المحاضرة الرابعة: المدرسة كمؤسسة اجتماعية.

كانت المدرسة وما تزال الفضاء التي يتشكل فيه الإنسان ويتكون تربويًا. كما تعد المؤسسة المدرسية الركيزة الأساسية التي يستند إليها المجتمع في تكوين الأفراد وفي بناء المنظومات الحضارية ذات الطابع الإنساني.
وانطلاقا من هذه الأهمية الكبرى التي تلعبها المدرسة في الحياة الاجتماعية وفي اتجاهات بناء الإنسان والحضارة، طورت المجتمعات الإنسانية وأبدعت منظومات تربوية مدرسية أكثر قدرة على بناء الإنسان بمواصفات حضارية متجددة. وغدت المدرسة تحت تأثير هذه العطاءات المتجددة، مركزا للحضارة الإنسانية بما تنطوي عليه هذه الحضارة من اندفاعات عبقرية خلاقة.

فالمدرسة ليست مجرد مكان يجتمع فيه الأطفال أو الناشئة من أجل اكتساب المعرفة، بل هي تكوين معقد ورمزية ذات طابع اجتماعي، وهي كينونة من الإبداعات التاريخية للإنسان والإنسانية في مجال العطاء وفنون الإبداع[1].

وبالرغم من أن المظاهر الأولى للتنشئة الاجتماعية تبدأ وتترعرع في جو الأسرة، حتى وصفت أنها المؤسسة التربوية الأولى، التي يبدأ فيها الطفل حياته كونها تقوم بدور هام في تشكيل الاتجاهات الأساسية لشخصية الإنسان ونوع علاقته مع الآخرين وطريقة تكوين اتجاهاته وميوله.

إلا أنها لم تعد تستأثر بالتنشئة وحدها في عالمنا المعاصر نتيجة الفورة المعرفية والتقدم العلمي وثورة الاتصالات الهائلة، مما أدى إلى الاهتمام بالتعليم عن طريق المدارس التي أنشأها المجتمع لخدمة أغراضه وأهدافه، ومن تلك الأغراض تربية أبناء المجتمع و تنشئتهم، وحيث إِنَّ المدرسة تملك الفرصة الأكبر في تربية النشء عن بقية المؤسسات الاجتماعية الأخرى، فحري بنا أن نتعرف في هذا المقال المبسط عن دور المدرسة في التربية والتعليم .

مفهوم المدرسة: من المعلوم أن كلمة المدرسة، تعني مكانا عاما أو خاصا للتدريس وتقديم المحتويات والمقررات والقيم والمعارف والمعلومات المعرفية والقيم الوجدانية والمهارات الحسية- الحركية.

إن ما تمتاز به المؤسسة (المدرسة) هو خضوعها للمعايير والقوانين والعادات والأعراف والمبادئ القانونية، ومن هنا " تتألف المؤسسات من المعايير والتقديرات الاجتماعية التي تعتبر إلزامية إلى حد بعيد، كما يتم تأديتها ببراعة من خلال فرض عقوبات قاسية لضمان التزام الناس بها." [2].



تتباين تعريفات المدرسة بتباين الاتجاهات النظرية في مجال علم الاجتماع التربوي، وتتنوع هذه التعريفات بتنوع مناهج البحث الموظفة في دراستها وفي هذا السياق تعرف المدرسة بأنها :مؤسسة اجتماعية ضرورية تهدف إلى ضمان عملية التواصل بين العائلة والدولة من أجل إعداد الأجيال الجديدة، ودمجها في إطار الحياة الاجتماعية"[3]، كما  تعتر نظام معقد من السلوك المنظم، الذي يهدف إلى تحقيق جملة من الوظائف في إطار النظام الاجتماعي القائم"[4].

ويمكن النظر إلى المدرسة كمجتمع مصغر له ثقافته ومناخه الخاص، وتتحدد هذه الثقافة المدرسية بمركب متغاير من الثقافات الفرعية الملموسة والتي تؤثر في سلوك وعمل التلاميذ، ويلاحظ هنا أن الباحثين ينظرون إلى المدرسة بطرق مختلفة بوصفها مجتمعا متكاملا بثقافته ومكوناته، وإذا كانوا ينظرون إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية فإنهم في الوقت نفسه يؤكدون بأنها مؤسسة نوعية مختلفة عن المؤسسات الاجتماعية الأخرى ، ومن هذا المنطلق فالمدرسة تتميز عن بقية المؤسسات الأخرى بوصفها مؤسسة لا خيار للمرء في الانتماء إليها[5].

مختلف المفاهيم تنظر إلى المدرسة بوصفها مؤسسة اجتماعية ونظاما تربويًا، وغني عن البيان أن المفكرين فيعلم الاجتماع التربوي ينطلقون في تعريفهم للمدرسة من أسس منهجية ونظرية مختلفة، حيث يؤكد بعضهم في تعريفه للمدرسة على أهمية الدور الذي يجب أن تؤديه في حياة الناس، وهم يركزون في هذا التوجه على ما يجب أن تكون عليه المدرسة، وليس على واقعها كما هو كائن.

فالمدرسة إذن يجب أن تكون المكان الذي يجد فيه الناس ما يرغبون فيه، والمكان الذي يساعدهم في تطوير القدرات والاستعدادات التي يرغبون بتطويرها.

تشكل المدرسة نظاما معقدا ومكثفا ورمزيا من السلوك الإنساني المنظم يؤدي بعض الوظائف الأساسية في داخل البنية الاجتماعية، وهذا يعني بدقة أن المدرسة، كما تبدو لعالم الاجتماع، تتكون من السلوك أو الأفعال التي يقوم بها الفاعلون الاجتماعيون، ومن المعايير والقيم الناظمة للفعاليات والتفاعلات الاجتماعية والتربوية في داخلها وفي خارجها. وهي أفعال تتصف بالتنظيم وتؤدي إلى إعادة إنتاج الحياة الاجتماعية ثقافيًا وتربويًا.

إن المدرسة، كنظام متكامل من السلوك، لا ينطلق كما نوهنا من مجرد تحديد مختلف العناصر التي تتكون منها كالصفوف والإدارة والمناهج والمعلمين، بل يرتكز أيضا وبصورة أساسية على منظومات الأفعال التي يقوم بها التلاميذ والمدرسون و الإداريون فيما بينهم من جهة، وعلى التفاعلات التي تتم بين المجتمع المدرسي والوسط الخارجي بمؤسساته وأسره وثقافاته من جهة أخرى، وهذه الأفعال ترتسم في مخطط معقد للنشاطات الإنسانية التي تتم على العموم في إطار التفاعل الاجتماعي.

فالمدرسة نظام اجتماعي من التفاعلات السلوكية التي تتم بين مختلف روادها، وهذا يعني أن السلوك يشكل جانبا من بنية المدرسة بوصفها نظاما اجتماعيا، وإذا كانت المدرسة تنظيما سلوكيًا فإنه يجب علينا أن نحدد خريطة السلوك المدرسي، و ترسيم حدود هذا السلوك الذي يدخل في بنية المدرسة كمؤسسة تربوية اجتماعية.

وظائــف المدرسة:

سنركز هنا على الأدوار الأساسية للمدرسة في التربية و التعليم، فالإنسان ينفرد عن بقية الكائنات بقدرته على التكيف وفقا لمعايير وقيم ثقافية أبدعها بنفسه، وأوجدها لذاته؛ فالحيوانات والحشرات مزودة بسجل عصبي وراثي كامل يمكنها من الاستمرار والتكيف دون تدريب أو تعليم إلا الإنسان، فإنه لا يملك برنامجا وراثياً وبيولوجياً للتكيف والوجود فهو في حالة من الضعف المطلق عند ولادته فيحتاج إلى سنتين لتعلم المشي و إلى 3 سنوات للبدء في الكلام وإلى 20 سنة للاستقلال .

ولهذا يقول إمانويل كانت إن الإنسان لا يصبح إنسانا إلا بالتربية، أي إن الإنسان الذي ينتقل من صورة الوجود بالقوة إلى صورة الوجود بالفعل أمر مرهون بالفعل التربوي أي إن الإنسان ينمو بين قطبي الوجود المتمثلين في الشروط البيولوجية من جهة وفي الشروط الاجتماعية من جهة أخرى، فالإنسان إذن لا يولد إنسانا فاللغة والفكر والمشاعر والفن والأخلاق لا تنتقل إلى الإنسان إلا عن طريق الوراثة إنها عناصر تكتسب بالتربية وحدها وبالتالي يفقد إنسانيته عندما لا يجد التربية التي تتعهده وتأخذ بيده إلى صورته الإنسانية.

و بالرجوع الى الوظيفة أو الدور التربوي للمدرسة فانه لا يقل أهمية عن دورها التعليمي، فلا فائدة من تخريج أجيال متعلمة بلا وعي أو أخلاق أو مهارات تمكنها من استغلال ذلك العلم، وقد اقترن الدور التربوي للمدرسة بدورها التعليمي منذ نشأتها الأولى، ففي صدر الإسلام كان المسجد هو المدرسة النظامية الأولى للمسلمين، وبعد ذلك تطور الأمر، فأنشأت بجانب المساجد كتاتيب لتعليم الأطفال وتربيتهم، وأخذ الأمر في التطور إلى أن وصلنا إلى نموذج المؤسسة التعليمية الذي نعرفه اليوم، وقد تغير الشكل وتعددت الآليات، ولكن ظلت المدرسة تؤدي نفس المهمتين المنوطتين بها ، وهما التعليم والتربية.

إن القول بأن الدور التربوي للمدرسة يماثل في أهميته وظيفتها التعليمية لم يأت من فراغ، بل لما لهذا الدور من أثر إيجابي بالغ على الفرد، ينعكس بالضرورة في المستقبل على المجتمع ككل. [6]

وظيفة المعلم في العملية التربوية: إن الجزء الأكبر من دور المدرسة التربوي يقع على عاتق المُعلم نفسه، فهو واجهة المؤسسة التعليمية والتربوية بالنسبة للمتعلم، هو الذي يتعامل معه ويتصل به بصورة مباشرة، وكي يتقبل الطفل كل ما يُملى عليه من تعليمات أو توجيهات، فلابد وأن يكون في الأساس مُحباً للمدرسة التي ينتمي إليها، وهذه هي مسؤولية المعلم الذي يجب أن يكون حاسماً فيحترمه تلاميذه، وفي ذات الوقت يكون ودوداً مقرباً منهم فيحبونه ويحبون مدرسته، بجانب هذا كله فإن المعلم يجب أن يكون قدوة للمتعلمين يحتذون بها، وعليه أن يعي أن دوره لا يقتصر فقط على تلقين المادة العلمية، بل عليه أن يجعل من نفسه النموذج الذي يرغب أن يصبح طلابه عليه، فلابد وأن يتحلى بالأخلاق الحميدة، وألا يتلفظ بالبذاءات أو ألا يرتكب أي تصرفات خاطئة بأي شكل، وذلك لأن التلاميذ إذا أحبوا معلمهم قلدوا تصرفاته وسلوكياته، ويكون بذلك قد تحقق جانب من دور المدرسة التربوي .

وظيفة الفاعلين التربويين في العملية التربوية: يتضمن عمل هيئة التدريس على كشف مواهب الأطفال وقدراتهم، ومن ثم توجيههم والعمل على تنمية تلك المهارات والقدرات، وتعليمهم كيفية استغلالها على الوجه الأمثل، وذلك يتم من خلال وضع برامج رعاية للمتعلمين المتفوقين والموهوبين، كذلك على المعلم أن يحث طالبه على خوض التجارب بنفسه، وأن يشارك في الأنشطة التي يجد في نفسه ميل إليها، حتى يكتشف مواطن قوته وعوامل تميزه، وهنا يأت دور المعلم المتخصص في قيادة تلك الموهبة وإدارتها وتفجير طاقتها وإخراجها للوجود.

وظيفة المخرجات في العملية التربوية: دور المدرسة التربوي يشمل أيضاً تخريج أجيال واعية مثقفة، وهذا لن يتحقق بالتأكيد من خلال حشو أدمغتهم بكم المعلومات الهائل الذي تحتويه المقررات الدراسية فقط، صحيح إن التعليم مهم وهو أحد أسس الحياة ، ولكن في النهاية كما يمتلك المتعلم حصيلة علمية، فلابد أن يمتلك أيضاً مجموعة المهارات التي تمكنه من إدارتها وإحسان استغلالها، وهنا يأتي دور المدرسة التربوي ليُكمل دورها التعليمي، فتقوم بتشكيل وعيه وإكسابه العديد من المهارات الاجتماعية.

فمن خلال المدرسة يخوض المتعلم أولى تجاربه في التواصل مع الآخرين، ويمكن أن ينمي المعلم في تلاميذه روح التعاون من خلال تشكيل مجموعات منهم وتكليفهم بمهمة ما ليؤدوها معاً، كذلك المعسكرات الخارجية وفرق الكشافة تشبه برامج إعداد القادة، فهي تنمي القدرات الشخصية للتلاميذ وتظهرها وتعلمهم تحمل المسؤولية، وكيفية إدارة الأمور وأساليب التعامل مع الرؤساء والمرؤوسين. [7]

وظيفة المدرسة كنسق إجتماعي في العملية التربوية: هنا نقصد بأن المدرسة تتحمل المسؤولية عن أي ظواهر سلبية تصيب المجتمع، مثل الظواهر الاجتماعية والتفرقة الطبقية أو تفشي الأفكار العنصرية وغيرها، فالمدرسة في كل عام يلتحق بها عدد كبير من المتعلمين، ينتمون لشرائح اجتماعية مختلفة وينتمون لبيئات متباينة، و دور المدرسة التربوي يحتم عليها التوحيد بين هؤلاء جميعاً، والعمل على خلق مجتمع متآلف ومتجانس، خال من الأحقاد والمنازعات العرقية.

أما فيما يخص الأسس البيداغوجية و الديداكتيكية، فالتربية لها علاقة وثيقة بالمدرس والمتعلم، بل تنفتح على الإدارة والأسرة والمحيط الخارجي الذي يؤثر في المدرسة. وقد تعني التربية مجموعة من الطرائق والتصرفات والخبرات والتجارب التي تهدف إلى تنشئة المتعلم في مختلف جوانبه السلوكية والتعليمة والتثقيفية[8].

تفسير النسق التربوي: تنبني التربية على ثلاثة عناصر رئيسية هي: المعلم، والمتعلم، والمعرفة، فالمعلم هو الذي ينقل المعرفة إلى المتعلم عبر المضامين والمحتويات، والطرائق البيداغوجية، والوسائل الديداكتيكية، ويعني هذا أن ثمة مرتكزات تربوية ثلاثة: المعلم، والمتعلم، والمعرفة. فالمعلم هو الذي يقوم بمهمة تكوين المتعلم، ضمن علاقة بيداغوجية، وما يعلمه المعلم من معارف وأفكار ومحتويات ومضامين وخبرات وتجارب يدخل ذلك ضمن علاقة ديداكتيكية.

أما ما يحصله المتعلم من معارف ومعلومات يدخل ضمن علاقات التعلم. والجامع بين المرتكزات الثلاثة يسمى بالفضاء البيداغوجي.

وبناء على ماسبق، فإن التربية فعل تربوي وتهذيبي وأخلاقي، تهدف إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسليمة. ومن جهة أخرى، تساهم التربية في الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وتسعى جادة لتكوين المواطن الصالح. وكذلك تسعى إلى تغيير المجتمع بالتدريج، والدفع به نحو طريق التقدم والازدهار بتحقيق الديمقراطية التشاركية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة المثلى. علاوة على ذلك فالتربية هي التي تنشئ المجتمع نشأة أخلاقية، وترفع مكانته وشأنه ومستواه التنموي، وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة، وتسعى التربية جادة إلى إدماج الفرد في المجتمع تكيفا وتأقلما وتصالحا وتغييرا، كما تسعى إلى" الإنماء الكامل لشخصية الإنسان، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية. يعني تكوين أفراد قادرين على الاستقلال الفكري والأخلاقي، ويحترمون هذا الاستقلال لدى الآخرين، طبقا لقاعدة التعامل بالمثل التي تجعل هذا الاستقلال مشروعا بالنسبة إليهم"[9].

 

         المحاضرة الخامسة: بعض مظاهر الشغب و الزيغ و العنف بالفضاء المدرس

تتمثل الملاحظة الاولية في معرض هذه المداخلة, في كون التلاميذ لا يعيشون جميعهم تجربتهم المدرسية في جو من السعادة و الطمأنينة, و اذا كانت السعادة تهيمن على كافة الانفعالات الاخرى, التي يستشعرها الاطفال داخل الفضاء المدرسي, فان الغضب و الملل يأتيان في المرتبة الثانية. كما ان التلاميذ يغذون حساسية تجاه سلوكات من قبل المدرسين, الا ان انتقادات التلاميذ لهم تظل محدودة بفعل الانخراط القوي في القيم المنقولة من قبل المؤسسة، و بالمقابل فالمشاجرات ما بين الاطفال تمثل ظاهرة مألوفة خاصة بمدارس  المجتمعات المحلية, و يلاحظ في هذا الصدد ان المدرسين يسجلون نوعا من التساهل بهذا الشأن اذ يرون فيه وسيلة طبيعية لبداء الهوية الذكورية بالنسبة للذكور, و استدخال القيم الذكورية المرتبطة بالقوة في تصور الاناث اللائي غالبا ما يبقين على هامش هذه المشاجرات[10].

ولا تغذي هذه المشاجرات العادية قصدية حقيقية اذ يمكن للتلميذ ان يهاجم لأنه هدف لهجوم, كما انه بالإمكان ان يتشاجر صديقان من دون ان يؤثر ذلك على صداقتهما, غير ان هذه المشاجرات غالبا ما تصلح للتعبير عن سلطة كبار التلاميذ على اصغريهم و كذا على الاناث و في سياقات متعددة الاناث قد تضع المشاجرات في المواجهة جماعات مختلفة على اساسات ثقافية او عرفية.                             

و في المتوسطات يصبح التلاميذ اكثر حساسية للحيف بصورة واضحة و هكذا فان كان اغلب التلاميذ يصرحون بجدوى القانون المدرسي و بالتالي يلزم احترامه, فان القليل منهم يعتقدون بان هذا القانون يحمي التلاميذ من الحيف و الاجحاف و بالإضافة الى ذلك يصرح نصف عدد تلاميذ السلكين المتوسط و الثانوي بكومهم يشعرون احيانا او في اغلب الاحيان بالإهانة من قبل الاستاذة الذين يفضحون علينا اخطاءهم و يسخرون منهم من خلال الاحالة على مميزات شخصية او اسرية, وبالتالي يفرضون عليهم سلوكات تبخيسية[11]. و يضاف الى ذلك التدبير اليومي للتغيب ومشاكل السلوك و الذي تطلب المؤسسة و فاعلوها في اطاره من التلاميذ الاعتراف بأخطائهم و من دون ان يكونوا هم انفسهم محط اعادة في النظر.

و يبدو ان التلاميذ من اصل اجتماعي شعبي, هم الاكثر حساسية للظروف المهدورة لتجربتهم المدرسية و كذا تجاه عدم الاحترام و الاهانة من قبل المدرسين و الحيف في التنقيط او العقاب, وتفسر هذه التجربة المدرسية في جزء منها افعال العنف اللفظي التي يشتكي منها المدرسون و التي تؤدي بالبعض منهم داخل مؤسسات تحتضن فئات عريضة من ابناء الفئات الشعبية الى تغذية خطاب فئوي و طبقي قدحي ناتج عن عدم القدرة على استمرار في التحمل, اكثر منه عن قناعات ميزيه، وينبغي بالمقابل الاشارة الى تواجد نوعين مختلفين من العنف, ويتمثل اولهما في العنف المضاد (violence réactionnelle), حيث يتبنى التلاميذ ردود افعال ضد الاقصاء من الداخل[12], و هو عنف يزداد حدة داخل اسوا الفصول عبر تواجد شغب فوضوي متواتر يعجز المدرسون عن التحكم فيه و يؤدي استمراره بالتلاميذ الى الانغماس في  حالة زيغ، ينتج عنها اللاتمدرس(déscolarisation) ان لم يكن الجنوح(délinquance)، اما مظهر العنف الثاني فهو يوافق النقل داخل الفضاء المدرسي لأنماط من العلاقة باللغة المتداولة او التصرفات المقبولة داخل الاسرة او الحي السكني لكنها تدرك على انها تقصير في احترام النظام المدرسي من وجهة نظر فاعلي المؤسسة المدرسية.

و يلاحظ بالمؤسسات التي تحتضن جماهير من المتمدرسين ذوي الصعوبات, تواجد اشكال من المشاكسة ما بين التلاميذ قد تنطلق من الترهيب لتصل الى حد الاعتداء الجسدي ولا تستأثر هذه الظاهرة مما يكفي من الانتباه, حيث ان السواد الاعظم من التلاميذ يقرون حسب بعض الاستطلاعات بأهمية الاحساس  ̏ بالوقوع ضحية ̏  اذ يصرحون بكونهم سبق لهم ان كانوا ضحايا لمواقف من قبيل عدم الاحترام و السرقة و المساومة و الضرب و الابتزاز من طرف زملاء لهم في المدرسة, ويتغير هذا الاحساس بشدة تبعا للجنس و السن و الموقع المدرسي و هو يتمظهر بشكل جلي لدى الذكور ما بين 12و16 سنة, زد على ذلك ان التلاميذ الذين يسجلون ضعفا في الاندماج المدرسي و الاجتماعي هم الكثر في التصريح بانهم ضحايا لهذا الاحساس و مواجهته عن طريق احتماء نشيط، وينبغي الاشارة كذلك ان وقائع الايقاع بالضحايا و(victimisation) باستثناء افعال الابتزاز(rackettage) تحدث اثناء اوقات الدراسة وداخل الفضاءات المدرسية و خارجها على حد سواء و ان اتساع هامشها قابل للتغير من مؤسسة الى اخرى تبعا للخصوصيات الاجتماعية للجمهور المتمدرس و محيطه الحضري، كذلك للمناخ السائد و الانضباط الداخلي[13].



[1]- علي أسعد وطفة علم الاجتماع المدرسي بنيويّة الظاهرة ووظيفتها الاجتماعية الطبعة الأولى 2003 ص 5.

[2]- جون سكوت: علم الاجتماع، المفاهيم الأساسية، ص:358-359.

[3]- Dominicé L., Michel Y., Vellas E, "Qu'est-ce une bonne école, une école efficace? L'efficacité scolaire sur la balance!", dans Actes du 15e congrès de la Société suisse pour la recherche en éducation. Genève: Cahiers de la Section des Sciences de l'Education. N0 65, 1991, pp 100-108.

[4]- Vellas, E., Le sens de l'école en pleine mutation. L'Ecole Valdotaine, 15 octobre 1995. 

[5]- Beaudot Alain, Sociologie de l'école, Durand Paris, 1981. P77.

[6]- إبراهيم ناصر: علم الاجتماع التربوي، دار الجيل بيروت لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية عمان الأردن، ص 42.

[7]- محمد لبيب، مقدمة في فلسفة التربية، دار النهضة العربي للطباعة والنشر، النجيحي بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1992، ص240.

[8]- جميل الحمداوي ، سوسيولوجيا التربية الطبعة الأولى:2015، ص75.

[9]- جان بياجي: التوجهات الجديدة للتربية، ترجمة: محمد الحبيب بلكوش، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغر ب، الطبعة الأولى، 1998، ص52.

[10] -debarbieux(e), la violence en milieu scolaire, état des lieux, paris, ESF, 1996.        

[11] -merle, l’humiliation des des élevés l’institution scolaire, revue française, de pédagogie, n139, 2002, pp 31-51.   

[12] -Bourdieu et champagne, les exclus de l’intérieur, actes de la recherche en science sociales, n91-92, 1992,pp 71-75.       

[13] -carra et Sico, une autre perspective sur les violences scolaire : l’expérience de victimisation, paris, Armand colin, 1997.