جامعة غرداية كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق محاضرات في مقياس المنظمات المهنية لسنة الجامعية 2020-2021 لطلبة السنة أولى ماستر : تخصص ادارى مقدمة من طرف الدكتور/ لشقر مبروك فهرس المحتوى : 1/الاطار المفاهيمي الخاص بالمنظمات المهنية 2/ الطبيعة القانونية لنشاط المنظمات المهنية مقدمة نعني عادة بمفهوم الحركة العمالية المهنية كل ما قام به المهنيون من نضالات من أجل تحسين ظروف عملهم بشكل عام و ذلك منذ إرساء قواعد النظام الرأسمالي أثناء مع ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا ثم في باقي أربا منذ منتصف القرن الثامن عشر، و التي كانت تهدف إلى الدفاع عن حقوق الطبقة المهنية التي تدهورت أحوالها الاقتصادية و الاجتماعية كثيرا و المطالبة بتحسين شروط العمل و الحياة، سواء كان ذلك في إطار نقابات أو أحزاب أم لا. ومن ثم، فقد كانت الحركة العمالية تسعى إلى تنظيم المهنيين في مواجهة الطبقة الرأسمالية، من خلال مجاوزة التشتت الذي كانت تعاني منه، و تقوية صفوفها بعد أن بدأت تعي ظروفها، و قدرتها على تحسين ظروفها من خلال بروزها كقوة اجتماعية في مواجهة القوى الرأسمالية. • أولا:الاطار المفاهيمي الخاص بالمنظمات المهنية - المنظمة المهنية: تعرف المنظمة المهنية بأنها منظمة أو لا، تتشكل من طرف مجموعة من المهنيين بهدف الدفاع عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية، المتعلقة بظروف عملهم، عن طريق الضغط على أرباب العمل سوءا كانوا خواص أو حكومات. - تعريف الحركة النقابية المهنية : تعرف النقابات العمالية على أنها مجموعة النضالات التي يقوم بها العمال من أجل الدفاع عن حقوقهم و تحسين ظروف عملهم من خلال النقابات العمالية. فهي ذزء من الحركة العمالية و ليست كلها. لمحة تاريخية عن بروز المنظمات المهنية: أولا: بدايات ظهور الحركة النقابية المهنية: بعد انهيار النظام الإقطاعي، خاصة في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، الذي كان نشاطه الاقتصادي يقوم بالأساس على الزراعة و استغلال الأراضي و على النشاط الحرفي في المدن و الأرياف و بروز النظام الرأسمالي القائم بالأساس على النشاط الصناعي، و ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و العمل المأجور و انتقال المجتمع الأوروبي من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي، عندما تضاءل العمل في الزراعة، و بروز العديد من المصانع الكبرى، التي تعتمد في إنتاجها على اليد العاملة بأعداد كبيرة، تدهورت أوضاع أعداد كبيرة من هؤلاء العمال و ساءت أحوالهم الاقتصادية و الاجتماعية بما فيهم أبناءهم و نساءهم، الذين قدموا في معظمهم من الأرياف. و قد كان من نتائج ذلك ظهور الوعي لدى العديد منهم بضرورة المطالبة بتحسين ظروفهم كما برز لديهم الوعي الطبقي باعتبارهم طبقة عاملة في مواجهة الطبقة الرأسمالية. و قد تميزت الحركات الأولى بمواجهات عنيفة و دموية بين العمال و أصحاب العمل الذين كانوا يستفيدون من تدخل قوات الأمن لأن الاحتجاجات العمالية لم تكن قانونية آنذاك. و كذلك الأمر بالنسبة للإضرابات و التشكيلات النقابية التي كانت ممنوعة في تلك الفترة. و الحقيقة أن الحركة العمالية كانت تستفيد من دعم الكثير من المثقفين في تلك الفترة و على رأسهم أولئك المنتمين إلى الحركة الاشتراكية التي أخذت معالمها تتبلور أكثر فأكثر. و كان على رأس أولئك المثقفين كارل ماركس الذي سخر حياته لنقد الرأسمالية و إرساء دعائم الفكر الشيوعي الذي ينادي إلى القضاء التام على الطبقة البرجوازية و النظام الرأسمالي. و قد تمحورت مطالب الحركة العمالية في بدايتها حول مجموعة من القضايا المستعجلة من أهمها: رفع الأجور، خفض أوقات العمل و تحسين ظروف العمل و الحياة التي بلغت مستويات مأساوية. يمكن القول بأن الحركة النقابية المهنية قد مرت في بداياتها بثلاث مراحل أساسية: 1- الحركات الاحتجاجية العنيفة و من أبرزها الحركات الواسعة و العنيفة التي قادها عامل النسيج البريطاني نيد لود (Ned Ludd) بداية من سنة 1811. التي قام أثناءها العمال بعمليات تخريب كبيرة للآلات و معدات الإنتاج، ضانين أنها سبب البطالة. و بعد أن تعرضت تلك الحركة إلى قمع قوات الأمن و الجيش، و بعد أن أدرك العمال المحتجون أنفسهم أن عمليات التخريب التي تستهدف الآلات و المعدات تضر في آخر المطاف بالعمال أنفسهم قبل أرباب العمل، بدأت تلك الحركة في التلاشي إلى أن اختفت نهائيا في سنة 1820. و يمكن أن نذكر أيضا هنا بالحركة العمالية الواسعة التي عرفتها مصانع مانشستر سنة 1819 التي شارك فيها ما يناهز الثمانين ألف عاملا. 2- النضال من أجل الاعتراف في هذه المرحلة توجه نضال العمال نحو الضغط على أرباب العمل و السلطات السياسية للاعتراف بهم كقوة اجتماعية لها مطالبها و مصالحها في مقابل مصالح أرباب العمل. تميزت هذه المرحلة بجهود العمال التي كانت تهدف إلى البحث عن سبل لتشكيل تنظيمات تتولى الدفاع عن حقوقهم بشكل مستمر و منظم. و قد عرفت تلك الجهود الكثير من المحاولات الفاشلة و من أبرزها محاولة البريطاني روبرت أوين (Robert Owen) التي قام بها في سنة 1834. 3- إنشاء تنظيمات تتولى الدفاع بشكل مستمر عن حقوق المهنيين:. بعد الحركات الاحتجاجية العنيفة بدأ نضال العمال يتجه نحو افتكاك الحق في تشكيل تنظيمات نقابية و حق الانضمام إليها. و هنا برز إلى الوجود نوعان أساسيان للتنطيمات النقابية: - تنظيمات خاصة بالمهنيين المؤهلين حسب التخصصات. (Le type sociétaire) - تنظيمات عامة تكون مفتوحة لأكبر عدد من العمال بغض النظر عن تخصصاتهم و مؤهلاتهم. (Le type communautaire) و على العموم فقد تباينت التنظيمات بين هاذين النوعين في أهم الدول الأوربية، حيث سيطر النوع الأول في كل من بريطانيا، حيث تم الإعتراف بها سنة 1875و ألمانيا، التي اعترفت بها في عام ...و في الولايات المتحدة بداية من سنة 1886. بينما سيطر النوع الثاني على الحركة النقابية الفرنسية، أين تم الاعتراف بالتنظيمات النقابية في عام 1884. مع بداية عمل الحركة النقابية تحققت لها مجموعة من المكاسب الأساسية و من أهمها: - تحقق استقرار أكبر للعمال والمهنيين في مناصب عملهم. - تم الأخذ بعين الاعتبار لحوادث العمل. - مع بداية سنوات 1850-1860، بدأت الأجور في الارتفاع. - بدأ الاهتمام ببناء السكنات للعمال و عائلاتهم. - بدأت ظروف العمل و الحياة في التحسن بالتدريج. يعد ظهور الحركة النقابية والمهنية إذا نتيجة من نتائج بروز الثورة الصناعية و بخاصة و النظام الرأسمالي التي عرفتها أوربا الغربية و بخاصة انجلترا انطلاقا من منتصف القرن الثامن عشر. وقد أدت هذه الثورة إلى تغيير كبير في تقنيات الإنتاج و بروز المصانع. و ظهور الطبقة البرجوازية وتمركز رؤوس الأموال بيدها. و مع قد انعكست ذهنية الربح المرتبطة بنظرية الحرية سلبا على الطبقة العاملة. و قد أدى ذلك بالعمال إلى التفكير في العمل الجماعي من منطلق المعاناة المشتركة. ومع انتشار التصنيع شهد عالم الشغل تحولات كبيرة مما أدى إلى ظهور أيديولوجيات جديدة وظهور محاولات لتجميع العمال أدت إلى بروز التنظيمات النقابية من خلال اتجاهين مختلفين : الاتجاه الأول تميز بتبنيه لمبادئ الاشتراكية. أما الاتجاه الثاني فقد تبنى النزعة البراغماتية. و قد أعطت الثورة البلشفية في روسيا بداية من سنة 1917 دفعة جديدة لهذه الحركات و خاصة تلك التي تبنت المذهب الاشتراكي في مختلف أنحاء العالم و بشكل خاص في ما بات يعرف بدول العالم الثالث التي كانت تعاني من هيمنة الدول الاستعمارية. و بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، قامت النقابات في العالم بتأسيس اتحاد نقابي عالمي يجمع كل النقابات في العالم و كان ذلك بدعم من المعسكر الاشتراكي الذي أصبحت تقوده روسيا مما اضطر الكتلة الرأسمالية ممثلة في الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأسيس الإتحاد الدولي للنقابات الحرة . و في دول العالم الثالث اختلفت الحركة النقابية عن مثيلتها في الدول الصناعية حيث لم تستمد جذورها من الصراع الطبقي ذلك أن الصناعة و الرأسمالية لم تكن متقدمة في تلك الدول مما لم يفسح المجال لظهور الطبقتين الرأسمالية من جهة و العاملة من جهة ثانية على الأقل بالشكل الذي ظهرتا به في الدول الصناعية الرأسمالية الغربية. و قد تميزت النقابات في دول العالم الثالث بانخراطها في حركات التحرر الوطني من الهيمنة الاستعمارية.. و بما أن الدول العربية جزء من العالم الثالث، فقد ارتبط تشكيل و عمل النقابات العمالية فيها بالنضال ضد الاستعمار كما كان الشأن في الجزائر. و قد ارتبطت الكثير من لنقابات العربية بالنقابات العمالية التابعة للدول المستعمرة التي كان بعضها يتضامن مع الشعوب المستعمرة و يقف إلى جانبها في نضالاتها ضد الاستعمار. • ثانيا :الطبيعة القانونية لنشاط المنظمات المهنية 1- الحركة النقابية إبان فترة الاحتلال الفرنسي إن الاهتمام بظهور الحركة النقابية في الجزائر يؤدي بنا في البداية، مع الكثير من اهتموا بتاريخ الحركة النقابية في الجزائر، إلى ملاحظة أن ظهور هذه الحركة، خاصة بشكلها المستقل عن التنظيمات النقابية الفرنسية، في الجزائر المستعمرة، كان صعبا و متأخرا. و يعود ذلك بالأساس إلى سيطرة النقابات الفرنسية على النشاط النقابي العمالي في البلاد طيلة سنوات عديدة، من جهة، و بشكل خاص تنظيم الكنفدرالية العامة للعمل (CGT). هذا بالإضافة طبعا إلى القمع و التهميش، الذي كانا يمارسان بشكل ممنهج و مقنن على كافة شرائح الشعب الجزائري، من جهة ثانية، و كذلك إلى عدم وجود قطاع اقتصادي صناعي حديث، الذي حال دون بروز طبقة عاملة محلية كبيرة. ومع ذلك، و حتى لو كان ظهور الحركة النقابية الجزائرية المستقلة قد جاء متأخرا عن الحركة النقابية في بلدان المغرب العربي الأخرى، تونس و المغرب، فإن ذلك لا يعني أن النشاط النقابي، الذي كان يسعى إلى تحسين ظروف عمل العمال الجزائريين، بل و ظروف حياة المجتمع الجزائري بشكل عام، لم يكن موجودا في تلك الحقبة من تاريخ الجزائر. لقد برز هذا النشاط إلى الوجود ما إن توفرت الشروط الضرورية لظهور نخبة عمالية، في فرنسا أولا، ثم في الجزائر، في وقت لاحق. و الجدير بالذكر هنا هو أنه، وفي وضع استعماري، فإن الوعي الاجتماعي لم يكن ليبرز، لدى المناضلين الجزائريين، دون وعي وطني. و لقد حدث ذلك، في بادئ الأمر في صفوف الجزائريين الذين كانوا يعملون في المناجم والمصانع، خاصة في فرنسا مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد في عشرينيات القرن الماضي، الذين نشطوا في صفوف الجناح الثوري للكنفدرالية العامة للعمل الفرنسية (CGTU). بل و قد تشكلت في تلك الظروف و بين تلك الأوساط أولى طلائع الحركة الوطنية الحديثة بشقيها السياسي و النقابي، أين احتك الجزائريون بأنماط النضال النقابي و السياسي. وقد تجسد ذلك في تلك الفترة، كما يذكر المؤرخ محفوظ قداش، في أعمال "المؤتمر الأول لعمال شمال إفريقيا" الذي انعقد في فرنسا في شهر ديسمبر من سنة 1924. لقد كان الهدف الأساسي للحركة النقابية الوطنية الجزائرية يتجاوز بكثير المطالب الاقتصادية والاجتماعية المعتادة ليصل إلى العمل على حشد العمال الجزائريين، بمختلف فئاتهم و قطاعاتهم، ناشطون كانوا أم عاطلين، و تعبئتهم من أجل إسقاط النظام الاستعماري و وضع حد للتمييز الفظيع الذي كانوا يعانون منه. ومن هذا المنطلق يمكننا الاتفاق مع شارل-روبرت آجرون عندما يصرح بأن النظر الدقيق لطبيعة وظائف النقابات الوطنية و ما أدته من دور في البلدان المستعمرة، بما فيها، بلدان المغرب العربي إبان فترة الاحتلال الفرنسي، يبين بوضوح خصوصية هذا العمل النقابي. لأنه، يقول آجرون، إذا كانت القوى الاجتماعية نفسها التي كانت تحاول تلك التنظيمات النقابية تمثيلها تطلب منها ذلك، و في ظل غياب طبقة عاملة حقيقية في المناطق الخاضعة للحكم الاستعماري، فإنه من غير المتوقع أن تكون أهداف تلك النقابات أهدافا تقليدية تشبه ما تسعى إلى تحقيقه النقابات الأوربية باعتبارها تنظيمات طبقية و وسيلة من وسائل الصراع الطبقي. لقد كان النضال من أجل التحرر الوطني، و ليس الصراع الاجتماعي، هو الذي احتل المقام الأول ضمن برامج نقابات شمال أفريقيا آنذاك، كما كان الحال في افريقيا السوداء و مناطق مستعمرة أخرى، على الرغم من أن حالة الجزائر كانت تبدو حالة خاصة، أعتقد فيها، و إلى غاية سنة 1956، بأن الموظفين الجزائريين كانوا مندمجين تماما في صفوف النقابات الفرنسية. و من هنا، يمكننا أن نستنتج مع هذا المؤرخ، أنه، و بعكس ما يمكن أن تقوله القراءة الماركسية بتركيزها على الصراع الطبقي، فإن العلاقات التي يفرضها النظام الاستعماري بشكل واضح علاقات الهيمنة: أي هيمنة المستعمرين على المستعمرين. و الحقيقة أن ظاهرة التنافس بين التيار الشيوعي، الذي يدرج نشاطه و نضاله في سياق الصراع الطبقي، و بين التيار الوطني، الذي يتحرك من أجل التحرر الوطني، في المجتمعات التي عاشت الهيمنة الخارجية، ليست استثناء جزائريا. فلقد ظهر ذلك في بلدان مستعمرة أخرى كثيرة و منها الغربية مثل لمصر، و تونس، و المغرب، و غيرها. و من هنا، فإنه، و إذا طلب منا تصنيف الحركة النقابية الوطنية الجزائرية، التي سادت خلال الفترة الاستعمارية، سنقول، إن تلك الحركة يمكن وصفها بأنها " نقابة من أجل التحرير"، أو، وهو يعني الشيء نفسه، " نقابة من أجل تصفية الاستعمار". إن هذا التصنيف لا يبدو، بالتأكيد، منسجما مع أنماط العمل النقابي التي تشير إليها عموما المدارس الفكرية المختلفة في هذا الشأن. و لكن من المعروف أن الواقع الاجتماعي هو دائما أكثر تعقيدا من كل النظريات مهما كانت درجة تطورها. 2- الحركة النقابية المهنية بعد الإستقلال بعد الاستقلال الذي أعلن تاريخه رسميا في الخامس من شهر جويلية من سنة 1962، تقرر، بناءا على قرارات مؤتمر طرابلس الذي انعقد في العاصمة الليبية بين27 ماي و 7جوان 1962، انتهاج البلاد لطريق الأحادية السياسية و النقابية. و لم تعترف السلطة الجديدة إلا بجبهة التحرير الوطني التي تحولت إلى حزب سياسي بعد أن قادت بنجاح حرب التحرير و بالإتحاد العام للعمال الجزائريين الذي تأسس في الـ 24 فيفري من سنة 1956. و قد استمر الوضع على تلك الحال حتى سنة 1989 حيث تم الاعتراف بالتعددية الحزبية في أعقاب احتجاجات الـ 5 من أكتوبر 1988 و بعد صدور و تبني دستور 23 فيفري 1989. و من هنا، يمكن أن نقسم الحياة النقابية في الجزائر بعد الاستقلال إلى فترتين أساسيتين. الفترة الأولى، و تمتد من تاريخ الاستقلال إلى سنة 1989 و الثانية التي تبدأ من 1989 و المتواصلة إلى أيامنا هذه. أ: 1962- 1989 فترة الأحادية النقابية المهنية تعتبر هذه الفترة إذن فترة الأحادية النقابية، حيث لم تسمح السلطات السياسية التي أخذت زمام الأمور في البلاد آنذاك لأي تنظيم نقابي بالنشاط ما عدى الإتحاد العام للعمال الجزائريين الذي أنشئ في 24 فيفري 1956 و الذي شارك بكل قواه في حرب التحرير تحت لواء جبهة التحرير الوطني. أكثر من هذا، فقد وضع هذا الإتحاد تدريجيا، و منذ مؤتمره الأول الذي أنعقد بين 17 و 20 من شهر جانفي من سنة 1963 تحت سيطرة السلطة السياسية على غرار ما كان سائدا في دول المعسكر الاشتراكي بقيادة الإتحاد السوفيتي آنذاك رغم معارضة الكثير من مناضليه المناصرين للاستقلالية النقابية. و قد تميزت هذه الفترة على العموم بأن كان الإتحاد عبارة عن هيئة ممثلة للسلطة لدى العمال أكثر من كونها ممثلة للعمال لدى السلطات، على حد تعبير لهواري عدي. و قد اقتصرت الاحتجاجات و الإضرابات العمالية على القطاع الخاص الذي لم تكن تتواجد به النقابة تقريبا و كانت معظم أنشطة الإتحاد عبارة عن تعبئة عمال القطاع العمومي، الذي كان يسيطر على النشاط الاقتصادي، لتحقيق أهداف المخططات التنموية مقابل تأمين مناصب العمل و الحفاظ على القدرة الشرائية حسب ما تسمح به مداخيل البترول و سياسة إعادة التوزيع التي تعكس موازين علاقات القوة السائدة طيلة تلك الفترة. و قد استمر هذا الوضع إذن على العموم إلى غاية سنة 1989 إثر الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي عرفتها الكثير من مناطق البلاد و التي انفجرت فجأة في 5 من أكتوبر من سنة 1988. ب: من 1989 إلى اليوم: فترة التعددية النقابية المهنية بداية من الخامس أكتوبر من سنة 1988، انفجرت في شوارع العاصمة احتجاجات شعبية عارمة، أغلب مكوناتها من الشباب، و قد انتشرت بعد ذلك في مختلف كبريات مدن البلاد و دامت عدة أيام و قد نتج عنها الكثير من الخسائر البشرية و المادية. و أسفرت عن إصلاحات سياسية أبرزها الاعتراف بالتعددية السياسية و النقابية مما أدى إلى ظهور العديد من الأحزاب و النقابات المستقلة عن الإتحاد العام للعمال الجزائريين بموجب القانون 90-14 الذي صدر بتاريخ 02 جوان 1990 أي بعد تبني دستور البلاد الجديد بتاريخ 23 فيفري 1989. و قد تمركزت هذه النقابات في القطاعات العمومية مثل التعليم و الصحة و الإدارة العمومية، و بعض المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة كشركات الطيران و النقل البحري. و بعد أن عرفت هذه التنظيمات ازدهارا في البدايات الأولى لحياتها، تعرضت بعد ذلك إلى مضايقات من طرف السلطات العمومية. و قد أدى ذلك بالكثير من الملاحظين، فضلا عن مناضلي هذه التنظيمات، إلى اعتبار التعددية مجرد تعددية شكلية لا مكان فيها إلا للإتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يستفيد من دعم السلطات الرسمية على حساب النقابات المستقلة. و مهما كان الأمر فإنه بإمكاننا أن نقول بأن الحركة النقابية في الجزائر في الوقت الراهن تتميز بمجموعة من الخصائص لعل أهمها: - سيطرة الإتحاد العام للعمال الجزائريين على النشاط النقابي الذي يستفيد من دعم رسمي و اعتباره الممثل الوحيد أو على الأقل الأهم للعمال. - تمركز الحركة النقابية في القطاع العمومي و شبه غياب في القطاع الخاص. سواء بالنسبة للإتحاد العام أو بالنسبة للنقابات المستقلة. - تمركز النقابات المستقلة في قطاع الخدمات العمومية من تعليم و صحة و إدارة عمومية و غيابها عن القطاع الاقتصادي. - غلبة الطابع الفئوي على التنظيمات النقابية المستقلة و تمثيلها لفئات مهنية ذات مستويات تعليمية و تقنية عالية : أساتذة، أطباء، طيارين...الخ. خاتمـة: تلعب النقابات والمنظمات المهنية دورا كبيرا في حفظ حقوق المنخرطين، وتحقيق المزيد من المطالب الاجتماعي,. الأستاذ/ لشقر مبروك