاضرون قصده، فقال لهم ابن أبي اسحق ما معناه: لو قال فعولين لكان المعنى أن الله خلق العينين و أمرهما بالفعل، و لكن المعنى في الرفع أن الله خلقهما على قدر كبير من الحسن و بسبب هذا الحسن فعلتا.[95]
كما جادل ابن أبي اسحق الفرزدق لما سمع بيته:( الطويل)
و عضّ زمان يابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلّفُ
إذ اعترض ابن أبي اسحق قائلا: بم رفعت ( مجلف) فأجاب الفرزدق: بما يسوءك و ينوءك علينا أن نقول و عليكم أن تتأولوا.
و لما سمع ابن أبي اسحق بيتي الفرزدق:( الطويل)
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثورِ
على عمائمنا يلقى و أرحلنا ... على زواحف تزجى مخّها ريرِ
عاب عليه الجرّ في لفظة ( رير) التي حقها الرفع لأنها خبر على اعتبار لفظة ( مخها) في البيت مبتدأ . فاغتاظ الفرزدق و قال لو شئت لقلت:
.................. .... على زواحف نزجيها محاسيرِ
و لكن و الله لن أقول ثم هجا ابن أبي اسحق بقوله:( الطويل)
و لو كان عبد الله مولى هجوته ... و لكنّ عبد الله مولى مواليا
فلم يعبأ ابن أبي اسحق بالهجاء ولكنّه تصيّد اعتراضا آخر و قال للفرزدق إن الصواب: مولى موال لأنها منقوص تحذف ياؤه و ينوّن آخره في حالة التنكير مع الجرّ.[96]. توفي عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي سنة117 هجرية.
2 – عيسى بن عمر الثقفي:
كنيته أبو عمر نزل بثقيف فنسب إليهم و هو مخزومي بالولاء، كان إماما في النحو من شيوخه: عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي... ومن تلامذته: الأصمعي والخليل... اشتهر بالفصاحة اللغوية
و التكلف في الكلام، رويّ عنه أنه سقط يوما من حماره فهرع إليه الناس بغية نجدته، فلم يرحب بهم و خاطبهم بالغريب من اللغة فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جِنّة افرنقعوا...و هو صاحب الكتابين " الإكمال و الجامع" اللذين ذكرهما الخليل في قوله: (الرّمل)
ذهب النحو جميعا كلّه ... غير ما أحدث عيسى بن عمرْ
ذاك إكمال و هذا جامع... فهما للناس شمس و قمرْ
توفي سنة 149 هجرية.[97]
3 – أبو عمرو بن العلاء:
هو زبّان بن العلاء المازني التميمي و كنيته أبو عمرو من شيوخه نصر بن عاصم الليثي كان عالما بالقراءات القرآنية و بأيام العرب و لهجات القبائل. جاءه عيسى بن عمر متسائلا عن توجيهه النحوي لإجازة الرفع في العبارة: ما الطيّبُ إلا المسكُ. فقال له أبوعمرو بن العلاء: نمت يا بن عمر و أدلج الناس ما في الأرض حجازي إلا و هو ينصب و ليس في الأرض تميمي إلا و هو يرفع.
و تراهنا على رأيهما فأرسلا اليزيديّ و خلفا الأحمر للتثبت من العرب، فوجدا الأمر كما قال أبو عمرو بن العلاء، فاعترف له بالفهم عيسى بن عمر و نزع خاتمه من يده و أهداه لأبي عمرو و قال له: بهذا و الله فقت الناس.[98]
ولد أبو عمرو بن العلاء سنة 70 و توفي سنة 145 هجرية.
الطبقة الثالثة:
1 – الخليل بن أحمد الفراهيدي:
هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي نسبا، و البصري مولدا ونشأة ولد سنة 100 هجرية.
من شيوخه: أبو عمرو بن العلاء و عيسى بن عمر و أيوب السختياني، ومن تلاميذه سيبويه و النضر بن شميل و الأصمعي...كان آية في الحفظ متواضعا ورعا، قنوعا قليل المال يروى عنه أن سليمان بن علي والي فارس و الأهواز بعث له رسولا يدعوه لتعليم ولده فلم يقبل الخليل هذه الدعوة و أخرج لرسول سليمان خبزا يابسا و قال مادام هذا عندنا فلا حاجة لنا بسليمان فقال له رسول سليمان
و لكن ماذا أقول له فأنشد: ( البسيط)
أبلغ سليمان أني عنه في سعة... و في غنى غير أني لست ذا مال
شحا بنفسيّ أني لا أرى أحدا... يموت هزلا و لا يبقى على حال
كما كان الخليل عالما بالحساب و الموسيقى و هو أول من اكتشف علم العروض و ينسب إليه معجم العين. توفي سنة 175 هجرية.مع اختلاف في سنة الوفاة[99]
2- الأخفش الأكبر:
أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد من شيوخه أبو عمرو بن العلاء و من تلاميذه سيبويه اشتهر بالأخذ عن العرب في البوادي، ذكر الذهبي أنه لا تعرف سنة وفاته و لكنّ محمدا الطنطاوي قال في (نشأة النحو) أنه توفي سنة 177 هجرية.[100] ( و الأخفش هو ضعيف البصر).
3 – يونس بن حبيب الضبي:
من شيوخه أبو عمرو بن العلاء، و من تلاميذه الكسائي و الفراء . سمع عن العرب فغدا مرجعا لأهل الأدب و اللغة كانت له حلقة بالمسجد الجامع بالبصرة يقصدها طلاب النحو و فصحاء الأعراب
له قياس متميز في النحو ، و مذاهب خاصة به، عاش طويلا و لم يتزوّج و لم يتسرّ ولد سنة 90
و توفي سنة 182 هجرية.[101]
الطبقة الرابعة:
1- سيبويه:
عمرو بن عثمان بن قنبر ، كنيته أبو بشر و قيل : أبو الحسن، و اشتهر بـ:سيبويه و هي كلمة فارسية معناها ( رائحة التفاح)، فارسي الأصل من موالي بني الحارث بن كعب ولد بمكان يسمى البيضاء إحدى حواضر مدينة شيراز و نشأ بالبصرة و بها تعلم
و من شيوخه الخليل و يونس بن حبيب و الأخفش...ألف ( الكتاب) و هو أشهر ما ألف في النحو و يقال إن كل من ألف في النحو بعد الكتاب كان عالة عنه، كما كان يقال لدارس النحو ( هل ركبت البحر؟ ) كناية عن زخمه و صعوبته و لقد قال الزمخشري في الإشادة بسيبويه و الكتاب: ( من الوافر):
ألا صلى الإله صلاة صدق ... على عمرو بن عثمان بن قنبرْ
فـــــــــإنّ كــــــــتابه لـــم يغن عنه ... بنــــــو قلم و لا أبنـــــــــــــاء منبــــــــــــرْ
و من إطراء الخليل لسيبويه أنه أقبل عليه ذات يوم فقال له: مرحبا بزائر لا يملّ. اختلف في سنة وفاته و الأشهر أنها 180 هجرية[102]
2- اليزيدي:
يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي الإمام، كنيته أبو محمد واشتهر بـــ: اليزيدي، نشأ بالبصرة وبها تعلّم ومن مشائخه: أبو عمرو بن العلاء، ويونس والخليل...تنقّل إلى بغداد وكان مؤدبا بها لأولاد يزيد بن منصور الحميري، وعنه أخذ لقبه، كان من القرّاء والفصحاء المتضلعين في اللغة العربية ولهجاتها وعلم النحو من تصانيفه :المقصور والممدود، النّقط والشكل والنوادر ولقد ورث عنه النحو واللغة كثير من أولاده وأحفاده توفي بخراسان سنة 202 هجرية.[103]
الطبقة الخامسة:
1- الأخفش الأوسط:
هو أوسط الأخافشة فالأكبر الذي ذكرناه في الطبقة الثالثة أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد
و الأصغر و هو أبو الحسن علي بن سليمان و سنذكر تعريفه إن شاء الله.
وأما الأخفش الأوسط فهو أشهر الأخافشة أبو الحسن سعيد بن مسعدة ولد ببلخ ونشأ بالبصرة و بها تعلم أخذ عن سيبويه و فقه على يده (الكتاب) فكان أعلم النحاة بما فيه فدعاه الكسائي لتأديب أولاده.كان عالما بالنحو و الغريب ألف كثيرا و لكن فقدت مؤلفاته و هو من استدرك على الخليل (بحر المتدارك) توفي سنة 211 هجرية.[104]
2- قطرب:
محمد بن المستنير، كنيته أبو علي النحوي، ولقبه المشهور به قطرب. ولد بالبصرة وبها نشأ وتعلم
من شيوخه عيسى بن عمر وكان كثير الزيارة لسيبويه و يروى أنه كان يغشاه ليلا للتعلم فقال له سيبويه ذات ليلة: ما أنت إلا قطرب ليل.
( و القطرب دويبة تخرج ليلا و لا تفتر عن الحركة). فغلب عليه هذا اللقب كان حافظا للغة كثير النوادر و الغريب ومن مؤلفاته: مثلثات قطرب،النوادر، الصفات الأصوات، العلل في النحو الأضداد، الهمز، خلق الإنسان، خلق الفرس، إعراب القرآن، مجاز القرآن، المصنف الغريب في اللغة... توفي سنة 206 هجرية[105]
الطبقة السادسة:
1- الجرمي:
هو أبو عمر صالح بن إسحق الجرمي نسبة لقبيلة ( جرم) و هي من قبائل اليمن. ولد بالبصرة وبها تلقى علومه الأولى لمجالسته علماءها في النحو و اللغة، من شيوخه: يونس بن حبيب والأخفش الأوسط ..لم يلق سيبويه و لكنّ درس ( الكتاب) فغدا المرجع الأول فيه.. كان أديبا شاعرا عالما بالحديث و أخبار العرب، كانت له مناظرات مع العلماء و منها مناظرته للأصمعي و الفرّاء، توفي سنة 225 هجرية من آثاره: الأبنية، غريب سيبويه، و كتاب في العروض.[106]
2 – التّوزيّ:
أبو محمد بن عبد الله بن محمد القرشي ولاء، والتوزي مولدا ونشأة (وتوز مدينة بفارس). من شيوخه الجرمي، كان عالما باللغة و الأدب راوية للشعر حتى فاق معاصريه فيه. توفي ببغداد سنة 238 هجرية[107]
3 – المازني:
هو أبو عثمان بكر بن محمد ولد بالبصرة، و شبّ في قبيلة بني مازن فنسب إليها، من شيوخه الأصمعي و أبو عبيدة و الأخفش، و من تلاميذه المبرّد الذي قال عنه: لم يكن أحد بعد سيبويه أعلم بالنحو من المازني. و رويّ أن مغنية كانت تغني بيت الحارث بن خالد المخزومي:( السريع)
أظُليمُ إنّ مصابَكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلمُ
فلمّا سمعها الواثق قال مصوّبا[108]: إن مصابكم رجل. فأصرّت المغنية على نصب (رجلا)
و قالت له: لقد لقنني البيت من هو أعلم أهل زمانه بالنحو فقال: من هو؟ قالت: المازني. فطلبه الواثق و وجّه المازني النصب على اعتبار (رجلا) مفعولا به للمصدر المضاف ( مصابكم) و أما خبر إنّ فهو لفظة (ظلمُ). فأعجب به الخليفة الواثق و قرّبه إليه. كان المازني ذا ورع و تقوى حافظا للقرآن الكريم. توفي سنة 249 هجرية و له من الكتب: علل النحو، و كتاب التصريف...[109]
4 – السجستاني:
هو أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد، شبّ بالبصرة و بها تعلّم أخذ عن الأصمعي و أبي عبيدة معمر بن المثنى و سمع عن الأخفش كتاب سيبويه. قال عنه أبو الطيب اللغوي في (مراتب النحويين):" وكان أبو حاتم في نهاية الثقة و الإتقان و النهوض باللغة و القرآن، مع علم واسع بالإعراب أيضا، أخذ ذلك عن الأخفش، و بصره بالآثار و كتبه في نهاية الاستقصاء و الحسن و البيان "[110]. توفي سنة 249 هجرية مع اختلاف في ذلك. من مصنفاته: إعراب القرآن، و كتاب في الإدغام.
5 – الريّاشي:
هو العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشي اللغوي النحوي، ولد بالبصرة سنة 177 هجرية، و نشأ بها انتقل إليه لقب ( الرياشي) من أبيه الذي كان يخدم رجلا اسمه (رياش) فغلب عليه هذا اللقب.
من شيوخه: المازني و الأصمعي. قال عنه السيوطي في ( بغية الوعاة):"قال السيرافي: و كان عالما باللغة و الشعر، كثير الرواية عن الأصمعي، و أخذ عن المبرّد و ابن دريد، و رياش رجل من جذام، كان أبوه عبدا، فنسب إليه "[111]. مات غيلة في حادثة تسمى ( موقعة الزنج) بالبصرة سنة 257 هجرية.
الطبقة السابعة:
1-المبرّد:
هو محمد بن يزيد الأزدي ولد بالبصرة واختلف في سنة مولده فقيل 210 و قيل 207 كما قيل 195 هجرية، من شيوخه: الجرمي والسجستاني والمازني الذي لقبّه بالمبرّد ( بكسر الراء ) بمعنى المحقق اعترافا بفطنته، غير أن الكوفيين فتحوا الراء نكاية فيه... جاء في كتاب (العقد الثمين في تراجم النحويين):" قال ابن حمّاد النحوي: ... و كان المبرّد أكبر تفننا في جميع العلوم من ثعلب، قلت:له تصانيف كثيرة يقال : إنّ المازنيّ أعجبه جوابه، فقال له: قم فأنت المبرّد، أي المثبت للحق، ثم غلب عليه بفتح الراء"[112]
و قال عنه شوقي ضيف:"و المبرّد يعدّ بحق آخر أئمة البصرة المهمّين"[113]
توفي المبرد سنة 285 هجرية ببغداد و من تصانيفه: المقتضب...
ملخص المحاضرة:
ما هو معلوم في علم النحو أنه نشأ بالبصرة أولا و بها اشتدّ عوده و اتضحت معالمه و أنه كانت للبصرة مقومات كثيرة منها: سوق المربد، و المجلس الجامع و مجالسه و أن منهجها كان مبنيا على التحري و الدقة و عدم التساهل و الترخص و أن أعلامها صنفوا على حسب طبقات سبع أول هؤلاء الأعلام هو أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو.ثم كانت طبقات البصريين وفق مايلي:
الطبقة الأولى:
نصر بن عاصم الليثي.
عنبسة الفيل.
عبد الرحمن بن هرمز.
يحي بن يعمر العداوني.
الطبقة الثانية:
عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي.
عيسى بن عمر الثقفي.
أبو عمرو بن العلاء.
الطبقة الثالثة:
الخليل بن أحمد الفراهيدي.
الأخفش الأكبر.
يونس بن حبيب الضبي.
الطبقة الرابعة:
سيبويه.
اليزيدي.
الطبقة الخامسة:
الأخفش الأوسط.
قطرب.
الطبقة السادسة:
الجرمي.
التّوزيّ .
المازني.
السجستاني.
الريّاشي.
الطبقة السابعة:
المبرّد.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة السادسة
1. أخبار النحويين البصريين، السيرافي، تح: محمد البنا.
2. أصول التفكير النحوي، على أبو المكارم.
3. الاقتراح، السيوطي.
4. الإيضاح في علل النحو.
5. بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة، السيوطي.
6. العقد الثمين في تراجم النحويين، الذهبي.
7. القياس في النحو، منى إلياس.
8. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
9. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
10. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
11. مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي.
12. معجم علوم اللغة.
13. معجم علوم اللغة، محمد سليمان عبد الله الأشقر، مؤسسة الرسالة.
14. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام، ج1 .
15. نشأة النحو.
16. المدارس النحوية (مدرسة البصرة)، أحمد الفقيه، من الموقع الإلكتروني: basrachity.net، 01/09/2018، على: 12:40؛ مدرسة البصرة النحوية، محمد قدوم، شبكة الألوكة www.alukah.net
المحاضرة السابعة
المدرسة الكوفية: منهجها، و أعلامها.
موقع الكوفة:
تقع الكوفة على الضفة اليمنى لنهر الفرات الأوسط بالعراق جنوب بغداد وتبعد عنها بحوالي 156 كلم.[114]
أصل التسمية:
سيقت كثير من الأقوال في أصل تسميتها ومن ذلك قولهم إنها من الفعل (تكوّف) بمعنى تجمّع وذلك أن المسلمين الفاتحين تعرضوا للسعات البعوض فقيل لهم تكوّفوا أي تجمّعوا حتى يبتعد عنكم البعوض، و من قائل إن كل أرض تخالطها حصباء تسمى كوفة.
جاء في معجم المصباح المنير للفيومي:" الكوفة مدينة مشهورة بالعراق قيل سميت كوفة لاستدارة بنائها، لأنه يقال: تكوّف القوم إذا اجتمعوا واستداروا"[115]
تأسيسها:
أسسها الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – و كان ذلك عام 17 للهجرة. يقول الدكتور مهدي المخزومي في كتابه ( مدرسة الكوفة):" و تم تخطيط الكوفة على يد سعد بن أبي وقاص، بعد تخطيط البصرة بسنتين أو ثلاث و كان قد نزل بها المسلمون في السنة السادسة عشرة أو في السنة السابعة عشرة"[116]
الكوفة و النحو:
لقد رأيت أن تأسيس مدينة الكوفة كان متزامنا تقريبا مع تأسيس مدينة البصرة، إلا أن البصرة سبقت الكوفة إلى النحو بزهاء مئة عام، وأما الكوفة فقد كانت منشغلة بالشعر وروايته، غير آخذة من علم النحو بأي طرف، في حين كانت حركة الدرس النحوي من تنظير ومناظرات نشطة وعلى أشدها، و يجمع مؤرخو النحو العربي على أن الكسائيّ هو أول من نقل النحو إلى الكوفة، ذلك أنه كان من علماء القراءات القرآنية فأيقن ألاّ مندوحة له عن الاغتراف من علم النحو، إيمانا منه بأن النحو سيفتح له أبوابا كثيرة في علم القراءات و علم التفسير. تقول الدكتورة خديجة الحديثي في كتابها المدارس النحوية:"... فانصرف أهل الكوفة عن شؤون الحياة الأخرى، و اهتموا بالشعر...[عن] الدرس اللغوي و النحوي الذي شاركت فيه الكوفة في عهد متأخر عن البصرة التي سبقتها إلى ذلك بمائة عام...[و] كان الكسائي أبرز من اهتم بالدراسات النحوية و أدخلها إلى الكوفة و نشطها... فقد وجد الكسائي نفسه محتاجا إلى الإلمام بعلوم اللغة ليخدم قراءاته و ليساعده على تفسير القرآن الكريم"[117]
منهج مدرسة الكوفة في الدرس النحوي:
لقد ذكرنا من قبل أنّ في مفردات هذا البرنامج خللا واضحا، ومن ذلك ما يؤدي إلى التكرار وإعادة الكلام في الموضوع الواحد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا نظرنا إلى عنوان المحاضرة الرابعة وهو: ( مناهج المدارس النحوية العربية القديمة)، ثم نظرنا إلى عنوان المحاضرة السادسة: (المدرسة البصرية، منهجها، أعلامها)، فعنوان المحاضرة السابعة:( مدرسة الكوفة، منهجها، أعلامها)، وبعده عنوان المحاضرة الثامنة : ( المدرسة البغدادية، منهجها، أعلامها)... فإننا نجد موضوع (المنهج) قد أعيد تناوله في المحاضرات الأربع كلّها، فإذا ما التزمنا بهذه العناوين نصا فإنّ كلامنا يغدو معادا مكرورا لا محالة، ومع ذلك فلقد ألزمنا أنفسنا بالالتزام الصارم بهذه المفردات على علاتها لأنها أقرتها اللجان الوطنية، و في ثنايا هذا الالتزام اجتهدنا حتى تتميّز كل محاضرة عن سابقتها، فانطلقنا في الأولى منطلقا نظريا عاما، وفي لواحقها من النظري الخاص بكل مدرسة، وصولا إلى ما يشبه الجوانب التطبيقية تفاديا لما نبهنا عليه... على أننا لا ننكر بعض التكرار الذي كان لا مفرّ منه، ومع ذلك فإننا حاولنا أن نتحاماه في معظم الأحيان... و عليه سنتطرّق في ما يلي إلى خصائص منهج الدراسة النحوية عند مدرسة الكوفة:
1 – القياس عند الكوفيين:
إنّ القياس عند الكوفيين منهج أصيل لا يكتمل النحو إلا به، و لا تتسع اللغة إلا من خلاله... و لقد حصر زعيمهم الكسائي النحو في القياس بقوله:
إنما النحو قياس يُتّبعْ ... و به في كلّ علم يُنتفعْ
هذا و لقد ذكرنا فيما سبق تشدّد البصريين في القياس إذ كانوا لا يقيسون إلا على ما سمعوه عن العرب الخلّص، غير أنّ الكوفيين توسعوا و ترخّصوا فقاسوا على النادر والشاذ، بل وقاسوا على لغة من فسدت ألسنتهم من أهل البدو و الحضر... و الأكثر من ذلك أنهم قاسوا على غير المسموع.. يقول الدكتور شوقي ضيف:" و يبقى أن تعرف أن الكوفيين لم يقفوا بقياسهم عند ما سمعوه ممن فسدتهم سلائقهم من أعراب المدن، أو ما شذّ على ألسنة بعض أعراب البدو، فقد استخدموا القياس أحيانا بدون استناد إلى أي سماع"[118]
و سنختصر في ما يلي نماذج من القياس عند الكوفيين:
- التوسع في القياس على صيغة ( ما أفعله) في التعجب:
و المعلوم أنّ هذه الصيغة عند البصريين مرتبطة بشروط، و منها قابلية الأفعال للتفاضل في معانيها و ذاك ما لا يتحقق في الأفعال التي تدل على لون، أي لون... فلا يقال: ما أزرقه و لا ما أبيضه و لا ما أسوده ....غير أن الكوفيين أجازوا ذلك في السواد و البياض و حجتهم أن هذين اللونين أصلان لكل الألوان الأخرى.[119] و جاء في كتاب: ( الإنصاف في مسائل الخلاف) ما نصه:" و أما القياس فقالوا: إنما جوّزنا ذلك من السواد و البياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا الألوان، و منها يتركب سائرها من الحمرة و الصفرة و الخضرة و الصهبة و الشهبة و الكهبة إلى غير ذلك"[120]
- عمل اسم المصدر:
أنكر البصريون عمل اسم المصدر و لم يقيسوه على عمل المصدر، وردّوا ما جاء فيه عمل اسم المصدر من صحيح الحديث النبوي، و من الشعر العربي، و أما الكوفيون فأجازوا عمل اسم المصدر قياسا على عمل المصدر، ومن بين ما استشهدوا به قول الرسول (صلى الله عليه و سلم):
" من قبلة الرجل امرأتَه الوضوء". و من الشعر العربي بقول القطامي: ( الوافر)
أكفرا بعد ردّ الموت عني ... و بعد عطائك المائةَ الرّتاعا[121]
- تجويز الكوفيين اشتقاق صيغتي: ( مفعَل) و ( فُعال) من الأعداد من خمسة إلى تسعة:
و ما سمع عن العرب هو صوغ وزني ( مفعَل) و( فُعال) من الأعداد من واحد إلى أربعة، و وزن (فُعال) من العدد عشرة فقالوا: (عُشار). ولكنّ الكوفيين توسعوا في القياس وأجازوا: مخمس، و خُماس ...يقول رضيّ الدين الاسترباذي: " و قد جاء ( فُعال) و ( مفعَل) في العدد من واحد إلى أربعة اتفاقا، و جاء (فُعال) من عشرة... و المبرّد و الكوفيون يقيسون عليها إلى تسعة نحو: خُماس
و مخمس و سُداس و مسدس و السماع مفقود "[122].
2 – النقل أو السماع عند الكوفيين:
لقد اتخذ الكوفيون بدورهم السماع منهجا في دراساتهم النحوية، فلقد ارتحل نحاة الكوفة إلى البوادي والقفار كما ارتحل نحاة البصرة، إذ آثر الكسائيّ إمام الكوفيين التطواف في كل من نجد
و تهامة والحجاز... غير أنّ الكوفيين كانوا لا يتحرجون أن يأخذوا من قبائل متاخمة للفرس كتغلب و بكر... وكانوا يقبلون الشاذ والقليل والنادر، الكلام المجهول القائل وذاك ما لم يقبله البصريون الذين كانوا يفتخرون بسماعهم على سماع الكوفيين و يقولون:" نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب و أكلة اليرابيع و أنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز و باعة الكواميخ"[123]
ومن مظاهر النقل عن القليل و الشاذ عند الكوفيين حسبانهم (نعم) و(بئس) اسمين . جاء في كتاب: ( الإنصاف في مسائل الخلاف) ما نصه:" ذهب الكوفيون إلى أن (نعم) و(بئس) اسمان مبتدآن..فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنهما اسمان دخول حرف الخفض عليهما فإنه قد جاء عن العرب أنها تقول: (ما زيد بنعم الرجل)، وحكيّ( نعم السير على بئس العير)"[124]
3 – الرواية عند الكوفيين:
معلوم أن الكوفيين كانوا أكثر اهتماما بالشعر و روايته، كما كانوا ضنينين بالشعر عن غيرهم ظنا منهم أن ذلك سيكسب مذهبهم تميزا عن البصريين، غير أنّ الدارسين أثبتوا أن الكوفيين باعتدادهم بما عندهم من الشعر وروايته جرّ عليهم ذلك ضخامة في المادة اللغوية أدت بالضرورة إلى خلط واضطراب في درسهم اللغوي، خاصة وأنّ هذه الضخامة اللغوية أملاها عليهم أعلام متهمون في الأمانة والموضوعية إلى حدّ النحل و الزيادة، من أمثال: (خلف الأحمر) و (حمّاد الراوية)... يقول الدكتور المهدي عبد العال في كتابه: ( النحو و النحاة ): " و أضفنا إلى ذلك اهتمام الكوفة بالشعر في المقام الأول... فظنوا أن ذلك من الممكن أن يعوّضهم نقص الرواية و السماع من أفواه العرب الخلّص، فقد سلّط عليهم من حماد الراوية و خلف الأحمر ما أضاع الثقة الاطمئنان"[125]
4 – التعليل عند الكوفيين:
لا جرم كان التعليل منهجا عند كلتا المدرستين لأنّ به يتضح التوجيه النحوي، و معه تتجلى عبقرية الواضع العربي و دقته ...... غير أنّ للتعليل حدودا – كما أشرنا من قبل – لا تبيح تجاوز حدّ اللغة ومقتضياتها الطبيعية.. و لما أوغل فريق من النحاة في التعليل أدخلوا النحو في جدل عقيم
و إغراب شديد، ومن أجل ذلك حمل بعض الدارسين على الكوفيين إفراطهم في التعليل إلى حدّ القفز على حقيقة اللغة والوصول به إلى متاهات الفلسفة والجدال ومحاولة إيجاد منطق خاص باللغة... ومن صنيعهم أنهم علّلوا تجويزهم تقديم خبر (مازال) ومنعهم ذلك في خبر (مادام) أن (مادام) لا تنفي الفعل إنما تنفي مفارقته. يقول د/المهدي عبد العال: " وقد يلجأ الكوفيون إلى التعليل الفلسفي الخالص الذي يخرج عن روح اللغة، إذ إنّ اللغة مبناها على الإلف والعرف والتذوّق الخالص الخاص بأهلها الناطقين بها و من ذلك تعليلهم لرأيهم في جواز تقديم خبر مازال وأخواتها عدا مادام بأنها لا تنفي الفعل و إنما تنفي مفارقة الفعل"[126]
أعلام المدرسة الكوفية:
ملاحظة: في محاضرتنا السابقة و التي خصصناها للمدرسة البصرية و منهجها وأعلامها، كنا قد صنفنا نحاة البصرة حسب طبقاتهم، فآثرنا في هذه المحاضرة والمتعلقة بالمدرسة الكوفية، أن نتبع المنهج ذاته الذي اتبعناها مع أعلام المدرسة البصرية على الرغم – و للأمانة العلمية – أننا لم نجد في معظم المصادر و المراجع تقسيما لنحاة الكوفة على حسب طبقاتهم اللهم إلا ما جاء في كتاب: ( نشأة النحو) لمحمد الطنطاوي، فسلكنا مسلكه حفاظا على انتظام التراجم ومنهجها، لذلك سنتطرق إلى ذكر أعلام المدرسة الكوفية من خلال طبقاتهم.
الطبقة الأولى:
1 – أبو جعفر الرؤاسي:
أبو جعفر الرؤاسي محمد بن الحسين بن أبي سارة، مولى محمد بن كعب القرَظي، غلب عليه لقب الرؤاسي لكبر رأسه، ولد بالكوفة وبها نشأ وسمع عن عمه معاذ بن مسلم الهرّاء، ثم ارتحل إلى البصرة
و أخذ النحو و اللغة عن عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء، ثم عاد إلى الكوفة وظل مشتغلا بالنحو وتمارينه، توفي في زمن هارون الرشيد سنة193 هـ. من آثاره: الفيصل، معاني القرآن، التصغير و الوقف و الابتداء[127]
2 – معاذ الهرّاء:
أبو مسلم معاذ الهرّاء، و قيل معاذ بن مسلم، لقب بالهرّاء لبيعه الثياب الهروية ، من موالي القرظي
و هو عم الرؤاسي، كان مؤدبا لعبد الملك بن مروان، وذكر أنه أول من تكلم في التصريف، من تلاميذه الكسائي عاش طويلا و توفي سنة 187 هـ[128]
الطبقة الثانية:
الكسائي:
أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله، فارسي الأصل من موالي بني أسد كان إماما في النحو شيخا في القراءات له قراءة خاصة من السبع المتواترات، لقّب بالكسائي لأنه أحرم في كساء وقيل غير هذا... ولد بالكوفة و بها نشأ وتعلم النحو في كبره على شيوخ منهم: معاذ الهراء، وسافر إلى البصرة وتتلمذ لعيسى بن عمر والخليل، من تلاميذه في القراءات: أبو عمر الدوري وأبو الحارث الليث... لما عاد إلى الكوفة ازدهر النحو بها وشاع فاشتهر الكسائي ودعاه المهدي أحد الخلفاء العباسيين إلى بغداد، ولما آلت الخلافة إلى الرشيد اختاره مؤدبا لولديه: الأمين والمأمون، فطغى النحو الكوفي على بغداد، زار البواديّ و جمع العربية من أعرابها الخلص توفي الكسائي سنة 189 هـ و من تصانيفه: معاني القرآن كتاب في القراءات، و كتاب النوادر الكبير، و مختصر في النحو[129]
الطبقة الثالثة:
1- الأحمر:
من شيوخ العربية علي بن الحسن، و في رواية بن المبارك، كان جنديا في بداية أمره ثم تعلم العربية على يد الكسائي، قيل إنه كان يحفظ أربعين ألف بيت من الشواهد النحوية، و كان ذا ذكاء ثاقب، تقرّب من الرشيد و لما اعتل الكسائي اختاره نائبا له لتأديب الأمين و المأمون، توفي الأحمر في طريق مكة سنة 194هـ. خلّف كتابا في التصريف.[130]
2- الفرّاء:
أبو زكريا يحيى بن زياد، يلقب بالفرّاء واختلف في سبب ذلك ، قيل لأنه كان يفري الكلام أي يقطعه ، وقيل لأنه يخيط الثياب من الفراء أي الجلد، وقيل غير ذلك .. أصله من الديلم أحد أقاليم فارس، ولد بالكوفة ، وبها نشأ وتعلم، من شيوخه: الكسائي ويونس بن حبيب والرؤاسي، كان عالما بأيام العرب و أشعارها، اتصل بالمأمون ونال عنده الحظوة، وكان يعيش متنقلا بين بغداد والكوفة. مات سنة 207 هـ. و من كتبه: معاني القرآن، الحدود و هو كتاب في النحو، الجمع والتثنية في القرآن و كتب أخرى[131]
3- اللحياني:
أبو الحسن علي بن المبارك ، أصله من بني لحيان فنسب إليهم، تتلمذ للكسائي و غيره توفي سنة 220هـ من مؤلفاته: كتاب النوادر[132]
الطبقة الرابعة:[133]
1- ابن سعدان:
أبو جعفر الضرير محمد بن سعدان، نشأ بالكوفة، و سمع عن أبي معاوية الضرير، كان عالما بالنحو و القراءات، توفي سنة 231هــ مخلفا كتابا في النحو.
2- الطّوّال:
أبو عبد الله محمد بن أحمد، نشأ بالكوفة، و أخذ عن الكسائي، و عاش زمنا ببغداد، توفي سنة 243هــ.
3- ابن قادم:
أبو جعفر محمد بن عبد الله بن قادم، شيخه الفراء، كان عالما بالنحو ميالا للتعليل، أدّب المعتز قبل الخلافة، توفي سنة 251هـ من تصانيفه: الكافي و المختصر و هما في النحو.
الطبقة الخامسة:
ثعلب:
أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب. قال عنه الدكتور مهدي المخزومي في كتابه: مدرسة الكوفة:" وهو ثالث ثلاثة قامت على أعمالهم مدرسة الكوفة النحوية، وهو بغدادي المولد والمنشأ، وكان شيبانيا بالولاء" [134]. ولد سنة 200 هـ، حفظ القرآن الكريم منذ صباه وأخذ النحو عن الطوال وابن قادم وسمع عن الأصمعي وأبي عمرو الشيباني توفي سنة 292 هـ صنف تصانيف كثيرة في النحو واللغة والأمثال لكن لم تبق لها يد البلى أثرا إلا كتاب ( المجالسة) في النحو واللغة والأخبار والأشعار ومعاني القرآن[135]
ملخص المحاضرة:
سار النحو إلى الكوفة بعد البصرة بحوالي مئة عام كما يقول الرواة، و لقد كانت الكوفة منشغلة بالشعر و روايته عن النحو و لقد أجمع الدارسون على أن الكسائيّ هو أول من نقل النحو إلى الكوفة. و أما عن قياس الكوفيين فلقد علمنا أنه موسوم بالتوسع ومن دلائله إباحة صياغة صيغة
( ما أفعله) من الأفعال التي تدل على اللون،و في السماع ألفينا الكوفيين يستشهدون على إسمية
( نعم) و ( بئس) بحكاية مجهولة القائل و أما الرواية فلقد شغلتهم عن النحو و كانوا ضنينين بما عندهم من الأشعار و أما عن التعليل فلقد وصف الدكتور المهدي عبد العال تعليل الكوفيين بأنه فلسفي النزعة خارج عن نطاق اللغة و روحها. و فيمايلي اختصار لأعلام مدرسة الكوفة و طبقاتها:
الطبقة الأولى:
أبو جعفر الرؤاسي.
الطبقة الثانية:
الكسائي.
الطبقة الثالثة:
الأحمر.
الفرّاء.
الطبقة الرابعة:
ابن سعدان.
الطّوّال.
ابن قادم.
الطبقة الخامسة:
ثعلب.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة السابعة
1. الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، لبنان، 1424هـ/2004م،ط1،ج1.
2. بغية الوعاة.
3. تاريخ النحو العربي.
4. شرح كافية ابن الحاجب، الاسترباذي، تح/ أحمد السيد المكتبة التوفيقة، مصر، د/ت،د/ط، ج1.
5. العقد الثمين.
6. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
7. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
8. مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، مصر،1377هـ/1958م، ط2.
9. مراتب النحويين.
10. المصباح المنير، للفيومي، كتاب الكاف.
11. النحو و النحاة.
12. النحو و النحاة، المهدي عبد العال، دار الكلمة، مصر، 1433هـ/2012م،ط1.
13. نشأة النحو.
14. ar.wikipedia.org
المحاضرة الثامنة
المدرسة البغدادية: منهجها و أعلامها
بغداد و أصل التسمية:
ذكر في تسميتها ثلاث لغات: بغداد (بالدال الثانية مهملة)، وبغداذ (بالذال المعجمة) وبغدان (بالنون). وبغداد هي الأصل والأشهر. جاء في (المصباح المنير) للفيومي ما نصه: " بغداد اسم بلد يذكر ويؤنث، والدال الأولى مهملة، وأما الثانية فيها ثلاث لغات: دال مهملة وهو الأكثر، والثانية نون، والثالثة وهي الأقل ذال معجمة"[136]
وأما معناها اللغوي، فالأشهر أنها كلمة غير عربية، مركبة من لفظتين ( باغ) و (داد) باغ بالفارسية معناها ( بستان)، و (داد) بالفارسية ( اسم رجل). (جاء في معجم البلدان) لياقوت الحموي: "... قال بعض الأعاجم : تفسيره بستان رجل، فباغ بستان و داد اسم رجل... و سميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام"[137] . فهاهو ياقوت الحموي يضيف اسما آخر لبغداد هو مدينة السلام.
موقعها:
تقع مدينة بغداد شمال العراق على ضفتي نهر دجلة و الفرات، تبعد بحوالي 85 كلم عن مدينة بابل الأثرية، يحدها شمالا مدينتا أربيل و الموصل و من الجنوب مدينة البصرة.[138]
تأسيسها:
كان أول من أسسها أبو جعفر المنصور و أخوه العباس السفاح بين سنتي 145 و 149 هجرية، ونقل ياقوت الحموي عن سبب تأسيسها أنّ جنود أبي العباس السفاح قد أفسدهم أهل الكوفة..." في بدء عمارة بغداد كان أول من مصّرها و جعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء...و هي مدينة كان قد اختطها أخوه أبو العباس السفاح و شرع في عمارتها سنة 145 و نزلها سنة 149 و كان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنوده"[139]
النحو في مدينة بغداد:
كما كنا ذكرنا في المحاضرة الخامسة جدل العلماء حول وجود المدارس النحوية من عدم جودها برمّتها، وتوصلنا آنذاك إلى أن من مقتضيات البحث العلمي الجنوح إلى التصنيف والتقسيم
و التبويب، وتصنيف البيئات النحوية المختلفة إلى مدارس من شأنه أن يميز كل بيئة بخصائصها ومناهجها، و من ذلك أكدنا وجود هذه المدارس.
وفي هذه المحاضرة كذلك تجدر بنا الأمانة العلمية ألا نغفل جدلا جرى بين مؤرخي النحو العربي ودارسيه قديما وحديثا حول وجود مدرسة نحوية تسمى (مدرسة بغداد). ومن هناك نطرح هذه الإشكالية:
- هل يصح علميا أن يمتاز نحاة بغداد إلى درجة أنهم يشكلون (مدرسة)؟
- و ما موقف الدارسين من هذه المرسة قديما و حديثا؟
نجيب عن هذا التساؤل باختصار فيمايلي:
أوردت الدكتورة خديجة الحديثي – و هي المتحمسة لإثبات وجود المدارس النحوية – رأيا للمرزباني أحد دارسي النحو العربي و مؤرخيه مفاده أنه لا يعترف لا تصريحا و لا تلميحا بوجود جماعة تسمى (مدرسة بغداد النحوية) و في أثناء ترجمته للنحاة البغداديين لا يذكر أنهم يمثلون مذهبا خاصا أو مدرسة مستقلة إنما يصفهم بأنهم امتداد لإحدى المدرستين البصرة أو الكوفة. تقول الدكتورة خديجة الحديثي: " لقد كان المرزباني أول من أفرد قسما لأهل بغداد لكنه لم يذكر شيئا عن نحوهم في ترجماته لهم"[140]
وأما أبو الطيب اللغوي في كتابه: (مراتب النحويين) فيذكر أن النحو انتقل إلى بغداد من البصرة والكوفة وغلب على بغداد النحو الكوفي، بل و يذكر فسادا و خلطا كانا قدأصابا النحو في بغداد فضلا على أن يعترف بنحو بغداد أو المذهب البغدادي. يقول:"فلم يزل أهل المصرين على هذا حتى انتقل العلم إلى بغداد قريبا، و غلب أهل الكوفة على بغداد...وتباهوا بالترخيصات وتركوا الأصول واعتمدوا على الفروع فاختلط العلم"[141]
و لما كان أبو سعيد السيرافي يتحدث عن أصحاب المبرد، ذكر بين يدي حديثه علمين من أشهر أعلام المدرسة البغدادية هما الزجاج و ابن كيسان، غير أنه لم يشر إلى أنهما قد استقلا استقلالا مذهبيا أو مدرسيا، عن المدرستين العريقتين: البصرة و الكوفة. و في ذلك يقول ما نصه:" ومن أصحاب أبي العباس محمد بن يزيد : أبو اسحاق إبراهيم بن السرّي الزجاج، و أبو الحسن بن كيسان و إليهما انتهت الرياسة في النحو بعد أبي العباس محمد بن يزيد، غير أن أبا اسحاق كان أشد لزوما لمذهب البصريين، وكان ابن كيسان يخلط المذهبين"[142]
هذا و لقد أشارت الدكتورة خديجة الحديثي إلى أنّ الجدل حول وجود مدرسة بغداد النحوية قد ظل قائما إلى العصر الحديث عند الدارسين العرب والمستشرقين، تقول:" ... وذهب المستشرق HOWELL إلى وجود مدرسة بغدادية و قال أن ابن السرّاج و مبرمان يمثلانها ...وكان اول من تكلم عن مدرسة بغداد من الباحثين العرب الأستاذ أحمد أمين [ ثم تقول] وذهب بعض آخر من المحدثين إلى نفي وجود مدرسة نحوية باسم ( مدرسة بغداد )... و قد مثل هذا الرأي بعض الباحثين منهم ( جوتولد فايل )"[143]
منهج المدرسة البغدادية في دراسة النحو:
1- السماع عند البغداديين:
فشا اللحن في حاضرة بغداد فشوا كبيرا بسبب اندماج العناصر الأعجمية في المجتمع العربي إذ استوطن الأعاجم من الأتراك والديلم عاصمة الخلافة العباسية، وكان منهم النساء الجواري والمغنيات فشاع اللحن بين الناس. ولم يقتصر الأمر على حاضرة بغداد فحسب بل تعداها إلى البوادي ففسدت الألسن. فكان أمام نحاة بغداد هجنة من اللغات على قدر غير مقبول من الفصاحة والسلامة اللغوية فخارت همم أولئك النحاة في صون العربية، و لم يتشددوا في قبول تلك اللغات على علاتها واحتجوا بها جميعا، وممن يستدل بهم في هذا الشأن الزجاجي الذي كان يقبل لهجات العرب كلها، ولا يقبل أن توصف أية واحدة منها بالشذوذ خلافا لما كان عليه البصريون.
وإذا ما نظرنا إلى موقف البغداديين من القراءات القرآنية الشاذة نلفيهم قد خالفوا كلا من البصريين الذين يرفضونها والكوفيين الذين يقبلونها، فكان البغداديون يقبلون القراءات الشاذة واشترطوا لذلك القبول شرطين أن تدعم الرواية هذه القراءات الشاذة و أن يقوم عليها دليل.
وأما فيما يتعلق بالحديث النبوي الشريف فإنّ البغداديين أسهبوا في الاستشهاد به. وأما الشعر العربي فإننا نجد البغداديين مدوا زمن الاحتجاج واستشهدوا بأشعار المولدين ومنهم بشار بن برد وأبونواس.
2 – القياس عند البغداديين:
وقف البغداديون موقفا وسطا في القياس بين البصريين والكوفيين، إذ قاسوا على الشاذ و قبلوه بشرط عرضه للمناقشة على الدارسين الأعلام فإذا أجازه هؤلاء الأعلام في خضم مناقشاتهم أجازوه وإن رفضه الأعلام رفضوه.
ومن مظاهر القياس عند البغاددة أنهم يزعمون أنّ ( كلتا ) الملحقة بالمثنى لها مفرد من لفظها هو ( كلت ) قياسا على قول رؤبة بن العجاج:( الرجز)
في كلت رجليها سلامى واحده ... كلتاهما مقرونة بزائده
والصواب أن الألف في ( كلت ) حذفت للضرورة الشعرية.[144]
ويفرد الدكتور محمد المختار ولد اباه مبحثا خاصا بالسماع والقياس عند واحد من نحاة بغداد وهو الرماني الذي وصفه بأنه أظهر القياس في صورة واضحة جلية لأنه [ أي الرماني] يرى أن القياس الصحيح هو الجمع بين شيئين بما يوجب اجتماعهما في الحكم كالجمع بين الاسم و الفعل بالرفع بعامل الرفع، فالقياس الصحيح هو المطّرد و المستند على السماع.[145]
3 – التعليل عند البغاددة:
المعروف عند نحاة بغداد أنهم تأثروا تأثرا كثيرا بالمنطق في تعليلاتهم و ذاك ما يصرح به الدكتور المختار ولد اباه في مقام سوقه رأيا لابن جني في العلة و التي هي عنده مأخوذة من مذهب المتكلمين وقريبة من تعليلهم. يقول:" و في حديثه [ يقصد ابن جني] عن العلل يقترب ابن جني من مذهب المتكلمين و قال إن العلل النحوية أقرب إلى عللهم و إنّ مرجعها العام هو الثقل و الخفة"[146]
و في المبحث الموالي سنتكلم عن أشهر نحاة المدرسة البغدادية و في خضم حديثنا عنهم سنبقى مرتبطين بالمبحث السابق و هو المتعلق بمنهج البغداديين في الدراسة النحوية.
من أعلام المدرسة البغدادية:
قبل التطرق إلى ذكر أسمائهم و التعرض لمختصر من تراجمهم ننوّه إلى المنهج العام الذي طبع أعلام المدرسة البغدادية، فلقد دأب مؤرخو النحو العربي في ترجمتهم لنحاة بغداد أن يصنفوهم إلى ثلاثة أصناف:
أ- نحاة اتسم منهجهم بالنزعة البصرية.
ب- نحاة اتسم منهجهم بالنزعة الكوفية.
ج ــــــ نحاة اتسم منهجهم بالمزج بين النزعتين البصرية و الكوفية.
أولا: من ظلوا على المنهج البصري:
1 – الزجاج:
أبو اسحاق إبراهيم بن السّريّ، غلب عليه لقب (الزجاج) لأنه كان يشتغل بصناعة الزجاج، ولد وتعلم و نشأ ببغداد، من شيوخه: ثعلب الكوفي والمبرد، ولما طلب عبيد الله بن سليمان مؤدبا لولده القاسم اقترح عليه المبرد الزجاج فقبله عبيد الله وجعله مؤدبا لولده القاسم، و أُثر عن الزجاج أنه كان متعصبا للبصريين ولسيبويه وكتابه، كما أنه عارض ثعلبا لما تحامل على سيبويه و كتابه. له مؤلفات منها: مختصر النحو، ما ينصرف وما لا ينصرف، شرح كتاب سيبويه...توفي ببغداد سنة 310هــــ و قيل 316.[147]
2 – ابن السرّاج:
أبو بكر بن السرّي، المشهور بابن السراج، و لد و نشأ و تعلم ببغداد، من شيوخه المبرد، طلب علم الموسيقى بداية ثم جلب اهتمامه كتاب سيبويه فأقبل عليه و درسه و تخصص فيه. توفي سنة 316 هـ و من تصانيفه: كتاب الأصول في النحو، كتاب الجمل، و شرح كتاب سيبوبه.[148]
3 – الزجاجي:
هو أبو القاسم بن عبد الرحمن بن اسحاق، ولد بمدينة تسمى نهاوند ببلاد فارس، وتعلم ببغداد ومن شيوخه إبراهيم بن السريّ الزجاج فلقب بالزجاجي نسبة لشيخه، ومن شيوخه أيضا: ابن كيسان، وابن السراج...كان ولوعا بالعلم يطلبه في مظانه فارتحل إلى الشام و استقر زمنا بدمشق ثم بحلب و طبرية، توفي على أرجح الأقوال سنة 337 هــ، و له كثير من التصانيف غير أنها ضاعت في معظمها و منها: كتاب الجمل، الأمالي، كتاب الإيضاح في علل النحو، كتاب اللامات، مختصر الزاهر....[149]
4 – مبرمان:
أبو بكر بن محمد بن علي العسكري، من شيوخه المبرد و الزجاج، نبغ في النحو حتى ذاع صيته في الأقطار، و لكن يقال أنه كان ضنينا بما عنده إلا بمقابل، توفي سنة 345 هـ من مؤلفاته: شرح شواهد سيبويه، شرح كتاب الأخفش.[150]
5 – ابن درستويه:
أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، المرزبان، من بلاد فارس، ارتحل به والده إلى بغداد فسمع عن المبرد، و ثعلب و ابن قتيبة، وصف بأنه شديد التعصب لمذهب البصريين توفي سنة 347 هــ و له من المؤلفات: الإرشاد في النحو، شرح كتاب الجرمي، غريب الحديث، شرح الفصيح لثعلب، المقصور و الممدود.[151]
6 – أبو علي الفارسي:
هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان، ولد بفارس، و ارتحل إلى بغداد و أخذ عن علمائها و منهم: المبرد، و ابن السراج، و الزجاجي فنبغ في النحو حتى قيل عنه أنه فاق المبرد فيه، توفي سنة 377 هــ من مؤلفاته: التذكرة، والإيضاح، و الحجة في القراءات، و كتب في مسائل: البغداديات، الشيرازيات، العسكريات...[152]
7 – ابن جني:
هو عثمان بن جني، كنيته أبو الفتح، رومي الأصل أزدي الولاء، و جني اسم غير عربي و تعريبه كني و معناه فاضل، كريم...ولد بالموصل وبها نشأ و تعلم، من شيوخه: الأخفش وهو غير الأخافشة المعروفين لأن اسمه أحمد بن محمد الموصلي الشافعي، كما أخذ عن أبي علي الفارسي، كان إماما في النحو و الصرف غزير التأليف فيهما، شاعرا و راوية ...توفي سنة 392 هــ من مؤلفاته: الخصائص، اللمع في العربية، سر صناعة الإعراب، المحتسب، التصريف الملوكي، علل التثنية....[153]
ثانيا: من اختاروا المنهج الكوفي:
1 – أبو موسى الحامض:
سليمان بن محمد بن أحمد، غلب عليه لقب الحامض و قد برروه بحدة مزاجه و تهوره، مكث طويلا يأخذ العلم عن ثعلب، كان ذا فطنة و حافظة، شديد التعصب للكوفيين، توفي سنة 205 هـ، من كتبه: مختصر في النحو، كتاب الوحوش، كتاب النبات...[154]
2 – ابن الأنباري:
أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن الأنباري، اشتهر بالقراءة و النحو، من شيوخه والده القاسم ابن محمد الأنباري الأديب المحدث، و ثعلب ، وإسماعيل القاضي و غيرهم كان آية في الحفظ و الفهم صادقا متدينا، توفي سنة 327هـ و له زخم كبير من المؤلفات و منها: خلق الإنسان، خلق الفرس، الأمثال، غريب الحديث[155]
ثالثا: من انتخبوا من المنهجين البصري و الكوفي:
1 – ابن قتيبة:
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ولد بالكوفة، ولقب بالدينوري نسبة لمدينة (دينور) بفارس والتي ولي القضاء بها، عاش زمنا ببغداد وتتلمذ على أيدي الزيادي والرياشي وابن راهويه وغيرهم، قال عنه أبو الطيب اللغوي في (مراتب النحويين): "...إلا أن ابن قتيبة خلّط عليه بحكايات عن الكوفيين لم يكن أخذها عن ثقات، وكان يتسرّع في أشياء لا يقوم بها، نحو تعرضه لتأليف كتابه في النحو، وكتابه في (تعبير الرؤيا ). وكتابه في (معجزات النبي صلى عليه وسلم وعلى آله)، و (عيون الأخبار)، و(المعارف)، و ( الشعراء )، ونحو ذلك مما أزرى به عند العلماء"[156]. وتصف الدكتورة خديجة الحديثي في تعقيبها على قول أبي الطيب اللغوي بأنه تحامل منه ضد ابن قتيبة مرده إلى أن ابن قتيبة بصري أخذ بعضا من آراء الكوفيين و ذلك ما لا يجيزه النحاة الأوائل من البصريين[157]. توفي سنة 287 هــ من مؤلفاته: أدب الكاتب، الجامع الكبير في النحو، و الجامع الصغير[158]
2 – ابن كيسان:
أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان، ولد ببغداد و بها نشأ و تعلم و لم يغادرها حتى لقّب بالبغدادي، سمع عن المبرد و عن ثعلب فعدّ من المازجين بين المذهبين، من تلاميذه أبو جعفر النحاس، توفي على أرجح الأقوال سنة 299 هــ و لديه تصانيف كثيرة منها: شرح السبع الطوال، علل النحو، غريب الحديث، الكافي في النحو، شرح معلقة امرئ القيس ...[159]
3 – الأخفش الصغير: ( الأصغر)
هو أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل البغدادي،ولد ببغداد، و قرأ على ثعلب و المبرد فنبغ في النحو العربية، و سافر إلى مصر ثم إلى حلب و مكث بهما حينا من الزمن، عاد إلى بغداد و بها توفي فجأة سنة 315 هـ و قيل 316. و قال عنه الذهبي: "لازم ثعلبا و المبرد وبرع في العربية ، و ما أظنه صنف شيئا"[160]. و في هذا نفي من قبل الذهبي التأليف عن الأخفش الأصغر غير أن الدكتورة خديجة الحديثي تذكر له مؤلفات منها: كتاب الأنواء، التثنية و الجمع، تفسير رسالة سيبويه...[161]
4 – ابن شقير:
أبو بكر أحمد بن الفرج بن شقير النحوي، كان عالما بالنحو متأثرا كثيرا بنحاة الكوفة، توفي سنة 317هــ و من مؤلفاته: مختصر في النحو، المقصور و الممدود، المذكر و المؤنث[162]
5 – ابن الخياط:
أبو بكر محمد بن أحمد ، أصله من سمرقند و وفد على بغداد، و سمع عن الزجاج وكانت بينهما مناظرة، عدّ من الملفقين بين المذهبين، كان وقورا حسن الأخلاق، توفي بالبصرة سنة 320هــ من تصانيفه: النحو الكبير، الموجز، المقنع...[163]
6 – نفطويه:
أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان، العتكي الأزدي الواسطي الملقب بـ: نفطويه من شيوخه: ثعلب و المبرد، أثر عنه أنه ظاهرة في الحفظ إذ يحفظ شعر النقائض، و شعر ذي الرمة، و كان يخلط بين نحو المدرستين، كان متدينا حسن الخلق ذا مروءة، توفي سنة 323 هــ من آثاره غريب القرآن، البارع، تاريخ الخلفاء...[164]
و لقد زاد الدكتور شوقي ضيف على أعلام المدرسة البغدادية صنفا بعنوان:
( بغداديون متأخرون) و فيهم:
الزمخشري:
أبو القاسم جار الله محمود بن عمر المشهور بالزمخشري نسبة إلى القرية التي ولد بها وهي زمخشر بخوارزم، و بها نشأ و تعلم، ثم انتقل إلى بخارى ثم بغداد، و نزل بمكة زمنا و يقال إنه كان معتزليا، توفي سنة 538 هــ و له تصانيف عديدة منها: تفسير الكشاف، أساس البلاغة....[165]
ملخص المحاضرة:
لقد عرفت في هذه المحاضرة أن هناك جدلا دار بين الدارسين حول وجود مدرسة بغداد النحوية
من عدم وجودها و أن من حجج المنكرين أن مدرسة بغداد ماهي إلا امتداد لإحدى المدرستين البصرة أو الكوفة كما علمت أيضا أن أول من أثبت وجودها هو المستشرق (HOWELL ). و الرأي الفيصل هنا يعود إلى أن هناك من البغداديين من آثر المنهج البصري و منهم اختار المنهج الكوفي
و منهم من مزج بين المدرستين و فق مايلي:
أولا: من ظلوا على المنهج البصري:
ابن السرّاج:
الزجاجي:
مبرمان:
ابن درستويه:
أبو علي الفارسي:
ابن جني: ثانيا:
من اختاروا المنهج الكوفي:
أبو موسى الحامض:
ابن الأنباري:
ثالثا: من انتخبوا من المنهجين البصري و الكوفي:
ابن قتيبة:
ابن كيسان:
الأخفش الصغير:
ابن شقير:
ابن الخياط:
نفطويه:
و لقد زاد الدكتور شوقي ضيف على أعلام المدرسة البغدادية صنفا بعنوان:
( بغداديون متأخرون) و فيهم:
الزمخشري:
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الثامنة
1. أخبار النحويين البصريين، السيرافي، تح/ محمد البنا، دار الاعتصام،1405هـ/1985م،ط1.
2. الإيضاح في علل النحو.
3. تاريخ النحو العربي.
4. الخصائص، ابن جني، تح/ محمد علي النجار، عالم الكتب، بيروت، 1431هـ/2010م، ط2.
5. شرح قصيدتي امرئ القيس و طرفة، ابن كيسان، تح/ محمد حسين آل ياسين، دار عمار، الأردن، 1430هـ/2009م، ط1.
6. العقد الثمين.
7. القياس في النحو.
8. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
9. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
10. مراتب النحويين.
11. المصباح المنير، كتاب الباء.
12. معجم البلدان.
13. معجم البلدان، الحموي، دار صادر، بيروت، د/ت، د/ط، ج1،حرف الباء.
14. نشأة النحو.
15. الدرس النحوي في بغداد، حيدر غضبان محسن الجبوري، كلية الآداب جامعة بابل uobabylon.edu.iq Mawdoo3.com.
المحاضرة التاسعة
الاختلاف النحوي بين مدارس النحو 1 ( المشرق )
حريّ بنا مرة ثانية و نحن في مستهل هذه المحاضرة أن نشير إلى أن مفردات البرنامج المقترحة قد شابها كثير من الخلل و الاضطراب، خاصة فيما يتعلق بتكرار المواضيع التي سبق و أن بحث فيها و للتذكير فإنّ المحاضرة الرابعة قد حمل عنوانها موضوع ( الاختلاف) إذ كان: ( مناهج المدارس النحوية العربية القديمة: الاختلاف ، التخريج...). و كنا حينها قد وقفنا عند كثير من مظاهر الاختلاف بين مدارس النحو القديمة... ثم تبرمج المحاضرة التاسعة و يكون موضوعها هذا العنوان: ( الاختلاف النحوي بين مدارس النحو 1، ( المشرق) ). و لأننا ألزمنا أنفسنا بالالتزام الصارم بمفردات البرنامج المقترحة فقد مضينا في البحث في هذه المفردات على ما فيها من تكرار لموضوع ( الاختلاف ) كما أسلفنا ذكره، محاولين قدر الإمكان تحاميّ كثير من التكرار بالتركيز على الجوانب التطبيقية و تعزيز الآراء بالشواهد والأمثلة و سنعرّج بداية على المعنى اللغوي و المعنى الاصطلاحي لمفهوم: الاختلاف.
المعنى اللغوي: جاء في المصباح المنير: "... و خالفته مخالفة و خلافا، و تخالف القوم و اختلفوا إذا ذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر و هو ضد الاتفاق"[166]
إذا فالاختلاف في اللغة هو نقيض الاتفاق.
المعنى الاصطلاحي: وأما في اصطلاح العلوم فقد ورد في ( كتاب التعريفات ) للشريف الجرجاني:
" الخلاف منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حق أو لإبطال باطل"[167]
وكما ترى لا يكاد التعريفان اللغوي و الاصطلاحي يختلفان هنا فالأول يشير إلى أن الاختلاف مرده إلى تمذهب فريقين كل بمذهبه، و أما الاصطلاحي فبين أن الخلاف هو نزاع بين فريقين حول أمر معين لإثبات كل فريق الحق لنفسه... و الحال كذلك في النحو لأن كل مدرسة أو كل مذهب يدعي الصواب لرأيه و يدعمه بتعليلات و حجج...
و بعد هذا لابد من التنويه إلى أن مجال الاختلاف النحوي بين المدارس واسع شاسع لا تستوعبه محاضرة واحدة و لكننا سننشد الاختصار و الإشارة حتى نقف عند أهم مظاهر الخلاف بين هذه المدارس. و لعله من المفيد أن نذكر أن ذلك الاختلاف بين تلك المدارس قد تجلت مظاهره في أربعة مجالات و هي:
أ) – اختلاف في التحديدات: ( بمعنى أن الاختلاف كان في تعريف الموضوع لا في الموضوع نفسه).
ب) – اختلاف في المصطلح: ( بمعنى أن الاختلاف في التسمية العلمية للمفاهيم ).
ج) – اختلاف في المنهج: ( و هو المتعلق بتباين طرائق الدرس اللغوي في دراسة المواضيع النحوية).
د)- اختلاف في التوجيه النحوي للقراءات القرآنية و الأشعار: ( التأويل النحوي).
و عليه فإننا نتتبع مظاهر هذا الاختلاف من خلال هذه المجالات الأربعة المذكورة:
أولا: اختلاف في المصطلح: و منه:
- اشتقاق الاسم:
يرى البصريون أن الاسم مشتق من (السموّ) أي الارتفاع، و يرى الكوفيون أنه مشتق من (الوسم) و معناه العلامة، قال أبو سعيد الأنباري: " ذهب الكوفيون إلى أن الاسم مشتق من الوسم وهو العلامة و ذهب البصريون إلى أنه مشتق من السمو و هو العلو"[168]
ما نستنتجه أن البصريين و الكوفيين يتفقان في لفظ ( الاسم) و يختلفان في تحديده و اشتقاقه.
- أصل الاشتقاق أهو الفعل أو المصدر؟
يرى الكوفيون أن الفعل هو أصل الاشتقاق و حجتهم أننا نبدأ بالفعل فنقول: ضرب ضربا و انطلق انطلاقا ...و أما البصريون فيرون أن المصدر أصل الاشتقاق، و من حججهم أن المصدر يحمل معنى الصدارة أي التقدم. قال أبو سعيد الأنباري: " و ذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل و فرع عليه، نحو: ضرب ضربا و قام قياما، و ذهب البصريون إلى أنّ الفعل مشتق من المصدر و فرع عنه.... و قالوا أن المصدر إنما سميّ مصدرا لصدور الفعل عنه"[169]
نسجل هنا اتفاق المدرستين على تسمية كل من الفعل و المصدر لكنهما تختلفان في أيهما أصل عن الآخر.
- اختلاف حول ( نعم ) و ( بئس ) أهما فعلان أم اسمان؟
يرى الكوفيون أن نعم و بئس اسمان مبتدآن، بينما يرى البصريون أنهما فعلان ماضيان جامدان، و احتجّ الكوفيون على اسميتهما بدخول حروف الخفض عليهما، و احتج البصريون على فعليتهما بقبولهما تاء التأنيث الساكنة و هي من علامات الأفعال...[170]
ثانيا: اختلاف في المصطلح:
إنّ أهم الاختلاف بين المدرستين تمظهر في المصطلح النحوي و هو كثير نسبيا لأن كل مدرسة كانت ترنو للتميز عن نظيرتها و سنختار مجموعة من المصطلحات المختلف فيها بين المدرستين مع عزونا كل مصطلح إلى مدرسته من خلال هذا الجدول:[171]
المصطلح البصري |
ما يقابله في المصطلح الكوفي |
الحشو |
الصلة |
ضمير الفصل |
العماد |
الإثبات |
الإقرار |
التوكيد |
التشديد |
لا النافية للجنس |
لا التبرئة |
الجامد |
الاسم الثابت |
ضمير الشأن |
المجهول |
اسم الفاعل |
الفعل الدام |
ينصرف و لا ينصرف |
يجري و لا يجري |
المضارع |
المستقبل |
النداء |
الدعاء |
هذا و لقد وقف الدكتور شوقي ضيف عند عينة من الخلاف في المصطلح النحوي نذكر منه مايلي:[172]
المصطلح البصري |
المصطلح الكوفي |
الضمير |
الكناية |
المفعول فيه، معه، لأجله، المطلق |
أشباه مفاعيل |
البدل |
الترجمة |
الظرف |
الصفة و المحل |
التمييز |
التفسير |
حروف النفي |
حروف الجحد |
لام الابتداء |
لام القسم |
ثالثا: اختلاف في المنهج:
أولا: السماع أو النقل:
لقد مرّ بنا من قبل اختلاف المدرستين في المنهج و من ذلك اختلافهما في السماع أي (النقل) إذ يتشدد البصريون في جمع اللغة التي يتخذونها شواهد لقواعدهم النحوية و لذلك توغلوا في البادية وسمعوا عن العرب الخلص و وقفوا موقفا حازما من اللغة الشاذة و تعاملوا معها تحت قاعدة: (الشاذ يؤخذ ولا يقاس عليه ) بمعنى أنهم لا يرفضون الشاذ رفضا مطلقا و لكنهم لا يتخذونه مرجعا لبناء آرائهم النحوية. و في المقابل نجد الكوفيين قد نقلوا عن أهل الحضر و أهل البادية كما سمعوا عن القبائل التي كانت على تخوم الأعاجم.
ثانيا: القياس:
و إذا تعلق الأمر بالقياس، فإنّ البصريين لا يقيسون إلا على المطّرد من كلام العرب
و نجدهم يتحرّجون كثيرا من القياس على الشاذ بله على غير المسموع. في حين كان الكوفيون يقيسون على الشاذ و على البيت الواحد بل و يقيسون على غير المسموع من اللغة أصلا.
ثالثا: التعليل:
و أما التعليل فلقد علمنا فيما سبق أن البصريين في تعليلاتهم يصدرون من اللغة ذاتها و يحتجون لآرائهم بما فهموه من دقة الواضع العربي و عبقريته، لكنّ الكوفيين في تعليلاتهم كانوا يقحمون ما لا علاقة له باللغة من فلسفة و منطق و غيرهما.
و لكي لا يبقى ما ذهبنا إليه مجرد افتراضات سنورد و بشكل مختصر أمثلة لما كنا قد أوردناه من اختلاف بين المدرستين فيمايلي:
- استدلّ الدكتور شوقي ضيف على اتساع الكوفيين في السماع بما يعرف بــــــــ ( المسألة الزنبورية) و التي جرت بين سيبويه البصري و الكسائي الكوفي... و سيبويه لا يقبل غير ضمير الرفع المنفصل في المقولة: ( كنت أظنّ أنّ العقرب أشدّ لسعا من الزنبور فإذا هو هي). و يرفض بالمطلق ضمير النصب المنفصل: ( فإذا هو إياها). و السماع يؤيد رأيه و في طليعة السماع القرآن الكريم:
قال الله تعالى:﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (الأنبياء 97).
و أما الكسائي فيقبل ضمير النصب المنفصل: ( فإذا هو إياها). وحجته لغة أعراب الحطمة الذين يصفهم شوقي ضيف بأنهم ليسوا فصحاء و لا سكان بادية في قوله: " لأنهم [ يقصد أعراب الحطمة] ليسوا من الفصحاء المتبدّين في قيعان نجد و تهامة و الحجاز ممن يؤخذ عن لسانهم النحو و اللغة "[173]
- الفصل بين المضاف و المضاف إليه:
يذكر أبو البركات الأنباري أن الكوفيين يجيزون الفصل بين المتضايفين، و يذكر احتجاجهم على ذلك بيتا من قول الراجز:
فززجتها بمزجّة .... زجّ القلوصَ أبي مزاده
فالمضاف في البيت هو: زجّ
و المضاف إليه: أبي مزادة
و المفعول به: القلوصَ.
و تقدير الكلام: زجّ أبي مزادةَ القلوصَ.
وأما البصريون فلا يجيزون الفصل بين المضاف و المضاف إليه، و قد وصف صاحب الإنصاف قياس الكوفيين على هذا البيت بأنه قليل و أنه مجهول القائل، ومن هناك لا يحتجّ به، يقول:" و أما الجواب عن كلمات الكوفيين أن ما أنشدوه فهو مع قلته لا يعرف قائله و لا يجوز الاستشهاد به"[174].
وإذا انتقلنا إلى التعليل فإنه عند البصريين مرتبط أساسا باللغة منها يصدر و إليها يعود، و نسوق مثالا على ذلك تعليل المبرّد البصري لورود لفظة (منفطر) بالتذكير خبرا للفظة ( السماء ) المؤنثة و ذلك في قول الله تعالى: ﴿ السماء منفطر به ﴾. (المزّمل 18) يعلل ذلك برأي أحد أوائل النحاة و كبارهم الخليل بن أحمد الذي يرى أن ( منفطر) ليست لفعل الانفطار، إنما هي وصف للحال التي تكون عليها يوم القيامة، و لو كانت للفعل لوافقت الاسم و قيل: السماء منفطرة.يقول المبرّد:" و قال الخليل في قول الله تعالى: (السماء منفطر به) قال هو كقولك للدجاجة ( معضل) المعضل التي نشبت بيضتها في جوفها. و لو كانت للفعل لم يكن إلا منفطرة"[175] .
- و أما تعليل الكوفيين فكثيرا ما يوصف بالضعف و الاضطراب و الخروج عن حقيقة اللغة و الجنوح إلى المنطق، ومنه ما يراه الفراء في النون الساكنة التي تليها الباء، فهي عنده نون خفية، و في ذلك خطأ لأنها ميم في مثل: قنبر و عنبر... و نجد أبا سعيد السيرافي يصرح بتخطئة الفراء في المسألة الخامسة من كتابه: ( ما ذكره الكوفيون في الإدغام)، و يقول محقق الكتاب: " تمثّل رأي الفراء أن النون الساكنة التي تليها الباء كالعنبر هو نون مخفاة و ردّه السيرافي مبينا أنّ الصحيح هو رأي سيبويه في كونها ميما "[176].
هذا و إنّ اختلاف البصريين و الكوفيين في القراءات القرآنية كثير جدا، نختار منه واحدا يتمثل في قبول الفراء الكوفي ثلاثة أوجه إعرابية في إعراب لفظة( غير ) في قول الله تعالى: ﴿ ما لكم من إله غيره ﴾ (الأعراف 59)
غيرُ ( بالرفع): نعتا للفظة ( إله ) باعتبار المحل الإعرابي الذي هو الرفع لأنّ ( من ) حرف جر زائد نحويا.
غيرِ ( بالجر) نعتا للفظة ( إله) المجرورة لفظا
غيرَ ( بالنصب ) بمعنى إلاّ.
لكنّ البصريين يرفضون توجيه النصب إذا لم يتم الكلام، و هنا لم يتم الكلام لأنّ بعد
(غير )ضميرا متصلا مضافا إليه. و في ذلك يقول الدكتور صالح أمين آغا في كتابه: ( التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء): " وقد أجاز الكسائي نصب غير كما أجازه الكوفيون في كل موضع يحسن فيه ( إلا) تمّ الكلام أو لم يتم،و أجاز ما جاءني غيرَك [ بالنصب]... و عند البصريين لا تكون ( غير ) منصوبة إذا لم يتم الكلام... خلافا للكوفيين فإنهم ينصبونها تم الكلام أو لم يتم، و الرفع على اتباع الموضع و الجر للفظ"[177]
الملخص:
أ– اختلاف في التحديدات: ( بمعنى أن الاختلاف كان في تعريف الموضوع لا في الموضوع نفسه).
– اختلاف في المصطلح: ( بمعنى أن الاختلاف في التسمية العلمية للمفاهيم) ب.
ج) – اختلاف في المنهج: ( و هو المتعلق بتباين وجهات النظر في دراسة المواضيع النحوية).
د)- اختلاف في التوجيه النحوي للقراءات القرآنية و الأشعار: ( التأويل النحوي).
قائمة المراجع المتعمدة في المحاضرة التاسعة
1. الإنصاف في مسائل الخلاف، ج1 .
2. الإنصاف في مسائل الخلاف، ج2.
3. التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في معاني القرآن، طه صالح أمين آغا، دار المعرفة، بيروت، 1428هــ/ 2007م، ط1.
4. كتاب التعريفات، الجرجاني، دار الفكر بيروت، 1425 هــ/ 2005م، ط2، باب الخاء.
5. ما ذكره الكوفيون في الإدغام، السيرافي، تح/ صبيح التميمي، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، د/ط.
6. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
7. المذكر و المؤنث، المبرد، تح/ رمضان عبد التواب و صلاح الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1417هــ/1996م، ط2.
8. المصباح المنير، كتاب الخاء.
9. من إشكالات المصطلح النحوي، سعيد جاسم الزبيدي، سلطنة عمان، مجلة العميد العدد 1و2، رمضان 1433هـ/2012م.
المحاضرة العاشرة
المدرسة النحوية الأندلسية والمغربية 1
موقع الأندلس:
جاء في معجم البلدان: "وأرض الأندلس من على البحر تواجه من أرض المغرب تونس، وإلى طبرقة إلى جزائر بني مزغناي ثم إلى نكور ثم إلى سبتة ثم إلى أزيلي ثم إلى البحر المحيط"[178].
وقد فتحها القائد المسلم طارق بن زياد سنة 92هجرية، وكان سقوطها في أيدي المسيحيين سنة 1492 ميلادية 897 هجرية، وتعرف اليوم إسبانيا.
الأندلس والنحو:
لما استتب الحكم لبني أمية وتوطدت أركان دولتهم بالأندلس نشطت حركة علمية وثقافية في شتى مجالات العلوم في الفقه واللغة والنحو وغيرها... يقول محمد الطنطاوي: "... لما استقر بنو أمية بالأندلس على يد عبد الرحمن الداخل وتوطد فيها الملك له وتعقبه من بعده استقبلت الأندلس عهدا جديد وبدأت الحركة العلمية فيه"[179].
وأما عن انتقال النحو العربي إلى الأندلس فكان بواسطة العلماء المرتحلين من الأندلس إلى المشرق وعودتهم بالنحو وبواسطة العلماء الوافدين من المشرق إلى الأندلس؛ والظاهر أن النحو الكوفي كان أسبق من النحو البصري إلى الأندلس.
يقول شوقي ضيف: "وأول نحاة الأندلس بالمعنى الدقيق لكلمة نحوي "جودي بن عثمان" الموروري الذي رحل إلى المشرق وتتلمذ للكسائي والفرّاء، وهو أول من أدخل إلى موطنه كتب الكوفيين، وأول من صنف به في النحو"[180].
وأما عن الوافدين بالنحو من المشرق إلى الأندلس نجد على رأسهم (القالي) صاحب كتاب "الأمالي" وفيه يقول الدكتور التواتي بن التواتي: "ازدهرت العلوم الإسلامية في المغرب الإسلامي، وكان أول ظهورها في الأندلس، وكان منطلق النشاط الثقافي في ميدان اللغة ناسبت.مجيء أبي علي القالي وهو من الوافدين من المشرق إلى الأندلس من ذرية عبد بن زمعة أخي سودة أم المؤمنين – رضي الله عنها-"[181].
وتأكيدًا لأسبقية النحو الكوفي إلى الأراضي الأندلسية يذكر الدكتور محمد المختار ولد أباه "جودي بن عثمان" الذي ارتحل إلى المشرق ثم عاد بالنحو الكوفي إلى الأندلس يقول: "بدا أن أول من اختص في النحو هو جودي بن عثمان الذي قيل عنه إنه أول من صنف في النحو في الأندلس بعدما تتلمذ للكسائي والفراء، وهكذا شق النحو الكوفي طريقه إلى الأندلس"[182].
ثم يذكر الدكتور المختار ولد أباه وصول النحو البصري إلى الأندلس على يد محمد بن يحيى المهلبي الرباحي تلميذ أبي القالي. يقول محمد المختار ولد أباه: "النحو البصري، وكان رائد هذه الحركة محمد بن يحيى المهلبي الرباحي تلميذ أبي جعفر النحاس .. لقد كان الرباحي من ألمع اللغويين في المشرق، ولما دخل الأندلس بث فيها معارفه الواسعة بالأدب والشعر واللغة، ولقد وجد الرباحى الدراسة النحوية قاصرة على المؤدبين"[183].
ومن مظاهر انتشار المذهب الكوفي بالأندلس إقبال الأندلسيين على كتاب سيبويه الذي نقله إليهم الرباحي بعد أن فقهه ودرسهُ وتخصص فيه على أيدي مجموعة من علماء المشرق.
تقول الدكتورة خديجة الحديثي: "رحل [تقصد محمد بن يحيى الرباحي] إلى المشرق فلقي أبا جعفر النحاس أكبر نحاة مصر في زمانه ومن المهتمين بكتاب سيبويه الذي كان محور الدرس النحو في مصر فحمل الرياحي عنه هذا الكتاب رواية ولازم (علاّن) وناظره وكان دقيق النظر جيد القياس حمل الرياحي الكتاب وعاد إلى قرطبة ولزم التأديب بنحو البصرة المتمثل بكتاب سيبويه في داره"[184].
من أشهر النحاة الأوائل في الأندلس والمغرب:
1) جودي:
وهو الذي ذكرنا عنه أنه أول من جلب النحو الكوفي إلى الأندلس واسمه: ابن عثمان النحوي المغربي. نشأ في (مورور)، مدينة بالقيروان، ارتحل إلى العراق وسمع عن الكسائي والفراء والرياشي وقرأ عن الكسائي كتاب سيبويه وحمله معه إلى المغرب، واستقر بقرطبة مدرسًا للنحو وتوفي سنة 198ه[185].
2) حمدون:
هو محمد بن إسماعيل أبو عبد الله، المشهور بــ: حمدون النحوي، قال عنه جلال الدين السيوطي: "قال الزبيدي، كان مقدماً بعد المهري في اللغة والنحو، وكان يقال: إنه أعلم الناس بالنحو خاصة من المهري لأنه كان يحفظ كتاب سيبويه، وله كتب في النحو، وأوضاع في اللغة وكان في العربية والغريب والنحو الغاية التي لا بعدها، توفي بعد المائتين"[186].
3) الأفشنيق:
هو محمد بن موسى بن هشام بن يزيد المعروف بالأفشينق القرطبي مولى المنذر، جاء عنه في كتاب:(بغية الوعاة):"قال الزبيدي وابن القرضي كان متصرفًا في علم الأدب والخبر، رحل إلى المشرق ولقي بمصر أبا جعفر الدينوري وأخذ عنه كتاب سيبويه رواية، له كتب مؤلفة منها كتاب طبقات الكتاب وكتاب شواهد الحكم، مات في رجب سنة تسع وثلاثمائة، سمع بقيسارية من عمرو بن ثور مسند الغرياني"[187].
4) محمد بن يحيى الرباحي الأندلسي:
وجدنا اسمه في نشأة النحو، ص182 (الرباحي) بالباء، وفي بغية الوعاة ص226 (الرباحي) بالباء كذلك، وفي المدارس النحوية لخديجة الحديثي (الرياحي) بالياء، جاء في تاريخ النحو العربي: "محمد بن يحي المهلبي الرياحي تلميذ ابن جعفر النحاس اشتهر بحذق لعلم العربية، ودقة نظره فيها، ولطف مسلكه في معانيها. كما صحب علي بن الحسن المصري المعروف بعلان.. وهكذا أخذ الرباحي علم الرواية عن النحاس وأخذ علم الرواية عن علان، توفي سنة 353ه" [188].
5) الزبيدي:
قال عنه الذهبي في العقد الثمين: "إمام النحو أبو بكر محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الزبيدي الشامي الحمصي ثم الأندلسي الإشبيلي ، صاحب التصانيف، سمع سعيد بن فحلون وقاسم بن أصبغ ، وأبا علي القالي، وأخذ العربية عن القالي، وعن أبي عبد الله الرياحي روى عنه ولده أبو الوليد محمد بن محمد وإبراهيم بن محمد الأفليلي وولده الآخر أبو القاسم أحمد الأديب قاضي إشبيلية. طلب المستنصر صاحب الأندلس أبا بكر الزبيدي من إشبيلية إلى قرطبة للاستفادة منه، فأدب جماعة، واختصر كتاب العين، وألف الواضح في العربية، وهو مؤدب المؤيد بالله هشام، توفي في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وله ثلاث وستون سنة"[189].
و للإشارة هو مؤلف كتاب التراجم: طبقات النحويين و اللغويين.
6) الأعلم الشنتمري:
أبو الحجاج يوسف بن سليمان لقب بالأعلم بسبب شق في شفته العليا، ولد بمدينة أندلسية تسمى (شنتمرية) اشتهر بحافظته القوية وحدة ذكائه فقد كان مقصدًا لطلاب العلم كان في مؤلفاته ذا ميولات أدبية، توفي بإشبيلية سنة 476ه، من مؤلفاته: شرح الجمل للزجاجي شرح شواهد سيبويه، وشرح ديوان زهير، وشرح ديوان الحماسة"[190].
7) ابن السيد البطليوسي:
مما قال عند الدكتور محمد ولد اباه: "من مشاهير علماء الأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بابن السيد البطليوسي، لقد تنقل هذا العالم بين حواضر الجزيرة من بطليوس إلى طليطلة... ثم لجأ إلى بني هود في سرقسطة، ثم عاد إلى قرطبة في عهد ابن الحاج وأخيرًا استقر ببلنسية وعكف على التأليف والإقراء و أما كتبه في اللغة و النحو فمن أشهرها إصلاح الخلل الواقع في الجمل، والحلل في شرح أبيات الجمل، كما شرح فصيح ثعلب و مثلثات قطرب وأبيات المعاني، وشرح أدب الكاتب لابن قتيبة و ديوان المتنبي وسقط الزند للمعري... توفي سنة 521ه"[191].
8) ابن الطراوة:
ترجم له الدكتور التواتي بن التواتي في كتابه المدارس النحوية ومما جاء في ذلك: "ابن الطراوة أبو الحسن سليمان بن محمد بن عبد الله السبتي المالقي، كان إمام النحاة في عصره شرقًا وغربًا شيوخه سمع كتاب سيبويه عن الأعلم يوسف بن سليمان، كما أخذ عن ابن مروان بن سراج، ومن تلاميذه أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد الخثعمي المالقي المشهور السهيلي توفي بالقاهرة سنة 745ه" [192].
9) ابن الباذش:
أبو الحسن علي بن أحمد، الغرناطي مولدًا ونشأة شبّ على حب العلم فنبغ في علوم الشريعة والعربية، وكان زاهدًا فاضلاً، نحويًا ملهمًا، من مؤلفاته: شرح كتاب سيبويه، شرح الأصول لابن السراّج، شرح المقتضب للمبرد، توفي سنة 538ه[193].
10) اللخمي:
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن هشام اللخمي، ولد ونشأ بمدينة سبتة، أقبل على علوم العربية والشريعة فنال منها الحظ، ومما ألف كتاب الفصول والجمل، توفي 570ه[194].
11) ابن طاهر:
أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر ولد بإشبيلية وارتحل إلى مدينة (فاس) لتعلم النحو فنبغ فيه. توفي سنة 580ه[195].
12) السهيلي:
أبو القاسم و أبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن الخطيب، ولد سنة 508ه بمدينة مالقة بالأندلس، من شيوخه في القراءات أبو داود الصغير سليمان بن يحيى كان السهيلي واسع المعرفة غزير العلم نحويًا متقدمًا لغويًا، من مصنفاته أمالي السهيلي، الروض الأنف والمشرع الروي، تفسير سورة يوسف، نتائج الفكر، توفي بمراكش 581ه[196].
13) ابن مضاء:
ترجم له الدكتور شوقي ضيف ومما جاء في ترجمته له: أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مضاء اللخمي القرطبي، نشأ في قرطبة وأخذ عن ابن الرماك كتاب سيبويه اشتهر بالفقه الظاهري والحديث النبوي، ولي القضاء للموحدين ( بفاس) فأغرى الناس بالظاهرية ونقل هذا الفكر إلى النحوي العربي فرفض تعليلات النحاة و أقيستهم وهاجم العلل الثواني والثوالث، كما هاجم التمارين غير العملية التي تصدر عن افتراضات النحاة، توفي سنة 592ه، من مؤلفاته: كتاب الرد على النحاة، المشرف في النحو [197].
14) الجزولي:
ترجم له الذهبي في كتابه العقد الثمين في تراجم النحويين ومما جاء في الترجمة: إمام النحو أبو موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت بن عيسى اليزدكني البربري المراكشي، حج ولازم ابن بري وأتقن عنه العربية، توفي في مراكش سنة 607ه[198].
15) ابن خروف:
أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحضرمي الإشبيلي، ولد بإشبيلية، من شيوخه ابن طاهر، ذاع صيته في المغرب واشتهر بالذكاء والتدقيق في مسائل النحو وكثرة التأليف، توفي بإشبيلية سنة 610ه. من مؤلفاته شرح كتاب سيبويه[199].
16) الشلوبيني:
ترجم له الذهبي في العقد الثمين ومما جاء فيها: الشلوبيني الأستاذ العلامة إمام النحو أبو علي عمر بن محمد بن عمر الأزدي الإشبيلي الأندلسي الأبيض الأشقر، ولد سنة 506ه بإشبيلية، من شيوخه أبو بكر بن الجد وأبو عبد الله بن زرقون، وأبو محمد بن بونه، وأبو زيد السهيلي، وعبد المنعم بن الفرس، من مصنفاته التوطئة والتعليق على كتاب سيبويه، توفي سنة 645ه[200].
17) ابن هشام الخضراوي:
أبو محمد عبد الله بن يحيى الخزرجي، لقب بالخضراوي نسبة لبلدة الجزيرة الخضراء، من شيوخه ابن خروف، من مؤلفاته الإفصاح بفوائد الإيضاح، الاقتراح في تلخيص الإيضاح، توفي بتونس سنة 646ه[201].
18) ابن الحاج:
أبو العباس أحمد بن محمد، سمع عن الشلوبيني، ونبغ في علوم اللغة العربية، توفي سنة 647.من مؤلفاته: مختصر الخصائص لابن جني، شرح الإيضاح[202].
ملخص المحاضرة:
ما يمكن اختصاره في هذه المحاضرة أن هناك من النحاة الأندلسيين من انتقل إلى المشرق و عاد إلى الأندلس و معه علم النحو نشره بين الدارسين و أن منهم من هاجر إلى المشرق و استقر به و كان له شيوخ و تلاميذ، كما عرفت أن النحو الكوفي كان أسبق إلى الأندلس أن
من أشهر النحاة الأوائل في الأندلس والمغرب
جودي
حمدون
الأفشنيق
محمد بن يحيى الرباحي الأندلسي
الزبيدي
الأعلم الشنتمري
ابن السيد البطليوسي
ابن الطراوة
ابن الباذش
اللخمي
ابن طاهر
السهيلي
ابن مضاء: الجزولي
ابن خروف
الشلوبيني
ابن هشام الخضراوي
ابن الحاج
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة العاشرة
1. معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1397ه/1977م، ج1.
2. نشأة النحو.
3. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
4. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
5. تاريخ النحو العربي.
6. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
7. بغية الوعاة، السيوطي.
8. العقد الثمين في تراجم النحويين.
9. نتائج الفكر، السهيلي، تح: عادل عبد الموجود، علي معوض، دار الكتب لبنان، 1411ه/1992م، ط1.
المحاضرة الحادية عشرة
المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية 2
بسقوط بغداد سنة 656ه على يد المغولي (هولاكو) تقوضت أركان الخلافة الإسلامية، فعاث المغول فسادًا في كنوز العلم والمعرفة حرقًا و إتلافًا إلى حد أنهم رموا بأمهات الكتب ونفائسها في نهري دجلة والفرات، فخبت جذوة العلم وتقهقرت مكانة النحو بتشريد علمائه قتلاً ونفيًا وهجرة إلى حيث الأمن والأمان، فإن العلم لا تنبت شجرته على الأراضي المضطربة التي تعبث بها سنابك الخيل وزلازل الفوضى... لكن هذا كله لا يعني انطفاء جذوة النحو في أنحاء غير بغداد وحواضرها، فلقد بقيت أثارة من العلوم في مصر والشام وكذلك الأندلس، حافظ ثلة من العلماء على هذا الإرث العظيم المتمثل في علم النحو.
يقول الدكتور صالح بلعيد: " كما أن هذا التذبذب مس بغداد فقط باعتبارها عاصمة الخلافة الإسلامية لكنه لم يمس حواضر أخرى في الدول الإسلامية التي كانت تزخر بشتى أنواع الصراع الثقافي حيث كانت الشام تعيش حركة نشطة في مناحي الحياة الثقافية، ناهيك عن الحلقات العلمية التي كانت تقام في شمال إفريقيا، وحلقات الأنس والمسامرة العلمية التي تجرى في الأندلس"[203].
إذًا فهذه المحاضرة تتعلق ببعض من نحاة الأندلس في الفترة التي أعقبت سقوط بغداد سنة 656ه كما أننا ننوه إلى أن معظم هؤلاء النحاة الأندلسيين في هذه الفترة قد ارتحلوا إلى المشرق العربي واستزادوا من النحو ونبغوا فيه، ومنهم من مكث هناك، ومنهم من عاد إلى موطنه الأصلي الأندلس، ونذكر من الفريقين:
1) ابن عصفور:
ترجم له السيوطي في بغية الوعاة ومما جاء فيها: علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور النحوي الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانة بالأندلس، جال بالأندلس وأقبل عليه الطلبة، وكان أصبر الناس على المطالعة، أخذ عن الدباج والشلوبين، لم يكن ذا ورع إذ كان سبب وفاته في مجلس شراب – كما تقول بعض الروايات – و ذلك سنة 663ه وقيل 669ه، من مؤلفاته الممتع في التصريف، شرح الجزولية، مختصر المحتسب [204].
2) ابن معطي:
يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي المغربي النحوي الفقيه الحنفي الملقب بزين الدين والمكنى بأبي الحسن والمعروف بابن المعطي، ولد سنة 564ه ببجاية في قبيلة "زواوة" ونشأ بمسقط رأسه، من شيوخه الجزولي، عاش بداية حياته في المغرب وكانت الحياة العلمية نشطة في عصر الموحدين، ثم ارتحل إلى المشرق واستقر بمصر وكان له تلاميذ بها، توفي بالقاهرة سنة 628ه، من مؤلفاته: ألفيته في النحو والصرف وتسمى (الدرة الألفية في علم العربية)، المثلث في اللغة.. [205].
3) ابن مالك:
أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك، الطائي نسبًا والأندلسي إقليمًا والجياني ولادة ونشأة، والمالكي ثم الشافعي مذهبًا والدمشقي دارًا ووفاة. ولد بمدينة (جيان) بالأندلس سنة 600ه، وبها نشأ وتعلم، من شيوخه الشلوبيني،و ابن يعيش الحلبي، ارتحل إلى المشرق و استقر مدة بمصر ثم ألقى عصا الترحال بالشام ومكث بدمشق مدرسا للغة والنحو، توفي بدمشق سنة 672ه، من مؤلفاته: الألفية (الخلاصة)، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، عمدة الحافظ وعدة اللافظ، شرح الكافية الشافية [206].
4) ابن الضائع:
أبو الحسن علي بن محمد الكتامي، من شيوخه الشلوبيني، له نظرات خاصة تجاه كتاب سيبويه سبق علماء النحو إليها، توفي سنة 680ه، من آثاره: شرح كتاب سيبويه، شرح الجمل، شرح السيرافي[207].
5) ابن أبي الربيع:
هو أبو عبد الله بن أحمد الأموي الإشبيلي مولدًا ونشأة، هاجر إلى مدينة (سبتة) وكان له تلاميذ هناك، قرأ عليهم النحو واللغة، من شيوخه الشلوبيني، توفي سنة 688ه .من مؤلفاته: شرح على كتاب سيبويه، شرح على إيضاح أبي علي الفارسي... [208]
6) ابن آجروم:
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن داوود الصنهاجي، ولد سنة 672ه، اشتهر بكتاب الآجرّومية و(آجرّوم) بالبربرية (الفقير الصوفي)، ولد ونشأ بفاس، ذهب إلى الحج واستقر زمنا بالقاهرة، ومن شيوخه أبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي، لما عاد مكث بفاس يعلم النحو والقرآن، توفي سنة 723ه. من مؤلفاته: المقدمة الآجرومية في مبادئ علم العربية، شرح لمنظومة الشاطبي[209].
7) أبوحيان:
جاءت ترجمته مختصرة في مستهل كتابه: "ارتشاف الضرب من لسان العرب" بتحقيق الدكتور رجب عثمان محمد، ومما جاء فيه: "هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الإمام أثير الدين، أبو حيان الأندلسي الغرناطي لقب بالغرناطي نسبة إلى مدينة غرناطة التي نشأ بها وترعرع فيها، ولد سنة 654ه، ولقد غادر موطنه و راح يهاجر في البلاد شرقًا وغربًا واستقر بالقاهرة، ومن شيوخه: ابن الضائع وابن النحاس، توفي بالقاهرة سنة 745ه، من مؤلفاته: ارتشاف الضرب من لسان العرب، إعراب القرآن، الأثير في قراءة ابن كثير[210].
8) الشاطبي:
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الغرناطي، من شيوخه: أبو القاسم السبتي. وأبو عبد الله التلمساني، توفي بالأندلس سنة 790ه، من آثاره: الموافقات في أصول الفقه شرح ألفية ابن مالك[211].
ملخص المحاضرة:
لقد عرفت في هذه المحاضرة أن النحو العربي و على غرار العلوم كافة أصابه ضياع و خمول بسبب هجمة المغول على بغداد فتشتت علماء النحو و انكفأوا على أنفسهم فخبت جذوة النحو أيما خفوت كما علمت أن النحو بقي محافظا على سيرورته خارج بغداد مثل مصر و الأندلس و كان بهما الدرس النحوي متواصلا بأفكاره و أعلامه و من أعلام المدرسة النحوية الأندلسية و المغربية)
ابن عصفور:
ابن معطي:
ابن مالك:
ابن الضائع:
ابن أبي الربيع:
ابن آجروم:
أبوحيان:
الشاطبي:
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الحادية عشرة
1. ألفية ابن مالك في الميزان، صالح بلعيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995.
2. بغية الوعاة.
3. الدرة الألفية، ألفية ابن معطي، تح: سليمان إبراهيم البلكيمي، دار الفضيلة، القاهرة، 2010، ط1.
4. العدد والمعدود في النحو العربي، رسالة ماجستير، نوقشت سنة 2007، جامعة الجزائر.
5. المدارس النحوية، شوقي ضيف.
6. ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي، تح: رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1418ه/1998م.
7. نشأة النحو.
8. ar. m.wikipedia.org
المحاضرة الثانية عشرة
الاختلاف النحوي بين مدارس النحو (2) المغرب
سننطلق بغية الوقوف على أهم مظاهر الاختلاف النحوي في المدرسة الأندلسية المغربية من خلال منهج مبني على ثلاثة محاور وهي:
- اختلاف شامل مع كل المدارس النحوية بما فيها المدرسة الأندلسية المغربية، ويمثل هذا الاتجاه ابن مضاء القرطبي.
- اختلاف بينيّ واقع بين نحاة المدرسة الأندلسية المغربية من خلال مناظراتهم ومعارضتهم فيما بينهم، وسنقف عند آراء بعض النحاة: ابن الطراوة، السهيلي، الجزولي، ابن عصفور.
- اختلاف بين نحاة المدرسة الأندلسية المغربية وبين مدارس الشرق يتمثل في قضية استقلال نحاة الغرب الإسلامي و تميزهم عن غيرهم.
وعليه سنركز في محاضرتنا هذه انطلاقًا من هذه المحاور الثلاثة باستقصاء آراء كل من ابن مضاء القرطبي، وآراء ابن الطراوة، والسهيلي، الجزولي وابن عصفور، وآراء هؤلاء وغيرهم مقارنة بالمدارس الشرقية.
من آراء ابن مضاء القرطبي:
لعل أهم كتاب اشتهر به ابن مضاء القرطبي هو كتابه "الرد على النحاة"، والذي أحدث ثورة فكرية عارمة في أصول التفكير النحوي، ومازال صدى تلك الثورة يتردد في مجالات الدرس النحوي إلى زماننا هذا. و الدارسون كانوا حياله بين مناصر للفكرة ومعارض لها، وإذا أردنا أن نختصر وصف الكتاب فإنه يتكون من مقدمة.
وفصل عن إلغاء العوامل.
وفصل يدعو إلى تطبيق النحو من غير عامل ولا معمول.
وفصل يدعو إلى إلغاء العامل والمعمول في باب الاشتغال.
وفصل عن إسقاط العلل الثواني والثوالث.
وفصل عن إسقاط التمارين.
ما يجب أن يعرفه الدارس لفكرة أبي مضاء في الرد على النحاة أن هذه الفكرة مستنبطة بالأساس من المذهب الظاهري في الفقه ومرتبطة به ارتباطًا وثيقًا. تقول الدكتورة خديجة الحديثي: "...أما دعوة الموحدين هذه التي كان ابن مضاء يميل إليها فهي الدعوة إلى الأخذ بمذهب الظاهر في الفقه"[212].
والمذهب الظاهري على وجه التبسيط هو التقيد بالنصوص وعدم الحيد عنها إلى ما سواها وعلى هذا انبنت فكرة ابن مضاء على رفض التعليل والعوامل، فأرادا بذلك تقويض الأسس التي شيد عليها النحو العربي خاصة المذهب البصري.
يقول ابن مضاء: "وإن رأيت النحويين – رحمة الله عليهم- قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن وصيانته من التغيير فبلغوا من ذلك إلى الغاية التي أملوا وانتهوا إلى المطلوب الذي ابتغوا، إلا أنهم التزموا ما لا يلزمهم، و تجاوزوا القدر الكافي فيما أرادوه منها فتوعرت مسالكهم، ووهنتْ مبانيها، وانحطَّت عن رتبة الإقناعِ حجتها"[213].
وعن الفصل الذي خصصه لدعوته إلى إلغاء العوامل نراه لا يعترف بفكرة العامل التي ارتكز عليها النحاة القدماء، ولابأس أن نذكر تعريف العامل في المصطلح النحوي. يقول الدكتور سليمان عبد الله الأشقر: "العامل عند النحاة هو ما أوجب كون آخر الكلمة وجه مخصوص من الاعراب ... والعوامل إما لفظية كالفعل وحروف الجر ونحوها وإما معنوية كالابتداء الرافع للمبتدأ وكتجرد المضارع من النواصب والجوازم"[214].
فابن مضاء يرفض رفضًا قاطعًا فكرة العامل بنوعيه المعنوي واللفظي، يقول: "وأما العوامل النحوية فلم يقل بعملها عاقل، لا ألفاظها ولا معانيها، لأنها لا تفعل بإرادة ولا بطبع"[215].
وأمّا عن الفصل الذي تضمن رأيه الدّاعي إلى تطبيق النحويين من غير عامل ولا معمول واختار له بابًا من أبواب النحو هو: باب التنازع. و التنازع في النحو هو أن يسلط عاملان على معمول واحد ويطلب هذان العاملان كلاهما هذا المعمول، جاء في المعجم الميسر: "التنازع هو تركيب نحوي يتقدم فيه عاملان على اسم يطلب كل واحد منهما أن يكون معمولا له، فيعمل الواحد منهما في لفظه الظاهر والآخر في ضمير لأنه لا يمكن تسليط عاملين على معمول واحد، نحو: وقف وخطب سمير. سمير: فاعل خطب وضميره فاعل وقف"[216].
و في باب التنازع خلاف بين البصريين والكوفيين في أي العاملين أولى بالعمل؟ الأول أو الثاني الكوفيون يرون العامل الثاني أولى بالعمل لقربه من المعمول، والبصريون يرون العامل الأول أولى لأوليته[217].
ورأي ابن مضاء في باب التنازع يتلخص في أنه يرفض مصطلح (العمل) ويقترح مصطلح (التعليق) الذي يستعمله النحاة في (حروف الجر) ويريد ابن مضاء أن يقحمه في باب التنازع، يقول: "فأما في هذا الباب لا أخالف النحويين إلا في أن أقول: "علّقت" ولا أقول "أعملت" والتعليق يستعمله النحاة في المجرورات وأنا أستعمله في المجرورات والفاعلين والمفعولين"[218].
وفي الفصل الثالث رأيه في إلغاء العامل والمعمول في باب الاشتغال "والاشتغال تركيب نحوي يشتغل فيه العامل عن نصب الاسم المتقدم عليه ينصب ما يليه من ضمير ذلك الاسم نحو: جميل فضّلته، أو من متعلقه، نحو: جمیل فضّلت أخاه، وهكذا يكون جميل مبتدأ، وتكون الجملة بعده خبرًا"[219].
ورأى ابن مضاء في باب الاشتغال أنه يحسب ادخال العامل والمعمول فيه ضربًا من التعسير على الأفهام، يقول: "ومن الأبواب التي يظن أنه يعسر على من أراد تفهيمها أو تفهمها لأنها موضع عامل ومعمول والداعية إلى إنكار العامل والمعمول باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره، مثل قولنا: "زيدًا ضربته"[220].
وفي الفصل الرابع: إسقاط العلل الثواني و الثوالث.و لابد لك قبل الحديث عن إسقاط العلل من معرفة العلل الأوّل والثواني والثوالث ولو بطريق الاختصار، فلقد قسم أبو القاسم الزجاجي في كتابه (الايضاح في علل النحو) العلل ثلاثة أقسام:
العلة التعليمية.
والعلة القياسية.
والعلة الجدلية.
يقول: "وعلل النحو بعد هذا على ثلاثة أضرب، علل تعليمية وعلل قياسية وعلل جدلية نظرية، فأما التعليمية فهي التي تتوصل بها إلى تعلم كلام العرب... وأما العلة القياسية فأن يقال لمن قال نصبت زيدًا بأن ... لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول... وأن العلة الجدلية النظرية فكل باب يعتل به في باب (إن) بعد هذا"[221].
ومن خلال كلام الزجاجي نستنتج العلل الأوّل هي العلل التعليمية والثواني هي العلل القياسية والثوالث وما بعدها هي العلل الجدلية النظرية، وتقوم فكرة ابن مضاء على قبول العلل الأوّل ورفض ما سواها.
يقول ابن مضاء: "ومما يجب أن يسقط في النحو، العلل الثواني والثوالث، وذلك مثل سؤال السائل عن زيد من قولنا: قام زيد لم رفع ؟ فيقال: لأنه فاعل ... فيقول لم رفع الفاعل فالصواب أن يقال هكذا نطقت العرب"[222].
وفي الفصل الخامس الذي عنونه ابن مضاء بــ: (إسقاط التمارين) وتشرح لنا هذا العنوان الدكتورة خديجة الحديثي وتعيد عنونته بـ: (إلغاء الأمثلة غير العملية) [223].
وما يفهم في هذا الفصل أن ابن مضاء يرفض التمارين التي لا يراد من إجرائها خدمة اللغة العربية وخدمة النطق بها، خاصة وأن هذه التمارين - في رأي ابن مضاء- تكثر فيها اختلافات النحاة فيما بينهم، بينما لا يجني متعلم النحو من ذلك أدنى فائدة.
يقول ابن مضاء: "ومما ينبغي أن يسقط في النحو: ابنِ من كذا مثال كذا كقولهم: ابنِ من البيع مثال "الفعل" فيقول قائل: "بوع" أصله "بيع" ...فمما يجب أن يسقط في النحو الاختلاف فيما لا يفيد نطقًا..." [224].
من آراء ابن الطراوة:
مما خالف ابن الطراوة النحاة هو قبوله أن توصف المعرفة بالنكرة، ومن ذلك قول النابغة: (البسيط):
فبتت كأنى ساورتنى ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع[225]
ناقع عند ابن الطراوة صفة للسم.
وفي رأيه هذا مخالفة للنحاة الذين لا يجوزون وصف النكرة إلا بالنكرة، ولا وصف المعرفة إلا بالمعرفة[226].
ومن آراء ابن الطراوة المخالفة للبصريين رأيه في "رُبّ" فهي عند البصريين حرف تقليل، وعند الكوفيين اسم مبني و وافقهم ابن الطراوة في اعتبار "رُبّ" اسما[227].
من آراء السهيلي:
يُدقق السهيلي في حدّ التنوين الذي يلحق الأسماء المنكرة المتمكنة والذي يعرف بأنّه: نون ساكنة تلحق أواخر الأسماء المتمكنة.
و تتجلى دقة السهيلي في هذا التحديد فيقول: "وتصحيح هذه العبارة عندي أن يقال: التنوين: إلحاق الاسم نونًا ساكنة، لأن التنوين مصدر "نونت الحرف" أي ألحقته نونًا"[228].
إذًا فهو هنا يخالف النحاة في تمييزه المصدر عن الاسم، فعندما قال النحاة إن التنوين نون، رفض السهيلي ذلك، فالتنوين عنده إلحاق الاسم نونًا.
ومن آراء السهيلي التي يمتاز بها ويخالف النحاة فيها إغراقه في التعليل واعتداده به، ففي تفسيره للفتحة يرى أن الفتح دليل الاتساع والكثرة وفي تفسيره للضمة يعلل الضم بأنه التقليل والقرب.
يقول: "وإذا كان الفتح ينبئ عن السعة والكثرة، فالضم الذي هو ضده ينبئ على القلة والحقارة ولذلك تجد المقلل للشيء يشير إليه بضم فم أو يد"[229].
من آراء الجزولي:
اشتهر الجزولي بمقدمته المعروفة بـــ "مقدمة الجزولي" ولقد تقبلها النحاة ودرسوها واستنبطوا منها عبقرية الجزولي ودقته في التفكير النحوي، يقول عنها الدكتور محمد المختار ولد اباه: "والمقدمة من بديع المختصرات التي نشأت في هذا العصر [أي عصر الجزولي] وعرفت تطورًا كبيرًا فيما بعد، وإبداع الجزولي واضح في نظمه وشدة اختصاره"[230].
ومن مخالفته النحاة أنه يدقق في التعريف إذ أضاف عبارة (بالوضع) في تعريف الكلام.
يقول الدكتور محمد المختار ولد اباه: "وتتمثل الدقة في تعريفه للكلام بزيادة الإفادة "بالوضع" فقال إنه اللفظ المركب المفيد "بالوضع"[231].
من آراء ابن عصفور:
الآراء التي عارض بها النحاة وصرح فيها بمخالفته للنحاة ومن ذلك:
- رفضه حسبان النحاة الميم زائدة في كلمات: هرماس، وضبارم وحلقوم، يقول ابن عصفور: "وزعم بعض النحويين أن الميم في هرماس، وضبارم وحلقوم زائدة وينبغي عندي أن تجعل الميم في هذا كله أصلية"[232].
- رفضه حسبان النون أصلية بعد ألف زائدة.
رفض ابن عصفور ما يراه السيرافي في كون النون إذا جاءت في الآخر بعد ألف زائدة أصلية.
ويقول: "وذهب السيرافي إلى أن النون إذا أتت في الآخر بعد ألف زائدة فإنه لا يخلو أن يكون جعلها أصلية يؤدي إلى بناء غير موجود أو إلى بناء موجود ... وهذا الذي ذهب إليه في أصالة النون فيما يؤدي جعل النون فيه أصلية إلى بناء موجود باطل"[233].
ونختم حديثنا عن الخلاف النحوي في المدرسة النحوية الأندلسية المغربية بما أورده الدكتور محمد المختار ولد اباه في تعليقه على كتاب "النكت" للأعلم الشنتمري الذي كان يجاهر بمعارضته للنحاة المشارقة أمثال المبرد والزجاج و يؤثر عليها آراء كل من سيبويه والخليل.
يقول محمد المختار ولد اباه: "...وفي المثال الأخير نرى الأعلم يعترض على المبرد والزجاج منتصرًا للخليل وسيبويه... والذي يستخلص الباحثون من الأمثلة الواردة في كتاب (النكت) وانتصاره الثابت لآراء سيبويه هو أن هذا العالم لم يقتصر على نقل مباحث كتاب سيبويه بل إنه اعتمدها مذهبًا عرف أصوله السمعية وقواعده القياسية"[234].
فهذا دليل على ارتباط نحاة المدرسة الأندلسية المغربية بالأعلام الأوائل والأصول الأولى للنحو العربي، كما ذكر المختار ولد اباه انتصار الأعلم الشنتمري لسيبويه والخليل.
ملخص المحاضرة:
يمكن اختصار هذه المحاضرة في أن نوع الخلاف الذي كان في المدرسة الأندلسية و المغربية كان من خلال اختلاف مع مدارس النحو كافة و كان يمثله ابن مضاء القرطبي بكتابه: ( الرد على النحاة) و نوع آخر من الخلاف كان بين نحاة المدرسة الأندلسية نفسها و قد مثله كل من ابن الطراوة،
و السهيلي و الجزولي و ابن عصفور و النوع الثالث و هو الخلاف بين نحاة المدرسة الأندلسية و المشرق و رأينا من نحاته الجزولي و ابن عصفور بإضافة الأعلم الشنتمري.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الثانية عشرة
1. المدارس النحوية، خديجة الحديثي.
2. الرد على النحاة، ابن مضاء، تح: محمد إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، دت، دط.
3. معجم علوم اللغة العربية، محمد سليمان عبد الله الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422ه/2001م، ط1.
4. المعجم الميسر، محمد أمين ضناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420ه/1999م، ط1.
5. الانصاف، ج1.
6. الإيضاح في علل النحو، الزجاجي، تح: فارس المبارك، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1432ه/2011م، ط7.
7. ديوان النابغة الذبياني، تح: كرم البستاني، دار صادر، بيروت، د ت، د ط.
8. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي.
9. المدارس النحوية، شوقي ضيف،.
10. نتائج الفكر.
11. تاريخ النحو العربي.
12. الممتع الكبير في التصريف، ابن عصفور، تح: فخر الدين قباوة، مكتبة لبنان، 1996، ط1.
المحاضرة الثالثة عشرة
الاختلافات النحوية في المنظومات
النظم في اللغة:
جاء في مختار الصحاح للرازي ما نصه: "نَظَمَ اللؤلُؤ جمعه في السّلك وبابه ضرب، ونظمه تنظيما مثله، ومنه نظم الشعر و نَظمه"[235].
وأمّا المنظومات في علم النحو، فمن بين تعاريفها ما ذكره الدكتور حسان عبد الله الغنيمان في كتابه "المنظومات النحوية وأثرها في تعليم النحو": "...المنظومات النحوية نوع من الشعر التعليمي، وهو النظم الذي يهدف به ناظمه إلى تعليم الناس.. فقد فطن مصنفو العلوم وخاصة النحو إلى أنه بالإمكان توظيف نظم الشعر وايقاعاته في صياغة منظومات نحوية تسهم في تسهيل تعلمه، وتيسر حفظ قواعده"[236].
ما يستنتج من التعريفين اللغوي والاصطلاحي أن المنظومات النحوية هي متون نحوية، يؤلفها بعض علماء النحو شعرًا، والغرض من ذلك هو تسهيل حفظ قواعد النحو وأبوابه على الطلاب، وطريقة من طرائق تسييره وتسمى أيضًا: الشعر التعليمي.
ظهرت المنظومات النحوية في عصور متأخرة عن عصور نشأة النحو لمّا تضاءل عدد النحاة وشاع اللحن بكثرة بين الناس وضعفت همة الطلاب على استيعاب أبواب النحو وقواعده فهبت مجموعة من النحاة إلى نظم هذه الأبواب والقواعد في قالب شعري يسهل للطلاب تعلم النحو لأن الشعر أسهل للحفظ من النثر.
قال ابن خلدون: "... وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرًا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع من نقل كما نقله ابن مالك في كتاب التسهيل... ولربما نظموا ذلك نظمًا مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى"[237].
والمعروف لدى دارسي هذه المنظومات أنها كثيرة لا يمكن حصرها في عدد معين، كما أنه من الصعب تحديد أولى المنظومات لأن الآراء حول ذلك متشعبة ومتضاربة غير أننا سنحاول الوقوف عند أشهر هذه المنظومات على وجه الترتيب الزمني الخاضع لوفيات أصحابها، من خلال التعريف المختصر بهم والإشارة إلى منهجهم وأبواب هذه المنظومات ثم الوقوف عند أهم الاختلافات النحوية:
ملحة الإعراب وسنخة الآداب للحريري:
ناظمها: هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري، ولد سنة 446ه بالبصرة، ولقب بالحريري لاشتغاله بعمل الحرير وبيعه، توفي سنة 516ه، من مؤلفاته: المقامات، ديوان شعر، وملحة الإعراب في علم النحو[238].
والمشهور عند الدراسين أن هذه المنظومة هي من أوّل ما ألف في هذا النوع من الشعر التعليمي، يقول محققها عن الحريري: "وهو من أوائل من طرق هذا الفن، فلقد سبق ابن معطي وابن مالك في صياغة النحو في منظومة شعرية"[239].
أبواب هذه المنظومة:
بدأ الحريري مقدمة حمد فيها الله تعالى وسلم على النبي وآله بقوله:
أقول من بعد افتتاح القول بحمد ذي الطول شديد الحول
وبعـــــده فأفضـــــــل السَّــــــــــــــــــلام على النبي ســــــــــــــيد الأنـــــــــــــــــــــــام
ونذكر مما تطرقت إليه هذه الأبواب: باب حد الكلام، باب الاسم، باب الفعل، باب الحرف، باب المعرفة والنكرة، باب قسمة الأفعال، باب فعل الامر، باب الفعل المضارع، باب الإعراب، ثم ختم المنظومة باب الشرط وباب المبنيات.
وأمّا الخاتمة فكانت أبياتا تحتوي على النصح والإرشاد أكد فيها أن علوم العربية كلها وتلاوة القرآن الكريم وفهمه مناطه علم النحو يقول:
إن شئتَ نــــــــــــــــيلَ العلمِ والآدابِ وبـــــــــــــراعةً في فهم كل كتابِ
وتــــــــــــــــلاوةَ القـــــــــــــرءان حــــــــقَّ تلاوةٍ لفظًا وتفسيرًا وفصْلَ خِطابِ
وقـــــــــــــــــــــراءةِ السنن المنــــــــــــــــــيرة تابعًا آثارهــــــا متـــــــــــوخيًا لصــــــــــــــــــــوابِ
وبلوغِ غايــــــــــــات الـــــــبلاغةِ عـــــارفًا بـمـــــــــــــــواقع الإيجازِ والإطناب
فابدأ بعلم النحو فهو أساسها لا يمتري في ذا أولو الألباب[240].
منهج ناظمها:
نظمها على الرجز الذي تفعيلاته:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن
وهو سهل على النظم والأبيات على هذا النحو تسمى أرجوزة والجمع أراجيز، ولقد احتوت المنظومة ثلاثمائة وثمانية وسبعين بيتا (378)يضاف إليها أبيات الخاتمة وعددها ثلاثة عشر بيتًا فيصبح عدد أبياتها الإجمالي أربعمائة بيتٍ وبيتًا واحدًا (401).
يتجلى لنا أن الناظم يتمذهب بمذهب البصريين فهو يختار مصطلحاتهم وتصنيفاتهم ومن ذلك: استعمال مصطلح (فعل الأمر) ومصطلح (المضارع) وهذان الاصطلاحان للبصريين والكوفيون يسمون الأمر (المنقطع) والمضارع (المستقبل).
يقول الحريري: "وإن أردتَ قِسمة الأفعالِ ...... لِينجَلي عنكَ صَدَا الإشكَالِ
فَهْيَ ثَلاثٌ مَا لهُنَّ رابعُ ....... ماضٍ وفِعلُ الأمرِ والمُضارِعُ"[241].
للحريري بعض المصطلحات الخاصة ومنها: المفرد عنده (الفريد) يقول:
ونَوِّن الاسمَ الفريدَ المُنْصرفْ....... إذا دَرجْتَ قائلاً ولم تَقِفْ[242].
ومن تجليات تمذهب الحريري في ملحمته بمذهب البصريين رأيه في أن المصدر أصل والفعل فرع عنه وهذا مذهب البصريين وأمّا الكوفيون فيرون العكس الفعل أصلاً والمصدر فرعًا.
يقول الحريري:
والمصدرُ الأصلُ وأيُّ أصلِ ..... ومنهُ يا صاحِ اشتقاقُ الفعلِ.
أسقط الحريري من ملحمته كثيرًا من أبواب النحو ومنها: باب المبتدأ والخبر وما يتبعهما من أبواب كمسوغات الابتداء بالنكرة والتقديم والتأخير، كما أسقط باب التنازع.
الدرّة الألفية (ألفية ابن معطي):
ناظمها: هو يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي المغربي، ولد سنة 564ه، وتوفي سنة 628ه[243].
ذكرنا من قبل أن ملحة الإعراب هي من المنظومات الأول، وأمّا ألفية ابن معطي فقد قيل عنها إنها من أوّل المنظومات في نوعها وذلك لأنها نظمت على ألف بيت.
جاء في تحقيق هذه الألفية: "تعد الدرة الألفية في علم العربية من أشهر مؤلفات ابن معطي لأنها أوّل منظومة نحوية في ألف بيت"[244].
أبواب المنظومة:
بدأ ابن معطٍ بحمد الله ثم الصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه-
يقول: يقول راجي ربه الغفور يحيى بن معطي بن عبد النور
الحمد لله الذى هـــدانا بأحمــــــــــــــد دينــــــــــــــــــا له ارتضـانا
إلى ان يقول: صلى عليه الله ثم سلمَا وَآلــــــــــــــــه وصحـــــــــــــــــبه وكــــــــرّمَــــــــا
ثم يبدأ بباب الكلام والكلم، ثم علامات الاسم والفعل والحرف وختم ببابي الابدال والادغام، وباب الضرورات الشعرية[245].
منهج ناظمها:
ما تمتاز به ألفية ابن معط أنه نظمها على بحرين هما الرجز
مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن
وعلى بحر السريع وتفعيلاته:
مستفعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلن[246].
بلغ عدد أبيات هذه المنظومة ألفًا وواحدًا وعشرين بيتًا 1021.
ويمكن أن نختصر منهج ابن معط في هذه المنظومة في أربعة محاور:
1- آراؤه الخاصة به.
2- موافقة البصريين.
3- موافقة الكوفيين.
4- موافقة البغداديين.
وسنقدم مثالاً توضيحيًا على كل محور.
1- آراءه الخاصة به:
من ذلك رفضه تقديم خبر "ما دام" على اسمها دون غيرها.
يقول: ولا يجـــــــــــــــوز أن تقدم الخبر على اسم ما دام و جاز في الأٌخر
2- موافقة البصريين:
ومن ذلك تأييده لرأي البصريين في أن الاسم مشتق من السمو وهو العلو، والكوفيون يرون أنه مشتق من الاسم وهو العلامة.
يقول: واشتق الاسم من سما البصريونْ واشتقه من وَسَمَ الكوفيونْ
والمـــــــــذهب المقـــــــــــــــــــــــــــــدم الجـــلــــــي دليــــله الأسمــــــــــاء و السميّ
3- موافقة الكوفيين:
رأيه في أن "سكران" ممنوعة من الصرف لعلتين هما الوصف وزيادة الألف والنون وهذا رأي الكوفيين ولكن البصريين يرون منع "سكران" من الصرف لما نسميه ألف التأنيث.
4- موافقة البغداديين:
وقع خلاف بين النحاة حول تقديم خبر ليس عليها واحتج المانعون بأن "ليس" فعل جامد، لا يتقدمه الخبر كما يتقدم على الأفعال المتصرفة، ويرى أبو علي الفارسي أن تقديم خبر "ليس" جائز وهو من البغداديين، وقد توافق رأي ابن معط مع رأي ابن علي الفارسي.
يقول ابن معط: وجملة الأفعال كان أضحى أصبح ظل بات صــــــار أمسى
والسبعة الأولى تقدم الخـــبـر فيها عليها وعلى اسمها اشتهر
ومن المانعين لتقديم خبر ليس عليها الكوفيون والمبرد وابن السراج[247].
ألفية محمد بن مالك:
ناظمها: هو محمد بن مالك الجياني الأندلسي، ولد سنة 600ه، وتوفي سنة 672ه[248].
ألفيته:
ماهي الألفية: جاء في المنجد في اللغة والأعلام ما نصه: "الألفية نسبة إلى الألف، وهو اسم منظومات شعرية جمعت فيها قواعد علم من العلوم العربية"[249].
فالألفية هنا منظومة على بحر الزجر في علم النحو العربي وهذه الالفية نظمها ابن مالك لطلاب النحو، وسماها (الخلاصة)، وكان قد نظم قبلها منظومة (الكافية الشافية) في أكثر من ألفي بيت.
يقول الدكتور محمد المختار ولد اباه: "...كان أول ما كتب منها الكافية الشافية وهي موسوعة شاملة للمعلومات التي جمعها من دراسته الواسعة، وقد نظمها في ألفين وسبعمائة وخمسين بيتًا ونيف"[250].
غير أن الشهرة والقبول والانتشار كتبها الله تعالى للخلاصة، إذ أقبل عليها طلاب النحو في مختلف العصور وشرحها كثير من النحاة.
أبوابها:
استهل ابن مالك "الألفية" بحمد الله تعالى والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم والسلام -على آله، ذاكرًا أن ألفيته تفوق ألفية ابن معط في الاختصار والوضوح لكنه اعترف له بالسبق إلى النظم.
يقول ابن مالك:
قالَ مُحمَّــــــــــدٌ هو ابْنُ مالكِ أحمدُ ربِّيْ اللهَ خــــــــيرَ مالكِ
مُصلِّياً على النَّبيِّ المصطفى وآلهِ المُسْتكمــــــــــلينَ الشَّرَفا
وأســتعــــــــــــــينُ اللهَ فـــــي ألفيَّة مقاصـــدُ النَّحْوِ بهــــــا مَحْوِيَّة
تُقرِّبُ الأقصى بلفْظٍ مُوْجَزِ وتَبسطُ البَذْلَ بوعدٍ مُنْجَزِ
وتقتضي رضىً بغيرِ سُخْطِ فائــقـــــةً ألْفِيَّةَ ابْـــــــــــــــــنِ مُعْطِ
وَهوَ بِسَبقٍ حـــــــائِزٌ تفضيلاً مستوجِبٌ ثنـــــــــائِيَ الجميلا
واللهُ يقضـــــــــي بهِبَاتٍ وافِرهْ لي ولهُ في درجاتِ الآخِرَهْ[251].
وبعد هذا الاستهلال شرع في نظم أبواب النحو، بدأ بباب الكلام وما يتألف منه، ثم باب المعرب والمبني، فباب النكرة والمعرفة ثم مضى في باقي الأبواب وختم بباب الحذف وباب الادغام.
شراحها:
بسبب شهرتها وإقبال الدارسين عليها تعرض لها كثير من النحاة بالشرح ومن أشرح شروحها:
- أوضح المسالك إلى الفية ابن مالك لابن هشام (مطبوع).
- شرح الألفية لبدر الدين بن محمد بن مالك ويعرف هذا الشرح بــ(شرح ابن الناظم) مطبوع.
- شرح ألفية ابن مالك لعبد الرحمن المكودي (مطبوع).
ومن الشروح الحديثة:
دروس في شرح الالفية للدكتور عبده الراجحي (مطبوع).
منهجها وبعض من آراء ناظمها:
نظمها كلها على بحر الرجز بعبارات واضحة دقيقة تسهيلاً للحفظ، يقول الدكتور "إميل بديع يعقوب" في تعليقه على شرح الأشموني: "وأبيات الالفية كلها من كامل الرجز وتمتاز عباراتها بالرقة والدقة والإيجاز في صياغة الأحكام ولذلك يسهل حفظها"[252].
والمعروف عن ابن مالك في ألفيته أنه ابتعد عن التعصب المذهبي، بل ويراه محمد المختار ولد اباه قد حرر النحو العربي من كل ما علق به من غموض وافتراضات وفلسفة ونظريات عبر العصور.
يقول: "... منهجه العام في التحرر من القيود المذهبية ...فكان عملا وسطًا قريب المأخذ سهل التناول تجنب غموض أبنية سيبويه، وافتراضات المبرّد، وتفريعات أبي علي الفارسي، وفلسفة الرماني، وتنظيرات ابن جني وتحاليل السهيلي وتقنين أبي موسى الجزولي"[253].
ومن مظاهر عدم تعصب ابن مالك لرأيه ذكره لرأي سيبويه في مسألة المفعول به الثاني في "أفعال القلوب" إذا كان ضميرًا فهو يختار أن يكون ضميرًا متصلاً لا منفصلاً، وامّا سيبويه فيختار الضمير المنفصل
يقول ابن مالك:
كــــــــــــذاكَ خِلْتَنِيهِ واتصالاً أختارُ غيرِي اخْتارَ الانفصالا[254]
ويقصد بــ(غيري) سيبويه.
بعض الاختلافات النحوية في المنظومات:
ونجمل بعضًا من الاختلافات النحوية التي ذكرناها عن هذه المنظومات الثلاث:
- منظومة: ملحة الإعراب وسنخة الآداب للحريري.
- منظومة الدرّة الألفية لابن معط.
- منظومة الألفية (الخلاصة) لابن مالك.
- من أوائل المنظومات النحوية منظومة الحريري.
- كان يعتمد فيها على آراء البصريين ومصطلحاتهم وكانت له مصطلحات نحوية خاصة به.
- إسقاط الحريري بعضًا من أبواب النحو مثل: الابتداء وباب التنازع في العمل.
- أول منظومة على ألف بيت كانت لابن معط واستعمل فيها بحرين هما الرجز والسريع.
- تميزت منظومته باعتماد آراء خاصة بصاحبها وموافقة آراء البصريين أحيانًا والكوفيين أخرى والبغاددة مراتٍ.
- أشهر هذه المنظومات ألفية ابن مالك المعروفة بـ(الخلاصة) نظمها على بحر الرجز.
- كان يذكر آراءه وآراء غيره.
- كانت في النحو والصرف.
ولا نغادر هذه المحاضرة دون الإشارة إلى منظومات نحوية أخرى مع أصحابها، ومن ذلك:
- منظومة فيما ورد من الأفعال بالواو والياء لابن مالك.
- لامية الأفعال لابن مالك، توفي سنة 672ه.
- منظومة مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، نظمها على الحروف الهجائية، توفي سنة 761ه.
- منظومة (لامية في النحو) زين الدين الآثاري، توفي سنة 828ه.
- نظم الآجرومية لشرف الدي يحيى العمريطي، توفي سنة 989ه.
ملخص المحاضرة:
أهم الاختلافات النحوية في المنظومات:
من أوائل المنظومات النحوية منظومة الحريري كان يعتمد فيها على آراء البصريين ومصطلحاتهم وكانت له مصطلحات نحوية خاصة به.
إسقاط الحريري بعضًا من أبواب النحو مثل: الابتداء وباب التنازع في العمل.
أول منظومة على ألف بيت كانت لابن معط واستعمل فيها بحرين هما الرجز والسريع.
من مميزات منظومته أن له آراء خاصة به كما وافق آراء البصريين أحيانًا والكوفيين أخرى والبغاددة مراتٍ.
أشهر هذه المنظومات ألفية ابن مالك المعروفة بـ(الخلاصة) نظمها على بحر الرجز.
كان يذكر آراءه وآراء غيره.
كانت في النحو والصرف.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الثالثة عشرة
1. تاريخ النحو العربي.
2. تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب في شرح ملحمة الإعراب للحريري، أبو المحاسن الحضرمي، تح: علي سليمان شبارة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1425ه/2009م، ط1.
3. الدرة الألفية، ابنن معطي، تح: سليمان البلكيمي، دار الفضيلة، مصر، 2010م، ط1.
4. شرح الأشموني، تح: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998، ط1، ج1.
5. شرح ألفية ابن معط.
6. متن الألفية، ابن مالك، دار المعرفة، المغرب، 2011، د ط.
7. مختار الصحاح، زين الدين الرازي، تح أحمد إبراهيم زهوة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1426ه/ 2005م، د ط.
8. المقدمة، ابن خلدون، تح: محمد الإسكندراني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1425ه/2005م.
9. ملحمة الإعراب وسنخة الآداب، الحريري، دار ابن الجوزي، القاهرة، 1434ه/2013م، ط1.
10. المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1991، ط31، مادة "ألف".
11. المنظومة النحوية وأثرها في تعليم النحو، حسان بن عبد الله الغنيمان، نسخة مصورة.
المحاضرة الرابعة عشرة
الاختلافات النحوية في المتون
كما تعودنا من قبل في مستهل بعض المحاضرات أن نزيح اللبس الذي من شأنه أن يعتري عناوينها، ومن ثم مباحثها، فإننا نقول :يبدو لنا أن هذا العنوان: (الاختلافات النحوية في المتون) جيء به في مقابل عنوان المحاضرة السابقة (الاختلافات النحوية في المنظومات)، وللتوضيح فإن معنى (المتون) لا يقابل معنى (المنظومات) فمن الجائز إطلاق لفظة متن على: المنظومة، فيقال: (متن الألفية)، أو إطلاقها على المنثور فيقال: (متن الآجرومية).
جاء في لسان العرب: ".. ومتن كل شيء ما ظهر منه والجمع متون ومتان"[255].
فمتن الكتاب نصه، ولكننا سنباشر البحث في هذه المحاضرة على أساس المتون المنثورة من المتون النحوية في مقابل ما عملناه المحاضرة السابقة وقد كان موضوعها المتون المنظومة. على أننا سنقف عند مجموعة من هذه المتون وسنركز على المشهور منها لأنها من الكثرة ما لا يسمح لنا حيز هذه المحاضرة بإحصائها.
وسنتطرق إلى هذه المتون بتعريف مقتضب لمؤلفها وبذكر بعض من أبوابها وآراء صاحبها لنقف في الأخير عند أهم الاختلافات النحوية بين هذه المتون.
كما أننا وللأمانة العلمية سنترك الحديث عن المتون النحوية القديمة مثل: (الكتاب) لسيبويه و(الخصائص) لابن جني، و(المقتضب) للمبرد، بسبب ضخامتها وكثرة تناولها من قبل الدارسين قديمًا وحديثًا، وكذلك للسبب الذي ذكرناه آنفًا وهو ضيق حيز هذه المحاضرة، وعليه سيكون حديثنا مركزًا على أهم المتون المذكورة في مفردات البرنامج الوزاري ومنها: (الفصول الخمسون لابن معطي) ومتن الآجرومية، وقطر الندى وبل الصدى لابن هشام، ونضيف بعضًا من المتون الأخرى.
كتاب: (الفصول الخمسون) لابن معط
مؤلفه: يحيى بن معط (سبق التعريف به من قبل)
تعريف بالكتاب:
كتاب ألفه ابن معط نثرًا لا نظمًا، يقصد به تعليم النحو للطلاب وتسهيله لهم، وسماه بالفصول لأنه جعل لكل باب من أبوابه فُصولاً خاصة به. ويقول محققه الدكتور محمود محمد الطناحي: "... ورأيت أن الفصول كتاب تعليمي سلك فيه ابن معطي مسلكًا لعله أول من استحدثه إذ قسم رؤوس المسائل إلى أبواب وتحت كل باب عدة فصول"[256].
أبوابه:
يذكر ابن معطي أنه حصر الإعراب في خمسين فصلاً يجملها في خمسة أبواب، يقول في مقدمة كتابه: "أمّا بعدُ فإن غرض المبتدئ الراغب في علم الإعراب حصرته في خمسين فصلاً يشتمل على خمسة أبواب"[257].
وأمّا أبوابه فهي كالتالي:
- الباب الأول: في مقدمة هذا الفن من الأصول.
- الباب الثاني: أقسام الفعل.
- الباب الثالث: ما يعمل من غير الأفعال في الأسماء والأفعال.
- الباب الرابع: النكرة والمعرفة وذكر التوابع.
- الباب الخامس: فصول متفرقة[258].
من آراء ابن معطي النحوية في كتاب الفصول:
- منعه تقدم خبر "ما دام" على اسمها. يقول: "وأمّا "ما دام" فلا يجوز تقدم خبرها عليها ولا على اسمها"[259].
- إيثاره للمصطلحات البصرية في غالب الأحيان مع استعماله لبعض المصطلحات الكوفية مثل الجحد ويقابله عند البصريين (النفي).
يقول محقق كتاب الفصول: "تبدو مصرية ابن معطي كثيرًا في إيثاره لمصطلحات البصريين مثل استعماله "الجر" الذي يسميه الكوفيون (الخفض)... على أن ابن معطي قد يستعمل أحيانا المصطلح الكوفي ... (الجحد) وهو استعمال كوفي (للنفي)" [260].
الدقة في اللغة العلمية فحينما كان يعدد الأسماء الستة أضاف (الحمو) إلى هاء التأنيث) فقال: (حموها) ولم يقل (حموك)، لأن (الأحماء) بالنسبة للمرأة هم أقارب زوجها.
جاء في الفصول: "وهي أخوك وأبوه، وحموها، وهنوك وفوه، وذو مال"[261].
كتاب شرح التسهيل، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك:
مؤلفه: محمد بن مالك الجياني الأندلسي (سبق التعريف به).
تعريف بالكتاب:
كتب محمد بن مالك كتابه "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" على طريقة النثر لا النظم خلافا لما فعله في أرجوزتيه: الكافية الشافية والخلاصة، وكما نرى من خلال العنوان فإن هدفه من وراء تأليفه هو تسهيل النحو للطلاب وتقريب مقاصده وأبوابه من هؤلاء الطلاب، فنشدان التسيير والتسهيل عند ابن مالك أمر ظاهر بيّن لا يخفى، فلم يكتف بتصنيف هذا الكتاب بل شفعه بشرحه له إذ ألف شرحه بعنوان شرح التسهيل.
يقول ابن مالك: "وأمّا بعد، فإن بعض الفضلاء سألني أن أشفع كتابي المسمى بتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد بكتب تشتمل على ما خفي من مسائله ... وعمدت إلى تحصيل ما نبه عليه لأن المتلمس بعنون الله هين، وبإسعاف ذوي الأهلية متعين، والله المرجو لانقياد الحقائق، وإبعاد العوائق، لا اقتدار إلا بتقديره، ولا استبصار إلا بتبصيره، والله يحق الحق وهي يهدي السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل" ا. ه[262].
و قد ضمّ هذا الشرح في ثلاثة أجزاء.
أبوابه:
بدأ بباب شرح الكلمة والكلام وما يتعلق به، ثم انطلق إلى بقية الأبواب، ليختتم الكتاب في الجزء الثالث بباب عوامل الجزم، وباب ما اتم به الحديث عن الكلام.
منهج المؤلف وبعض آرائه في التسهيل:
ينطلق ابن مالك من نص التسهيل الأصلي فيضع حرف (ص)، ثم يتبعه بشرح يرمز له بالحرف (ش) مثل ما هو مثبت في الباب الأول: باب شرح الكلمة والكلام.
يقول: "(ص) الكلمة لفظ مستقل دال بالوضع تحقيقًا أو تقديرًا، أو منويّ معه كذلك وهي اسم فعل وحرف [وبعده] (ش) الكلمة في اللغة عبارة عن كلام تام"[263].
يعزز آراءه بالشواهد من القرآن الكريم ومن الحديث النبوي الشريف ومن الشعر العربي؛ وهذا ما يتميز به ابن مالك فإنه من النحاة الذين يجيزون الاستشهاد بالحديث النبوي على خلاف بعض النحاة المتقدمين الذي يرفضون الاستشهاد بالحديث النبوي لجواز روايته بالمعنى، ومن ذلك استشهاده على المعرب إعراب المثنى وهو في المعنى جمع، فقد استشهد أولاً بالقرآن الكريم، ثم بالحديث النبوي الشرف، ثم ببيت شعري.
يقول: "ومن المعرب كمثنى وهو في المعنى جمع قوله تعالى: ﴿فأصلحوا بين أخويكم﴾ [الحجرات:1]. وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا».
ومنه قول الشاعر: تُلقى الإوزّون في أكناف دارتها تمشى وبين يديها البرّ منثور
أراد بين أيديها"[264].
ذكره لآراء غيره من النحاة فلقد ذكر رأي سيبويه الذي يشترط للكلام الإفادة، يقول ابن مالك: "وقد صرح سيبويه وغيره من أئمة النحو بأن ما لم يفد ليس بكلام مفردًا كان كزيد، أو مركبًا دون إسناد كعبدك وخير منك"[265].
ميله إلى المصطلحات البصرية في العموم فلقد استعمل الأمر والمضارع في الأفعال وهما مصطلحان بصريان، يقول: "وأقسامه: ماضٍ، وأمر، ومضارع"[266].
ولعل أشهر رأي عُرف به ابن مالك هو دفاعه عن الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف وهذا ما ذكرناه آنفًا، وفي ذلك يكون ابن مالك قد توسع في السماع وخالف النحاة البصريين.
يقول محمد المختار ولد اباه: "إن من أهم ما استحدثه ابن مالك في النحو توسيع دائرة السماع باعتماده على لغة الحديث الشريف"[267].
متن الآجرومية
مؤلفها: ابن آجروم الصنهاجي 672ه/723ه (سبق التعريف به).
تعريف بالكتاب:
هو كتاب صاغه ابن آجروم نثرًا اختصر فيه أهم أبواب علم النحو، وعلى صغر حجمه فقد كتب له القبول بين الطلبة وخاصة في الزوايا والمدارس القرآنية.
يقول الدكتور محمد المختار ولد اباه: "ألف هذا العالم مقدمة صغيرة لا تتجاوز عدة صفحات، ولكن كتب لها بأن تعم الخافقين، وأن تنال من الشهرة والذيوع ما نالته خلاصة ابن مالك"[268].
لقد أشار الدكتور محمد مختار أن متن الآجرّومية صغر الحجم معدود الصفحات إلا أنّه بلغ من الشيوع والذيوع والقبول ما بلغته ألفيه ابن مالك كما نشير إلى أن الآجرّومية كانت مبدأ الدراسة النحوية في الزوايا والمدارس وإلى يومنا هذا تقدم الآجرّومية للتلاميذ المبتدئين، فإذا ما أتقنوها ارتقوا إلى مرتبة تالية هي منظومة الألفية.
"لم تبرز مقدمة ابن آجروم إلى الوجود حتى صارت هي الكتاب المدرسي الأول في المرحلة الابتدائية"[269].
شراحها:
من أشهر شراحها خالد الأزهري وعلي بن ميمون الشريف الحسني وأحمد بن محمد بن يوسف بن دقون الصنهاجي.
كما نقلها إلى النظم شرف الدين يحيى بن نور الدين بن موسى بن عميرة العمريطي[270].
أبوابها وبعض آراء صاحبها:
بدأ بباب الكلام فقال: "الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع وأقسامه ثلاثة: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى"[271].
فنحن نرى دقة المصنف في هذا الكلام فقد ذكر أنه لفظ وهذا الجانب الصوتي من الكلام، ثم قال المركب بمعنى ما كان فيه اسناد وقال المفيد ويعني أنه كلام مستعمل غير مهمل بالوضع يقصد استعمال العرب له قصدًا[272].
يزعم بعض الدارسين أن ابن آجرّوم في متنه هذا كوفي النزعة واستدلوا على ذلك بأبيات من أرجوزة لبعض الرجاز.
و في هذا الصدد يقول محمد المختار ولد اباه: "ويعتقد جمهور المؤرخين أن ابن آجروم كان كوفي النزعة مستدلين باستعماله بعض مصطلحاتهم، وقد ألمح لكوفيته العلامة محمد الحسن بن أحمد الخديم اليعقوبي الشنقيطي في نظمه لمشاهير النحويين فقال عنه:
محمد ذو الفضل والعلوم وهو الذي يدعى ابن آجروم
بالضم للجيم ورا مشددة على طريق كوفة شدّ يده"[273]
ونرد على هذا الزعم بأن ابن آجروم حقًا استعمل بعض مصطلحات الكوفيين ومن ذلك مصطلح (الخفض) الكوفي الذي يقابله (الجر) عند البصريين.
يقول ابن آجروم: "وللخفض ثلاث علامات الكسرة والياء والفتحة"[274].
لكنه يستعمل المصطلح البصري كذلك فلما قسم الأفعال ذكر الماضي والمضارع والأمر، وهما مصطلحان بصريان، يقابلهما المستقبل والمنقطع عند الكوفيين، يقول: "الأفعال ثلاثة: ماضٍ ومضارع وأمر"[275].
قطر النّدى وبل الصّدى لابن هشام الأنصاري
التعريف بالمصنف:
ابن هشام أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف الأنصاري ولد بالقاهرة سنة 708ه، من شيوخه عبد اللطيف بن المرحل وأبو حيان، والتاج التبريزي، تخرج على يده طلاب كثيرون واشتهر بالتأليف الكثير والبحث الدقيق في مجالات اللغة، توفي سنة 761ه.
له تصانيف عديدة منها: قطر الندى وبل الصدى وله شرح عليه، أوضح المسالك إلى ألفيه ابن مالك، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، الإعراب عن قواعد الإعراب.
وصف موجز للكتاب:
استهله بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مستعملاً في ذلك وبطريقة لا تخلو من الطرافة مصطلحات النحو والبلاغة.
يقول: " الحمد لله رافع الدرجات لمن انخفض لجلاله، وفاتح البركات لمن انتصب لشكر فضاله والصلاة والسلام على من مدت عليه الفصاحة رواقها وسدت به البلاغة نطاقها"[276].
بدأ كتابه بباب الكلمة، ثم مضى إلى بقية الأبواب على طريقة النثر لا النظم، وضع حرف (ص) للنص الأصلي وحرف (ش) للشرح ومنه "(ص) الكلمة قول مفرد (ش) تطلق الكلمة على الجمل المفيدة"[277].
اختار من الشواهد القرآن الكريم والشعر العربي ومن ذلك استشهاده لــ: (ما) المصدرية.
يقول: "وأما (ما) المصدرية فهي تسبك مع ما بعدها بمصدر نحو قوله تعالى: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ [آل عمران: 118] أي ودوا عنتكم، وقول الشاعر:
يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا
أي يسر المرء ذهابُ الليالي"[278].
وأحيانا يجنح إلى التمثيل بأمثلة ليست من الاستشهادات ومن ذلك يقول: "..كما تقول:(يعجبني غد) و(أصوم غدًا) و(اعتكف في غدٍ)" [279].
ملاحظة: وقد وقع ابن هشام في الخطأ بقوله: اعتكفت في غدٍ والصواب: "أعتكف في غدٍ".
كما أنه لم يغفل الاستشهادات بالحديث النبوي الشريف.
من آرائه:
لقد كان ابن هشام في "قطر الندى وبل الصدى" بصري النزعة وأحيانًا يذكر رأي الكوفيين ويردّ عليهم ومن ذلك قوله: "فأما "نعم، وبئس" فذهب الفراء وجماعة من الكوفيين إلى أنهما اسمان ... وأما (ليس) فذهب الفارسي إلى أنها حرف نفي... وأمّل (عسى) فذهب الكوفيون إلى أنها حرف ...والصحيح أن الأربعة أفعال، بدليل اتصال تاء التأنيث بهن كقوله عليه الصلاة والسلام: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل"[280].
التلفيق بين المذاهب في المصطلح الواحد فقد استعمل مصطلح (الخفض) الذي هو كوفي في قوله: "وقرأ بعضهم (لله الأمر من قبل ومن بعد) بالخفض والتنوين"[281].
واستعمل مصطلح (الجر) الذي هو بصري في قوله: "وقسم يختص به الأسماء وهو الجر"[282].
ومن دلائل بصريته أنه يعترف بوجود العوامل المعنوية بقوله عن عامل الفعل المضارع: "مرفوع لتجرده من الناصب والجازم"[283].
ملخص المحاضرة:
أهم الاختلافات في المتون: (المنثور من المتون النحوية)
- اختلاف في المادة النحوية منها ماهو في أكثر من جزء ومنها ماهو في صفحات معدودات كمتن الآجرومية.
- الهدف العام لهذه المتون هو تسهيل النحو وتذليل صعوباته.
- غلب على هذه المتون الميول إلى المذهب البصري لكن معظمها لا يخلو من الجنوح إلى المذهب الكوفي.
- سادت الشواهد القرآنية والشعرية بصفة عامة على هذه المتون مع تفاوت في الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف.
- كان محمد بن مالك أكثر المستشهدين بالحديث الشريف.
- تولى بعض المصنفين شرح متونهم، ومن ذلك شرح التسهيل لابن مالك، وشرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام.
- كتب لبعض المتون القبول والانتشار بين الطلاب وعلى مر العصور مثل متن الآجرومية، بخلاف المتون الأخرى مثل الفصول الخمسون لابن معط.
قائمة المراجع المعتمدة في المحاضرة الرابعة عشرة
1. تاريخ النحو العربي.
2. حاشية العلامة ابن الحاج، على شرح متن الآجرومية، دار الفكر، بيروت، 1421ه/2000م، د ط.
3. شرح التسهيل، ابن مالك، تح: أحمد أحمد علي، المكتبة التوفيقية، مصر، د ت، د ط، ج1.
4. شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام، تحك محمد محي الدين عبد الحميد، دار رحاب، الجزائر، د ت، د ط.
5. الفصول الخمسون، لابن معطي، تح: محمود محمد الطناحي، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، د ت، د ط.
6. لسان العرب، ج13، باب الميم.
7. متن الآجرومية، ابن آجروم، شركة القدس، القاهرة، 2009، د ط.
قائمة المصادر والمراجع
01.أخبار النحويين البصريين، السيرافي، تح/ محمد البنا، دار الاعتصام،1405هـ/1985م،ط1.
02.ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي، تح: رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1418ه/1998م.
03.أصول التفكير النحوي، على أبو المكارم. ،دار غريب، القاهرة،2006م،د/ط
04. في أصول النحو، سعيد الأفغاني، مديرية الكتب و المطبوعات الجامعية، سوريا،1414ه/1994م،د/ط
05. الاقتراح، السيوطي، تح/ الشيخ أسامة شعبان،مؤسسة الكتب الثقافية،بيروت، لبنان،1434ه/2013م،ط1،
06.ألفية ابن مالك في الميزان، صالح بلعيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995.
07.الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، لبنان، 1424هـ/2004م،ط1،ج1.
08.الإيضاح في علل النحو، الزجاجي، تح: فارس المبارك، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1432ه/2011م، ط7.
09. البحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، 2010،د/ط،
10. بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة، السيوطي،تح/ محمد عبد الرحيم،دار الفكر، بيروت، 1425ه/2005م،ط1
25. 12. تاريخ النحو العربي، محمد المختار ولد ابّاه، دار الكتب العلميةن بيروت، لبنان،1417ه/1996م،ط1،
26. 13تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب في شرح ملحمة الإعراب للحريري، أبو المحاسن الحضرمي، تح: علي سليمان شبارة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1425ه/2009م، ط1.
14.التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في معاني القرآن، طه صالح أمين آغا، دار المعرفة، بيروت، 1428هــ/ 2007م، ط1.
15. الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، شارل بلا، ترجمة إبراهيم الكيلاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،د/ت،د/ن
16.حاشية العلامة ابن الحاج، على شرح متن الآجرومية، دار الفكر، بيروت، 1421ه/2000م، د ط.
17.الخصائص، ابن جني، تح/ محمد علي النجار، عالم الكتب، بيروت، 1431هـ/2010م، ط2.
18.الدرة الألفية، ألفية ابن معطي، تح: سليمان إبراهيم البلكيمي، دار الفضيلة، القاهرة، 2010، ط1.
19ديوان النابغة الذبياني، تح: كرم البستاني، دار صادر، بيروت، د ت، د ط.
20.الرد على النحاة، ابن مضاء، تح: محمد إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، دت، دط.
21.شرح الأشموني، تح: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998، ط1، ج1.
22.شرح التسهيل، ابن مالك، تح: أحمد أحمد علي، المكتبة التوفيقية، مصر، د ت، د ط، ج1.
23.شرح ألفية ابن معط.
24.شرح قصيدتي امرئ القيس و طرفة، ابن كيسان، تح/ محمد حسين آل ياسين، دار عمار، الأردن، 1430هـ/2009م، ط1.
25.شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام، تحك محمد محي الدين عبد الحميد، دار رحاب، الجزائر، د ت، د ط.
27. شرح كافية ابن الحاجب، الاسترباذي، تح/ أحمد السيد المكتبة التوفيقة، مصر، د/ت،د/ط، ج1.
28. ضحى الإسلام، أحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، مصر،1965،ط10،
29. طبقات فحول الشعراء، ابن سلام الجمحي ،تح/ محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة،د/ت،د/ط
30. العدد والمعدود في النحو العربي، رسالة ماجستير، نوقشت سنة 2007، جامعة الجزائر.
31. العقد الثمين في تراجم النحويين، الذهبي،تح/ يحيى مراد، دار الحديث، القاهرة،1425ه/2004م،د/ط الفصول الخمسون، لابن معطي، تح: محمود محمد الطناحي، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، د ت، د ط.
32. في أصول النحو.
33. القراءات القرآنية، التواتي بن التواتي.
34. القياس في النحو، منى إلياس، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر،1405ه/1985م،ط1
35. كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني، دار الفكر بيروت، 1425 هــ/ 2005م، ط2.
36. الكتاب، سيبويه، تح/ عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، مصر،1425ه/2004م،ط4
37. لسان العرب، ابن منظور، المكتبة التوفيقية ، باب الدال، ج4، عمان، الأردن.
38. لمع الأدلة، ابن الأنباري،تح/ سعيد الأفغاني،دار الفكر، سوريا،1377ه/1957م،ط1
39. ما ذكره الكوفيون في الإدغام، السيرافي، تح/ صبيح التميمي، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، د/ط.
40. متن الآجرومية، ابن آجروم، شركة القدس، القاهرة، 2009، د ط.
41. متن الألفية، ابن مالك، دار المعرفة، المغرب، 2011، د ط.
42. مختار الصحاح، زين الدين الرازي، تح أحمد إبراهيم زهوة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1426ه/ 2005م، د ط.
43. المدارس النحوية أسطورة وواقع، إبراهيم السامرائي،دار الفكر، عمان،1987مـ،ط1
44. المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، دار الوعي، الجزائر.
45. المدارس النحوية، خديجة الحديثي، دار الأمل،، إربد، الأردن، ط3، 1422ه/ 2001م.
46. المدارس النحوية، شوقي ضيف. دار المعارف، مصر، 1985،ط5،
47. مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، مصر،1377هـ/1958م،
48. المذكر والمؤنث، المبرد، تح/ رمضان عبد التواب وصلاح الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1417هــ/1996م، ط2.
49. مراتب النحويين، أبو الطيب اللغوي،تح/ محمد أبوالفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان،1423ه/2002م،ط1
50. المزهر في علوم اللغة، السيوطي،تح/ محمد عبد الرحيم، دار الفكر،بيروت، 1425ه/2005م،ط1
51. المصباح المنير، للفيومي،دار الحديث، القاهرة،2002م،د/ط،
52. معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1397ه/1977م، ج1.
53. المعجم الميسر، محمد أمين ضناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420ه/1999م، ط1.
54. معجم علوم اللغة العربية، محمد سليمان عبد الله الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422ه/2001م، ط1.
55. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام،تح/ صلاح عبد العزيز ، دار السلام، القاهرة،1424ه/2004م،ط1
56. المقدمة، ابن خلدون، تح: محمد الإسكندراني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1425ه/2005م.
57. ملحمة الإعراب وسنخة الآداب، الحريري، دار ابن الجوزي، القاهرة، 1434ه/2013م، ط1.
58. الممتع الكبير في التصريف، ابن عصفور، تح: فخر الدين قباوة، مكتبة لبنان، 1996، ط1.
59. من إشكالات المصطلح النحوي، سعيد جاسم الزبيدي، سلطنة عمان، مجلة العميد العدد 1و2، رمضان 1433هـ/2012م.
60. المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1991، ط31، مادة "ألف".
61. المنظومة النحوية وأثرها في تعليم النحو، حسان بن عبد الله الغنيمان، نسخة مصورة.
62. نتائج الفكر، السهيلي، تح: عادل عبد الموجود، علي معوض، دار الكتب لبنان، 1411ه/1992م، ط1.
63. النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تح/ نجييب الماجدي، المكتبة العصرية، بيروت ، لبنان،1427ه/2006م،ط1
64. النحو و النحاة، المهدي عبد العال، دار الكلمة، مصر، 1433هـ/2012م،ط1.
65. نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، مكتبة إحياء التراث الإسلامي، المملكة العربية السعودية، ط1.
66. المدارس النحوية (مدرسة البصرة)، أحمد الفقيه، من الموقع الإلكتروني: basrachity.net، 01/09/2018، على: 12:40؛ مدرسة البصرة النحوية، محمد قدوم، شبكة الألوكة www.alukah.net
[
[1] - لسان العرب، ابن منظور، المكتبة التوفيقية ، باب الدال، ج4، عمان، الأردن، ص 76.
[2] - كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني،دار الفكر، بيروت، لبنان،1425هـ/2005م،ط1، ص145.
[3] - نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، مكتبة إحياء التراث الإسلامي، المملكة العربية السعودية، ط1، ص150.
[4] - لسان العرب، مصدر سابق،باب الواو، ج15، ص252، 253.
[5] - المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، دار الوعي، الجزائر، ص40.
[6] - لسان العرب ، المصدر نفسه، باب الدال، ج4،ص380.
[7] - البحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة ص166.
[8] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، دار الأمل،، إربد، الأردن، 1422ه/ 2001م، ط3، ص13.
[9] - ينظر فهارس المدارس النحوية، شوقي ضيف،دار المعارف، مصر، 1985،ط5، ص375.
[10] - ينظر فهارس المدارس النحوية، خديجة الحديثي، مرجع سابق، ص386.
[11] - ينظر فهارس المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص151.
[12] - ينظر المسألة في الأشباه والنظائر، السيوطي،دار الكتب العلمية،بيروت، لبنان،1405هـ/1984م، ج3،ط1،، ص86.
*- البيت مدوّر.
[13] - ينظر تفصيل المناظرة في نشأة النحو، ص47.
[14] - ينظر المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص16.
[15] - ينظر في أصول النحو، سعيد الأفغاني، مديرية الكتب و المطبوعات الجامعية، سوريا،1414ه/1994م،د/ط، ص199.
[16] - النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تح/ نجييب الماجدي، المكتبة العصرية، بيروت ، لبنان،1427ه/2006م،ط1،ج1، ص09.
[17] - ينظر نشأة النحو، ص118.
[18] - ينظر المرجع نفسه، ص119.
[19] - ينظر المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص75.
[20] - ينظر مدرسة الكوفة،مهدي المخزومي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر ،1377ه/1958مـ،ط2،ص 51
[21] - ينظر القراءات القرآنية، التواتي بن التواتي، ص327.
[22] - ينظر مدرسة الكوفة، ص51.
[23] - ينظر نشأة النحو، ص107.
[24] - ينظر المدارس النحوية أسطورة وواقع، إبراهيم السامرائي،دار الفكر، عمان،1987مـ،ط1 ص19.
[25] - مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي، ص52.
[26] - المرجع السابق، ص52.
[27] - ينظر المدارس النحوية، أسطورة وواقع، إبراهيم السامرائي، ص26.
[28] - ينظر المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص138.
[29] - مدرسة الكوفة، مهدي المخزومي، ص330.
[30] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص138.
[31] - مدرسة الكوفة، ص331.
[32] - ينظر نشأة النحو، ص113.
[33] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص139.
[34] - ينظر المزهر في علوم اللغة، السيوطي،تح/ محمد عبد الرحيم، دار الفكر،بيروت، 1425ه/2005م،ط1،ج1، ص174.
[35] - أصول التفكير النحوي، علي أبو المكارم،دار غريب، القاهرة،2006م،د/ط، ص33.
[36] - ينظر المرجع نفسه، ص34.
[37] - ينظر التواتي بن التواتي، ص76.
[38] - لمع الأدلة، ابن الأنباري،تح/ سعيد الأفغاني،دار الفكر، سوريا،1377ه/1957م،ط1، ص95.
[39] - الخصائص، بن جني،تح/ محمد علي النجار، عالم الكتب، بيروت، لبنان، 1431ه/2010م،ط2، ص282.
[40] - طبقات فحول الشعراء، ابن سلام الجمحي ،تح/ محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة،د/ت،د/ط، ص14.
[41] - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص87.
[42] - أصول التفكير النحوي، ص29.
[43] - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص164.
[44] - الإيضاح في علل النحو، الزجاجي،تح/ مازن المبارك،دار النفائس بيروت، لبنان،1432ه/2011م،ط7، ص64.
[45] - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص48.
[46] - الإيضاح في علل النحو، الزجاجي، ص66.
[47] - الكتاب، سيبويه، تح/ عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، مصر،1425ه/2004م،ط4،ج1، ص20.
[48] - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص82.
[49] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص178.
[50] - أصول التفكير النحوي، ص33.
[51] - المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص76.
[52] - الخصائص، ج1، ص34.
[53] - نشأة النحو، ص112.
[54] - المرجع نفسه، ص42.
[55] - الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، شارل بلا، ترجمة إبراهيم الكيلاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،د/ت،د/ن ص190.
[56] - أصول التفكير النحوي، ص44.
[57] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص09.
[58] - الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان،1424ه/2003م،ط1،ج1، ص25.
[59] - العقد الثمين في تراجم النحويين، الذهبي،تح/ يحيى مراد، دار الحديث، القاهرة،1425ه/2004م،د/ط، ص141.
[60] - المصدر نفسه، ص175.
[61] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص13.
[62] - المدارس النحوية، إبراهيم السامرائي، ص159.
[63] - أصول التفكير النحوي، ص152.
[64] - المرجع نفسه، 156.
[65] - المرجع نفسه، ص164.
[66] - المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص12.
[67] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص14.
[68] - البحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، 2010،د/ط، ص128.
[70] - في أصول النحو، ص195.
[71] - ينظر البحث اللغوي عند العرب، ص138.
[72] - ينظر فهرس المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص375.
[73] - ينظر فهرس المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص151.
[74] - ينظر ضحى الإسلام، أحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، مصر،1965،ط10،ج2، ص294.
[75] - ينظر المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص385.
[76] - ينظر فهارس تاريخ النحو العربي، ص05- 16.
[77] - ينظر تاريخ النحو العربي، ص 23 وما بعدها.
[78] - ينظر المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص26.
[79] - ينظر المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص15.
[80] - ينظر خديجة الحديثي، ص28- 29.
[81] - ينظر المدارس النحوية (مدرسة البصرة)، أحمد الفقيه، من الموقع الإلكتروني: basrachity.net، 01/09/2018، على: 12:40؛ وينظر مدرسة البصرة النحوية، محمد قدوم، شبكة الألوكة www.alukah.net
[82] - الاقتراح، السيوطي، تح/ الشيخ أسامة شعبان،مؤسسة الكتب الثقافية،بيروت، لبنان،1434ه/2013م،ط1،ص125.
[83] - القياس في النحو، منى إلياس، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر،1405ه/1985م،ط1، ص09.
[84] - القياس في النحو ، ص22.
[85] - ينظر مدرسة البصرة، أحمد الفقيه، ص03.
[86] - ينظر مدرسة البصرة، محمد قدوم، بحث سابق، ص44.
[87] - أصول التفكير النحوي، على أبو المكارم، ص155.
[88] - معجم علوم اللغة، محمد سليمان عبد الله الأشقر، مؤسسة الرسالة،بيروت، لبنان،1422ه/2001م،ط1،ص287.
[89] - ينظر الإيضاح في علل النحو، ص64.، معجم علوم اللغة، ص288.
[90] - ينظر القياس في النحو، منى إلياس، ص33.
[91] - القياس في النحو، ص35.
[92] - ينظر العقد الثمين في تراجم النحويين، الذهبي، ص19.
[93] - ينظر أخبار النحويين البصريين، السيرافي، تح: محمد البنا، دار الاعتصام، القاهرة،1405ه/1985م،ط1،ص39.
- ينظر، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام،تح/ صلاح عبد العزيز ، دار السلام، القاهرة،1424ه/2004م،ط1، ج1 ، ص 396[98]
- ينظر، بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة، السيوطي،تح/ محمد عبد الرحيم،دار الفكر، بيروت، 1425ه/2005م،ط1،ص777.[101]
2- ينظر، بغية الوعاة،ص211، مراتب النحويين، أبو الطيب اللغوي،تح/ محمد أبوالفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان،1423ه/2002م،ط1،ص78، نشأة النحو،88
- الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، تح/ محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، لبنان، 1424هـ/2004م،ط1،ج1،ص 122[120]
- ينظر، النحو و النحاة، المهدي إبراهيم عبد العال،دار الكلمة، القاهرة،1433ه/2012م،ط1، ص 652، مراتب النحويين، 105[131]
[133] - انفرد بهذه الطبقة و أعلامها محمد الطنطاوي، ينظر، نشأة النحو، ص 98 ، و قد ذكر اللحياني في مراتب النحويين، ص 107..
- الدرس النحوي في بغداد، حيدر غضبان محسن الجبوري، كلية الآداب جامعة بابل uobabylon.edu.iq ينظر، موقع[144]
- ينظر، تاريخ النحو العربي، محمد المختار ولد ابّاه، دار الكتب العلميةن بيروت، لبنان،1417ه/1996م،ط1، ص 182[145]
- شرح قصيدتي امرئ القيس و طرفة، ابن كيسان، تح/ محمد حسين آل ياسين، دار عمار، الأردن، 1430هـ/2009م، ط1، ص15.[159]
[171] - من إشكالات المصطلح النحوي، سعيد جاسم الزبيدي، سلطنة عمان، مجلة العميد العدد 1و 2 ، رمضان 1433هـ/2012م، ص 136
[174]- الإنصاف في مسائل الخلاف، ج2، ص 355
[175] - المذكر و المؤنث، المبرد، تح/ رمضان عبد التواب و صلاح الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1417هــ/1996م، ط2، ص 94
- ما ذكره الكوفيون في الإدغام، السيرافي، تح/ صبيح التميمي، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، د/ط، ص 46[176]
[177] التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في معاني القرآن، طه صالح أمين آغا، دار المعرفة، بيروت، 1428هــ/ 2007م، ط1، ص 300
[178] - معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1397ه/1977م، ج1، ص262.
[179] - نشأة النحو، ص176.
[180] - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص288.
[181] - المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص123.
[182] - تاريخ النحو العربي، مرجع سابق، ص223.
[183] - المرجع نفسه، ص225.
[184] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص312.
[185] - ينظر: نشأة النحو، ص182.
[186] - بغية الوعاة، السيوطي، ص73.
[187] - بغية الوعاة، ص219.
[188] - تاريخ النحو العربي، ص224.
[189] - العقد الثمين في تراجم النحويين، ص147.
[190] - نشأة النحو، ص184.
[191] - تاريخ النحو العربي، ص240.
[192] - المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص123.
[193] - نشأة النحو، ص184.
[194] - نشأة النحو، ص184.
[195] - نشأة النحو، ص185.
[196] - ينظر: نتائج الفكر، السهيلي، تح: عادل عبد الموجود، علي معوض، دار الكتب لبنان، 1411ه/1992م، ط1، ص22.
[197] - ينظر: المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص306.
[198] - العقد الثمين، ص130.
[199] - ينظر،نشأة النحو، ص186.
[200] - ينظر: العقد الثمين، ص157. ونشأة النحو، ص127.
[201] - ينظر، نشأة النحو، ص187.
[202] - نشأة النحو، ص187.
[203] - ألفية ابن مالك في الميزان، صالح بلعيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995، ص27.
[204] - ينظر، بغية الوعاة، ص653.
[205] - الدرة الألفية، ألفية ابن معطي، تح: سليمان إبراهيم البلكيمي، دار الفضيلة، القاهرة، 2010، ط1، ص11.
[206] - ينظر: العدد والمعدود في النحو العربي، رسالتنا في مرحلة الماجستير، نوقشت سنة 2007، جامعة الجزائر.
[207] - ينظر، المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص318.
[208] - ينظر، المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص319.
[209] -ينظر: ar. m.wikipedia.org
[210] - ينظر: ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي، تح: رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1418ه/1998م، ط2، ص33.
[211] - نشأة النحو، ص210.
[212] - المدارس النحوية، خديجة الحديثي، ص314.
[213] - الرد على النحاة، ابن مضاء، تح: محمد إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، دت، دط، ص09.
[214] - معجم علوم اللغة العربية، محمد سليمان عبد الله الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422ه/2001م، ط1، ص290.
[215] - الرّد على النحاة، ص14.
[216] - المعجم الميسر، محمد أمين ضناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420ه/1999م، ط1، ص32.
[217] - ينظر: الانصاف، ج1، ص71.
[218] - الرد على النحاة، ص30.
[219] - المعجم الميسر، ص19.
[220] - الرد على النحاة، ص39.
[221] - الإيضاح في علل النحو، الزجاجي، تح: فارس المبارك، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1432ه/2011م، ط7، ص65.
[222] - الرد على النحاة، ص68.
[223] - ينظر: المدارس النحوية، ص319.
[224] - الرد على النحاة، ص79.
[225] - ديوان النابغة الذبياني، تح: كرم البستاني، دار صادر، بيروت، د ت، د ط، ص81.
[226] - ينظر: المدارس النحوية، التواتي بن التواتي، ص129.
[227] - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ص297.
[228] - نتائج الفكر في النحو، أبو القاسم السهيلي،تح/ عادل أحمد عبد الموجود و علي محمد معوّض، دار الكتب العلمية، لبنان،1412ه/1992م،ط1، ص68.
[229] - نتائج الفكر، ص71.
[230] - تاريخ النحو العربي، ص266.
[231] - تاريخ النحو العربي، ص269.
[232] - الممتع الكبير في التصريف، ابن عصفور، تح: فخر الدين قباوة، مكتبة لبنان، 1996، ط1، ص163.
[233] - الممتع الكبير في التصريف، ص173.
[234] - تاريخ النحو العربي، ص232.
[235] - مختار الصحاح، زين الدين الرازي، تح أحمد إبراهيم زهوة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1426ه/ 2005م، د ط، ص322.
[236] - المنظومات النحوية وأثرها في تعليم النحو، حسان بن عبد الله الغنيمان، نسخة مصورة، ص14.
[237] - المقدمة، ابن خلدون، تح: محمد الإسكندراني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1425ه/2005م، ص502.
[238] - تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب في شرح ملحمة الإعراب للحريري، أبو المحاسن الحضرمي، تح: علي سليمان شبارة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1425ه/2009م، ط1، ص07.
[239] - تحفة الأحباب، ص07.
[240] - تحفة الأحباب، ص173.
[241] - تحفة الأحباب، ص22.
[242] - ملحمة الإعراب وسنخة الآداب، الحريري، دار ابن الجوزي، القاهرة، 1434ه/2013م، ط1، ص13.
[243] - ينظر تعريفه في المحاضرة الثانية عشرة من هذه المطبوعة.
[244] - الدرة الألفية، ابنن معطي، تح: سليمان البلكيمي، دار الفضيلة، مصر، 2010م، ط1، ص13.
[245] - الدرة الألفية، ص17.
[246] - الدرة الألفية، ص13.
[247] - ينظر: شرح ألفية ابن معط، ص36، 45، 56، 57.
[248] - ينظر: تعريفه في المحاضرة الثانية عشر.
[249] - المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1991، ط31، مادة "ألف"، ص16.
[250] - تاريخ النحو العربي، ص314.
[251] - متن الألفية، ابن مالك، دار المعرفة، المغرب، 2011، د ط، ص01.
[252] - شرح الأشموني، تح: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998، ط1، ج1، ص10.
[253] - تاريخ النحو العربي، ص387.
[254] - متن الألفية، ص04.
[255] - لسان العرب، ج13، باب الميم، ص17.
[256] - الفصول الخمسون، لابن معطي، تح: محمود محمد الطناحي، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، د ت، د ط، ص08.
[257] - الفصول الخمسون، ص68.
[258] - الفصول الخمسون، ص94.
[259] - الفصول الخمسون، ص54.
[260] - الفصول الخمسون، ص80.
[261] - نفسه، ص159.
[262] - شرح التسهيل، ابن مالك، تح: أحمد أحمد علي، المكتبة التوفيقية، مصر، د ت، د ط، ج1، ص05.
[263] - شرح التسهيل، ج1، ص11.
[264] - نفسه، ص77.
[265] - نفسه، ص14.
[266] - التسهيل، ج1، ص23.
[267] - تاريخ النحو العربي، ص316.
[268] - نفسه، ص379.
[269] - نفسه، ص380.
[270] - ينظر: تاريخ النحو العربي، ص380.
[271] - متن الآجرومية، ابن آجروم، شركة القدس، القاهرة، 2009، د ط، ص03.
[272] - ينظر: حاشية العلامة ابن الحاج، على شرح متن الآجرومية، دار الفكر، بيروت، 1421ه/2000م، د ط، ص15.
[273] - تاريخ النحو العربي، ص381.
[274] - متن الآجرومية، ص04.
[275] - متن الآجرومية، ص06.
[276] - شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام، تحك محمد محي الدين عبد الحميد، دار رحاب، الجزائر، د ت، د ط، ص16.
[277] - شرح قطر الندى، ص17.
[278] - شرح قطر الندى وبل الصدى، ص47.
[279] - شرح قطر الندى، ص47.
[280] - نفسه، ص34.
[281] - نفسه، ص26.
[282] - نفسه، ص27.
[283] - شرح قطر الندى، ص65.
- معلم: ghezail belkacem