الجمهورية الجزائريـة الديمقراطيــة الشعبيـــــة

وزارة التعليم العالي والبحـث العلمــــي

جامعـــــة غردايــــــــــة

كلية الحقـوق و العلـوم السياسيــــــة

قســـــم الحقـــــــوق

 

أعمال موجهة مقدمة لطلبــة السنــة الثانيــــة جذع مشترك حقـــوق للسداسي الأول فــي مقيــاس القانــــون المدنــــي

 

إعــــــداد الأستـــــــاذ:

بن عـــــودة مصطفــــــــــــــى

 

 

السنة الجامعيــــــة :2020/2021

مقـــــدمـــــــــــــــــــــــة

     

       القانون المدني هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم المعاملات المدنية الخاصة للإنسان باعتباره فردا بالمجتمع سواء ما تعلق بعلاقاته الأسرية أو ما تعلق بعلاقاته المهنية والطائفية ، ويعد القانون المدني الشريعة العامة لجميع القوانين الخاصة كالقانون التجاري ، القانون العمل ، قانون الأحوال الشخصية ، القانون العقاري ، القانون الدولي الخاص ... .

ويقتصر تنظيم القانون المدني في الدول العربية والإسلامية ومنها الجزائر على المعاملات المدنية ذات الطابع المالي دون الطابع الشخصي حيث تخصص لها فرعا مستقلا ينظم هذه العلاقات التي تستمد أصولها من الديانة الإسلامية ونقصد بها علاقات الخطبة الزواج الطلاق الوصية والمواريث .

    صدر القانون المدني الجزائري بموجب الأمر 75/59 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 مقسما على أربعة كتب تضمن الكتاب الأول بتطبيق القوانين و آثارها كما بين أحكام الأشخاص الطبيعية والاعتبارية ، أما الكتاب الثاني فقد اهتم بأحكام الالتزامات و العقود ، في حين نظم الكتاب الثالث الحقوق العينية الأصلية ، أما الكتاب الرابع فخصص للحقوق العينية التبعية .

     عرف القانون المدني الجزائري عدة تعديلات في الآونة الأخيرة كان أبرزها القانون 88/14 المؤرخ في 20 جوان 1988 ، كذلك التعديل المتعلق بالقانون 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 الذي أضاف وعدل من بعض الأحكام المتعلقة بالالتزامات والعقود ، وكذلك القانون 07/05 بتاريخ 13 ماي 2007 الذي أضاف وعدل من بعض الأحكام المتعلقة بالإيجارات .

   أفرد المشرع الجزائري الكتاب الثاني من القانون المدني لأحكام الالتزامات والعقود مقسما إلى أحد عشره بابا ، خصص ستة أبواب منها لنظرية الالتزام الباب الأول منها حدد فيه المشرع مصادر الالتزام القانون والعقد العمل المستحق للتعويض وأشباه العقود ، أما الباب الثاني مخصص لآثار الالتزام أي التنفيذ العيني والتنفيذ بالتعويض ، الباب الثالث متعلق بالأوصاف المعدلة لأثر الالتزام ، الباب الرابع خصص لحالات انتقال الالتزام حوالة الحق و حوالة الدين ، الباب الخامس لحالات انقضاء الالتزام الوفاء الانقضاء بما يعادل الوفاء ، الباب السادس مخصص لإثبات الالتزام .

 

قائمة البحــوث الموجهة لطلبة السنة الثانيــة جـــــذع مشتــــرك حقــــوق مقيــــاس القانــــــون المـــــدنــي :

 

1- مفهوم الالتـــزام ( تعريف الالتزام ، المذهب الشخصي ، المذهب المادي ، موقف المشرع الجزائري ، تقسيمات الالتـــزام ) .

2- مفهـــــوم العقـــــد ( تعريف العقد ، مبدأ سلطان الإرادة ، تقسيمات العقــــود ) .

3- التعبيـــــر عن الإرادة ( التعبير الصادر من الأصيل ، التعبير الصادر عن النائب ، التعبير الصريح ، التعبير الضمني ، أثر الموت أو فقدان الأهلية في التعبير عن الإرادة ، النيابة في التعاقد ، تعاقد الشخص مع نفسه ) .

4- الأهلية وعيـــوب الإرادة ( مفهوم الأهلية ، أنواع الأهلية ، مراحل تدرج الأهلية مع سن الإنسان ، عيوب التراضي ، الغلط ، التدليس ، الإكراه ، الغبن أو الاستغلال ، أثر كل من العيوب على الإرادة ) .

5- المحـــل و السبــــب ( مفهوم المحل ، مفهوم السبب ، شروط المحل ، شروط السبب ) .

6- البطـــــلان ( مفهوم البطلان ، أنواعه ، الإجازة ، التقادم ، آثار البطلان ) .

7- القوة الملزمة للعقـــــد ( مفهوم مبدأ العقد شريعة العقد ، سلطة القاضي في تعديل العقد بسبب الظروف الطارئة ) .

8- قواعد تحديد موضوع العقـــــد ( تفسير العقد ، تكييف العقد ، تحديد مضمون العقد وتنفيذه )

9- فســـــــخ العقــــــــــد ( مفهوم فسخ العقد ، حالات الفسخ ، الدفع بعدم التنفيذ ، شروط الدفع بعدم التنفيــــذ ، آثار الدفع بعدم التنفيذ ) .

 

البحث الأول : مفهـــــــــــوم  الالتــــــــــــــــــزام .

خطـــــــة البحـــــــــــــث :

مقدمــــــــــــــــــــــــة :

المبحث الأول: تعريـــف الالتــــــــزام

المطلب الأول: المذهب الشخصي

المطلب الثاني: المذهب المــــــــادي

المطلب الثالث: موقف المشرع الجزائــــــــري

المبحث الثاني: التقسيمات المختلفة للالتزام

المطلب الأول: تقسيم الالتزام من حيث الأثر

الفرع الأول : الالتزام المدنــــي

فرع الثانــــــي: الالتزام الطبيعــــــي

المطلب الثاني: تقسيم الالتزام من حيث المحل

فرع الأول : التقسيم التقليـــــــدي

فرع الثانــــي : التقسيم الحديـــــث

المطلب الثالث : تقسيم الالتزام من حيث المصدر

فرع الأول : المصادر الإداريـــــــــــة

فرع الثانـــي : المصادر غير الإداريـــــــــــة

المبحث الثالث : مصــــادر الالتـــــزام

المطلب الأول: العقـــــــــــــــــــــد

المطلب الثاني: الإرادة المنفردة

المطلب الثالث: القانــــــــــــون

المطلب الرابع : أشبــــاه العقـــــــــــــــود

 

مقدمــــــــــــــة :

     

    تهتم نظرية الالتزام بعلاقات الفرد بغيره من حيث المال ، إذ تدخل في دائرة اختصاصها كل علاقات التبادل الاقتصادي القائمة بين أفراد المجتمع تلبية لحاجياتهم اليومية المختلفة والمتنوعة من شراء وأكل وملبس وتأجير وتشغيل وتأمين وإعارة وتمليك ،كما تشمل هذه النظرية جبر الأضرار التي قد تلحق بالغير في ذاته أو ممتلكاته في إطار النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها ، ومن هنا نطرح الإشكالية التاليــــــــــــة : ما مفهوم الالتــــــــزام ؟ وما هي أهم مصــــادره ؟

        للإجابة عن هذه الإشكالية لابد من التطرق إلى تحديد مفهوم الإلتزام من الناحية الفقهية ثم من الناحية التشريعية ، ثم لابد من أن نبين أنواع الإلتزامات حسب المعايير المعتمدة ، ثم نحدد أهم مصادر الإلتـــــزام .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                     

 

المبحث الأول : تعريــــــــف الالتــــــــــزام .

  من أجل تحديد تعريف للإلتزام يقتضي منا أن نبين المقصود بهذا المصطلح وفقا للمذهب الشخصي ثم المذهب المادي ثم موقف التشريع الجزائري من هذه المفاهيم .

المطلب الأول: المقصود بالالتــــــــــزام .

    الالتزام هو علاقة قانونية ذات قيمة مالية وهو يتميز عن حقوق غير مالية والحقوق اللصيقة بالشخصية كحق الإنسان في الحياة وحقه في صورته واسمه وحقوق الأسرة كحقوق الزوجة والأبناء وتسمى العلاقة القانونية ذات القيمة المالية بالالتزام .[1]

أن الالتزام حالة قانونية يرتبط بمقتضاه شخص معين ينقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل[2].

المطلب الثانــــــي: المذهب الشخصي .

      ترى النظرية الشخصية بأن الالتزام عبارة عن رابطة شخصية تربط بين الدائن والمدين بمقتضاها يخضع الطرف المدين للطرف الدائن الذي تكون له عليه سلطة وهذه النظرية مأخوذة عن القانون الروماني ، ذلك أن سلطة الدائن في بداية الأمر كانت تقع على جسم المدين وتبلغ حد  الاسترقاق أو الإستعباد وبالتالي حق التصرف في جسم المدين ، بل وله أن يقتله إذا لم يقم بتسديد دينه ، وبعد تطور انتقل حق الدائن على مدينه ومن حقه على جسمه إلى حقه على ماله والنتائج المترتبة عدم جواز حلول المدين محل الدائن أو تصوير وجوده التزام بدون دائن إن معيار الالتزام يتمثل في العلاقة الشخصية الموجودة بين الطرفين .[3]

   وهذه العلاقة تخول للدائن نوعان من السلطة على  شخص المدين ، فقد تقيد من حريته ، وقد تستغرقها تماما فالمدين هو الشخص ذاته وليس ذمته المالية دون وجود طرف دائن وأخر مدين وقت إنشائه .

  ووفقا لهذه النظرية فإن الإرادة المنفردة لا تعد مصدر من مصادر الالتزام ، لأن أحد الشخصين غير موجود وقت إنشاء الالتزام ، وهو الدائن عادة . [4]

المطلب الثانـــــــي: المذهب المادي .

    هاجم كثير من الفقه الالماني النظرية الشخصية في الالتزام وعلى رأسهم الفقيه جيرك Gierke وعملا على تحرير قانونهم من النظريات الرومانية ، وفي مقدمتها نظرية شخصية الالتزام وحلوا محلها النظرية المادية التي تنظر للالتزام كرابطة مادية بين ذمتين ماليتين ؛ أي أن النظرية المادية التي تقوم على تجريد الالتزام من الرابطة الشخصية حتى يصبح عنصرا ماليا أكثر منه علاقة شخصية و استند أنصار هذه النظرية في عنايتهم بمحل الالتزام كأداء يقوم به المدين والمنفعة التي يحصل عليها الدائن ، مما يساعد على رواج النشاط التجاري وتتداول الحقوق الشخصية كما وجدوا في النظرية المادية تفسيرا للكثير من المسائل القانونية التي لا تفسير للنظرية الشخصية لها كالالتزام بإرادة المدين المنفردة ودون تعيين شخص الدائن وقت نشوء الالتزام  مثل الوعد بالجائزة الموجه للجمهور .[5]

   وبالتالي فإن العنصر الأساسي في الالتزام هو محله بحيث أصبح عنصرا ماليا أكثر مما هو رابطة شخصية بين الدائن والمدين ويترتب على هذا التصور بعض النتائج أهمــــــها :

-       الاعتداد بالإرادة المنفردة كمصدر من مصادر الالتزام .

-       صحة الاشتراط لمصلحة الغير وكذا حوالة الدين أو الحق . [6]

 

المطلب الثالـــــث: موقـــف المشــــرع الجزائـــــري .

    في غياب تعريف قانوني يبقى السبيل الوحيد للكشف عن موقف المشرع من هذه المذاهب والآراء المختلفة هو الرجوع إلى عرض أسباب القانون المدني وبعض أحكامه ، حيث يتضح من عرض هذه الأسباب أن أحكام القانون المدني مستمدة من القيم  العربية الإسلامية [7]، ونستخلص من عناصر التقدير هذه أن المشرع انحاز إلى النظرية الشخصية في تعريف الالتزام وهو ما تؤكده بعض أحكام القانون المدني التي أقر المشرع صراحة من خلالها في الصياغة الأولى للقانون لمدني في سنة 1975 أربعة مصادر الالتزام وخصص كل واحد منها بفصل مستقل في الباب الأول من الكتاب الثاني للقانون المدني ، ولكن عند الاطلاع عن المضمون يظهر انه اعتمد في الحقيقة مصدرا خامسا هو الإرادة المنفردة كما يتجلى ذلك في المادة 150 قانون مدني الملغاة و المتعلقة بالوعد بالجائزة .[8]

المبحث الثانـــــــي : تقسيمات الالتزامات .

     تختلف تقسيمات الالتزام حسب المعيار الذي ينظر من خلاله له ، ومن أهم هذه المعايير نجد تقسيمه من حيث الأثر ثم من حيث المحل ثم من حيث المضمون ... وهو ما سنتعرض له تباعا .

المطلب الأول : تقسيم الالتزام من حيث الأثـــــــــر .

الفــــرع الأول : الالتزام المدنـــــــي .

   الالتزام المدني هو ذلك الالتزام الذي يستفيد من الحماية القانونية الكاملة حيث يكون من حق الدائن إن اقتضى الأمر مطالبة المدين أمام المحاكم المختصة ، وله أن يكرهه بشتى الطرق القانونية لتنفيذ التزامه بالعلاقة القانونية و العلاقة القانونية هي تلك التي يعتد بها المجتمع ويحميها بالطرق المقررة لذلك .

الفــــرع الثانــــي: الالتزام الطبيعـــــي .

     الالتزام الطبيعي هو الالتزام الذي لا يتقيد من الحماية القانونية الكاملة إذ لا يمكن إكراه المدني على تنفيذ إلتزامه وهذه الحالة استثنائية لأنه من بين الوظائف الرئيسية للقانون إكراه المدنيين على تنفيذ التزاماتهم ويعتبر الالتزام الطبيعي من الحقوق والناقصة أي الحقوق التي يعترف بها القانون ، غير أنه لا يعطي لصاحبها وسائل إكراه المدين على تنفيذها بل هي أصل غير قابلة للتنفيذ الجبري فلالتزام الطبيعي هو الالتزام قانوني حيث جعله المشرع حلا للوفاء فلا يستطيع المدين أن يسترد ما أداه تنفيذ الالتزام طبيعي كما أن تنفيذ الالتزام الطبيعي يعد وفاء لا تبرعا أو هبة غير أن تنفيذه يكون دائما باختبار المدني ولا يخضع إلا لضميره وهناك من يرى في هذا الشأن أن الالتزام يكون من عنصرين المديونية الذي يتضمن الدين وعنصر المسؤولية الذي يسمح بإكراه المدين على تنفيذ التزامه وإذا كان الالتزام المدينين يشمل العنصرين فإن الالتزام لطبيعي يفتقر لعنصر المسؤولية مما يجعله قابلا للتنفيذ الاختياري دون التنفيذ الجبري . [9]

 

 

المطلب الثاني: تقسيم الالتزام من حيث المحل .

     المقصود بمحل الالتزام هو الشيء الذي التزام به المدين نحو الدائن لقد اعتمد المشرع في هذا الشأن تقسمين يرجع الأول لقانون الروماني وهو التقسيم والتقسيم التقليدي وأخذ الثاني عن الفقه الفرنسي الذي استحدثه مع مطلع القرن الماضي والتقسيم الحديث .

الفــــرع الأول : التقسيـــــم التقليــــدي .

  حسب المادة 54 من القانون المدني فان الالتزام ثلاثة أنواع : التزام بمنح أو إعطاء ، و الالتزام بفعل ، و الالتزام بالامتناع عن عدم فعل شيء ما .

أولا: الالتزام بمنح أو إعطاء : إن المعنى القانوني لكلمة منح مختلف عن المعنى اللغوي ، وهذا المصطلح هو ترجمة لكلمة الفرنسية Donnen المأخوذة من الكلمة اللاتينية Dane التي تفيد نقل حق الملكية أو حق عين ، فعقد البيع مثلا يرتب على البائع الالتزام بمنح وعليه أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حق ماليا أخر مقابل ثمن نقدي طبقا المادة 351 قانون مدني ، إن نقل ملكية شيء أو حق من شخص المدني التي شخص الدائن هو معيار الالتزام بمنح بغض النظر عما إذا كان ذلك بمقابل أن بدون مقابل . [10]

ثانيـــا: الالتزام بفعل: يقوم المدين بمقتضى هذا الالتزام بعمل أو نشاط معين لفائدة الدائن كالبائع الذي يلتزم بتسليم المبيع إن مثل هذه الالتزامات متعددة ومختلفة وقد ذكر المشرع في الباب التاسع تحت عنوان (العقود الواردة على العمل عقد المقاولة عقد الوكالة وعقد الوديعة وعقد الحراسة . [11]

فالمقاول عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يضع شيباء او أن يؤدي عملا ويلتزم الوكيل بالقيام بعمل شيء لحساب الموكل وباسمه وعلى أن يرده عينا وعلى الحارس بالمحافظة على الأموال المعهودة إليه حراستها بإدارة هذه الأموال مع القيام بها الرجل المعتاد.

وقد يكون العمل الذي يتعهد به المدين عملا ماديا كصنع شيء أو عمل فكريا كالتزام المهندسين بانجاز دراسة معينة وقد يكون تصرفا قانونيا كالوكيل الذي يبرم عقدا باسم الموكل ولحسابه .

ثالثــا: التزام بالامتناع عن عدم فعل شيء ما : بمقتضى هذا الالتزام بمنع المدين عن القيام بعمل معين فالمادة 691 مدني تمنع المالك من التعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار وتقضي المادة 361 مدني المستأجر من يحدث بالعين المؤجرة تغييرا وقد يتعهد كذلك بعدم فتح محل تجاري نحو المشتري بعدم تشغيل عامل سابقا له وقد يتعهد كذلك بعدم فتح محل تجاري مماثل في نفس لحي لمدة معينة .[12]

 

الفـــرع الثانــــــــــي : التقسيم الحديـــــث .

     أخذ المشرع بهذا التقسيم حيث أشار إليه في عدة مواد من القانون[13] المدني منها 172 و 576 و607 قانون مدني جزائري ، وفي الحقيقة أن هذا التقسيم يتعلق أساسا بالالتزام بفعل لأن الالتزام بمنح والالتزام بعدم فعل شيء ما يستلزمان دائما تحقيق نتيجة معينــــــــة .

مضمون التقسيم : الالتزام بموجب هذا التقسيم الحديث نوعان الالتزام بتحقيق نتيجة والالتزام ببذل عناية .

أولا : الالتزام بتحقيق نتيجة : الالتزام بنتيجة أو الالتزام بتحقيق غاية محددة هو الالتزام يتعهد المدين بمقتضاه بتحقيق نتيجة أو غاية محددة وما لم يتحقق هذا النتيجة يكون مسؤولا أمام الدائن لكونه لم يقم بتنفيذ التزامه فالشخص في مثل هذا الالتزام مدين بتحقيق نتيجة معينة بحيث يفترض خطأه ومن ثم قد تقوم مسؤولية لمجرد أن الغاية المنتظرة - والتي هي محل التزامه -لم تتحقق .

ثانيــــــا : الالتزام ببذل عنايــــــة : الالتزام ببدل عناية أو الالتزام بوسيلة التي تحقيق غاية معينة وإنما يتعهد المدين ببدل جهد وعناية للوصول إلى العرض سواء تحقيق هذا الغرض أو لم يتحقق فالطبيب مثلا يلتزم بمعالجة المريض ودون أن يضمن الشفاء ويتمثل محل الالتزام بناية في الجهد أو العناية التي يبدلها المدين في تنفيذ التزامه وأما النتيجة ترمي إلى تحقيقيها هذه الجهود فهي خارجة على الالتزام في حد ذاته .[14]

المطلب الثالث: تقسيم الالتزام من حيث المصدر .

الفرع الأول: المصادر الإرادية .

   المصادر الإرادية هي تلك التي تكون فيها الإرادة هي السبب المنشئ سواء أكان ذلك بإرادة منفردة أو بإتفاق إرادتين فالعبرة في هذا التصنيف هي بإرادة الشخص أو الأشخاص التي ترمي إلى إنشاء الالتزام ، وبعبارة أخرى يكون المصدر إراديا متى كان الشخص يريد تحمل الالتزام بمحض إرادته نحو الشخص ثاني ويطلق كذلك على هذه المصادر تسمية الأعمال أو التصرفات القانونية والتي تنقسم إلى قسمين :

-       العمل أو التصرف القانوني من جانب واحد أو الالتزام بإرادة منفردة وهو الالتزام الذي ينشأ بإرادة المدين فقط كالوصية والوعد بالجائزة .

-       العقد وهو تصرف قانوني ينشأ عن إرادتين أو أكثر للأشخاص لهم على العموم مصالح متضاربة .

 

الفرع الثانــــــي : المصادر غير الإراديــــة .

    تمثل المصادر غير الإرادية في الأقوال أو الأفعال الإرادية وغير الإرادية المنشئة للالتزام والتي يرتب عليها القانون أثار ففي حالة الفعل الإرادي تنسب الآثار للفعل إلا الإرادة ، لأن الفاعل لا يرغب في إنشاء الالتزام . أما بالنسبة للقول فأنه يكون دائما إراديا غير أن إرادة الشخص لم يتصرف إلى تحمل الالتزام بل انصرفت إلى التعدي على الشخص فقط كان يقوم شخص بشتم أخر فالغرض في هذا القول هو الشتم وليس تحمل الالتزام .

وذلك يجبر الضر الذي أصاب الصحة من جزاء والشتم بل كل ما  كان يريده الفاعل هو التعدي على شخص الصحية وقد تكون هذه المصادر غير الإرادية أفعالا أو قولا غير مشروعة وقد تكون أفعلا نافعة كالفضالة ، وقد تكون غير فعل الطبيعة ، ويطلق على هذه الأقوال والأفعال تسمية (الوقائع القانونية وتتميز عن الوقائع المادية التي يرتب عليها القانون آثارا ) .[15]

المبحث الثالث: مصــــادر الالتـــــــزام . 

المطلب الأول: العقـــــــــد .

    العقد لغة : كلمة تفيد الربط بين أطراف الشيء و العقد كمصطلح قانوني عرفه المشرع في المادة 54 قانون مدني على النحو التالي العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو أشخاص آخرين بمنح أو فعل شيء ما العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين يتمثل هذا الأثر بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما ، أي أن الإرادتين تتجهان إلى إنشاء التزام أو نقله وبهذا فالعقد أخص من الاتفاق باعتبار العقد نتيجة فيه الإرادتان إلى إنشاء علاقة ملزمة، فالاتفاق لا يكون عقدا إلا إذا كان منشأ لالتزام أو ناقلا له ويكون ذلك أن ليس كل اتفاق يمكن أن يكون عقد في حين أن كل عقد يمكن أن يكون اتفاقا .[16]

 و المثال على إنشاء التزام كعقد البيع الذي ينشئ التزام في جانب كل من البائع والمشتري .[17]

 

المطلب الثانــــــي: الإرادة المنفــــــردة .

    يقضي هذا المبدأ بأن الإرادة وحدها القادرة على إنشاء الالتزام دون اشتراط إجراء أو شكل خاص .

فالعقد يبنى أساسا على الإرادة ويعد ترجمة لمبدأ سلطان الإرادة والتي تعني قدرتها على إنشاء العقد أو العمل القانوني وكذلك حريتها في ترتيب الآثار التي تترتب على هذا العقد .

   لم يكن لمبدأ سلطة الإرادة من تصورا ووجود في القانون الروماني فلم يمكن اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر كافيا وحده بل كانت العقود وتخضع في قيامها إلى إجراءات ومراسيم وألفاظ ويجب أن تتم وفقا لأوضاع معينة ومتى تمت ترتيب عليها الآثار التي يحددها القانون فالعقد كان شكليا يستمد صحته من شكله لا من موضوعه .

  شهد مبدأ سلطان الإرادة في العصور الحديثة الكثير من الانتقادات في كثير من الحالات لاسيما منذ أن ظهرت المبادئ الاشتراكية مما أدي انتكاسها وتراجعها في العديد من العقود . [18]

المطلب الثالــــث : القانـــــــــــون .

   لقد اعتبر المشرع الجزائري القانون مدر من مصادر الالتزام وهذا ما نصت عليه المادة 43 من القانون المدني تسري عن الالتزامات الناجمة مباشرة عن القانون دون غيرها النصوص القانونية التي قررتها .

المطلب الرابــــــــع : أشباه العقــــــــود .

أشباه العقود حسبما نص عليها القانون المدني هي الإثراء بلا سبب الدفع غير المستحق و أعمال الفضالة .

 أولا : الإثراء بلا سبب : يقصد به أنه من أثرى من عمل الغير وشيء لدى الغير وترتب عن ذلك افتقار في جانب الطرف الثاني ، فان المثرى يلتزم بتعويض ما أثري به دون وجه حق .

ثانيــــــا : الدفع غير المستحق : ويقصد به أن يفي الشخص بالالتزام مكره عليه في حين أن وفاءه ذلك غير مستحق أصلا ، أو أن يكون مستحق في زمن ما تم يصير غير ذلك لا حق ، ففي هذه الحالة يلتزم من تسلم ما ليس مستحق له برد ما تسلمه .

ثالثــــــــا : أعمال الفضالــــــــة : يقصد بها أن يتولى شخص القيام بشأن ضروري عاجل لحساب شخص آخر دون أن يكون ملزما بذلك ، وأمثلتها كثيرة كأن يقوم شخص ببناء جدار يوشك أن يسقط في بيت جاره الغائب أو كأن يبادر إلى إسعاف ابن الجار من إصابة مفاجئة .

فالفضالة تتضمن في حقيقتها تدخلا في شؤون الغير إلا أنها ومع ذلك تقوم على واجب خلقي تجعل الشخص الفضولي متفضلا لا متطفلا ، ومن هنا كان قصد الفضولي إلى تحقيق منفعة الغير شرطا أساسيا لقيام الفضالة . [19]

 

 

 

 

 

البحث الثـــانــــــــي : مفهــــــــــوم العقـــــــــــد وتقسيـــماتــــــــــــه .

 

خطة البحث :

 

 مقدمــــــــــــــــــــــــــة

المبحث الأول: ماهيــــة العقــــد 

المطلب الأول: مفهوم العقد  

المطلب الثاني: تعريف العقد

المطلب الثالث: أركان العقد

المبحث الثاني: أساس القوة الملزمة في العقد

المطلب الأول: المقصود بمبدأ سلطان الإرادة

المطلب الثاني: نشأة وتطور مبدأ سلطان الإرادة  

المطلب الثالث: النتائج والقيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة

المبحث الثالث: تقسيمات العقود

المطلب الأول: تقسيمات العقود من حيث التكوين والموضوع  

المطلب الثاني: تقسيمات العقود من حيث طبيعتها

المطلب الثالث: تقسيمات العقود من حيث الآثار القانونية 

المطلب الرابع: تقسيمات العقود من حيث كيفية حدوث التراضي .

 

 

 

مقدمـــــــــــة :

    التصرف بالمعنى الفقهي هو كل ما يصدر عن شخص بإرادته ويرتب المشرع عليه نتائج حقوقية وهو نوعان ، فعلي وقولي ؛ فالتصرف هو ما كان قوامه عملا غير لساني ، كاستلام الجميع وقبض الدين وما شابه ذلك ، والتصرف القولي نوعان عقدي وغير عقدي و أن العبرة في تميز التصرف القولي عن الفعلي إنما هي بطبيعة التصرف وصورته لا لمبناه الذي بقي عليه ، فلذا كان دفع الثمن وتسلم الجميع تصرف فعليا ولو أنه مبني على عقد البيع .

ولا تخلو الحياة اليومية لكل فرد من الأفراد من التصرفات التي تكتسي صبغة خاصة فيتصف جانب من هذه المعاملات بأنها مصادر إرادية منشئة للالتزام وأخرى توصف بأنها مصادر غير إرادية وقد قسم الفقهاء المصادر الإرادية إلا الإرادة المنفرد والعقد ، وهذا الأخير هو الذي تمحور عليه دراستنا هذه ، ومن هنا نطرح الإشكالية التاليـــــة :

ما مفهوم العقد ، وما هي أهم تقسيماته ؟

     و لمعالجة هذه التساؤلات نبين في المبحث الأول  ماهية العقد من خلال إعطاء مفهوم له في المطلب الأول ، أما في المطلب الثاني نتطرق إلى تعريف العقد وفي المطلب الثالث إلى أكان العقد وفي المبحث الثاني سنتطرق لأساس القوة الملزمة في العقد ومن ثم إلى نشأته ونتائجه والقيود الواردة عليه. أما في المبحث الأخير سنتطرق إلى تبيان تقسيمات العقود من حيث تكوينها وموضوعها وطبيعتها ثم من حيث آثارها و إلى كيفية حدوث التراضي بين أطرافها .

 

 

 

 

المبحث الأول : ماهيــــــــة العقــــــــد .

      وضع الفقهاء و التشريعات موسوعات عديدة تناولت تفسير وشرح هذا النظام المحكم الذي يعرف باسم "العقد" لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتبار بأنه الضابط الرئيسي لأسس المعادلة التي تجري في مختلف الميادين ، وسنحاول قدر الإمكان تسليط الضوء عليه من خلال إعطاء مفهوم له وكذا تعريفه و أركانه .

المطلب الأول: مفهوم العقـــــــــد .

    العقد هو كلمة تفيد الربط بين أطراف الشيء أما بين الكلمتين فيراد به العهد ، هذا الجانب اللغوي أما الجانب الاصطلاحي هناك تعريفات متعددة سنتطرق لها .

المطلب الثانــــــــــي: تعريف العقــــــــــــــد .

    العقد هو توافق إرادتين على إنشاء التزام معين فقد عرفته المادة 54 ق.م.ج بأنه " اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص اتجاه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما " ويعتبر العقد كما جاء في نص المادة 106 ق.م .ج شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو لأسباب التي يقررها القانون .[20]

وقد عرفه الدكتور خليل أحمد حسن قدادة على أنه اتفاق يقوم بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها . [21]

المطلـــب الثالـــــــــث : أركـــــــان العقـــــــــــــــد .

   يرتكز العقد على ثلاث أركان هي التراضي ، المحل ، و السبب ، كركائز أساسية لأي عقد غير أنها قد يضاف إليها ركن آخر هو ركن الشكلية في بعض العقود الخاصــــــــة .

  التراضــــي : يتحقق التراضي باقتران إرادتين متطابقتين ، وأن تتجها إلى إحداث قانوني وأن التراضي يتم بإيجاب يطابقه قبول في إنشاء التزامات يترتب على اتفاقهما ، فطبقا لنص المادة 59 ق م ج "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية ". ويجب أن يصدر الإيجاب والقبول عن شخص ذي أهلية وبسلامة الإرادة مما يستوفيها من عيوب كالغلط والتدليس والإكراه و الغبن أو الاستغلال .[22]

المحــــــــــل : هو الأداء الذي يلتزم به المدين في مواجهة الدائن ، وهذا الأداء قد يكون نقل حق عيني لصالح الدائن وقد يكون القيام بعمل وقد يكون الامتناع عن القيام بعمل .[23]

السبــــــــب : السبب هو ركن جوهري لا ينعقد العقد بدونه ، ويختلف السبب عن المحل فالمحل ما يلتزم به المدين ، أما السبب فهو الهدف الذي من أجله التزم المدين ، و قد تناولت المادتين ركن السبب المادتين 97 و 98 ق.م .ج شرح ركن السبب .[24]

أو الغاية المباشرة التي يقصد إليها الملتزم من التزامه الإرادي وهو بهذا المعنى يتأكد لنا بأنه من طبيعة معنوية ، وبالتالي يعتبر عنصرا من عناصر الإرادة . [25]

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثانــــــي: أســـاس القـــوة الملزمــــــة  للعقــــــــد .

    يقتضي منا التطرق لمبدأ سلطان الإرادة التعريف به وبالأسس التي يقوم عليها تم التطرق للنتائج التي يترتب عن الأخذ بهذا المبدأ ، وكذلك النتائج والقيود الواردة عليه و هو ما سنتطرق له من خلال هذا المبحث .

المطلــــب الأول: المقصـــود بمبـــــدأ سلطـــــــان الإرادة .

    سبق القول أن العقد هو توافق بين إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني إذا أن أساس العقد هو الإرادة المشتركة لطرفيه فمبدأ سلطان الإرادة هو توافق إرادتين لإنشاء العقد وأن المتعاقدين هي من الالتزامات التي يرتبها العقد وهذا يعني أن كل الالتزامات ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة وأي هذه الإرادة هي التي تحدد ما يرتب على الالتزام من آثار قانونين ويترتب عن هذا وجوب احترام حرية المتعاقدين و القوة الملزمة للعقد المستمدة هنا مشيئة المتعاقدين فلا يجوز نقص العقد أو تعديله إلا باتفاقها فلا يتدخل المشرع أو القاضي في هذا العقد إلا في حالات خاصة .[26]

المطلـــــب الثـانــــــــي: نشـــأة وتطــــور مبــــدأ سلطــــان الإرادة .

     لم تكن تكفي الإرادة في القوانين القديمة لإبرام العقد إذا فرض القانون الروماني وجوب اتخاذ إجراءات شكلية وقد سادت هذه الفكرة العصور القديمة إلى غاية زوال الدولة الرومانية ، أما في العصور الوسطى مهدت الكنيسة للرضائيين محلا ، وأيضا للشريعة الإسلامية دور في انتشار العقود الرضائيــــة ، ووصل هذا المبدأ ذروته ما بين القرنين 17 و19 ميلادي وذلك لظهور المذهب الفردي الذي قام بتبجيل احترام الفرد واعتباره محورا للقانون ، وقد ظهر في التقنين المدني الفرنسي  تقديس هذا المبدأ في العقود وبهذا اعتبرت الشكلية أصلا و الرضائية استثناء ، إلا أنه مع بداية القرن الـــ 20 ميلادي تقلص تحت تأثير الاشتراكية مع بقائه ضرورة بل مبدأ لإنشاء العقود .[27]

المطلــــب الثالــــث: النتائـــج والقيـــود الـــواردة عن مبـــدأ سلطـــان بالإرادة .

    أول ما يمكن ندركه من خلال مبدأ سلطان الإرادة هو أن الالتزام الإرادية هي أصل العقود، إذ لا يلزم الشخص إلا بإرادته فهو أعلم بمصلحته و إذا تقررت عليه التزامات غير إرادية فأن ذلك يعتبر استثناء ضيق حدود واقعيا أما ثاني ما يترتب عن مبدأ سلطان الإرادة حرية التعاقد فإرادة الفرد هي من تنشئ الالتزام العقدي دون أية قيود غير اعتبارات النظام العام وحسب الآداب ، وثالث ما ندركه هو الالتزام وتحدد أثاره وإن تدخل القانون بقواعد المكملة في تنظيم التصرف القانوني فيجوز لأطراف الاتفاق على غير ما جاء به ، أما القواعد الآمرة فهي قليلة تضمن حقوق الدائن والسير الحسن للمعاملات وهذا ما يقودنا إلى رابع نتيجة لمبدأ سلطان الإرادة هي أن العقد شريعة المتعاقدين فهما من يشنؤه وهما من يضعوا التزاماتــــه ، وهما من يحددوا نوع التصرف الذي يترتب عليه .

     لكن انتقص هذا المبدأ لاسيما في القرن الــعشرين مما أدى إلى اتساع الالتزامات غير الإرادية وإضفاء بعض القيود عليه وتتمثل في  :

1 - القيود المتعلقين بإبرام العقد إذ اشترط فيه المشرع إفراغ بعض العقود في أشكال معينة باتخاذ إجراءات محددة .

2  - قيود ناشئة عن فكرة النظام العام والآداب العامة مما ضيق عن حرية المتعاقدين في إنشاء الالتزام .

3 - القيود المتعلقة بحرية تحديد آثار العقد إذ جاز المشرع للقاضي تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان بحكم القانون .[28]

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث : تقسيمـــــات العقـــــــــود .

   تتنوع العقود وتتعدد حتى لا يكاد يحصرها ، فالإرادة حرة في إنشاء الالتزامات و ليست محددة ، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تنوع العقـــود .

   و ينظم القانون طائفة من العقود يمكن النظر إليها من حيث تكوينها وموضوعها وطبيعتها ومن حيث آثارها القانونية و كيفية حدوث التراضي بها .

 

المطلب الأول : تقسيمات العقــــود من حيث التكوين والموضـــوع .

1-              من حيث التكويــن : العقود الشكلية الرضائيــــة والعينيـــــــــة :

‌أ-                 العقد الرضائــــي : هو ذلك العقد الذي تكفي لانعقاده إرادة الطرفين باقتران الإيجاب بالقبول مثل عقد الإيجــــــار . [29]

‌ب-            العقد الشكلي : هو ذلك العقد الذي لا تكفي الإرادة المتعاقدين لانعقاده فقط بل وجب عليه أن يخضع لشكل معين أي الكتابة الرسمية مثل عقد بيع قطعة أرض.

‌ج-              العقد العيني : هو ذلك العقد الذي لا تكفي لانعقاده إرادة المتعاقدين بل يستوجب تسليم العين، محل العقد أو بشكل أوضح الشيء المتعاقد عليه مثال ذلك عقد بيع سيارة أو عقد بيع أرض .[30]

2-              من حيث الموضــــوع : العقد المسمى العقد غير المسمى .

أ‌-                 العقد المسمى: هو ذلك العقد الذي نظمه المشرع .

ب‌-            العقد غير المسمى : هو ذلك العقد الذي لم يتناوله المشرع في نصوصه الخاصة والتي تحكمه القواعد العامة مثل عند الحضانة .[31]

 

 

المطلب الثانــــــــي : تقسيمات العقود من حيث طبيعتــــها .

1-             العقد المحدد والعقد الاحتمالي:

1-   العقد المحدد: لقد نص عليه القانون المدني الجزائري في المادة 57/1 تحت اسم العقد التبادلي "يكون العقد تبادليا متى التزم أحد الطرفين بمنح أو فعل شيء يعتبر معادلا لما يمنح أو يفعل له"، فهو ذلك العقد الذي يستطيع كل متعاقد فيه أثناء إبرام العقد أن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات مثل عقد البيع وعقد الإيجار .

2-   العقد الاحتمالي : (عقد الغرر) هو ذلك العقد الذي لا يستطيع فيه على متعاقدين أثناء إبرام العقد أن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات فلا يتحدد ذلك إلا في المستقبل مثل بيع ثمار لم تنضج بعد (مادة 574 ق.م.ج) .[32]

2-             العقـــد الفـــوري والعقد الزمنــــــي :

1-   العقد الفـــــوري : هو ذلك العقد الذي يتم تنفيذه دفعة واحدة أو على دفعات دون أن يكون الزمن عنصرا أساسيا فيه ومثال ذلك (البيع ولو كان الدفع أو دفع الثمن على أقساط).

2-   العقد الزمني : هو ذلك العقد الذي يعتبر فيه الزمن عنصرا أساسيا فيه إذ تحدد محله مثل (عقد العمل، عقد الإيجار) .[33]

3- عقد المعاوضة : هو العقد الذي يحصل فيه المتعاقد مقابل ما التزم به أمام المتعاقد الآخر فالبائع يلتزم مقابل حصوله على ثمن الشئء المبيع بإعطاء المبيع إلى المشتري ، فعقد البيع من عقود المعاوضة وكذلك عقد الإيجار وعقد التأمين .

4- عقد التبرع : هو العقد الذي لا يحصل فيه المتعاقد مقابل ما التزم به أمام المتعاقد الآخر أي دون أن يلتزم هذا الأخير في مواجهة المتعاقد المتبرع بأي نوع من الإلتزامات . [34]

 

 

المطلب الثالــــث: تقسيمات العقود من حيث الآثار القانونيـــــــــة .

1-             العقد الملزم لجانبين والعقد الملزم لجانب واحد :

أ‌-      العقد الملزم للجانبين : هو ذلك العقد الذي ينشأ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين وهذا طبقا لنص المادة 55 ق.م.ج التي تنص على أنه " يكون العقد ملزما للطرفين لنص متى تبادل المتعاقدين الالتزام بعضهما بعض مثال ذلك عقد البيع تسليم و استلام " .

ب‌- العقد الملزم لجانب واحد : وهو ذلك العقد الذي ينشئ التزامات في ذمة أحد المتعاقدين دون الآخر وهذا حسب المدة 56 ق.م.ج "يكون العقد ملزما لشخص أو لعدة أشخاص إذ تعاقد فيه شخص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من هؤلاء الآخرين مثال: الهبة تمليك بلا عوض ( المادة 202 ق.الأسرة .ج ) .[35]

 

المطلب الرابــــــع: كيفيـــــة حـــــدوث التراضـــــــي :

 عقد المساومــــة وعقـــــد الإذعـــــان :

أ‌-                 عقد المساومة أو التفاوض : وهو ذلك العقد الذي يساهم كل متعاقد بحرية كاملة في وضع شروط العقد وبنوده ، وهو الشأن الغالب في جميع العقود المدنية كما هو الحال في عقود البيع والإيجار والمقاولة والشركة و الوكالة . [36]

ب‌-            عقد الإذعان : هو ذلك العقد الذي لا يملك أحد المتعاقدين الحرية الكاملة بما يتمتع به الطرف الآخر بوضع شروط العقد في جملتها إلى حرية قبول العقد أو رفضه مثل عقد التأمين[37].

ومثالها عقود الاحتكار كعقود الاشتراك في الماء  والكهرباء والغاز والهاتف وعقود التأمين وعقود النقل حيث يكون القبول في مثل هذه العقود يقتصر على مجرد التسليم بالشروط التي يضعها الموجب مقدما ولا تقبل المناقشة أو المساومة فيها . [38]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

البحــــث الثالــــــث : التعبيــــــــــــــر عــــــــن الإرادة

 

خطة البحث :

مقدمــــة :

المبحث الأول : مفهوم الإرادة وطرق التعبير عنها .

المطلب الأول : تعريـــف الإرادة.

المطلب الثاني : طرق التعبيـــر عن الإرادة .

المطلب الثالث : الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره القانونـــي .

المبحث الثاني : النيابــــة في التعاقـــد .

المطلب الأول : تعريف النيابة في التعاقد .

المطلب الثاني : شروط وآثار النيابة في التعاقد .

المطلب الثالث : أثر الموت أو فقدان الأهلية في التعبير عن الإرادة.

المطلب الرابــع : تعاقد الشخص مع نفسه .

خاتمــــــــة

 

 

 

 

مقدمــــــــــــــــة :

     التراضي هو تطابق الإيجاب مع القبول كتعبير عن إرادة طرفي العقد ، وهو ما يستفاد من نص المادة 59 ق.م.ج  "على أن يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيها المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية " فلكي يوجد تراض لابد من تواجد إرادتين متطابقتين ، وسندرس في محاضرتنا هذه تعبير الشخص عن إرادته وما يترتب عنها من أثر قانوني كما قد يحدث أن يتعاقد الشخص مع نفسه أو مع شخص آخر بصفته نائبا و ننهي المحاضرة بالتطرق إلى الآثار المترتبة عن هذا التعبير ، ومنه نطرح الإشكالية التاليـــــــة : كيف نعبر عن الإرادة ؟ وما هي الآثار المترتبة عنها ؟

المبحث الأول : مفهوم الإرادة وطرق التعبيـر عنها .

     القاعد أن للشخص الحق في أن يعبر عن إرادته بالطريقة التي تحلو له ، فالمتعاقد له الحرية الكاملة في ذلك إذ أن القانون لم يفرض عليه أن يكون بطريقة معينة ، وهذا تطبيقا لمبدأ الرضائية في العقود . فقد يكون تعبيرا صريحا وقد يكون ضمنيا وقد يكون بالسكوت تماما وهو ما سنتطرق له من خلال هذه المطالب .

المطلب الأول: التعبير الصريح والضمني والسكوت في التعبير عن الإرادة .

    نصت المادة 60 من القانون المدني الجزائري على حرية التعبير عن الإرادة بأي طريقة ، فقد يكون صريحا باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المتداولة عرفا ، وقد يكون ضمنيا باتخاذ يدل بطريقة غير مباشرة على مقصود صاحبه[39] ، كما أن السكوت قد يكون في حالات تعبيرا عن الإرادة .

الفرع الأول: التعبيـــــر الصريــــح .

   التعبير عن الإرادة مظهرها الخارجي وعنصرها المادي المحسوس ، ويقع التعبير الصريح بإحدى الطرق التي نص عليها القانون المدني في المادة 60  ، وتتمثل طرق التعبير الصريح عن الإرادة باللفظ ويعني ذلك عن طريق الكلام الذي يدل واضحة عن إرادة الشخص وعما تتجه إليه وسواء تم الكلام مباشرة من شخص الأصيل أو عن طريق الهاتف أو بإيفاد رسول ليست له صفة النيابة في التعبير وكذا بالإشارة التي دلالة بين الناس كهذا الرأس عموديا أو أفقيا دلالة على القبول أو الرفض ، ويكون التعبير صريحا في بعض الحالات باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه كعرض تاجر سلعته للجمهور مع بيان ثمنها، أو وقوف سيارة الأجرة في موقفها بانتظار زبون يستأجرها. [40]

الفرع الثانــــي : التعبير الضمنــــــي .

    وهي الحالة التي يتخذ فيها الشخص موقفا أو يقوم بعمل ما يدل على إرادته دون أن يتلفظ بكلام أو دون أن يستعمل طريقا من طرق التعبير الصريح عن الإرادة كأن يتصرف شخص في شيء ليس له ، ولكن عرض عليه أن يشتريه فهذا يدل غلى أن الشخص قبل ، وبالتالي تصرف كما يتصرف المالك وكالموعود بالبيع يرتب حقا على العين الموعود ببيعها وكالمستأجر الذي يبقى في العين المؤجرة رغم نهاية مدة الإيجار ، كل هذه الأعمال أو هذه المواقف تدل على إرادة الشخص بالقبول .

     والتعبير الضمني عن الإرادة يعتبر صحيحا إلا إذا نص القانون أو اتفق الطرفان على غير ذلك كأن ينص القانون أو يتفق الطرفان بأن يكون التعبير عن الإرادة صريحا في هذا الحالة لا يؤخذ بالتعبير الضمني للإرادة  . [41]

    وفي هذا الاتجاه اشترط المشرع الجزائري في التعبير أن يكون صريحا في بعض التصرفات كما هو الشأن في التضامن بين الدائنين أو بين المدينين حيث تقضي المادة 217 ق م ج صراحة بأن التضامن لا يفترض وإنما يكون بناءا على اتفاق أو نص في القانون ، كما أن المادة 505 ق.م.ج المعدلة بالقانون رقم 07/05 المؤرخ في 13/05/2007 تنص على أن تنازل المستأجر عن الإيجار أو الإيجار من الباطن يجب أن يكون بموفقة كتابية من المؤجر ما لم يوجد نص قانوني يقضي بخلاف ذلك . [42]

الفرع الثالـــث : السكوت و التعبيـــــر عن الإرادة .

      يعتبر السكوت موقفا سلبيا بحيث لا يمكن أن يعبر عن إيجاب ، والإيجاب هو العرض الذي يتقدم به أحد المتعاقدين للآخر تاركا له أمر قبوله أو رفضه ، وهو أول مرحلة من مراحل التعاقد ، إذا أن العرض يتضمن بيانا واضحا لطبيعة الصفقة المراد إبرامها  وشروطها .

    والسكوت لا يعد تعبيرا ضمنيا ، فإن الإرادة تستخلص من الظروف الإيجابية التي يدل عليها ، أما السكوت فهو العدم [43] . ومعنى ذلك لا ينسب للساكت إرادة لا بقبول الإيجاب ولا برفضه ، فإذا عرض شخص على آخر أن يشتري منه شيئا فسكت ، فإن العقد لا ينعقد ، لأن الأمر يتعلق بمجرد إيجاب لم يقترن بقبول ، فمثلا: إذا قضى بأنه أرسل تاجر عينة من بضاعته إلى شخص مع إخباره إياه بأن عدم رد العينة خلال فترة معينة يعتبر  قبولا منه للشراء ، فإن سكوت هذا الشخص عن الرد لا يعد قبولا .[44]

حالات صلاحية السكوت للتعبير عن الإرادة :

    بالرغم من أن المبدأ العام يقضي بأن السكوت لا يصلح ليكون تعبيرا عن الإرادة ، وفي هذا المعنى يقرر فقهاء الشريعة منذ عدة قرون قاعدتهم الشهيرة " لا ينسب لساكت قول "، وذلك لأن السكوت قد ينطوي على استحسان أو استهجان لمضمون الإيجاب وهذا لا يكفي لثبوت الإرادة الجادة القاطعة المتجهة إلى القبول كما أن استخلاص القبول من مجرد السكوت يعني فرض واجب على الشخص وتقييد للحرية الشخصية ليس له من أساس .

  كما أن السكوت لا يترتب عليه أي آثار قانونية كما أن الصمت المجرد للموجب إليه لا يمكن أن يكون من حيث المبدأ قبولا لأن القبول تعبير عن الإرادة ، و الساكت لا يعبر عن إرادته في الحقيقة ، وعلى هذا الأساس فإن القبول لا يمكن استخلاصه من السكوت أو عدم القيام بتصرف من قبل من وجه له الإيجاب .وهذا هو المبدأ العام الذي يقول به جمهور الفقهاء وأخذ به القضاء وسرت عليه التشريعات المدنية العربية والغربية الحديثــــة . [45]

إلا أن هذا المبدأ يرد عليه استثناءات، فيصلح للتعبير في حالتيــــــن :

إقـــرار القانـــــــون :

         يقصد بالقانون سواء كان مصدره التشريع أو العرف ، ومن أمثلة نص التشريع ما نصت عليه المادة 355/1 من القانون المدني في البيع على شرط التجربة ؛ إذ يجوز للمشتري أن يقبل البيع أو يرفضه، وعلى البائع أن يمكنه من التجربة ، فإذا رفض المشتري الشيء المبيع عليه أن يعلن الرفض في المدة المتفق عليها ، فإذا لم يكن هناك اتفاق على المدة و سكت المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع اعتبر سكوته قبولا .        

 

السكوت الملابس :

    و الاستثناء الثاني من عدم اعتبار السكوت تعبيرا عن القبول إذا لابسته ظروف معينة ؛ وقد أشار التقنين الجزائري إلى بعض هذه الظروف والملابسات في المادة 68 من القانون المدني و التي يكون فيها السكوت قبولا أي تعبير الإرادة بقولها " إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب يكن تنتظر تصريحا بالقبول فإن العقد يعتبر قد تم ، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب " .

   ويعتبر السكوت عن الرد قبولا إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين أو إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه ".

حالة ما إذا وجد تعامل سابق بين المتعاقديــن :

     ومثاله إذا وجد عن تاجر تجزئة التعامل مع تاجر جملة في سلعة معينة ، طلب تاجر التجزئة من تاجر الجملة كمية من السلعة بالشروط المتفق عليها بينهما ، ولم يرد عليه تاجر الجملة اعتبر سكوته قبولا والتزام بتنفيذ العقــــد .

 حالة ما إذا كان العرف التجاري أو طبيعة المعاملة قد جرت على أن الموجب له أن يعتبر قابلا ، إذا لم يرد بالرفض في وقت مناسب .

ومثاله : إرسال تاجر بضاعته لم يطلبها ، ويطبق في كشف حساباتها شروط جديدة سكت المشتري عنها ولم يبادر في رفضها اعتبر سكوته قبولا.

حالة إذا ما كان الإيجاب يتمخض في مصلحة خالصة للموجب له :

ومثاله : عرض الهبة على الموهوب له فسكت ، فإن سكوته يعتبر قبولا .

وجميع هذه الحالات التي سبق ذكرها هي على سبيل المثال لا الحصر فكل سكوت تقترن به ملابسات تدل على رضى ، فهو سكوت ملابس وتعبير عن الإرادة بالقبول .[46]

 

 

المطلب الثانـــــــي : طــــرق التعبيــــر عـــن الإرادة .

     سبق القول بأن القانون لا يعتد بالإرادة إذا ظلت كامنة في النفس ولا بد على صاحبها من إظهارها ، أي التعبير عنها في الحيز الخارجي حتى يمكن التحقق من وجودها، لكن الصعوبة تمكن في ما إذا اختلف التعبير لأي سبب عن حقيقته الإرادة أو بمعنى آخر هل يستمد العقد قوته الملزمة من الإرادة الباطنة أو من الإرادة الظاهــــرة ؟

الفرع الأول: نظرية الإرادة الباطنـــــــــة.

   تعتد هذه النظرية بالإرادة الحقيقية لا بالإرادة الظاهرة لأن العقد يستمد قوته الملزمة من الإرادة الحقيقية لأطرافه ، وقد أخذت بهذه النظرية القوانين الآتية وعل الأخص القانون الفرنسي وذلك نتيجة لسيطرة النزعة الذاتية أو شخصية لتلك المشاريع .

  وتعتبر الإرادة الباطنة أساس الالتزام ، وجوهر التصرف القانوني أما التعبير فما هو إلا مظهر لتلك الإرادة والثوب الذي ترتديه ، ومن الحجج التي يستند إليها أصحاب هذه النظرية حجتان :

حجة تاريخيـــة : مفادها أن العقد والالتزام في القوانين القديمة لا يقومان إلا باستخدام أشكال معينة، ثم حدث تطور للتخلص الشكلية لتسود الرضائية وتحل محلها، وهكذا فإن القوانين الحديثة تعتد بالرضاء نفسه لا بشكله أو مظهره.

حجة منطقية و اقتصادية : مفادها أن أساس التزام المتعاقد هو إرادته ، فالعقد ينشأ من ارتباط إرادتين لدا فإن الشخص يلتزم بما أراده حقيقة ولا يجوز التزام نتيجة إعلان خاطئ عن إرادته. كما أن العقد باعتباره ينظم مصالح المتعاقدين، فيجب أن يكون تنظيم العلاقات المستقبلية أو الاقتصادية تنظيما يطمئن إليه كل منهما منذ إبرام العقد ، وطبعا هذه الطمأنينة ستزول في حالة ما إذا وجد المتعاقد نفسه ملزما بأمر لم يقصده .[47]

    فالتعبير في منطق المدرسة الفرنسية أو اللاتينية التي تعتد بهذه النظرية ليس إلا دليلا على الإرادة الباطنة يقبل إثبات العكس أي أن التعبير المادي لا يؤخذ به إلا بالقدر الذي يتفق فيه مع هذه الإرادة الباطنة الحقيقية ، وعلى من يدعي اختلاف الإرادة المعبر عنها عن إرادته الباطنة الحقيقية ضرورة إثبات ذلك بما في هذا الإثبات من صعوبة شديدة .

  ولهذه النظرية نتائج هامة على نظرية العقد كما هو فيما يسمى بالصورية وأيضا عند تفسير العقد فان العبرة تكون بالإرادة الحقيقية للمتعاقدين أما التعبير الظاهري الخارجي فهو مجرد قرينة تقبل إثبات العكس . [48]

الفـــرع الثانـــــي : نظريــــة الإرادة الظاهــرة .

    ظهرت هذه النظرية الحديثة في النصف الثاني من القرن 19 و يرجع الفضل في ظهورها إلى الفقهاء الألمان ، الذين بحثوا في النظرية الباطنة ، وانتهى بحثهم إلى أن هذه الأخير لا تصلح أن يكون لها أثر قانوني ، لأنها شيء كامن في النفس ولا بد لإنتاج أثرها أن تتخذ مظهرا اجتماعيا وذلك بالإفصاح عنها ؛ فالقوة الملزمة للعقد تستمد من التعبير عن الإرادة وقد أخذ بها القانون الألماني الذي سرى منذ عام 1900 . [49]

   ولا يتطلب أصحاب هذه النظرية أن يأخذ بالإعلان عن الإرادة شكلا معينا بل يكتفون بمجرد الإعلان سواءا اتخذ موقفا صريحا أو موقفا ضمنيا ، ومتى تم الإعلان عن الإعلان عن الإرادة وصادفه إعلان مطابق إنعقد العقد ولا يقبل بعد ذلك إثبات مخالفة الإعلان لحقيقة الإرادة إذ ليس من وظيفة القاضي أن يغوص في الأعماق النفسية بحثا عن الإرادة الباطنة لاستفهام ما قد تنطوي عليه من نية و أفكار و رغبات . [50]

 يستند أصحاب هذه النظرية إلى حجج نجملها فيمايلـــــــــي :

حجج تاريخية : ومفادها أن الالتزام نشأ بإجراء شكلي ودائما و يغير هذه الشكلية فإنه لايوجد، والإعلان عن الإرادة هو البقية الباقية من الشكلية الذي تبقى و لا يمكن الاستغناء عنه .

حجج عقلية و منطقية : ومفادها أن الإرادة الباطنة كامنة في النفس ونوايا الضمير و يستحل الوصول إليها عكس الإرادة الظاهرة التي يمكن التعرف عليها والتي يترتب عنها الأثر القانوني .

حجج اجتماعية واقتصادية : ومفادها أن الغير لا يستطيع أن يعلم أو يتعرف إلا على الإرادة الظاهرة، وهذه هي التي يعتد بها الأشخاص لأنها تبعث في نفس المتعاقد الثقة، فلذالك إذا ما أصدرت الإرادة الظاهرة فإن الثقة المشروعة التي تولد في المتعاقد تتزعزع ويؤدي ذلك بالتالي إلى عدم استقرار المعاملات .[51]

     يظهر من مقارنة النظريتين أنهما تختلفان اختلافا واضحا من حيث الأساس النظري و الفلسفي غير أن هذا الاختلاف ليس كبيرا سواء من حيث الناحية العملية أو القانونية ومع ذلك فإنه لا يمكن في الحياة العملية الأخذ بإحدى النظريتين بصفة مطلقة وإهمال الأخرى بل يتعين التوفيق بينهما بمعنى أننا إذا أخذ بإحدى النظريتين يستحسن الاعتداد بما تقضي به الأخرى ولو في حدود معينـــة .

    فإنه يستحسن ضآلة الفارق بين النظريتين من الناحية العملية وذلك لأن صعوبة إثبات الإرادة تقف في أغلب الأحيان حائلا منيعا دون إهمال التعبير عن الإرادة ، وعلى كل حال فإن الإرادة المفترضة هي وسيلة القاضي للتوصل

للإرادة الباطنة الخفية الحرة المختارة في معناها الحقيقي . [52]

الفـــرع الثالــــث : موقف القانون المدنـــي الجزائـــري من النظريتيــــــن .

    يظهر لنا من استقراء نصوص القانون المدني أن المشرع الجزائري يأخذ بالإرادة الباطنة أساسا ، ولكنه يأخذ بالإرادة الظاهرة إلى الحد الذي يقتضيه استقرار المعاملات ؛ ويتضح ذلك من خلال :

-       أنه لا يعتد في قيام العقد بالتعبير عن الإرادة إلا في الحدود التي يأتي التعبير مطابقا لحقيقة قصد صاحبه ( م 59 من القانون المدني ) فالنص يستلزم التطابق بين الإرادتين، وهذا يعيد بأنه يقيم التعبير على الإرادة ذاتها، وليس على مجرد التعبير عنها.

-        أنه في تكوين العقود لا يعتد إلا بالإرادة الحدة السليمة من العقود، فجعل الغلط والإكراه والتدليس والاستغلال عيوبا تجيز إلغاء العقد .

   نصت المادة 61 من القانون المدني أن التعبير ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه الإيجاب وقبله ، ثم عدل عن القبول ، ولكن قبوله وصل إلى الموجب قبل أن يصل العدول فإن العقد ينعقد على الإرادة الظاهرة بالرغم من العدول . [53]

    ونجد في تفسير العقد أن القانون المدني أخذ بالإرادة الظاهرة ، إذ أنه منع على القاضي أن ينحرف عن العبارة الواضحة في العقد عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين إذ نص في المادة 111 ق م ج على أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة ، فلا يجوز الإنحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين . كما أشارت في فقرتها الثانية إلى أنه يستوجب على القاضي في حالة الغموض أو الإبهام أو التأويل أن يبحث عن قصد المتعاقدين ، وفي نفس الاتجاه نص المشرع الجزائري على أنه فيما يتعلق بالصورية تكون العبرة في حالة النزاع بالعقد الحقيقي الذي انصرفت إليه الإرادة المشتركة للطرفين ، وهي إشارات من المشرع إلى ضرورة عدم إغفال الإرادة الباطنة الحقيقية للمتعاقدين بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون تجاهل للعرف الجاري في المعاملات . [54]

 وهكذا نجد أن المشرع الجزائري بصفة مطلقة بالإرادة الظاهرة ، كما أخذ في بعض الحالات بالإرادة الباطنـــــــة .[55]

      وتظهر بالتالي فلسفة القانون المدني الجزائري التي ترتكز على ضمان استقرار المعاملات وفي نفس الوقت حماية الإرادة الحرة ، وكذا المصلحة الفردية للمتعاقد . [56]

الفـــرع الرابـــع : موقف الفقــــه الإسلامي من النظريتيــــــن .

     سلك الفقه الإسلامي موقفا وسطا من النظريتين اللاتينية والجرمانية قوامه الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة سواء في تكوين العقد أو في تفسيره ، وهذا قبل ظهور النظريتين المذكورتين ، وإذا كان البعض من الباحثين يرون بأن الفقه الإسلامي ينزع إلى تغليب الإرادة الظاهرة أي بترجيح العبارة على الإرادة لما لها من دلالات إضافية يعتمدها المتعاقدان ، وهو ما يميل له الدكتور بلحاج العربي ، وهو ما سار عليه القانون المدني الجزائري لأنه لا يتعاقد من لا يريد فالأصل في الفقه الإسلامي أن العبارة كاشفة عن الإرادة الحقيقية ما لم يقم الدليل القاطع على ما يخالف ذلك فإذا قام هذا الدليل تعين الأخذ بالإرادة وإهدار العبارة التي تخالفها .

     فإن الأصل في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني كما أن الأصل في الكلام الحقيقة فلا يجوز حمل اللفظ على المجاز إلا إذا تعذر حمله على معناه الحقيقي ؛ فإذا لم تكن دلالة اللفظ واضحة بأن كانت عباررة العقد غامضة فتكون العبرة عندئذ بالنية المشتركة للمتعاقدين ، أي بما قصده المتعاقدان حقيقة ، وعلى هذا فإن عبارة الهازل و المكره والسكران و المخطئ و الناسي ، وكذا التعبير الصوري والتعبير المقترن بتحفظ ذهني يعلمه من وجه إليه لا تدل في الفقه الإسلامي على رضاه لأنه لم يقصد أثرها الشرعي ، والعقد ينعقد بالتراضي . [57]

 

المطلب الثالث : الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره القانونـــــي :

    نصت المادة 61 من ق م ج على أنه " لا ينتج التعبير عن الإرادة صريحا كان أو ضمنيا أثره القانوني إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه " ولا يكون له قبل هذه اللحظة أي وجود فعلي ، ومن ثم يجوز لمن أصدره أن يعدل فيه أو يتراجع عنه قبل هذا الوقت .

    وعلى ذلك فإنه حتى ينعقد العقد وفقا لهذه المادة لا بد وأن تغلق حلقة التعاقد بأن يتصل الإيجاب بعلم من وجه إليه وأن يتصل القبول بعلم الموجب ، فإذا كان التعبير عن الإرادة إيجابا فلا ينتج أثره القانوني إلا إذا علم به من وجه إليه الإيجاب وبذلك لا يكون لمن صدر عنه الإيجاب الرجوع فيه لو كان ملزما منذ لحظة علم من وجه إليه به ومن ثم فإنه يكون للموجب في غير حالة الإيجاب الملزم العدول عن إيجابه .

    وعلى هذا بالمفهوم المخالف للمادة 63 من ق م ج فإن الإيجاب إذا لم يقترن بميعاد محدد فإنه لا يعتبر بحد ذاته ملزما الأمر الذي يجيز للموجب العدول أو الرجوع عن إيجابه طالما لم يقترن به قبول ، وهو ما يتفق مع مبدأ سلطان الإرادة وقاعدة حرية إبرام العقود ، أما إذا التعبير عن الإرادة قبولا فلا ينتج أثره القانوني وفقا للمادة 61 إلا بوصوله إلى علم الموجب وبذلك يتم انعقاد العقد ، ولا يقصد بالعلم ههنا العلم الحقيقي بل يكفي العلم الحكمي ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم بهم الم يقم الدليل على عكس ذلك فوصول التعبير ( كالرسالة البريدية أو الإلكترونية أو البرقية مثلا ) هو قرينة قانونية على العلم به ولكنها تقبل إثبات العكس وإن كان هذا الإثبات شديد الصعوبة من الناحية العملية ، فإن وصول التعبير إذن يعتبر قرينة قانونية على العلم بما فيه وهي قرينة تقبل إثبات العكس ، وتقدير قيام أو عدم قيام هذه القرينة هو أمر موكول إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع . [58]

    وهذا الرأي للدكتور بالحاج العربي يتفق مع رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة الذي يعتبر قرينة وصول التعبير ليست من القرائن القاطعة وإنما هي قرينة ضعيفة يجوز لمن وجه إليه التعبير أن يقيم الدليل بأنه لم يصل إليه التعبير عن الإرادة حتى لا ينتج التعبير عن الإرادة أثره القانوني في حقه . [59]

 

 

المبحث الثانــــــي : النيابــــة فــــي التعاقـــــــــد .

      نتطرق في هذا المبحث إلى تعريف النيابة في التعاقد كمطلب أول ثم إلى شروط قيامها كمطلب ثان ثم إلى الآثار التي تترتب عنها كمطلب ثالث .

المطلب الأول : تعريف النيابــــة في التعاقـــــد .

     على الرغم من أن النيابة في التعاقد قد نظمها المشرع الجزائري في المواد من 73 إلى غاية المادة 77 ق م ج إلا أنه لم يورد لها تعريفا ولا يعتبر هذا حسب رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة عيبا أو نقصا في التشريع لأن التعريفات عمل فقهي أكثر من كونه عمل تشريعي ، ولذلك يمكن تعريف النيابة في التعاقد على أنه حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في التعبير عن الإرادة مع انصراف الآثار القانونية المترتبة عنه إلى شخص الأصيل كما لو كان شخصيا الذي صدر منه التعبير عن الإرادة . [60]

  كما يعرفها الدكتور بالحاج العربي بأنه " النيابة هي إبرام شخص يسمى نائب عملا قانونيا لحساب شخص آخر باسمه لحساب شخص آخر باسمه يسمى الأصل بحيث ينتج هذا العمل القانوني " .[61]

       أثاره مباشرة في ذمة الأصيل فالغائب هو الذي يقوم بالتعبير عن الإرادة الأصيل أي أن الإرادة النائب هي التي تحل إرادة الأصيل في إبرام العقد المادة 73 و 74 من القانون المدني ، وتعتبر فكرة النيابة صورة حديثة من صور الفن القانوني لم يصل إليها القانون الروماني إلا في آخر مراحل تطوره ولذلك فهي لم تظفر بتنظيم الشامل إلا في الفقه الإسلامي وفي بعض التقنيات الحديثة والنيابة أهمية بالغة في الحياة القانونية بل هي ضرورة لقضاء مصالح الأفراد في المجتمع وسير المعاملات المالية بين الأشخاص فيه عن لمريقها يحمي القانون الأشخاص الغير القادرين على دفاع عن حقوقهم أو رعاية مصالحهم المالية أو التجارية وتنقسم النيابة من حيث مصدر السلطة النائب إلى اتفاقية وقضائية وقانونية فالنيابة الاتفاقية مصدرها الاتفاق بين النائب والأصيل وهو هنا عقد الوكالة النيابة القضائية مصدرها حكم القاضي ( كنيابة الوصي أو القيم أو الحارس القضائي أو السنديك في نظام الإفلاس ) وأما النيابة القانونية فمصدرها نص قانوني كنيابة الولي عن القاصر . [62]

     الفرق واضح في هذا الشأن بين النيابة الاتفاقية الناشئة عن عقد الوكالة وبين والوكالة النيابية سواء أكان " اسما مستعارة " أخفى وكالته عن المتعاقد معه أم كان وكيلا بالعمولة يحترف أعمال الوكالة ؛ فالوكالة عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل باسمه ، (المادة 571 من القانون المدني وما بعدها) ، بينما النيابة هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني مع إضافة أثار ذلك التصرف إلى الأصيل ، ويرى العالم ايهرنج بأن كل من الوكالة والنيابة تمثل وجها مختلف لعلاقة قانونية لحده فتتمثل الوكالة الوجه الداخلي للعلاقة بين طرفين للموكل والوكيل وتمثل النيابة الوجه الخارجي للعلاقة أو صفة هذين الطرفين إزاء الغيــــــر .[63]

المطلــــب الثانـــــي : شـــــروط النيابـــــة في التعاقــــــــــــــد .

وهذه الشروط تتلخص في ثلاثة هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل ، و أن يلتـــــزم النائـــب حـــدود النيابـــــــة ، و أن يتعاقد النائب باسم الأصيل ولحساب الأصيل .

 الفرع الأول : حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيــــــــــل .

     يشترط في التعاقد بالنيابة أن تحل إرادة النائب تماما محل إرادة الأصيل بحيث يكون التعبير عن الإرادة في العقد صادرا عن إرادة النائب لأن ينقل تعبير إرادة الأصيل ، و هذا هو الفرق بين النائب والرسول ، فالرسول ينقل تعبير إرادة الذي أرسله وليس نائبا عنه ولذلك فالتعاقد بين النائب والمتعاقد بينه فهو تعاقد بين حاضرين إذا كان النائب حاضرا مع المتعاقد الأخر مهما كان الأصيل بعيدا عن مجلس العقد .

    و لذلك فإنه ينظر إلى إرادة النائب (الوكيل) فيشترط أن تكون خالية من عيوب الرضاء وهي الغلط والتدليس والإكراه لأن العقد يقوم بها قابلا للإبطال كما أنه ينظر إلى حسن النية لدى نائب الأصيل ، غير أنه إذا كان الوكيل يتصرف طبقا لتعليمات محددة صدرت إليه من الأصيل ، فإن نية هذا الأخير هي التي تؤخذ في الاعتبار دون نية الوكيل ، مثال ذلك أن يكون الوكيل شخص وكيلا في شراء سيارة معينة بثمن محدود ويكون في هذه السيارة عيب يعرفه الموكل و يجهله الوكيل فيشتري الوكيل هذه السيارة بالثمن المحدد ، فلا يجوز للموكل أن يرجع على البائع بهذا العيب متمسكا بأن الوكيل كان يجهله وهذا معنى الفقرة الثانية من المادة 73 ق.م.ج التي تقول " غير أنه كان النائب وكيلا ويتصرف وفق التعليمات معينة صادرة من موكل فليس للموكل أن يتمسك بجهل النائب لظروف كان يعلمها هو أو كان من المفترض حتما أن يعلمها " و إذا كانت إرادة النائب هي التي تتعاقد ويصدر عنها التعبير فإن أثر تعاقده ينصرف إلى الأصيل ، ولذلك يجب أن يكون هذا الأصيل مستعينا بأهلية المطلوبة للعقد الذي يبرمه وكيله لحسابه أما الوكيل فلا يشترط أهليته لهذا العقد  لأن أثره لا ينصرف إليه ويكفي فيه أن يكون مميزا وقادر على التعبير عن إرادته .[64]

 الفــرع الثانــــــي :  أن يلتـــــزم النائـــب حـــدود النيابـــــــة .

     فيجب على النائب أن يتعاقد في حدود النيابة التي وكل فيها دون أن يتجاوزها ولا ينصرف أثر العقد إلى الأصيل إلا في هذه الحقوق ، فإذا تجاوز النائب الحدود المعينة له في النيابة ، فإن أثر العقد لا ينصرف إلى الأصيل ، وقد نصت المادة 74 على أنه " إذا ابرم النائب في حدود نيابته عقدا باسم الأصيل فإن ما ينشأ عن العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل " إذن فلكي ينصرف أثر العقد إلى الأصيل يجب أن يلتزم النائب حدود نيابته وإلا كان متجاوز لهذه الحدود ولا ينصرف أثر العقد إلى الأصيل ، إلا إذا أقر هذا التجاوز إذ أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة .

     وقد جاء القانون باستثناء لهذه الشروط وهو في حالة ما إذا كانت نيابة النائب قد انقضت دون علمه ودون علم من متعاقد معه ، ومع ذلك أبرم النائب عقد باسم الأصيل ففي هذه الحالة يكون قد تجاوز حدود النيابة فعلا ولكن نظر لحسن نيته الحسن نية من تعاقد معه قضى القانون بانصراف أثر العقد في هذه الحالة إلى الأصيل وقد نصت على ذلك المادة 76 بقولها " إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معا وقت العقد انقضاء النيابة فإن العقد يبرمه حق كان أو التزاما يضاف إلى الأصيل أو خلفائه " وتطبيق لذلك إذا عزل الموكل دون أن يعلم هذا الأخير بالعزل وتعاقد مع الغير باسم الموكل ولم يكن الغير يعلم بهذا العزل فإن أثر العقد ينصرف إلى الأصيل على رغم من أنه أبرم خارج حدود النيابة وكذلك بما أن الوكالة تنقضي بموت الموكل طبقا للمادة 586 فإذا مات دون أن يعلم الوكيل بموت هو قد تعاقد مع الشخص يجهل هو الأخر موت الموكل فإن العقد ينصرف إلى خلف الموكل على رغم من أن الوكيل قد تجاوز حدود نيابة . [65]

   وكذلك ينصرف أثر العقد إلى الموكل على الرغم من تجاوز الوكيل حدود وكالته في حالة ما إذا تعذر عليه إخطار الموكل سلفا بمجاوزته حدود الوكالة ، وكانت الظروف يغلب معها الظن أنه لو كان أخطر الأصيل ما وسعه إلا أن يوافق على هذا التجاوز والتي يشترط لذلك أ، يبادر النائب بأخطار الأصيل بمجاوزته حدود الوكالة منم 575 في عقد الوكالة .[66]

الفرع الثالـــــث :  أن يتعاقد النائب باسم الأصيل ولحساب الأصيل .

      فلكي ينصرف أثر العقد إلى الأصيل يجب أن يبرم الوكيل هذا العقد باسم موكله فلو أبرم باسمه وكان من تعاقد معه بعلم بذلك انصرف أثر العقد إليه هو لا إلى الأصيل [67]، وقد صرح إلى المتعاقد معه بأنه نائب وقد تقطع الظروف بأنه ليس لنائب كما في حالة مستخدم في محل تجاري يبيع البضاعة فيه باسم صاحب المتجر ويشترط كذلك أن يعلم المتعاقد مع النائب بأنه يتعاقد باسم الأصيل فإذا كان النائب يعمل باسم الأصيل ومن تعاقد معه بعقد أنه يتعامل من النائب فلا ينصرف أثر العقد لا إلى الأصيل ولا إلى النائب مع ذلك يضاف أثر العقد إلى الأصيل إذا كان من مفروض حتما أن يتعاقد مع النائب يعلم بوجود نيابة  مثل من يشتري البضاعة من مستخدم في محل تجاري ومن من يبع لخادم يعلم أنه شتري لحساب مخدومة أو كان يستوي عند المتعاقد مع النائب كما في البيع في متجر إذا يستوي أن يكون البائع هو صاحب المتجر أو مستخدما عنده المادة 75 ق.م.ج وهي تنص على أنه " إذا لم يعلم المتعاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفة نائبا فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائنا أو مدينا إلا إذا كان من المفروض حتما أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود نيابة أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب ".[68]

الفرع الرابـــــع : آثــــــار النيابـــــــة في التعاقـــــــــــد .

تترتب على النيابة في التعاقد علاقات ثلاثة :

أولا :  العلاقة بين النائب و الغير: مادام النائب يعمل باسم الأصيل ولحساب الأصيل ، فإنه لا علاقة بين النائب والغير ، وإنما العلاقة تنشأ بين الأصيل مباشرة بين الأصيل والغير على إثر ذلك فإن ما يترتب على العقد الذي أبرم بواسطة النيابة تتحول مباشرة إلى الأصيل منذ إبرام العقد فيصبح الأصيل الدائن والمدين في مواجهة الغير ، إلا إذا ارتكب النائب خطأ أثناء تأدية عمله فإنه يعتبر المسؤول عن هذا الخطأ سواء في مواجهة الغير الذي تعاقد معه أو في مواجهة الأصيل الذي أناب عن إرادته . [69]

ثانيــــا : العلاقة بين النائب و الأصيل : العلاقة يحددها إما العقد إذا كانت الوكالة اتفاقية إما القانون إذا كانت النيابة قانونية .[70]

ثالثــــــا : العلاقة بين الأصيل والغيــــــــر : تتولد عن النيابة علاقة مباشرة فيما بين الأصيل والغير ، فهما المتعاقدان وهما اللذان ينصرف إليهما أثر العقد وهذا ما صرحت به المادة 74 من القانون المدني الجزائري حيث صرحت على أنه " إذا أبرم النائب في حدود نيابته عقدا باسم الأصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل " . [71]

 

المبحث الثالث : تعاقد الشخص مع نفسه وأثر الموت أو فقدان الأهلية في التعبير عن الإرادة.

المطلب الأول : تعاقد الشخص مع نفســــــه .

     إذا كان الشخص وكيلا لبيع شيء لحسابه فالأصل أن لا يجوز أن يشتري هذا الشيء لنفسه لتعارض مصلحته مع مصلحة الموكل إذا ما لا شك فيه أنه يشتري هذا الشيء بأقل مما يؤدي في حين أن مصلحة أن يبعه بأحسن سعر ولكن استثناء في هذا الأصيل قد يجيز الأصيل للوكيل أن يشتري هذا الشيء لنفسه وقد يوافق على شراء الوكيل الشيء لنفسه بعد تمام العقد وقد نصت على هذا المادة 77 من القانون المدني [72] .  بقولها " لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه هو أم  لحساب شخص آخر دون ترخيص من الأصيل على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز هذا التعاقد ، كل ذلك مع مراعاة ما يخالفه مما يقضي به القانون وقواعد التجارة .[73]

     النزول بفقدان أهلية وهذا عكس لفظة ألا كما الذي يجعل للتعبير وجودا ذاتيا لا يتأثر بموت موجهه أو موجه إليه ولا يفقد أهلية أحدهما .[74]

    وقد أخذ المشرع الجزائري المذهب الجرماني في هذه المسألة بالقدر الذي بلا نصب استقرار المعاملات وينفق مع التطور الموجود في القوانين اللاتينية ذاتها ؛ وعليه تقضي المادة 62 من ق م ج  على أنه " من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأثر عن اتصال التعبير بعلم من وجه إليه ، وهذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل " .

   الواضح أن هذه المادة تفرق بين وجود التعبير وبين إنتاجه لأثره القانوني ؛ وعلى ذلك إذا توفي من مصدر منه القبول أو فقد أهليته بعد صدور هذا القبول منه وقبل اتصاله بعلم الموجب ، فإن العقد مع ذلك يتم بوصول القبول بالموجب على أن وفاة من وجه إليه التعبير عن الإرادة أو فقدان أهليته قبل وصوله إليه يؤدي إلى سقوطه ؛ ذلك لأن التعبير لا ينتج أثره القانوني إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه مادام هذا الأخير قد توفي أو فقد أهليته فإن التعبير الذي وجه إليه ينتج أثره .

وأساس الحكم الوارد في المادة 62 من ق م ج ، أو النظرية الحديثة التي ترى أن الإرادة لا تموت ولا تنعدم بوفاة الشخص الذي تصدر عنه ، وهي فكرة مستمدة من أحكام الفقه الإسلامي انطلاقا من النزعة الموضوعية ، وقد أخذت القوانين الحديثة كالتشريع الألماني والإنجليزي من الشريعة الإسلامية هذه النزعة التي لم يعرفها القانون الفرنسي  ولقد  نص المشرع الجزائري عن عدم انقضاء الإيجار بموت المستأجر على أن يكون لورثته الحق في إنهائه ، وهو حكم مستمد من الفقه الإسلامي لا يعرفه القانون الفرنسي ، في حين أخذ به التشريع السويسري في المادة 270 ق م ، والألماني في المادة 569 ق م ، و كذلك قضت به المحكمة العليا في اجتهادها القضائي الذي استقر على أن عقد الإيجار لا ينتهي بأي حال من الأحوال بموت المؤجر أو المستأجر . [75]

 المطلب الثانــــــي : أثر الموت أو فقدان الأهلية في التعبير عن الإرادة .

      لو افترضنا بأن أحد الأشخاص مات أو فقد أهليته كأن أصبح مجنونا أو معتوها قبل أن ينتج هذا التعبير أثره عند اتصاله بعلم من وجه إليه ؟ فهنا قد أجاب المشرع بموجب المادة 62 بما مقتضاه أن القانون لا يجعل للموت أو فقدان الأهلية أثر في التعبير عن الإرادة إلا إذا تبين من الإيجاب او من طبيعة التعامل أن شخص القابل محل اعتبار كأن تكون عبارات الإيجاب واضحة بأن القبول لا بد أن يصدر من فلان بذاته أو أن تستعصي طبيعة الإيجاب بأن لا يقوم بتنفيذه غير القابل شخصيا كما إذا كان فنانا أو رساما وعرض عليه العمل الذي يدخل في صميم فنه فإن القبول يسقط بوفاة القابل . [76]

    وقد أخذ المشرع الجزائري بالمذهب الجرماني في هذه المسألة بالقدر الذي يتفق مع استقرار المعاملات ويتفق مع التطور الموجود في القوانين اللاتينية ذاتها ، وعليه قضت المادة 62 ق م ج بأنه " من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير عن إرادته أثره فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأثر عند اتصال التعبير بعلم من وجه إليه وهذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل " . [77]

   وأساس الحكم الوارد في المادة 62 أو النظرية الحديثة التي ترى بأن الإرادة لا تموت ولا تنعدم بوفاة الشخص الذي تصدر عنه ، وهي فكرة مستمدة من أحكام الفقه الإسلامي انطلاقا من النزعة الموضوعية ، وقد أخذت القوانين الحديثة كالتشريع الألماني والإنجليزي من الشريعة الإسلامية هذه النزعة ، وقد نص المشرع الجزائري عن عدم انقضاء الإيجار بوفاة المستأجر على أن يكون لورثته الحق في نهاية الحكم مستمد من الفقه الإسلامي لا يعرفه القانون الفرنسي في حين أخذ به التشريع السويسري في المادة 270 من ق م س ، والألماني في المادة 569 ق م أ ، وهو ما قضت به المحكمة العليا الجزائرية في اجتهادها القضائي الذي استقر على أن عقد الإيجار لا ينتهي في أي حال من الأحوال بموت المؤجر أو المستأجر .

   وبالتالي فإنه حسب رأي الدكتور بالحاج العربي فإن المشرع الجزائري قد ساير أحكام الفقه الإسلامي عند نصه على عدم انقضاء الإيجار بوفاة المستأجر ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك على أن يكون لورثته الحق في إنهائه خلال ستة أشهر من وفاة المستأجر إذا أصبحت تكاليفه باهظة بالنسبة لمواردهم أو أصبح الإيجار يزيد عن عن حاجتهم ( المادة 469 مكرر المضافة بالقانون 07/05 المؤرخ في 13/05/2007 ق م ج ) وهو حكم مستمد من الشريعة الإسلامية الغراء الذي لا يعرفه القانون المدني الفرنسي .

    و من ثمة فإن التعبير الذي يبقى وينتج أثره القانوني رغم وفاة صاحبه أو فقد أهليته وفقا للمواد 61 ، 62 ، 63 إنما هو التعبير الصادر عن القابل بشرط ألا يعلم الموجب بموته أو بفقد أهليته ، وبشرط ألا يكون القابل محل اعتبار شخصي في التعاقد . [78]

 

 

 

خاتمـــــــــــــة :

      التراضي هو أساس العقد وقوامه فإرادة الشخص هي التي توجهه إلى إحداث الأثر القانوني ، كما أن التعبير عنها الذي يظهر للعالم الخارجي بعدما كانت عبارة عن حالة نفسية حيث أن توجه إلى شخص معين ويمكن التعبير عنها بالصورة التي يمكن التعرف عليها وقت صدورها فكل إيجاب يقابله قبول يتم به العقد من وصل إلى رغم من صدر منه الإيجاب    . 

 

البحث الرابـــــــــــع : الأهليـــــة وعيــــوب الإرادة .

خطــــة البحث :

مقدمـــــــــــــــــة

المبحث الأول: مفهوم الأهليـــــــــــة .

المطلب الأول: تعريــــف الأهليــــــــــــــة .

الفرع الأول: المقصود بالأهلية

الفرع الثاني: تدرج الأهليـــــــة

الفرع الثالث : عوارض الأهلية

المبحث الثاني : عيوب الإرادة

المطلب الأول: الغلط

الفرع الأول :مفهوم الغلط المعيب للإرادة

الفرع الثاني: شروط الغلط المعيب للإرادة

المطلب الثاني : التدليس

الفرع الأول : مفهوم التدليس المعيب للإرادة

الفرع الثانـــي : شروط التدليس المعيب للإرادة

المطلب الثالث : الإكراه

الفرع الأول : مفهوم الإكراه المعيب للإرادة

الفرع الثانـــي : شروط الإكراه المعيب للإرادة

المطلب الثالث : الغبن أو الإستغلال

الفرع الأول : مفهوم الغبن المعيب للإرادة

الفرع الثانـــي : شروط الغبن المعيب للإرادة

خاتمــــــــــــــــــــة

 

مقدمـــــــــــــة :

    يتم العقد بتطابق إرادة طرفيه إيجاب وقبول ، ولكن كما هو معروف بأن الإرادة المعبرة عن نفسها لكي تنتج آثارها لا بد أن تصدر من شخص ذا أهلية وألا تكون إرادته قد وقعت بعيب من عيوب الإرادة فكل من الأهلية وعيوب الإرادة لهما أثر في صحة التراضي الذي يعد أهم ركن من أركان العقد ، ويترتب على تخلفه بطلان العقد بطلانا مطلقا .

  ومن ثمة فإن حديثنا عن صحة التراضي يتطلب منا بالضرورة التعريف بالأهلية أولا ثم عن عيوب التراضي ثانيـــــا .

 المبحث الأول: مفهوم الأهليــــــــة وتدرجها مع سن الإنسان .

  سوف نتطرق في هذا المبحث إلى التعريف بالأهلية ونبين نوعيها ومراحل تدرجها مع سن الإنسان ، ثم نبين عوارضها المتمثلة في الجنون ثم العته فالسفه والغفلة وأحكام كل منهم .

المطلب الأول: تعريف الأهلية وتدرجها مع الســن .

الفرع الأول: المقصود بالأهليــــــة :

يقصد بالأهلية صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات ، ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها أن ترتب له هذا الأمر أو ذلك .

   من هذا التعريف يتبين لنا أن الأهلية تنقسم إلى نوعين أهلية وجوب: وهي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق دون تحمل أي التزامات وهي تثبت للإنسان منذ أن يرى نزر الحياة . .[79]

أهلية أداء : وهي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي يكون من شانها أن تكسبه حق أو أن تحمله التزامات على وجه يعتد به القانون .

وأحكام الأهلية تتعلق بالنظام العام في الصميم لأنها تؤثر تأثيرا بالغا في حياة الشخص القانونية والاجتماعية ، لذا فقد نصت المادة 45 ق م ج على أنه " ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا لتغيير أحكامها " .

فإذا اتفق شخص راشد مع آخر على التنازل عن أهليته في التصرف في ماله كان هذا التنازل باطلا .

وسوف لن نتعرض لأهلية الوجوب لأنه بصدد الرضاء ولا علاقة لأهلية الوجوب بذلك ، والذي يهمنا هو أهلية الأداء  ، لأن توافرها في المتعاقد جد ضروري لاعتبار رضائه بالعقد سليما .[80]

    أهلية الأداء : سبق القول أن أهلية الأداء هي صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية و مناط أهلية الأداء هو التمييز ؛ فإذا كان الشخص فاقد التمييز تماما تكون أهليته معدومة ، و إذا كان غير مكتمل التمييز يكون ناقص الأهلية ، ولا يكون كامل الأهلية إلا إذا استكمل جميع عناصر التمييز .

الفــرع الثانــــــي : تدرج الأهليــــــة مع الســــن .

أوضحنا أن مناط أهلية الأداء هو الإدراك ، والتمييز الذي يتوقف على السن لذا تختلف أهلية الأداء تبعا لذلك .

ويتصف الإنسان بأربعة مراحل أساسية ، تتفاوت فيها أهلية الأداء بين العدم والكمال ، وهذه الأدوار هــي :

1-  مرحلة الجنين : فله أهلية وجوب ناقصة ، ولكن ليس له أهلية أداء .

2-  مرحلة الصبي غير المميز: وهذا الدور يبدأ من الولادة وتنتهي ببلوغ الصبي سن الثالثة عشر من عمره و هي سن التمييز طبقا للقانون المدني الجزائري، وفي هذه المرحلة من الحياة يكون الصبي فاقد للتمييز، وبعبارة أدق يفترض فيه القانون الجزائري ذلك ، فتكون أهلية الأداء لديه معدومة طبقا للمادة 42 ق م ج حتى أهلية الاعتناء لاتين له مثل قبول هبة، وعلى ذلك إذا صدر منه تصرف ما، كان تصرفه باطلا وقد نصت على ذلك المادة 828 من القانون رقم 14-11 (قانون الأسرة) بقولها (من لم يبلغ سن التمييز لصغر سنه طبقا للمادة 42 من القانون المدني تعين جميع تصرفاته باطلة) .

والذي يتولى مباشرة التصرفات هذا الصغير يمثله قانونا، وهو الوي أو الوصي وقد نصت على ذلك المادة 81 من القانون السالف الذكر بقولها .[81]

(من كان فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو الجنون أو عته، أو سفه ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو مقدم طبقا لأحكام هذا القانون) .

3-  مرحلة الصبي المميز: وبدأ الدور من بلوغ الصبي سن الثلاثة عشر من عمره حتى البلوغ سن الرشد وهي تسعة عشر سنة كاملة المادة 40 ق م ج ، وتثبت أهلية أداء ناقصة المادة 43 وفي هذه المرحلة تثبت للصبي المميز أهلية الأداء فيبرم التصرفات التي تعود عليه بالنفع ، نفع محضا دون حاجة إلى تدخل وليه أو وصيه فقبل بمفرده أهلية وكفالة الدين. أما أهلية الافتقار فمعدومة عنده أصلا .

  وبالنسبة للتصرفات الدائرة بين النفع والضرر كالبيع والشراء والإيجار ، فله بالنسبة له أهلية أداء ناقصة، فإذا أجراها تكون قابلة للإبطال أي صحيحة ، ولكنها تكون قابلة للإبطال لمصلحة القاصر دون المتعاقد الأخر ، [82]وقد نصت على الأحكام المتقدمة المادة 83 من ق. الأسرة بقولها ( من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد طبقا للمادة 43 من ق م ج تكون تصرفاته نافذة إذا كانت مترددة بين النفع والضرر، وفي حالة النزاع يرفع الأمر للقضاء) .

4-  مرحلة بلوغ سن الرشد : تبدأ مرحلة بلوغ سن الرشد ببلوغ سن تسعة عشره سنة ميلادية كاملة ( م 40/1) فإذا بلغها مجنون أو معتوها، بقيت حالة قصره واستمرت الولاية على ماله لوليه أو وصيه حسب الأحوال ( م 44   ق.م.ج) ونصت المادة 46 من قانون الأسرة على ذلك إذ تنص على أنه " من بلغ سن الرشد ولم يحجر عليه يعتبر كامل لأهلية وفقا لأحكام المادة 40 من القانون المدني " .[83]

المطلب الثانــــي: عـــوارض الأهليــــــــة .

     عوارض الأهلية هي أمور تدرك البالغ الرشيد، تؤدي إلى أن تعدم أهليته أو تنقصها، وستعرض في ما يلي تلك العوارض ، وهي تنقسم حسب طبيعتها إلى عوارض تصيب عقلا الإنسان فتعدم إدراكه وتمييزه وهذه هي الجنون والعته الذي يعدم الإدراك.

-       عوارض تلحق الإنسان في تدبيره فتنقصه وهذه السفه والعته، والذي ينقص الإدراك .

-       عارض يصعب مع وجوده على الإنسان التعبير بما يريد ويتضمن العاهات الجسمانية .

الفرع الأول : العوارض التي تصيب عقل الإنسان فتعدم إدراكــــه : العوارض التي تصيب عقل- الجنون والعته ، فالجنون: اضطراب يلحق العقل فعدم عند صاحبه الإدراك والتمييز.
أما العته : فقد اختلف في تعريفه، فقيل أنه نوع من الجنون يتميز بان صاحبه لا لجأ إلى العنف وقال البعض أنه لا يعدم الإدراك كلية .

ويأخذ المعتوه حكم الصبي المميز، كما سيأتي فيما بعد ، والتفرقة هذه تأخذ بها الشريعة الإسلامية ، ويأخذ بها أيضا القانون المدني الجزائري ، لأنه نص على أن العته له حكمان ، تطبيقا للمادة 42 يأخذ حكم المجنون وطبقا للمادة 43 يأخذ حكم السفيه .

   ونخلص مما تقدم أن كلا من الجنون والعته (إذا كان يعدم الإدراك كالجنون) عاهة تلحق عقل الإنسان فتعدم فيه الإدراك والتمييز، وبالتالي أهلية الأداء لديه ، وتنص المادة 42 ق م ج على ذلك بقولها " لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون " .[84]

    العوارض التي تصيب الإنسان في تدبيره السفه و العته ؛ فالسفيه هو من يبذر المال على غير مقتضى العقل و الشرع سواء أكان ذلك في وجود الخير أو الشر، والسفيه كامل العقل ولكن العلة في تدبير أمره لأنه يسرف في إنفاق ماله .

     أما العته المقصود هنا فهو الذي سبق بيانه من انه لا يفقد صاحبه التمييز والإدراك كلية ، وحكمه يأخذ حكم السفيه والصبي المميز، وهو نقص الأهلية طبقا لنص مادة 43 مدني.ج إذ تنص على أنه " كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد ، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو معتوها، يكون ناقص الأهلية وفق لما يقرره القانون " . [85]

الفرع الثانـــي : العوارض التي تصعب على الإنسان التعبير عن إرادته أو العاهات الجسمانية : قد يصاب الإنسان بعاهة في جسمه، فلا تمس عقله ولا تصيب تدبيره ولذلك يبقى كامل لأهلية. غير أنه يتعذر عليه بسب العاهة أو العجز الجسماني التعبير عن إرادته تعبيرا صحيحا، ويخشى أن يقع فريسة الغلط عند إبرامه التصرفات و لذلك قرر القانون نظام المساعدة القضائية ، فنصت المادة 80 م.ج على أنه " إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم فتعذر عليه بسب تلك العاهة التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعد قضائيا يعاونه ف التصرفات التي تقتضيها مصلحته . ويكون قابل للإبطال كل تصرف عين من أجله مساعد قضائي إذا اصدر من الشخص الذي تقررت مساعدته بدون حضور المساعد بعد تسجيل قرار المساعدة .[86]

 

 

المبحث الثانــــي : عيــــــــوب الإدارة .

   يقصد بعيوب التراضي حالات تلحق إرادة أحد المتعاقدين أو كليهما فتفسد التراضي بينهما دون أن تزيله ، فالرضاء قد يكون موجود إلا أن الإرادة لا تكون سليمة إما لأنها أتت نتيجة وهم كاذب ، و إما لأنها جاءت وليدة تحايل من الطرف الثاني في العقد ، وإما لأنها كانت ناتجة عن ضغط أي إكراه مادي أو معنوي ، وإما أن تكون ناتجة عن استغلال .

والعيوب التي تفسد الرضاء في القانون المدني الجزائري وفقا لما جاء في المواد من 81 إلى 90 ق.م.ج أربعة هي الغلط ،  التدليس ، ثم الإكــــراه ، وأخيرا الغبن أو الاستغلال [87]

المطلب الأول : الغلـــــــــط .

 قد يكون الغلط في ذاتية الشيء محل التعاقد فيكون مانعا للتعاقد ، وقد يكون في السبب وقد يكون في الصفات العرضية للشيء .

الفرع الأول : الغلط المانع :

هذا الغلط يعدم الرضاء ويقع في ماهية العقد أو في ذاتية محل الالتزام، أو في سببه وفي هذه الحالة يحول دون إنشاء العقد . بتصور غلط في ماهية العقد : كأن يعتقد أحد طرفي في العقد أنه يتلقى الشيء المبيع على سبيل الهبة في حين الطرف لأخر كان بصدد بيعه، أو كمن يودع شيء لدى الأخر فيعتقد أنه يهبه له[88].

     أما الغلط في ذاتية محل الالتزام  فمثاله كمن يملك حصانين أحدهما أبيض والأخر أسود فقرر بيع الأسود ، بينما اعتقد المشتري أنه يشتري الحصان الأبيض ، كذلك الغلط في طابق البناء عندما يعتقد المشتري بأنه اشترى الطابق الأول في حين البائع قد باعه الطابق الثالث .

  أما الغلط في وجود السبب كما لو اتفق الورثة مع الموصى له على اقتسام الأموال الشائعة بينهم ثم يتضح أن الوصية باطلة لان الموصى قد عدل عنها قبل وفاته .

يظهر من خلال الحالات السابقة أن الغلط كان مانعا لانعقاد العقد ومبطلا بطلانا مطلقا له بسبب عدم التوافق بين الإرادتين ، أو تعلق ركن السبب فالغلط في الحالة هذه معدم للإرادة ويؤدي إلى البطلان المطلق ولا علاقة له بعيوبها الذي يفترض وجودها.

الفــــرع الثانــــي: الغلط الذي لا أثر لـه على العقـــد .

    هذا النوع من الغلط لا يمس صحة العقد لأنه لا يتعلق بأية صفة جوهرية فيه فهو غير مبطل للرضا لأنه لم يكن الدافع إلى التعاقد ومن الحالات التي لا يعتقد فيها بالغلط بما يلي :

1-              الغلط في الصفات العرضية : أو الثانوية للشيء أو الشخص كالغلط مثلا في نوع الورق بالنسبة لكتاب اشتراه شخص أو كالغلط التافه بالنسبة للسن في حالة عقد الإرادة المرتب لمدى الحياة إذا تعلق هذا الغلط بسن من تقرر له الإيراد .

2-              الغلط في البواعث العرضية : لا يؤثر هذا النوع في العقد طالما لم يكن باعتا دافعا إلى التعاقد لمن يبيع عقارا معتقد أنه في مرض الموت ثم يشفى[89].

3-              الغلط في قيمة الشيء : طالما لم تكن هذه القيمة هي دافع الرئيسي إلى تعاقد، وطالما لم تتوفر شروط لعين، كما لو باع شخص شيء بثمن معين كان يجهل أنه يساوي أكثر  ذلك، غير أن القضاء الفرنسي قد أدخل في الاعتبار الغلط  في القيمة إذا كان القيمة هي الصفة جوهرية في لشيء كما لو باع الشخص لوحة جاهلا قيمتها الكبيرة لأنها من رسم عمل فنان مشهور.

4-              الغلط الحساب أو غلطات: القلم لا تؤثر في صحة العقد إلا أنه يجب تصحيح الغلط، ففي مثل هذه الحالة تكون بصدد مجرد غلط مادي كما لو باع تاجر قماش ما لديه من الأقمشة وحدد سعر المتر الواحد ثم بعد عدة الأمتار يقع غلط في تحديد السعر الإجمالي، فهذا غلط لا اثر له على الإرادة وتكوينها أو على صحتها المادة 84 قانون مدني جزائري .

الفـــرع الثالــــث : شروط الغلط المعيب للإرادة .

   حاول المشرع الجزائري في المواد 81 إلى 85 ق.م.ج التوفيق بين قواعد القانون في قيام العقد على رضى صحيح ، ومقتضيات التعامل التي تناقض مع جواز مفاجأة العقد ببطلان العقد ، وعليه اشترط في الغلط الذي يوجب إبطال العقد أن يكون جوهريا من ناحية، وداخلا في نطاق العقد من ناحية أخرى .

1-             أن يكون الغلط جوهري :

  المقصود بالغلط الجوهري : هو أنه ليس كل غلط يقع فيه المتعاقد يؤدي إلى قابلية العقد الذي يبرمه إلى الإبطال بل يجب أن يكون الغلط جوهريا . وقد سبق القول أن الغلط يكون جوهريا إذا كان هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد .

ويتضح هنا بأن هذا المعيار هو معيار ذاتي أو شخصي ، وليس معيارا ماديا فيجب أن ينصب أثر الغلط على إرادة المتعاقدين ذاتها .

2- اتصال الغلط بالمتعاقد الآخر :

      لم ينص تقنين الجزائري على هذا الشرط صراحة غير أنه يتبين من نص المادة 82 قانون مدني جزائري أنه لزم هذا الشرط إذ تنص "يعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة الشيء يراها المتعاقدان جوهرية أو يجب اعتبارها كذلك نظر لشروط العقد أو لحسن النية ".

ولذا نرى أن الغلط يتصل بالمتعاقد الأخر بان وقع بدوره فيه، أو كان على علم بأن المتعاقد قد وقع فيه، او في الأقل كان من السهل أن تبين ذلك .[90]

    تنص المادة 81 ق.م.ج على انه (يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد، أن يطلب إبطائه، كما تقر المادة مدني بأنه يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط (م 82/1 ق.م.ج) .

      فالغلط الجوهري في نظر المشرع الجزائري هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد ويعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقد أن جوهرية ، أو يجب اعتبارها كذلك نظر الشروط العقد ولحسن النية (مادة 82/ فقرة 2 ق.م.ج) وكذلك إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته ، وكذلك تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد (ك 82/3 ق.م) ووضح من المواد 81 و82 ق.م .ج أن المراد بالغلط الجوهري ذلك الذي يبلغ في تقدير المتعاقد حدا من الجسامة لو تكشف له لا تمنع عن إبرام العقد فالمعين، هو معيار ذاتي أو شخصي وليس موضوعي أو مجرد، يقوم على أساس تقدير المتعاقد لهذا الموضوع، معتدا بإرادة العاقد نفسه ومدى تأثير الغلط إرادته هو .[91]

      وقد ضربت الفقرتين 2 و3 من المادة 82 ق.م.ج أمثلة لهذا الغلط الجوهري ، فنصت على أنه ويعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقد بأنها جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد ولحسن النية ، و إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد.

   وواضح أن أحد هذين المثلين يتعلق بالغلط في الشيء، ويتعلق الأخر بالغلط في الشخص، والغلط في جوهر الشيء محل التعاقد ، كمن يشتري شيء على أنه من الذهب، فيتبين له أنه من النحاس، وأما الغلط في شخص المتعاقد الأخر، إذا كانت شخصيته هي السبب الرئيسي في التعاقد ، كمن يؤجر مسكنا لسيدة كان المؤجر يعتقد أن سلوكها لا غبار عليه ، ثم اتضح أنها كانت تحترف الدعارة فيما مضى .

    وتطبيقا لنظرية الغلط الجوهري ، فان الغلط في صفة عرضة أو ثانوية للشيء أو الشخص، أو الغلط في قيمة الشيء، أو الغلط في الباعة الدافع إلى التعاقد، وكذا الغلط في الأرقام أو الحساب كلها لا تؤثر أصلا على سلامة الرضا ولا تعيب الإرادة (مادة 84 ق.م.ج ) .

   وفي حكم قضت به المحكمة العليا بتاريخ 14 نوفمبر 1988 حكمت بأنه يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله وأنه يعتبر الغلط جوهريا إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو الصفة السبب الرئيسي في التعاقد. وفي حكم أخر قررت بان الغلط في صفة من الصفات لأساسية لشخص يمكن أن يشوب الإرادة في مجال عقد الزواج، كما هو الحال عند إخفاء الزوج أو سكوته عن عجزه الجنسي حين العقد .[92]

معنى الغلط الداخل في نطاق العقد :

      دعما للثقة في المعاملات واستقرارها يجب أن يكون الغلط داخل في نطاق العقد ، بمعنى أن يكون الأمر الذي دفع العاقد إلى إبرامه معلوما من العاقد الأخر، ومعنى هذا الاتصال أن يقع المتعاقد الأخر في نفس الغلط، أو أن يكون على علم به ، أو يكون من السهل أن يتبينه .

   ولقد أدى التطور الفقهي القضائي في هذا الشأن بالاهتمام بنية العاقد ذاته، وضرورة حماية المتعاقد الأخر الذي قد يفاجأ بإبطال العقد لغلط ما في صفة في الشيء لم يكن يدري شيئا من أهميتها، وعليه فإنه لا يجوز التمسك بالغلط على وجه يتعارض مع حسن النية ( المادة 85/1 ق م ج ) ويقصد بحسن النية في هذا الخصوص ، نزاهة التعامل، ذلك أن الحق في إبطال العقد كغيره من الحقوق ، لا يجوز التعسف في استعماله ، بما يتعارض مع حسن النية، وبقى بالأخص ملزما بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرق الطرف الأخر استعداده لتنفيذ هذا العقد ( مادة 85/2 ق.م) وعلى ذلك يظل من يشتري شيئا معقدا- خطأ أن له قيمة أثرية مرتبطا بعقد البيع، إذا عرض البائع استعداده لان يسلمه نفس الشيء التي انصرفت نيته إلى شرائه .

   إن طلب إبطال الغلط حق لا يجوز استعماله استعمالا تعسفيا فإذا انتفت الفائدة من استعماله، أو كان يهدف إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة كان استعماله تعسفي، فيبطل هذا الاستعمال ويبقى العقد صحيحا .[93]

الغلط في حكم القانـــــون :

      تنص المادة 83 ق.م.ج على أنه ( يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبق للمادتين 81 و 82 ما لم يقض القانون بغير ذلك ) .

     فالغلط في القانون يجعل العقد قابلا للإبطال كالغلط في الوقائع تماما ، بشرط أن يكون غلطا جوهريا ، أي بلغ حدا من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم المتعاقد العقد وقد يعترض على كون الغلط في القانون عيب يجعل العقد قابلا للإبطال بان هنالك قاعدة تقول لا عذر يجهل القانون فكيف يقبل الجهل بالقانون و يعتبر غلط مؤديا للبطلان العقد.

    غير أن قاعدة لا عذر بجهل القانون لا يعمل بها إلا في القوانين المتعلقة بالنظام العام ، مثل القوانين الجنائية ، ومثل القواعد الآمرة و أو النهاية في القانون المدني، أما في غير هذه القوانين وخصوصا في القوانين التي تستدعي معرفتها على عامة الناس، فالعذر مقبول، والجهل بها يعتبر غلطا مؤديا للقابلية للإبطال، مثال ذلك ما قضت به المحاكم من أن توقيع الورثة على محضر جرد الشركة المستعمل على وصي تجاوز فيها الموصى الثلث وهم يجهلون أن ما زاد عن الثلث يتوقف على إجازتهم، يعتبر غلطا في القانون يجعل تصديقهم على محضر الجرد غير مفيد إجازتهم لما زاد على الثلث ، وما قضى به من قيام شخص بالوفاء بالالتزام طبيعي وهو يعتقد أنه مدني يعتبر غلطا في القانون يجعل الوفاء قابلا للإبطال[94].

   وقضى كذلك بان قيام شخص بهبة لزوجته التي طلقها طلاقا رجعيا وانتهيت عدتها وهو يعتقد أنها مازالت في العدة وبتالي يستطيع أن يرجعها بعد غلط في القانون يجعل الهبة قابلة للإبطال .

    وقد ينص القانون على أن الغلط فيه لا يعتد به مثال ذلك ما نصت عليه المادة 456 ق.م.ج من أن عقد الصلح لا يجوز الطعن فيه لغلط القانون .

   إذا وقع غلط في الحساب أو في التشابه فإنه لا يؤثر في صحة العقد ويكتفي استدراكه وتصحيحه أو قد نصت على ذلك المادة 84 بقولها "لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب ولا غلطات القلم، ولكن يجب تصحح الغلط" ومثال ذلك أن يبيع شخص مائة وحدة من بضاعة بسعر الواحدة 15 دينار أو يخطئ في الثمن الإجمالي فيجعله 1400 بدلا من 1500 فلا يجوز له أن يطلب إبطال العقد لهذا الغلط في الحساب، بل يصحح الثمن الإجمالي إلى 1500 ويستمر العقد قائما. وكذلك الأمر في زلات القلم في الكتابة فهي لا تؤثر في صحة العقد لكن تصحح .

المطلب الثانــــــي: التدليـــــــــس :

   تعريف التدليس : هو إيقاع أحد الأشخاص في الغلط يكون الدافع له لإبرام التصرف القانوني . فالتدليس ليس بحد ذاته هو العيب الذي يؤثر على الإرادة وإنما الغلط الذي يقع فيه الشخص نتيجة إيهامه بغير الحقيقة عن طريق بعض الحيل التي يستعملها الغير أو شخص المتعاقد الآخر . [95]

    فالتدليس والحالة هذه يفسد الرضى بسبب ما أوجبه في ذهن المتعاقد من غلط دفعه للتعاقد ، وبذلك فهو يفترض قيام عنصرين عنصر مادي وعنصر شخصي .

العنصر المادي : يتمثل في استعمال الحيل .

العنصر الشخصي : يتمثل في أن تودي هذه الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد . [96]

   تنص المادة 86 ق.م .ج على أنه "يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد " .

ويعتبر التدليس السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن مدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة .

يتبين من النص السابق أن التدليس بعيب الرضى ، إذا توفرت فيه شروط معينة .[97]

   وحسب رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة فإن وجه الاختلاف بين الغلط والتدليس ليس بالأهمية التي تجعل المشرع يضع له تنظيما خاصا خلافا للغلط والذي يظهر في أن الوهم الدافع في الغلط يكون دائما تلقائيا بينما الوهم الدافع في التدليس ليس تلقائيا وإنما يرجع إلى شخص المتعاقد الآخر ، كما أن الوهم الدافع للتعاقد في الغلط لا يقترن بوسائل احتيالية تؤدي إليه في نفس المتعاقد ، أما التدليس فدائما يقترن بوسائل احتيالية تؤدي إلى الوقوع في الغلط ، وهذا ما هو واضح من المادة 86 من ق .م .ج . [98]

شـــــروط التدليس :

1-              استعمال طرق احتيالية بقصد التضليل .

2-              أن تحمل هذه الطرق إلى التعاقد .

3-              أن تكون صادرة من المتعاقد الأخر أو أن يكون ذلك المتعاقدين عالما بها .

الشرط الأول : استعمال طرق احتياليــة .

الطرق الاحتيالية هي وسائل مادية لتضليل العلاقة يقوم بها المدلس حتى يتولد الغلط في ذهب المتعاقد فيحمله على التعاقد، فهذه طرق تتكون من عنصرين أحدهما مادي والآخر معنوي .

العنصر مادي :

   يقصد بالعنصر المادي تلك الأعمال الاحتيالية التي من شأنها أن تولد في ذهن العاقد صورة تخالف الواقع بحيث توهم المتعاقد المدلس عليه وتحمله على التعاقد .

    والوسائل التي تتكون منها الحيل غير محدودة فكل ما يقع من أفعال وأقوال يترتب عليها وقوع الشخص في غلط ، للمظاهر الكاذبة التي لا تطابق الواقع من تظاهر بالوجاهة واليسار، واصطناع أوراق أو مستندات أو كشوف من البنك ومثاله " كما لو قم بائع المحل التجاري أوراق تبين أرباحا يحققها المحل مبالغا في قيمتها ".[99]

ووسائل التدليس تختلف بحسب المتعاقد المدلس عليه ، والمعيار هنا شخصي يتوقف على ظروف المتعاقد وسنه وجنسه ودرجة تعليمه وهي على وجه العموم تتم بمظاهر خارجة، غير أنه قد تم التدليس بمظاهر غير مادية وخارجة كما في حالة الكذب والكتمان .

  فالأصل أن مجرد الكذب ولو في صيغ التأكيد لا يعتبر في ذاته من اطرق الاحتيالية كما لو بالغ بائع في وصف مزايا تجارته ، غير أن الكذب يعتبر من الطرق الاحتيالية اذ كان المدلس عليه لم يكون يستطيع اكتشافه وكان هو الدافع إلى التعاقد ولولاه ما أبرم المدلس عليه العقد كالمؤمن على سيارته الذي يعطي بيانات غير صادقة لشركة التامين كأن يخفي سنة أول استعمال الحقيقي، أو كأن يدلي متعاقد بيانات كاذبة عن كفاءته وتجربته بقصد الحصول على عمل .

   أما الكتمان هو السكوت عمدا عن ظرف معين يهم المتعاقد الأخر معرفته يعتبر كافيا لقيام التدليس، خاصة إذا تبين أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بالأمر الذي كتمه عنه المتعاقد الأخر، كأن يبيع شخص منزلا لآخر ويكتم عنه أنه قد صدر قرار بنزع ملكية هذا المنزل للمنفعة العامة .

    ويكون الكتمان تدليسا أيضا إذا كانت طبيعة العقد يستلزم الكلام نظرا لما يفترض من ثقة متبادلة بين الطرفين وفي القضاء الفرنسي يتحقق التدليس بالكتمان في كل حالة يكون فيها السكوت إخلالا بحسن النية والثقة التي يكون من حق المتعاقد الآخر أن يعتمد عليها وخاصة بين الورثة والشركاء وبين الوكيل والموكل .

العنصر المعنوي :

يقصد بالعنصر المعنوي نية التضليل لدى المدلس للإيقاع بالطرف الآخر وحمله على التعاقد ؛ أي أن التدليس هو الدافع للتعاقد بحيث لولاه لما رضي المدلس عليه بالعقد ، وفي هذا لشأن كان لفقه التقليدي يميز بين نوعين من التدليس الرئيسي والتدليس العرضي ورتب قابلية العقد للبطلان علة النوع الأول ، أما النوع الثاني فرتب عليه حق المطالبة بالتعويض .[100]

      فالتدليس العرضي والذي يتصور فيه المتعاقد بقول التعاقد بشروط أشد فهو لا يؤدي إلى بطلان عد على عكس التدليس الرئيسي وأضحى هذا التمييز منتقد لدى الكثير من الفقهاء المحدثين، ولم يرد القانون المدني بشأنه أي ذكر فالتدليس تضليل وسواء دفع إلى التعاقد أو اقتصر أثره على القبول فإنه يعيب الرضا وينجر عنه إبطال العقد .[101]

الشرط الثانــــي : أن يحمل التدليس إلى التعاقـــــد .

  يجب أن يكون التدليس هو الذي دفع المتعاقد الثاني إلى التعاقد بحيث ما كان ليتعاقد لولا وجود الحيل التدليسية وأن تكون من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد، فالمعيار الشخصي وقاضي الموضوع هو الذي يقر فيما إذا كان دافعا للتعاقد أم لا.

  والاحتيال وقدرته على الإيقاع في التدليس يقاس بمعيار شخصي لا على معيار موضوعي ؛ بمعنى أننا ننظر إلى الشخص المدلس عليه ونرى مدى تأثير هذا الاحتيال على إرادته هو دون أن ننظر إلى هذا الاحتيال ودرجة تأثيره بالنسبة على الغير وهو بذلك يشابه الغلط ودرجة تأثيره على الإرادة والغير . [102]

الشرط الثالث : أن يكون التدليس صادرا من المتعاقد الآخر أو على علمه به على الأقل .

     الأصل أن يصدر التدليس من أحد المتعاقدين على الآخر وهذا هو الوضع المألوف ، وهذا ما نصت عليه المادة 1116 ق .مدني.فرنسي وهي في ذلك متأثرة بأحكام القانون الروماني في هذا الشأن حيث كان التدليس جريمة جنائية فلا يجازه عليها إلا فاعلها أما القضاء فقد اعتبر المتعاقد الذي و إن لم يرتكب تدليسا إلا أنه كان على علم فاعلها أما مسؤول عنه أو قد أيده في ذلك الفقه، وبهذا الرأي اخذ المشرع الجزائري في نص مادة 87 مدني بقوله  "إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الأخر كان يعلم ، أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس" .[103]

    فإذا صدر التدليس من شخص ثالث (أي غير المتعاقدين) فإنه طبقا للنص المذكور أعلاه يكون له تأثير على العقد إذا كان المتعاقد الآخر قد استفاد من عالما بذلك أو من المفروض حتما أن يعلم به عند إنشاء العقد ومجمل القول هو أنه للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب بطلان العقد استنادا إلى عيب في الرضاء بسبب التدليس وعليه أن يثبت أن من تعاقد معه كان يعلم عند العقد بوجود تدليس صادر من الغير أو كان من المفروض حتما أن يعلم بذلك أما إذا كان المستفيد غير عالم فلا يحق للمدلس عليه أن يطلب بطلان العقد حتى لا يفاجأ المتعاقد معه ، وهو الشخص النية .[104]

  وللمتعاقد ضحية التدليس الاختيار بين دعويين من دعاوى المسؤولية المدنية ولئن اختلفا في طبيعتهما فكانت إحداهما تعاقدية طبقا للمادة 86 من ق.م .ج و الأخرى تقصيرية طبقا للمادة 124 ق.م .ج فدعوى الإبطال مستقلة عن دعوى التعويض ، ودعوى التعويض مستقلة عن دعوى الإبطال ، مما يجيز القيام بهما معا أو منفصلتين عن بعضهما ، وإذا ما اتصل التقادم بواحدة فلا مانع  من رفع الأخرى أمام القضاء طالما أن الآجال مازالت مفتوحة لذلك طبقا لنصوص المواد 101، 102، 308 من ق.م .ج . [105]

 

المطلب الثالــــــث : الإكـــــــــــراه .

تعريف الإكــــــراه :

  الإكراه كعيب من عيوب الإرادة يقع على أحد الأشخاص نتيجة لضغط يتعرض له من أحد الأشخاص - الطرف الثاني في العقد- يولد في نفسه رهبة أو خوفا تجعل إرادته غير حرة عند إبرام أي تصرف قانوني ، بحيث لو لم يتعرض لهذا الضغط لما تصرف بهذا النحو .

  فالشخص المكره لم يقع في غلط يجعله يتصور الشيء على غير حقيقته كما هو الحال في الغلط أو التدليس ، وإنما إرادته تكون في غير حرية كاملة لإبرام التصرف نتيجة الرهبة أو الخوف الذي تولد في نفسه .

  ويمكن وضع تعريف بناءا على هذه المقدمة بأنه الرهبة أو الخوف الذي ينشأ في نفس المتعاقد والذي يدفعه لإبرام التصرف القانوني ، هذا التعريف الذي يتفق مع اعتبار الإكراه عيبا من عيوب الإرادة ويتفق مع مبدأ سلطان الإرادة من حيث أنه يستلزم بأن تكون الإرادة حرة كشرط لصحتها كتصرف قانوني . [106]

   فالإكراه بهذه الصورة لا يؤدي إلى انعدام إرادة الشخص الذي وقع في الإكراه كلية ، وإنما يؤدي إلى تضييق الحرية اللازمة لاتجاه إرادة الشخص نحو الأثر المتجهة إليه ، أما إذا أعدم الإكراه الإرادة كلية فإن العقد يكون في هذه الحالة باطلا بطلانا مطلقا وذلك لانعدام الرضا كركن من أركان العقد ؛ كأن يمسك أحد الأشخاص يد الآخر عنوة ويجعله يوقع على العقد فهنا الإرادة أو الرضى لم يفسد فقط وإنما انعدمت وهذا مالم نقصده في دراستنا للإكراه باعتباره عيبا من عيوب الإرادة . [107] 

أقســــام الإكــــــــراه :

ينقسم الإكراه المفسد للرضى إلى قسميـــــــن :

   1-الإكراه المادي أو الحسي: وهو الإكراه الذي تستخدم فيه قوة عادية تمارس على الفاعل مباشرة، فتشل إرادته وتفقده حرية الاختيار، ووسيلة الإكراه الجسمانية كالضرب الشديد، أو إمساك اليد بالقوة للتوقيع على صك مزور وغيرها .

  2-الإكراه المعنوي أو النفسي : وهو التهديد الذي يوجه إلى المتعاقد، فيخلق فيه حالة نفسية من الخوف والفزع فيندفع إلى التعاقد ، ووسيلة الإكراه المعنوي كالتهديد بالقتل، أو يقطع عضو من أعضاء الجسم، أو امتلاك المال، أو المساس بالعرض والشرف أو أحد الأقارب ، فالإكراه النفسي يعتمد غالبا على التهديد بإيقاع ضرر دون إيقاعه فعلا.

و الإكراه في الفقه الإسلامي نوعان كذلك باعتبار قوته ودرجته تأثيره الإكراه الملجئ أو التام وهو الضغط الذي يعرض النفس أو المال لتلف شديد أو الضرر شديد (كالتهديد بالقتل أو بإتلاف الأموال) وهو يعدم الرضا والإكراه غير الملجئ الناقص، وهو الذي لا يعرض النفس إلى إصابة طفيفة، أو المال لتلف جزئية كالتهديد بالضرب أو الحبس أو الإتلاف الجزئي وهو يعدم الرضا، ولا يفسد الاختيار .[108]

شــــروط الإكــــــــراه :

الشرط الأول : استعمال وسيلة من وسائل الإكراه :

    يتحقق الإكراه باستعمال وسائل تكون ف في العادة غير مشروعة يقصد بها الوصول إلى غرض غير مشروع فيتحقق الإكراه أو قد تكون الوسائل مشروعة للوصول إلى الإكراه كالابتزاز الذي يأتيه صاحب الحق يتحصل على فوائد غير مشروعة من المدين ولا يتحقق الإكراه إذا استعملت وسيلة مشروعة أو غير مشروعة للوصول إلى غرض مشروع .

وقد تكون وسائل الإكراه عادية كالضرب والعنف أو وسائل نفسية كالتهديد بالأذى، كأن تصوره للمكره أن خطرا جسيما وشيكا يهدده هو شخصيا أو يهدد أحد أقاربه .

     والإكراه الحسي أو المادي أصبح نادر للحصول في عصرنا أما الإكراه النفسي الذي يلحق ألما بالنفس والذي يتم عن طريق التهديد دون إيقاعه فعلا ، فهو الإكراه الأكثر وقوعا في حياتنا المعاصرة ولا أثر يرتب عن التفرقة بين الإكراه الحسي والإكراه النفسي، فكل منهما يعيب الرضا ويجعل العقد قابل للإبطال .[109]

الشــرط الثانــــــي : أن تحمل الرهبة المتعاقد الآخر على إبرام العقــــد .

      أي أن تكون الرهبة الناتجة عن الإكراه هي الدافعة إلى التعاقد فالعقد الذي يبرم تحت سلطنها يجوز إبطاله للإكراه ، أما هذه الرهبة التي دفعت إلى التعاقد فان تقديرها مسألة موضوع تترك للقاضي ويراعى في تقدير الإكراه الحالة الشخصية للمكره المعتاد أي يؤخذ بالمعيار الذاتي كجنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية كاختلاف الشباب القوي عن العجوز الهرم ، والمتعلم عن الجاهل وكل طرق أخرى المكان والقرى أو البعد عن عمران .[110]

الشـــرط الثالــــث : أن يصدر الإكراه من المتعاقد أو على الأقل أن يكون متصلا به .

  إن اتصال الإكراه بالطرف الآخر شرط تقتضيه الرهبة في عدم مفاجئته بالمطالبة بإبطال العقد ، وأمر تقتضيه طبيعة الأمور من حيث إن استعمال وسائل الإكراه لا بد أن يتم عن طريق شخص من الأشخاص ليجبر الشخص الآخر بناءا على ما تولد في نفسه من رهبة على إثر استعمال وسائل الإكراه على التعاقد .

   لكن إذا وقع الإكراه من شخص آخر غير طرف في العقد فإن المادة 89 تشترط للمطالبة بإبطال العقد علم الطرف الآخر بهذا الإكراه وممن صدر منه أو كان من المفروض حتما عليه أن يعلم بهذا الإكراه . [111]

   حيث تقضي المادة 89 ق .م .ج بأنه " إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس لمتعاقد المكره أن يطلب إبطال اعقد إذا أثبت المتعاقد الأخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه " فطبقا لنص هذه المادة فإن الإكراه يعتبر عيب يؤدي إلى طلب بطلان العقد متى كان صادرا من أحد المتعاقدين على الآخر، وتوافرت باقي شروطه وهذا هو الوضع المألوف ، غير أنه إذا صدر الإكراه من الشخص ثالث غير طرف في العقد فانه لا يكون لمن

وقع عليه الإكراه أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن من تعاقد معه كان يعلم بالإكراه أو كان من المفروض حتما أن يعلم به فإن أثبت من وقع عليه الإكراه أن المتعاقد معه كان يعلم بهذا الإكراه عدٌ متواطئا مع الغير. [112]

   يقع إثبات الإكراه وفقا للقواعد العامة على من يدعيه فيجب على المتعاقد الذي يطلب إبطال العقد للإكراه أبرمه تحت تأثيره أن يقيم الدليل على وجود الإكراه بشروطه القانونية ولما كان إثبات الإكراه ينصب على وقائع مادية فإنه يجوز إثباته بجميع طرق الإثبات ومنها شهادة الشهود والقرائن . [113]

   ويسقط الحق في إبطال العقد للإكراه إذا لم يتمسك به صاحبه خلال خمس سنوات من يوم زوال الإكراه غير أنه لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت عشر سنوات من وقت تمام العقد ، كما يمكن أن يكون مصطحبا بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية النجمة عن الخطأ الذي قام به المكره ؛ والمتمثل في التهديد والوعيد والضغط على إرادة المستهدف بصفو غير مشروعة وتقدير ذلك يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع تحت رقابة المحكمة العليا . [114]

المطلب الرابـــــع : الاستغلال (الغبن) .

تعريـــف الغبـــن : يقصد بالغبن عدم التعادل بين ما يعطيه المتعاقد وما يأخذه ، فهو بذلك المظهر الخارجي للاستغلال وهو عيب في محل العقد لا في الإرادة .

    أما الاستغلال فهو استغلال أحد الطرفين حالة ضعف يوجد فيها المتعاقد الأخر المغبون والذي فيه تلك الحالة التي يوجد فيها واستغلها الطرف الأخر كحالة طيش أو هوى جامح على نحو ما سنتعرض له في حينه و عيب يشوب الرضاء . [115]

   كما يعرفه الدكتور خليل أحمد حسن قدادة بأنه عدم التعادل بين ما يحصل عليه المتعاقد وبين ما يلتزم به نتيجة استغلال المتعاقد الآخر له . [116]

حيث تنص المادة 90 ق.م.ج على أنه إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا أن المتعاقد الآخر قد استغل فيه ما غلب عليه من طيش أو هوى جاز للقاضي بناءا على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد .

  والاستغلال حسب رأي الدكتور بلحاج العربي أمر نفسي أو شخصي لا يعتبر الغبن إلا مظهرا ماديا له ، فهو عبارة عن استغلال أحد المتعاقدين لحالة الضعف أو المرض أو نقص التجربة التي يوجد فيها المتعاقد الآخر، للحصول على مزايا لا تقابلها منفعة لهذا الأخير أو تتفاوت مع هذه المنفعة تفاوتا كبيرا غير مألوف . [117]

خصائص الغبن فهي ثلاثــــــة :

-       أن لا يكون إلا في عقود المعاوضة .

-       أن يقدر بمعيـــــــار مــــادي .

-       أن يقدر عند وقت إبرام العقــــــد .

وما يجمع بين الغبن و الاستغلال هو عدم التعادل بين الالتزامات كل من الطرفين .

أ‌-                 في الغبن ينظر إلى هذا التفاوت وفقا لمعايير مادية أو أرقام ثابتة يحددها القانون .

ب‌-            في الاستغلال لا ينظر إلى عدم التوازن بين الالتزامات فيه باعتباره عيب يشوب رضى أحد المتعاقدين .

ولهذا كان القانون المدني الفرنسي متأثرا بالمذهب الفردي فلا يعتد بالغبن إلا في حالات محدودة كالغبن في بيع العقار والذي يجاوز 7/12 من قيمته تحدد على أساس العرض والطلب .[118]

  يرفض القضاء في فرنسا إبطال العقد للغبن لقاعدة عامة من العقود لاحتمالية أو عقود الغرر إلا إذا كان الثمن تافها، ويرفض تطبيق الغبن في التبرعات هنالك شروط تتعلق بمقدار الغبن، ويتجاوز نسبة 7/12 في حالة بيع العقار وحوالة حق المؤلف ، و 1/4 في حالة القسمة ، و 1/2 في حالة القرض بفائدة ، و 33% في حالة بيع المحل التجاري ، ويجب أن يكون العقد معاصرا لوقت انعقاد العقد .[119]

  يقضي نص المادة 91 مدني بأنه "يراعى في تطبيق المادة 90 عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود " يثبت  أن أحكام هذا النص أن المشرع الجزائري راعي عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود أو سعر الفائدة ، وكذلك نصت المادة 90 مدني من أنه يراعي في تطبيقها عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود ، وهذه التطبيقات وردت على سبيل الحصر في نصوص متفرقة مبعثرة .

واثبات بالغبن يتم بإقامة الدليل على عدم التعادل المادي .

 أما حالات الغبن فهي في نصوص المواد التالية :

المادة 358 مدني الخاصة بحالة الغبن في بيع العقار إذا بيع بغبن يزيد عن 1/5 .

المادة 732 مدني الخاصة بقسمة المال بين الشركاء ، والجزء هو نقص العقد و الرجوع في القسمة إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه غبن يزيد على 1/5 ويجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة.

المادة 454 مدني تنص على أن القرض بين الأفراد يكون دائما بدون أجر ويقع باطلا كل نص يخالف ذلك، فالجزاء هو بطلان الفائدة الاتفاقية بطلانا مطلقا.

المادة 420 و426 ق.م.ج الفقرة الأولى خاصة بعدم قبول حصة الشريك بما يكون له من نفوذ أو على ما يتمتع به من ثقة مالية ، والنص الثاني خاص بحصة الأسد عند إعفاء احد الشركاء بالمساهمة في أرباح الشركة أو في خسائرها فرتب على ذلك بطلان عقد الشركة.

المادة 581/2 مدني خاصة باجر الوكيل في عقد الوكالة فيخضع لتقدير القاضي .[120]

المادة 184 مدني جواز تخفيض التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه ويكون باطلا كل اتفاق يخالف أحكام ذلك....[121]

الاستغلال : لقد تفادى تعديل قانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005 ما سقط من النص العربي في المادة 90 ، وصف الهوى بالجامح، وصف الطيش بالبين فجاء نص المادة بعد التعديل كالآتي:

    " إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد الأخر، قد استغل فيه طيش بين أو هوى جامحا، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون، أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد .

ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلا سنة من تاريخ العقد و إلا كانت غير مقبولة "

يجوز في عقود المعارضة أن يتوفى الطرف الأخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن.

يتضح من نص المادة أنه يجب أن يتوافر في العقد الذي يلحق به الاستغلال عدم التعادل بين التزامات أحد المتعاقدين والتزامات المتعاقد الأخر، وان يكون ذلك ناتجا عن استغلال الحالة من الحالات المبينة.

    فالاستغلال على هذا النحو يعتبر عيب من عيوب الإرادة ذلك أن المتعاقد المغبون إنما تعاقد تحت تأثير حالة طيش البين أو الهوى الجامح، فإرادته في تلك الحالات إرادة معيبة لأنها لا تتمتع بالحرية الكافية لإبرام العقود أو لأنها كانت غير بصيرة بسبب الظروف التي تمر بها .[122]

عناصر الاستغلال :

جعل المشرع الجزائري من خلال الاستغلال عيب في الإرادة ينطبق على سائر التصرفات وتبين من نص مادة 90 قانون مدني أنه يشرط لقيام الاستغلال عنصرين هما :[123]

الشرط الأول: العنصر المادي :

يقصد بالعنصر المادي أو العنصر الموضوعي اختلال التعادل ّأو انعدام المقابل، أي أن تكون التزامات أحد المتعاقدين لا تعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من الفائدة بموجب العقد، وعدم التكافؤ بين التزام المغبون والتزام الطرف المستفيد يجب أن كون فاحشا، فلا يكفي إذا كان عدم التعادل مألوفا، وهذا الأمر يترك تقدير لقاضي الموضوع على أساس القيمة يوم العقد، وليس على قيمة الأداءات بعد إبرام العقد وما يطرأ من تغيير .[124]

الشرط الثاني: العنصر النفسي :

تحقق العنصر النفسي إذا استغل أحد الطرفين الطيش البين أو الهوى الجامح لدى الطرف الأخر حتى يحصل على عدم التوازن في القيمة الالتزامات .

 

أ‌-          الطيش البين :

      يقصد به الخفة و التسرع في اتخاذ القرارات وعدم المبالاة بنتائجها وهذا الطيش يجب أن يكون بينا أي واضحا ومشهورا ، كالشاب الراغب في الحصول على نقود بأية وسيلة لسد حاجته إلى البذخ و التبذير ، فيأخذ في بيع أمواله بثمن بخس أو في الاقتراض بشروط باهضة  .[125]

ج - الهوى الجامح :

   يقصد به رغبة الشديدة تقوم في نفس المتعاقد تجعله يفقد سلامة الحكم على أعمال معينة ويكون جامحا متى لا يكون في الإمكان مقاومته أو تلاقيه بحيث يؤثر على إرادة المغبون فيعيبها دون أن يعدمها كلية ولاستغلال قد يقع على الهوى الجامح وحده أو على الطيش البين وحده أو عليها معا لدى المتعاقد المغبون ، أما إذا كان المتعاقد لا يعلم شيئا من ذلك لدى المتعاقد الآخر فالعقد صحيح لعدم توافر لاستغلال .

   أن يكون الاستغلال دافعا للتعاقد : أي أن يستفيد أحد المتعاقدين من ظروف معينة يوجد فيها المتعاقد الأخر مع علمه بها، فيرغب بعد ذلك في الاستفادة منها أو استغلالها ، حتى لو لم يكون له دخل في إيجادها بل ولم يتعمد دفع الطرف الأخر إلى التعاقد .[126]

الجزاء الذي يترتب على الاستغلال : إذا ما تحققت شروط الاستغلال وتقدم المتعاقد المغبون بدعواه أمام محكمة، كان لهذه الأخيرة أن تقضي بإبطال العقد على أساس عيب الاستغلال، كما يكون للمحكمة أن لا تحكم بإبطال العقد ولكنها تنقص من التزامات المتعاقدين المغبون إلى الحد الذي تراه كافيا لرفع الغبن .

   ومن ناحية أخرى يجوز للطرف الذي استفاد من الغبن أن يتوقى إبطال العقد بغرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن، طبقا لنص المادة 90/3 مدني ، أما سقوط الدعوى الاستغلال طبقا للفقرة الثانية من نفس المادة فإنها تسقط بمضي سنة من تاريخ العقد ولا كانت غير مقبولة .[127]

أما تقادم دعوى الغلط والتدليس والإكراه فمضي عشر سنوات من كشف الغلط أو التدليس أو انقطاع الإكراه أو خمسة عشر سنة من وقت تمام العقد طبقا لنص مادة 101 ق.م ج .

     ونخلص مما سبق إلى أنه إذا رفع المغبون دعوى الإبطال جاز للقاضي أن يقضي له ذلك ، كما يجوز له أن يحكم بإنقاص التزاماته إذا رأى أن المغبون كان يقبل بشروط أقل كلفة، والمسألة متروكة لتقدير قاضي الموضوع ، أما إذا طلب المغبون لإنقاص فلا يمكن للقاضي الحكم بالإبطال، وليس للقاضي أن يعالج الغبن عن طريق زيادة التزامات الغابن .

 

الخاتمة

   نستنتج مما سبق أنه لصحة التراضي أن يكون صادر من شخص ذي أهلية حيث تكون هذه الأهلية أهلية الأداء ويشترط التمييز فيها أمر طبيعي كي يكون من الممكن أن تصدر عن تصرفات يعتمد بها القانون وهي تندرج مع التمييز وجود وعدم ويشترط أن يكون رضاؤه خاليا من عيوب الإرداة وهي غلط والتدليس والإكراه والاستغلال (الغبن) التي تعيبها وتشوها التي تؤدي في الأخير إلى فساد العقد وإبطاله.

 

 

 

 

 

البحــــــث الخامس : المحــــــــــل و السبـــــــــــب .

 

خطــــة البحــث :

مقدمــــــــــــــــــــــــــــــة

المبحث الأول : مفهــــوم محــل الالتــــــــزام

المطلب الأول: محل الالتزام ومحل العقــــــد

الفرع الأول: تعريف محل الإلتـــــزام

الفرع الثانــــــي: تعريف محل العقـــــد

المطلب الثاني: شــــروط محـــل الالتـــــــزام

الفرع الأول: أن يكون المحل موجودا أو قابلا للوجــــود

الفرع الثانـــي: أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين

الفرع الثالث: أن يكون المحل مشروعـــــــــــا

المبحث الثاني: مفهـــــــوم سبب الالتــــــــــزام

المطلب الأول: تعريـــــف السبب

الفرع الأول: النظرية التقليديــــــــة

الفرع الثاني: النظرية الحديثــــــــــة

المطلب الثاني: شــــروط السبب وإثباتــــــــــــه

الفرع الأول: وجــــود السبب

الفرع الثاني: أن يكون السبب مشروعا

الفرع الثالث: إثبات السبب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمــــــــــــــــــة :

      عرفنا فيما سبق بأن العقد هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على إحداث أثر قانوني و أن  العقد يقوم بالضرورة على توافر أركان ثلاثة هي التراضي بين الأطراف و المحل و السبب . هذه ما تسمى بالأركان العامة للعقود بصفة عامة ،كما أن هناك أركان تختص بها بعض العقود الخاصة كركن الشكلية في عقد الشركة وعقد بيع العقار و ركن التسليم في عقد القرض وعقد الوديعة وعقد العارية مثلا ، وفي إطار دراستنا لأركان العقد الذي يتناول ركن المحل والسبب نطرح الإشكالية التاليــــــــــة : ما مفهوم المحل و السبب ، و ما هي أهم شروطهما ؟

 

المبحث الأول : مفهــــوم محــل الالتــــــــــزام .

  يقتضي تبيان محل الالتزام تحديد تعريف لمحل الالتزام ثم تعريف لمحل العقد ثم توضيح أهم شروط محل الالتزام .

المطلـــب الأول : محل الالتــــزام ومحل العقـــــــد .

      محل الالتزام : هو ما يلتزم به المدين وهو إما أن يكون منح شيء (إعطاء شيء) وإما أن يكون بفعل شيء أي أداء عمل ، وأن يكون بعدم فعل شيء ما أي بالامتناع عن عمل.

     محل العقد : هو إنشاء التزامات ، ذلك أن العقد إنما هو اتفاق يترتب عليه إنشاء الالتزامات على عاتق الطرفين [128]  

ونظرا لان محل العقد هو إنشاء التزامات أمكن القول بان المحل ركن في العقد مع أنه في الحقيقة ركن في الالتزام لا في العقد ، وهذا ما جرت عادة الفقهاء على انتهاجه في شروحاتهم .[129]

المطلـــب الثانــــــــي: شــــروط محـــل الالتـــــــزام

     الواقع هو أن محل العقد هو الالتزام الذي يترتب عليه، فالعقد لا يرتب إلا الالتزامات إما بإعطاء وإما بفعل إما بامتناع، و إذن فالمراد بالمحل هو محل الالتزام، فالكلام عن محل العقد فيه تجاوز والصحيح هو محل الالتزام ، ولكن جرت عادة الفقهاء على أن يتكلموا عن محل العقد لا عن محل الالتزام، ويشترط في محل ثلاثة شروط كما يظهر من نص المواد 82 إلى 96 ق م ج و هي :[130]

الفرع الأول : أن يكون محل الالتـــــزام موجودا أو قابلا للوجود .

    يجب أن يكون محل الالتزام موجودا ، فعدم وجوده يستلزم انتفاء وجود العقد ، فإذا تخلف الالتزام لا ينشأ العقد .

فإذا كان المحل موجودا ثم هلك قبل إبرام العقد، انتفى ركن المحل وكان العقد باطلا بطلانا مطلقا .

وإجمالا يشترط أن يكون محل الالتزام موجودا عند إبرام العقد، أو يكون ممكن الوجود في المستقبل وإمكانية الوجود تعني أن لا يكون المحل غير مستحيل في ذاته ؛ إذ تنص المادة 93 قانون مدني على أنه: "إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته،كان العقد باطلا بطلانا مطلقا ".

    والاستحالة المقصودة هي الاستحالة المطلقة، ويجب أن تكون قائمة وقت إبرام العقد، وسوء أكانت استحالة قانونية كفوات ميعاد الاستئناف أو استحالة طبيعية كتعهد طبيب بعلاج شخص تبين أنه قد مات، فالجزاء هنا هو بطلان العقد بطلانا مطلقا.

أما الاستحالة اللاحقة لانعقاد العقد فجزاؤها الانقضاء أو الفسخ . [131]

الفــــرع الثانـــي : أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعييــن .

نصت المادة 94/1 ق م ج على أنه: " إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته وجب أن يكون معينا بنوعه و مقداره   و إلا كان العقد باطلا...".

يستلزم نص المادة أن يكون المحل معينا عند إبرام العقد أو أن يكون قابلا للتعيين و إلا كان العقد باطلا .

ويكون المحل معينا إذا حدد تحديدا كافيا لبيان عناصره ومضمونه ويختلف الحكم حسب ما إذا تعلق الأمر بشيء معين بالذات أو ما إذا تعلق بشيء معين بالنوع .

فإذا تعلق الأمر ببيع شيء معين بالذات كمنزل وجب أن يحدد الطرفان الشيء محل الالتزام تحديدا كافيا نافيا للجهالة.

كذكر موقفه وحدوده وعدد طوابقه... الخ ، و إذا كان حيوانا وجب تعيينه تعيين كافيا بما يميزه عن غيره من الحيوانات ... الخ .[132]

    أما إذا كان لم يكن موجودا أثناء التعاقد ولكن يمكن أن يوجد في المستقبل كان العقد صحيحا، وهذا النوع من التعاقد كثير الوقوع في الحياة العملية والخاصة في العقود التجارية كالتعامل في المحاصيل المستقبلية، أو نتاج ماشية، أو التعاقد مع صاحب مصنع على مقدار معين من مصنوعاته قبل أن يبدأ في صنعها، أو كمن يبيع شقة لم يتم بناؤها بعد طبقا لنص المادة 92 ق م ج على أنه : " يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا ومحققا ".[133]

     كقاعدة عامة يجوز التعاقد على أشياء مستقبلة، طبق لأحكام النص إلا أن القانون قد استثنى من التعامل في الأشياء المستقبلة ما نصت عليه المواد  886 ، 984 ، 966 ق م ج في رهن الشيء المستقبل رهنا رسميا أو حيازيا أو التعامل في تركة إنسان مزال على قيد الحياة ولو كان التعامل برضاه، كذلك حرم القانون هبة المال في المستقبل.

أما الشريعة الإسلامية فلا تعتبر التعامل صحيحا كقاعدة عامة إلا إذا ورد على شيء موجود في الحال .

   و يرجع تحريم التعامل في تركة الإنسان على قيد الحياة، إلى القانون الروماني الذي منع الاتفاقات المتعلقة بتركات الغير، وكانت هذه الاتفاقات تصح برضى المورث ، وفي القانون الفرنسي من الاتفاقات المتعلقة بتركات الغير ولو رضى المورث .

  أما مبررات المنع فتتمثل على وجه الخصوص في أن الوارث الذي يتصرف في أموال التركة المحتملة بالنسبة له يكون في غالب الأحيان مدفوعا تحت تأثير الحاجة، ويقع تحت طائلة الاستغلال من الآخرين .[134]

   الالتزام بالامتناع عن عمل وجب تعيين الأمور التي يمتنع عن الملتزم القيام بها ، وإذا كان القيام بعمل يجب توضيح هذا العمل وبيان حدوده ومداه ....إلخ .

  أما إذا كان محل الالتزام شيئا مثليا فانه يجب أن يكون معينا من حيث جنسه (قمح-سكر-أرز-...) ومن حيث نوعه (قمح استرالي-سكر كوبي، أرز صيني...) وكذلك من حيث مقداره بالكيلوغرام ، وبالطن ... الخ .

  ويكفي أن يكون المحل معين بنوعه فقط طالما تضمن العقد من الأسس ما يمكن تعيين المقدار فيها بعد على ضوئها  كذلك قد لا تحدد درجة الجودة ، ففي مثل هذه الأحوال يترك الأمر للعرف ، وإذا تعذر استخلاص ذلك من العرف أو من طرف آخر اعتبر أن نية التعاقد قد انصرفت إلى التعاقد على الصنف المتوسط .

      وقد يكون محل الالتزام محل مبلغا من النقود ،كما لو اقترض المدين مبلغا معينا من النقود بمقتضى عقد قرض على أن يسد في تاريخ معين ؛ مثل هذه الحالة يجب على المدين أن يسدد المبلغ ذاته بصرف النظر عما عسى أن يحدث في قيمتها زقت الوفاء بارتفاع قيمتها إذا حصل ذلك في فترة انخفاض ، وقد نصت المادة 95 ق م ج أنه : إذا كان محل الالتزام نقودا التزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها وقد الوفاء أي تأثير .[135]

الفـــرع الثالــــث: أن يكون المحل مشروعـــــــا .

    فيجب أن يكون محل الالتزام مما يجوز التعامل فيه، أي غير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة، وقد نصت المادة 96 ق م ج على ذلك بقولها : " إذا كان محل الالتزام مخالف للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلا ".

   والأشياء التي يعتبر التعامل فيها مخالفا للنظام العام أو الآداب د يكون التعامل فيها يتنافى طبيعتها مثل أشعة الشمس أو ماء البحر أو الهواء، فهي أشياء عامة مشتركة بين الناس جميعا وغير قابلة للتعامل فيها بطبيعتها، غير أنه إذا استحوذ شخص على جزء من ماء البحر أو أشعة الشمس أو من الهواء وحوله عن طبيعته، فإنه يجوز له التعامل فيه، وقد تكون الأشياء غير قابل للتعامل فيها لان الغرض المقصود منها يتنافى مع التعامل فيها مثل أموال الدولة كالطرق العامة والجسور القلاع والحصون، فهي مرصودة للمصلحة العامة ولا يجوز التعامل فيها ، وقد نصت المادة 689 ق م ج على أنه :" لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم ".

والأشياء التي لا يجوز التعامل فيها بحكم القانون مثل تحريم التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو برضاه ( المادة 92/2 ق م ج ) ومثل المخدرات والصور المخلة بالآداب العامة .[136]

 

 

المبحث الثانــــي: مفهـــــــوم سبب الالتــــــــــزام .

المطلب الأول : تعريـــــف السبب .

    السبب ركن جوهري لا ينعقد بدونه القد ويختلف السبب عن لمحل فالمحل ما يلتزم به المدين ، أما السبب فهو الهدف الذي مناجله التزام المدين وقد جعل الفقهاء المحل جوابه يكون عن السؤال بماذا التزم المدين؟ أما السبب فجوابه يكون عن سؤال لماذا التزم المدين ؟

فالسبب هو ما ينظر إليه المتعاقدين من وراء العقد، أو هو المصلحة التي يسعى إلى لحصول عليها من التعاقد،أو هو الغرض الذي يقصد الوصول إليه من طرف العقد، وقد كانت نظرية السبب محلا لخلافات طويلة في الفقه .[137]

الفرع الأول : النظرية التقليديــــــة .

    السبب في النظرية التقليدية هو الغرض المباشر المجرد يريد المدني تحقيقه بالتزامه. وإذا تعددت الأغراض، فان السبب الذي نقف عنده هو الغرض المباشر الذي يريد المدين أن يصل إليه من وراء التزامه ولقد وضع الفقيه الفرنسي الكبير " دوما " أسس النظرية التقليدية في السبب في القرن السابع عشر، وصاغها صياغة جديدة ، فاعتمد السبب القصدي أو الغرض المباشر وأغفل الباحث الدافع ، فالعقد قد يكون له دوافع متعددة، أما الالتزام فليس له إلا سبب واحد لا يتغير بالنسبة للنوع الواحد من الالتزام ، ففي عقود المعارضة فإن سبب التزام كل متعاقد هو التزام المتعاقد الأخر فنجد أنه في عقد البيع مثلا ، سبب التزام البائع بنقل الملكية وتسليم المبيع ، هو التزام المشتري بدفع الثمن. وسبب التزام المشتري بدفع الثمن، هو التزام .[138]

الفــــرع الثانـــــي : النظرية الحديثـــــــــــة .

     لم يرض القضاء الفرنسي بالنظرية التقليدية في السبب ووجد فيها قصورا إذ لا تؤدي إلى بطلان عقد بيع إذا كان غرض المشتري تحويل المنزل إلى محل للعب القمار مثلا، فاتجه نحو فكرة السبب بمعنى الباعث الدافع وأخذ يقضي ببطلان العقود التي تكون الباعث إلى انعقادها غير مشروع، بشرط علم الطرف الأخر به ، فلم تقف المحاكم عن اعتبار التزام البائع بنقل الملكية سببا للالتزام المشتري بدفع الثمن ، وان اعتبرت السبب هو نية إعداد المنزل للقمار، وفي العقد العيني فلم تقتصر في عقد القرض على اعتبار تسلم المقترض مبلغ سببا لالتزامه برده، بل مدت بصرها إلى الباعث الذي حمل المفترض على الاقتراض، فأبطلت القرض لعدم مشروعية سببه، وحكمت ببطلان قرض أبرم لتمكين المقترض من إدارة منزل للقمار، وفي عقد التبرع ، راحت تبحث المحكمة عن البواعث النفسية التي إلى التبرع، ولم تقف عند باب نية التبرع، فأبطلت تبرع الخليل لخليلته إذا ثبت أن الصد من إيجاد علاقة غير مشروعة أو إعادتها.

     وهكذا يبين أن القضاء قد ادخل على نظرية السبب التقليدية تعديلا جوهريا وسع حدودها وسمح لها أن تنال بالبطلان عقودا ما كان للنظرية التقليدية أن تبطلها، وهذا ما أصبح يطلق عليه بنظرية السبب الحديثة، التي جمعت بين سبب العقد وسبب الالتزام لدى بعض الفقه، في حين أخذ أغلب الفقه بنظرية السبب الباعث، أما المشرع الجزائري فقد تأثر على ما يبدو برأي الفقه الذي جمع بين السبب في العقد والسبب في الالتزام 97 مدني أسند إلى العقد وفي 98 أسند السبب إلى الالتزام بالمعنى الحديث أي الباعث الدافع الذي دفع المتعاقد إلى إبرام العقد، فاشرط أن يكون مشروعا، أي يكون للالتزام سبب بالمعنى التقليدي، و للعقد سبب بلا معنى الحديث وهو الباعث الدافع .[139]

البائع بنقل الملكية ، وينطبق هذا الحكم على كل العقود الملزمة للجانبين .

    في العقود الملزمة لجانب واحد، يجب التمييز بين العقود العينية و السبب فيها هو التسليم (وذلك مثل عقود القرض والوديعة والعارية ...)، وبين العقود الرضائية (كعقود الوعد بالبيع، أو الإيجار)، وسبب الالتزام هو إتمام العقد الموعود به .

  وفي عقود التبرع ، كالهبة مثلا، سبب الالتزام هو نية التبرع .

  وفي عقود التفضل ، كالوكالة دون أجر أو الكفالة، السبب هو إسداء خدمة للموكل أو للمدين .

وعلى هذا الأساس، تميز النظرية التقليدية بين السبب المنشئ للالتزام أي مصدر الالتزام، والسبب القصدي وهو الغرض المباشر المجرد الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه أو بهذا المفهوم تأخذ النظرية التقليدية، وأخير السبب الدافع وهو الباعث الدافع الذي دفع الملتزم إلى أن يتعاقد، أو هو الغرض البعيد أو غير المباشر الذي جعل الملتزم يتعاقد .

فالسبب وفق لنظرية "دوما" يتميز بخصائص معينة، يمكن إجمالها فيما يلي :

   أن السبب هو سبب الالتزام وليس العقد، أي السبب القصدي لا الباعث على التعاقد ، و
أن السبب القصدي عند موضوعي ، داخل في العقد ولا يتغير بالنوع الواحد من العقود، وهو الأساس، بينما الباعث الدافع أمر شخصي يتعلق بنوايا الملتزم، و خارج عن العقد ، سواء كان مشروعا أو غير مشروع .

1-              أن السبب شيء داخلي العقد ، ويعتبر عنصرا من عناصره .[140]

2-              أن السبب واحد في كل نوع من أنواع العقود وأن تخلف السبب في أي عقد من العقود ، يترتب عليه تخلف عنصر من عناصره ، بحيث يولد العقدين .

    هذه هي نظرية السبب كما وضعها "دوما" وتبعه في ذلك "بوتيـــه" الذي عن كتاباته وضع القانون المدني الفرنسي، وهو ما قرره المشرع الفرنسي في مواد 113 مدني، والتي نصت على أن الالتزام لا ينتج أي أثر إذا لم يكن مبنيا على سبب ، أو كان مبنيا على سبب غير صحيح ، أو على سبب غير مشروع ونصت المادة 1132 على أن الاتفاق يكون صحيحا ولو لم يذكر سببه، كما نصت المادة 1133 على أن السبب يكون غير مشروع إذا حرمه القانون أو إذا كان مخالفا للآداب أو للنظام العام .[141]

فالالتزام لا يقوم ليس لعدم مشروعية المحل بل لعدم مشروعية السبب. كانت النظرية التقليدية منذ أواخر القرن التاسع عشر محل انتقادات وكان من أبرز خصومها الفقه بلانيول ، إذ رآها بأنها غير صحيحة وعديمة الفائدة .

   أما أنصار نظرية السبب فهم كثيرون وفي مقدمتهم الفقيه كابتان الذي اضطره دفاعه المستميت عليها إلى تحريرها ليدعم مركزها ، ما ادخله كابتان من تحرير على النظرية التقليدية أنه في العقود الملزمة للجانبين اعتبر سبب التزام كل من الطرفين ليس التزام الطرف الآخر في ذاته وإنما هو تنفيذ ذلك الالتزام الآخر ، ورأى في ذلك تفسيرا للتقابل والارتباط بين الالتزامين عند نشوئهما والى غاية أن يتم تنفيذ العقد ، وهذا الارتباط المستمر هو الذي يفسر جواز فسخ العقد وثبوت الحق في الدافع بعدم التنفيذ عند إخلال أحد الطرفين بالتزاماته ،كما يفسر انفساخ العقد بقوة القانون عند هلاك أحد الالتزامين أو صيرورته مستحيلا بسب أجنبي عن المدين .[142]

 

 

المطلب الثانــــــي : شـــــروط السبب وإثباتــــــــه .

     تناول المشرع الجزائري موضوع السبب في المادتين 97 ، 98 ق م ج وفصل أحكام السبب عن المحل بعد التعديل المشار إليه فيما سبق يشترط في الإدارة التي تتجه إلى إلزام صاحبها أن يكون لها سببا ، أن يكون هذا السبب مشروعا .

    الفرع الأول : وجــــود السبب : وجود السبب يكتفي بوجود الواحد من العقود وهو عنصر لا ينفصل عن العقد فهو داخلي فيه لا يختلف باختلاف النية لدى الأفراد، فهو يتمثل في صورة واحدة في كل ضرب من ضروب الالتزام، ويعتبر جزءا من المتعاقد نفسه، المعقود عليه وفي والتبرعات نية التبرع، ففي عقد البيع مثلا السبب القصدي للالتزام البائع إلى آخر مهما اختلفت البواعث .

  و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 98 ق م ج بقوله : " كل التزام مفترض أن له سبب مشروعا، ما لم يقوم الدليل على غير ذلك " .

 وما يبرر الأخذ بالسبب القصدي طبقا للنظرية التقليدية أن فكرة السبب الالتزام إنما يقصد بها حماية المتعاقد نفسه من تحمل التزام بدون سبب تحقيقا للعدالـــة .

  الفرع الثانـــي: أن يكون السبب مشروعا : أن يكون السبب مشروعا طبقا لنص المادة 97 ق م ج أسند المشرع السبب إلى العقد إذ نص: " إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلا " .

 وهو بهذا يكون قد أخذ بالنظرية الحديثة وهي نظرية سبب العقد أو الباعث الدافع إلى التعاقد ، إذن فالسبب المطلوب كركن في العقد هو السبب الباعث الدافع .[143]

    الدافع المتعاقد إلى إبرام العقد يجب أن يكون مشروعا ويفترض أن السبب مشروع حتى يثبت العكس، وإذا ظهر أن الباعث الدافع غير مشروع فيشترط لبطلان العقد أن يكون المتعاقد الأخر على علم بهذا الباعث، وهذا شرط تستلزمه ضرورة استقرار التعامل وعدم مفاجأة الطرف الآخر متى كان حسن النية ، وقد يذكر السبب في العقد وقد لا يصرح به ، فيعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخلف ويفترض صحة السبب المذكور ما لم يثبت العكس طبقا لنص المادة 98 ق م ج .[144]

الفـــــرع الثالــث : إثبات السبب : يقع على الدائن وفقا للمبادئ العامة ، إثبات وجود السبب ومشروعيته ، ما دام الالتزام لا يقوم إلا إذا وجد له سبب مشروع طبقا لنص المادة 97 ق م ج غير أن المادة 98 ق م ج تفرق بين حالتين أن يذكر السبب في العقد أو لا يذكر.

     حالة إذا كان السبب مذكورا في العقد: وفيما أقام المشرع قرينة من مقتضاها أن السبب المذكور حقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك ، فإذا قام الدليل على صورية السبب ، فعلى من يدعي أن الالتزام سببا أخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه (م 98 ق م ج) غير أنه لا يجوز إثبات عكس الكتابة إلا بكتابة أخرى ، أما حين يدعي المدين أن السبب العقد غير مشروع فيكون له أن ثبت ذلك بكافة الطرق إذ يجوز إثبات عدم المشروعية بكافة الطرق لإثبات ، وهذا مع ملاحظة أنه لابد من إثبات علم الدائن بعدم مشروعية السبب .

    حالة ما إذا لم يذكر السبب في العقد وهنا يفترض المشرع الجزائري أن للالتزام سببا موجودا وأن للعقد سببا مشروعا، وعلى من يدعي العكس أن يثبت ما يدعيه بكافة طرق الإثبات إذ ليس هناك كتابة تقيده (م 98 ق.م)[145].

   إن المقصود من نص المادتين 97 و98 ق م ج هو أن المشرع الجزائري قد وضع قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سببا مشروعا ولم يذكر هذا السبب ، فان ذكر في العقد، فإنه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله وان ادعى المدين صورية السبب المذكور في العقد، كان عليه أن يقدم الدليل القانوني بالكتابة على هذه الصورية، لان الكتابة لا يجوز إثبات عكسها إلا بمثلها، فإذا أثبت صورية السبب، كان  على من يدعي أن الالتزام سببا مشروعا آخر، غير المذكور في العقد، أن يثبت  مشروعية السبب، ومن ثم ينتقل عبئ إثبات أن للعقد سببا أخر مشروعا على عاتق المتمسك به ، أما إذا أدعى المدين عدم مشروعية السبب المذكور، فانه يجوز له إثبات ذلك بجميع طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود .[146]

 

 

 

 

 

 

 

البحـــــث الســـــــادس : البطــــــــــــــــلان  .

 

خطــــــــــة البحــــــث :

 

مقدمـــــــــــــــة :

المبحث الأول : مفهـــــــوم البطــــــلان

المطلب الأول : تعريـــف البطــــلان

الفرع الأول : البطلان لغة ثم اصطلاحا

الفرع الثاني: تمييز البطلان عما يشابهه من النظم الأخرى

المطلب الثانــــــي: أنــواع البطــــلان

الفرع الأول : البطلان المطلـــــق

الفرع: الثاني :البطلان النســــــــبي

المبحث الثانــــــي : سقوط الحق في البطــــلان

المطلب الأول: تعريف الإجــــــازة

الفرع الأول : شروط الإجـــــــازة

الفرع الثاني: آثار الإجـــــــــــازة

المطلب الثاني : التقـــــــــــــادم

الفرع الأول: مدة التقادم

الفرع الثاني: آثار التقادم

 المبحث الثالــــث: آثـــــار البطـــــلان

المطلب الأول: آثار البطلان بين المتعاقدين

الفرع الأول: الآثار العرضية للعقد الباطل

الفرع الثاني: الآثــــار الأصليـــــــــــــة

المطلب الثاني : آثار البطلان بالنسبة لغير المتعاقدين

الفرع الأول : المقصود بالغيـــــــــــــر

الفرع الثاني : قاعدة الأثر الرجعي للبطلان

 

خاتمــــــــــــــــــــــــــــة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمــــــــــــــة :

    العقد هو اتفاق بين شخصين أو أكثر يقوم على أساس التراضي ، وهذا التراضي كما قدمنا هو أساس كل عقد وهو ما أكدته المادة 59 من ق م ج ، و قيام هذا الركن بشكل صحيح تقوم على أساسه الأركان الأخرى و هي المتمثلة في المحل والسبب ، إضافة إلى ركن الشكلية في بعض العقود الأخرى ، وبتخلف هذه الأركان أو عدم قيامها بشكل صحيح كما نص عنه القانون يعني بطلان العقد .

فما المقصود بهذا المصطلح وما أنواعه وما هي آثاره على العقد ؟

 

المبحث الأول : مفهـــوم البطــــــلان .

  يقتضي تحديد مفهوم البطلان تعريفه لغة ثم اصطلاحا ثم تحديد أنواعه بشكل مفصل وهو ما نتعرض له في المطالب التاليـــــــــة .

المطلـــــب الأول: تعــــــريف البطــــلان .

 

    إن مصطلح البطلان له عدة تعريفات لذلك سندرك أهمها و أبرزها وسنقوم بشرحها وتحليلها وفي هذا المنطلق قسمنا هذا المطلب إلى فرعين الفرع الأول سنتعرف فيه عن المقصود بمصطلح البطلان لغة اصطلاحا أما الفرع الثاني فنتعرض فيه إلى تمييز البطلان عما يشابهه من النظم الأخرى .

الفرع الأول : تعريف البطلان لغة و اصطلاحــــا .

أولا: البطلان لغـــــة : يقصد بالبطلان لغة الفساد وسقوط الحكم ، فالعمل الباطل عمل ضائع أو خاسر أو عديم القيمة .[147]

  وجاء في فاكهة البستان (بطل الشيء يبطل بطلانا) بضمهن بمعنى ذهب ضياعا ، و بطل في حديثه يبطل بطالة هزل .[148]

  كما جاء أيضا بطل بطلا و بطولا وبطلانا (أي فسد ، سقط حكمه ذهب خسرانا وضياعا فهو باطل بطلة الشيء بالباطل فهو مبطل الشيء ذهب به طباعا جعله باطل، الباطل صد الحق جمع أباطيل .[149]

 ومنه من قال أن البطلان هو سقوط الشيء لفساده ، والباطل ما لا ثبات له عند الفحص عنه ويتعدى بالهمزة فيقال "أبطله"، و "بطل" ذهب ضياعا وخسرانا .[150]

ثانيـــــــا : البطلان اصطلاحــــا : لقد تعددت تعاريف البطلان ، فقد عرفه الدكتور عبد الرزاق أحمد المنصور بأن بطلان العقد هو الجزاء الثانوي على عدم استكمال العقد لأركانه كاملة مستوفية لشروطها .[151]

   فيرى أصحاب هذا الرأي أنه العقد الذي لم يستجمع الشروط اللازمة لانعقاده ، وفي منطلق هذا الرأي يرى الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي " أن البطلان كجزاء هو في الواقع نظام ثانوي مواده اعتبار العقد ، أو التصرف الثانوي بوجه عام غير قائم بسبب اختلال تكوينــــــــــــه ".

   هو الجزاء الذي تخلفت فيه شرط من شروط الانعقاد وهي الرضا و المحل والسبب والشكل في العقود الشكلية فلا يكون لهذا العقد وجود قانوني ولا ينتج أي أثر[152].

كما ذهب الدكتور محمد جمال الدين زكي إلى أن البطلان جزاء صارم وضعه المشرع عند تخلف القواعد التي اوجب إتباعها في إبرام العقد أي انه لا ينتج عنه اثر ولا ينشأ عنه حق أو التزام .

   وفي نفس هذا المعنى يرى الدكتور توفيق فرج بأن البطلان هو " جزاء لتخلف عنصر في العناصر الأساسية سواء بتخلف ركن في أركانه أو شرط في شروط صحته" ويرى في نفس الرأي أيضا الدكتور أنور سلطان " .[153]

 ويذهب الأستاذ نصر الدين محمد زغلول إلى تبني فكرة أن البطلان هو انعدام للأثر الثانوي الذي ينبغي وضعه للفعل خسر إلى أن لغط إعلام الأثر الثانوي يعني أن البطلان جزاء لتخف الأوضاع التي تطلبها القانون .

     و رأى الدكتور جميل الشرقاوي ، بأن البطلان وصف يلحق التصرف الثانوي ذاته نتيجة عيب وليس جزاء وجيه إلى آثاره مباشرة ، و يلحق العيب بالتصرف إذا خالف قاعدة تتعلق بإبرام التصرف وينتمي إلى أن هذا الوصف يؤدي إلى عدم نفاذ التصرف .[154]

الفرع الثانـــــي: تمييز البطلان عن نظام الفسخ : سبق القول أن البطلان يرجع إلى تخلف  ركن في أركان العقد
أو اختلاله ، بمعنى أن هناك علة حيث إبرام العقـــــــــد .[155]

     كما يرد على عقد نشأ بشكل غير سليم قانونيا [156] ، أما النسخ فهو حل الرابطة العقدية حيث عد تتغير احد المتعاقدين لالتزاماتــــــــــه .[157]

     كما تعتبر نظرية البطلان أوسع من نظرية الفسخ فالفسخ لا يكون إلا في العقود التي تولد التزامات متبادلة أما البطلان فيمكن تطبيقه بغض النظر عن كون العقد ملزما لجانب واحد  أو جانبين وكذلك البطلان هو عدم الصحة وعدم  النفاد يلحق تصرفا لمخالفته لام راح نهي القانون . فهو نظام يؤدي لزوال العقد أما الفسخ فالعقد نشأ صحيحا غير أن احد طرفيه لم يقم بتنفيذ التزامه بعد إبرامه مما خول المتعاقد الآخر حق حل الرابطة العقدية حتى يتخلص من تنفيذ التزامه ، ولذلك نراه لا يكون إلا في العقد الملزم للجانين .

ثانيــــــا :تمييز البطلان عن نظام عدم النفاد : يتميز البطلان عن عدم النفاد لكون العقد الباطل منعدم الوجود ثانويا بالنسبة للمتعاقدين نفسيهما وبالنسبة للغير كذلك ، أما في حالة عدم النفاد العقد فهو موجود ثانويا وصحيح بين المتعاقدين ومنعدم بالنسبة للغير .[158]

  نعني بعدم النفاذ عدم الاحتجاج بآثار العقد في مواجهة الغير ويتفرق البطلان عن عدم النفاذ في أن الأول يتمسك به احد طرفي العقد بينما لا يتمسك بعدم النفاد إلا من هو من الغيـــــــــر .

  كما يتفرق البطلان من عدم النفاذ في أن الأول لا يرتب آثاره بين طرفي التعاقد ولا بالنسبة للغير ، بينما عدم النفاذ ينشأ العقد صحيحا يرتب آثاره بين متعاقديه لكنه لا يرتب هذه الآثار في ذات الغيــــر.

والبطلان إذا كان مترتبا على عدم توافر صحة العقد يرتفع عن طريق الإجازة الصريحة أو الضمنية، أما عدم النفاذ فينتهي عن طريق إقرار الغير للعقد ، كإقرار بيع ملك الغير بمعرفة المالك الحقيقي (المادة 398/1 ق.م ج) .

 

المطلب الثانــــي: أنــواع البطـــــــــلان .

   للبطلان أنواع لذا سنتطرق إلى النوع الأول من البطلان ألا وهو البطلان المطلق الذي نظمه المشرع الجزائري في المواد من 99 إلى 102 ، و النوع الثاني سنتعرف فيه على البطلان النســـــبي الذي نجده في المواد في 103 إلى 105 من القانون المدني الجزائــــري .

الفــــرع الأول : البطلان المطلـــــــق .

    يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا إذا لم يستوف كل أركانه ، أو تخلف شرط المشروعية كأن يكون المحل أو السبب غير مشروعين أو أحدهما ، ففي هذه الحالة قد ينعقد العقد لكونه استكمل أركانه ، إلا انه يكون باطلا بطلانا مطلقا لعدم مشروعية المحل أو السبب .

   البطلان المطلق معناه أن العقد لم ينعقد صحيحا فيجوز لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان ، ولا يترتب على العقد الباطل بطلانا مطلقا  أي إمكانية لتصحيحه بالإجازة  أو التقادم .[159]

    ويكون العقد باطلا إذا لم يتوفر ركن أو أكثر من أركانه (المحل أو السبب) ، أو يكون التراضي فيه منعدم أو مشوب بعيب من عيوب التراضي ، يكون محل العقد فيه مستحيلا أي غير ممكن الوجود أو غير معين أو غير مشروع لمخالفته للنظام العام والآداب العامة . كما قد يكون سبب بطلان العقد انعدام ركن الشكلية في العقود الشكلية التي فرضها المشرع كعقد الشركة أو الرهن الرسمي أو عقد بيع العقار .

   يترتب البطلان المطلق بنص في القانون المادة 92/2 ببطلان التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة حتى ولو كان برضاه "...غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون " ، وكذلك نص القانون على بطلان بيع الوفاء في ذلك نص المادة 396 ق م ج "... يكون البيع باطلا إذا احتفظ البائع يوم البيع بحق استرداد الشيء المبيع في أجل معين ...".

   البطلان المطلق لا ترد عليه الإجازة ولا يسقط الحق في طلب بطلانه إلا بعد مرور مدة التقادم 15 سنة . لكن مع ذلك فإنه لا يمكن أن يصبح صحيحا مهما مضى من الزمن لأنه عقد معدوم والعدم لا يخلق شيئا . [160]

 

الفـــــرع الثانــــي: البطـــــلان النسبــــــي .

        البطلان النسبي ينعقد العقد فيه صحيحا ، و يبطل كذلك ما لم يطعن المتعاقد في صحته ويكون العقد باطلا نسبيا أو قابلا للبطلان ، إذا كان رضى المتعاقد مشوبا بعيب في عيوب التراضي كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو الغبن أو كان المتعاقد ناقص الأهلية وعلى عكس البطلان المطلق ، فان البطلان النسبي تخلفه الإجازة والتقادم ، فمن هذه الحالة يعود العقد صحيحا مالم يطعن في صحته المتعاقد الذي كان رضاه معيبا أو كان البطلان النسبي مقررا لمصلحته .[161]

   وقد حدد القانون مدة المطالبة بالإبطال بمضي 10 سنوات  من يوم انعقاد العقد ، وذلك طبقا لما جاء بالمادة 107  يشرط أن في الإبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال 5 سنوات ..." ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ، وفي حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي يكتشف فيه ، وفي حالة الإكراه من يوم انقطاعه ، غير أنه لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت 10 سنوات من وقت تمام العقد..." .

    وتنص المادة 99 من ق م ج بأنه " إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حق في إبطال، فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق ..."

  كما تنص المادة 100  أيضا " يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد، دون إخلال بحقوق الغيــــر ...".

 

 

 

المبحث الثانــــــي: سقـــوط الحــق في البطـــــلان .

 

  سوف نركز في هذا المبحث على أساسيين ألا وهما الإجازة ثم التقادم .

 

المطلـــــب الأول : الإجــــــــــــــــــــــــــــــازة .

   نصت المادة 100 مدني "يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة ، أو الضمنية ، وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ، دون الإخلال بحقوق الغير ...".

 والإجازة هي تصرف قانوني من جانب واحد يتنازل بموجبه المتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته عن حقه في إبطال العقد والذي يجبر العقد هو وحده في تثبيت له حقه التمسك بالبطلان، فناقص الأهلية ومن شاب رضاه عيب هما اللذان تصدر عنهما الإجازة ، وينبغي في هذا المقام التنويه إلى ضرورة التميز بين الإجازة والإقرار وهذا الأخير عمل قانوني أيضا لكنه يصدر عن غير المتعاقدين بجعل العقد نافذا في مواجهته بخلاف الإجازة التي تصدر من المتعاقد نفسه .[162]

   والإجازة هي تنازل المتعاقد عن حقه في طلب إبطال العقد ، فهي تصرف قانوني من جانب واحد يتنازل بمقتضاه المخير عن حقه في إبطال العقد .[163]

و الإجازة نوعان : صريحـــــة وضمنيــــــــــة .

أولا: الإجازة الصريحة : تكون الإجازة صريحة إذا انصرفت إرادة المخير إلى إجازة العقد ، فيقوم بالتصرف القانوني بقصد التنازل عن حقه في إبطال العقد ، فيكون الغرض من هذا التصرف هو التنازل لا غير وقد يتم هذا التصرف كتابة أو كلاما أو حتى بالإشارة ... الخ .[164]

ثانيــــــا: الإجازة الضمنية : عندما تنصرف إرادة المتعاقد إلى أمر آخر بفهم منه بأنه قد تنازل عن حقه في إبطال العقد كان يقوم المتعاقد بتنفيذ العقد لا إجازته ، ولكن بما أن العقد قابل للإبطال ومع ذلك أشرف على تنفيذه فيفهم من هذا الموقف أن المتعاقد قد تنازل عن حقه في إبطال العقد[165].

   ويقع عبء إثبات الإجازة للعقد على الطرف الآخر وليس على من أجاز العقد ، وله في ذلك أن يقيم الدليل على وقوعها بجميع الطرق كالبينة أو القرائن .

    ولكن إذا وقعت الإجازة فهل لها أثر رجعي ؛ وبعبارة أخرى ، إذا أجاز لمن تقرر له حق إبطال العقد ، فهل يعتبر العقد صحيحا من وقت انعقاده أو من وقت تاريخ الإجازة ؟ لقد أجابت المادة 100 ق م ج على هذا السؤال بالقول "وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير " وهذا يعني أن الإجازة لها أثر رجعي بنص القانون يعود إلى وقت انعقاد العقد وهو ما ذهب إليه بعض الفقهاء أيضا .

    أما عبارة المادة 100 " دون إخلال بحقوق الغير " فتعني أن الإجازة إذا وقعت يجب ألا تمس من حقوق الغير التي نشأت قبل وقوعها ، ويقصد بالغير الخلف الخاص الذي اكتسب على المال حقا عينيا أو تلقى ملكية الحق ذاته قبل الإجازة . [166]

المطلــــب الثانـــــــــي : التقــــــــــادم .

    الفرع الأول : دعوى البطلان المطلق : تقضي الفقرة الثانية من المادة 102 ق م ج بأنه " تسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد " فالتقادم الذي تقرره هذه المادة هو تقادم مسقط للحق في التمسك بدعوى البطلان بالنسبة للعقد الباطل بطلانا مطلقا ؛ بحيث لا يجوز لمن تقرر لمصلحته البطلان المطلق أن يرفع دعوى بطلان العقد إذا مضت خمس عشرة سنة من تاريخ إبرام العقد ، فإذا سلم المشتري ثمن المبيع إلى البائع وكذلك سلم البائع الشيء المبيع إلى المشتري وهذا بناءا على العقد الباطل ثم مضت خمس عشرة سنة على تاريخ إبرام العقد لا يستطيع كل من البائع أو المشتري رفع دعوى بطلان العقد بسبب سقوطها بالتقادم .

   لكن هل معنى هذا أن يصير العقد الباطل بطلانا مطلقا عقدا صحيحا بعدما كان باطلا لسقوط دعوى البطلان ؟ الإجابة بالنفي لأن العقد الباطل بطلانا مطلقا هو عقد معدوم مهما مضى من الزمن ، إنما القانون أخضع دعوى البطلان للأحكام العامة بالنسبة للدعاوى والحقوق بصفة عامة .

الفرع الثانــي : دعوى البطلان النسبـــــي : تقضي المادة 101 ق م ج على أنه " يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال عشر سنوات " فهكذا نرى بأن دعوى إبطال العقد القابل للإبطال تسقط إذا لم يتمسك من تقررت لمصلحته بحقه في إبطال العقد وبهذا يستقر العقد ويزول الخطر الذي كان يهدده بالانهيار وتظل جميع الآثار التي ترتبت عليه ، وتبدأ مدة التقادم بالنسبة لناقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ، أما إذا كان العقد قابلا للإبطال بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه ففي حالة اكتشاف الغلط أو التدليس فتبدأ مدة العشر سنوات من يوم هذا الاكتشاف أما بالنسبة للإكراه فتبدأ من يوم انقطاعه وإذا لم يكتشف الغلط أو التدليس ولم ينقطع الإكراه فإن الحق بطلب إبطال العقد يسقط بخمس عشرة سنة من يوم انعقاد العقد . [167]

المبحــث الثالــــث : آثـــــــــار البطــــــلان .

سوف نتناول بالدراسة آثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين أولا ثم بالنسبة للغير .

المطلب الأول : أثـار البطلان بالنسبة للمتعاقديـــــــن .

    سواء كان البطلان وقت الانعقاد أو انه تقرر لعقد للإبطال فالبطلان منعدم ، ومن ثم فلا اثر للعقد ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد وذلك طبقا لنص المادة 103/1 من التقنين المدني الجزائري "... يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد ، في حالة بطلان العقد أو إبطاله بأن هذا كان مستحيل جاز الحكم بتعويض معادل " .

    إلا أن القانون قد رتب آثار عرضية للعقد الباطل ووصفه كواقعة مادية ورتب آثارا أصلية على العقد الباطل باعتباره تاما حكما ذلك لاستقرار المعاملات .

الفــــرع الأول : الآثار العرضية للعقد الباطل .

    العقد الباطل ليس علاقة قانونا كعقد إذا هو لا وجود له ، لكنه عمل مادي أو واقعة قانونية وهو بهذا المثابة قد ينتج اثر قانونيا ليس هو الأثر لا على الذي يترتب على العمل القانوني باعتباره عقدا، بل هو اثر عرضي يترتب على العمل المادي فاعتباره واقعة قانونية .[168]

  ومع ذلك فانه إذا كان العقد الباطل يعتبر كان لم يكن ويعود الطرفان إلى ما كان عليه قبل العقد وان هذا الأثر يترتب بالنسبة المتعاقدين وبالنسبة للغير، فان هناك استثناءات ترد في الصدد إذ قد تترتب على العقد الباطل بعد الآثار كما قد ترتب آثار بمناسبته وفي هذه الآثار ما قد ترتب على العقد بصفة أصلية ومما باشرت بحقه عرضة .[169]

الفـــرع الثانــــي : الآثـــــار الأصليـــة للعقــــد الباطـــــــل .

       تترتب على الآثار الأصلية للعقد الباطل بوصفه تصرفا قانونيا غير موجود بحكم القانون ، وهذا من أجل حماية الغير حسن النية ؛ مثال ذلك : العقد الصوري فهو يعتبر عقدا قائما بالنسبة للغير حسن النية ، أعمال الإدارة كالإيجار ، تطبيق مبدأ " الخطأ الشائع " في حالة الوارث الظاهر ، الدائن الظاهر ، الوكيل الظاهر استثناءا فنجد بأن القضاء في تلك الأمثلة جميعا يطبق شروط العقد الباطل بصفة استثنائية ، ويعتبر هذا الاستثناء في قاعدة قانونية أخرى هي قاعدة عدم جواز قضاء التصرف في حق الغير .[170]

المطلب الثانــــــي: آثار البطلان بالنسبة لغير المتعاقدين .

   يترتب على بطلان العقد أو إبطاله انعدام آثاره ، حيث يزول العقد وتزول كافة الآثار التي رتبها منذ إبرامه لا منذ إبطاله عملا بفكرة الأثر الرجعي .[171]

     وسنتطرق إلى آثار البطلان بالنسبة لغير المتعاقدين في فرعين ، نخصص الفرع الأول المقصود بالغير والفرع الثاني لقاعدة الأثر الرجعي للبطلان .

الفـــــرع الأول : المقصود بالغيـــــــــر:

     لا يقتصر أثر بطلان العقد على المتعاقدين فحسب بل يمتد إلى الغير ، لأن للبطلان اثر مطلق بالنسبة للكافة ، غير انه الملاحظ هنا هو أن المقصود بالغير ههنا ليس الأجنبي عن العقد أيا كان ، بل المقصود به الأشخاص الذين لهم حقوق تتأثر بصحة العقد أو ببطلانه ، وبعبارة أخرى هم الخلف الخاص للمتعاقدين والخلف الخاص موالين بخلف المتعاقد في عين معينة بالذات، أو في حق عيني عليه ، فالمشتري هو الأصل الخاص للبائع والمنتفع هو الخلف الخاص للمالك في حق الانتفاع .

الفــــرع الثانــــــي : قاعدة الأثــــــر الرجعي للبطـــــلان .

     القاعدة أن البطلان له اثر رجعي ليس في علاقة المتعاقدين فقط ، بل وبالنسبة للغير أيضا ، فإذا باع "أ" أشياء إلى "ب" ثم جاء "ج" ، معتمدا على أن البيع صحيح و اشترى حق الدين هو في ذمة "ب" ثم أبطل بعد ذلك عقد البيع الأول ( بين أوب ) فان مؤدى إعمال اثر البطلان هو انهيار البيع بأثر يستند إلى الماضي ، أو إذا كان "ب"لم يملك الشيء وحين باع "ج" باع له ملك الغير وهو "أ" على أساس انه يملك الشيء لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، وعلى ذلك يسقط البيع الثاني (بين ب و ج) وكذلك إذا رتب "ب"لحقا من الحقوق على شيء و ليكن عقارا ، كالرهن أو الإيجار ، فإنها تعتبر صادرة من غير مالك .

     والواقع أن إطلاق قاعدة الأثر الرجعي للبطلان تؤدي إلى عدم استقرار المعاملات المدنية و إلى الإضرار بالثقة و الإئتمان ، خاصة إذا كان الخلف الخاص حسن النية ، أي لا يعلم أن هذا التصرف مهدد بالإبطال أو باطل ، وواضح أيضا أن العدالة تقضي بحماية الغير حسن النية من تاريخ البطلان من مجمل الأضرار الجسيمة التي قد تلحق بهم ، بل أن الصالح العام نفسه ، يقضي بتلك الحماية ، ضمانا للائتمان العام وحفاظا على الثقة التي يجب أن تكون بين المتعاقدين .

الخاتمــــــــــــــة :

     وختاما لما سبق فإن الحفاظ على الثقة و الائتمان لا بد وضع ضوابط قانونية يخضع لها كل متعاقدين بدون استثناء لأجل ذلك كانت ضرورة إبطال العقود التي تشوبها نقائص أساسية في صحة العقود ، وذلك من أجل تعسف طرف أخر، أو وجود عقود لاستجيب لما أقره المجتمع من نظام عام آداب عامة ، وحتى لا يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالح ذاتية دون مراعاة أدنى التزام ، وحتى يكون الجميع سواسية أمام قانونية جاز لكل طرف تجاوز في استعمال حقه بطرق يحددها القانـــون .

البحث السابع : قواعــــد تحديــد موضـــوع العقــــد .

 

خطـــــــة البحــــــث :

مقدمــــــــــــــــــــــــــــــة :

المبحث الأول : تحديد مضمون العقد .                               

المطلب الأول :تفسيــــر العقـــــــد .                                          

الفرع الأول : المقصود بتفسير العقد .                                   

الفرع الثانـــــي : حالات تفسير العقد .                                     

 

المطلب الثانـــــي : تكييـــــف العقــــــد .                                         

الفرع الأول : المقصود بتكييــف العقــــد .

الفرع الثاني : ضوابط تكييف العقد .

 

المبحث الثانـــــي : تحديد نطاق العقد و تنفيذه .

المطلب الأول : تحديد نطاق العقد                                           

الفرع الأول : المقصود بتحديد نطاق العقد                                   

الفرع الثاني : العوامل التي يسترشد بها القاضي في تحديد نطاق العقد        

 

المطلب الثانـــــي : تنفيذ العقــــــــــد                                                        

الفرع الأول :نظريـــة الظروف الطارئـــــــة .                                             

الفرع الثانـــــــــي : شروط تطبيق النظريـــــــة .    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمــــــــــــــــــــــــــــــة :

      يعد العقد أهم مصدر  من مصادر الالتزام ، و العقد كما عرفه الفقهاء هو توافق إرادتين من أجل إحداث أثر قانوني بتراض بين الطرفين تتوافق إرادتهما بالتعبير ، إلا انه قد يجعل خلاف بين المتعاقدين بسبب الغموض أو اللبس لأجل هذا أعطى المشرع مكانة خاصة لتفسير العقد ، ووضع لها مجموعة من القواعد القانونية التي تساعد لقاضي في تحديد مضمون العقد . ومن هنا تتبادر إلى أذهاننا الإشكالية المتعلقة بهذا الموضوع المتمثلة في : كيف يتم تحديد مضمون العقد ، وما هي العوامل التي تساعدنا على ذلك ؟

 

المبحث الأول : تحديد مضمون العقـــــد .

سوف نتطرق في هذا المبحث إلى مسألتين أساسيتين هما تفسير العقد أولا نبين من خلالها المقصود بتفسير العقد ثم حالاته ، ثم نبين في مرحلة ثانية تكييف العقد نحدد من خلاله المقصود بالتكييف ثم بين بكل دقة ضوابطه .

المطلب الأول : تفسيــــر العقــــد .

   إن تفسير العقد هو تحديد ما انصرفت إليه الإرادة المشتركة للمتعاقدين ومن ثم يجب على القاضي الذي عرض عليه النزاع التأكد من توفر شروط انعقاد العقد وصحته القانونية, ثم البحث في معرفة مضمون العقد الذي يجب تنفيذه .

الفرع الأول : المقصود بتفسير العقـــــد .

      تفسير العقد من عمل القاضي فهو الذي يهيمن على هده العملية الدقيقة ، غير أن المشرع لم يترك للقاضي كامل الحرية في شأن تفسير العقد ، بل ألزمه بإتباع قواعد معينة لضمان عدم خروجه على مهمته الأصلية إلى تعديل العقد .[172] 

     ويتبين من نصوص المادتين 111 و 112 ومن القانون المدني أن هناك حالات ثلاثة للعبارات الواردة في العقد يمكن أن تعرض للقاضي في خصوص التفسير .[173]

الفـــــرع الثانــــي : حالات تفسير العقـــــــد .

أولا : حالات وضوح عبارات العقد :

    إذا كانت عبارات العقد واضحة جالية فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين وهو ما تضمنه نص المادة 111 من القانون المدني الجزائري ، فطالما كانت إرادة المتعاقدين قد توضحت في عبارات العقد .

ودب التقيد بها و لزم أن تعد تعبيرا صادقا عن إرادتهما المشتركة بعيدا عن كل تفسر أو تأويل ، وينظر في هذه الحالة إلى العقد كوحدة واحدة متكاملة الأحكام ، متصلة الأجزاء ، وعليه فإنه في حالة وضوح عبارة العقد لا يجوز للقاضي الانحراف عن هذا التعبير بحجة التفسير .[174]

ثانيـــــا : حالة غموض عبارات العقـــــــــــــد .

    إذا كانت عبارة العقد غير واضحة ، بان كانت غامضة  أو متناقصة أو تحمل في جزئياتها أو في جملتها أكثر من معنى أو مبهمة ، تعين على القاضي وفقا للمادة 111 من القانون المدني أن يلجأ إلى تفسيرها حتى يزيل الغموض ويهتدي إلى الإرادة المشتركة للمتعاقدين وفي هذه الحالة يجب على القاضي تفسير العقد بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين وكشف الإرادة المشتركة للمتعاقدين - ليس الإرادة الفردية لكل منهما - دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ، بل يجب أن يعتد بطبيعة التعامل و بالغرض الذي يظهر بان المتعاقدين قد قصداه ، وبما يقتضي عرف التعامل و العرف الجاري في المعاملات من تبادل الثقة و الأمانة الواجب توافرهما بين المتعاقدين .[175]

ثالثـــــا : حالات الشك في معنى العبارة الغامضـــة .

   إذا اكتنف الغموض عبارات العقد و تعذر على القاضي التعرف على الإرادة المشتركة للمتعاقدين بالرغم من إعمال قواعد التفسير السابقة الذكر ، تعين عليه في هده الحالة الأخذ بقواعد العدالة وحسن النية ، ومن هده القواعد ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 112 من القانون المدني من انه يفسر الشك في مصلحة المدين ، وهذا انطلاقا من أن الثابت هو براءة الذمة حتى يثبت أنه مدين ، بالإضافة إلى انه الطرف الأجدر بالحماية لأنه الجانب الضعيف في العقد .

كما انه طبقا للمادة 112 من القانون المدني فأنه في عقود الإذعان يتعين تفسير الشك في مصلحة الطرف المذعن دائنا كان أو مدين ، تأسيا على انه الطرف الضعيف اقتصاديا ، دلك لأنه من المفروض أن الطرف الآخر هو الذي يستقيل .[176]

المطلب الثانــــــي : تكييـــــف العقــــــــــــد .

الفـرع الأول : المقصود بتكييف العقــــــــــد .

  يقصد بتكييف العقد تصنيفه وتعيين أنواعه من بين العقود المسماة ، كأن يكون عقد بيع أو عقد الإيجار أو مقايضة ، أو انه عقد غير مسمى ، وتعتبر عملية تكييف العقد عملية قانونية يقوم بها القاضي حتى يتمكن من تحديد القواعد الأمرة و المكملة الواجب تطبيقها .[177]

    فإذا كانت العملية العقدية التي أقدم عليها المتعاقدان هي من العقود المسماة ، فتحكمها القواعد العامة التي تسري على كل العقود ( المواد 54 إلى 123 ق م ج ) بالإضافة إلى القواد الخاصة التي تنظم كل عقد على حده ، كأن يكون عقد بيع (من المادة 351 إلى 412 ق م ج ) أو عقد إيجار ( من المادة 467 إلى 537 ق م ج ) أو عقد الوكالة ( من المادة 575 إلى 585 ق م ج ) ، و أما إذا كانت عملية العقدية التي باشرها المتعاقدين لا تتوفر على مواصفات أي عقد من العقود المسماة ، فنكون بصدد عقد غير مسمى تطبق عليه القواعد الأمرة والتي تسري على كل العقود المدنية .[178]

  الفـرع الثانـــــي : ضوابط تكييف العقــــــــــد .

   أولا : عدم تقييد القاضي بتكييف المتعاقدين : فعند قيام القاضي بتكييف العقد فإنه لا يتقيد مطلقا بما يصنفه المتعاقدان من تسمية للعقد الذي أبرماه فقد يكونا مخطئين أو يعهدان لستر عقد آخر ، وكثيرا ما يعهد الخصوم إلى إخفاء أغراض غير مشروعة ، وإذا فالقاضي هو المكلف بتكييف عقود الخصوم ويصفها الوصف الصحيح طبقا لأحكام القانون .

ثانيـــــا : التكييف مسألة قانونيــة : التكييف عملية قانونية يقوم بها القاضي من تلقاء نفسه حتى يمكن تطبيق أحكام العقد محل التصرف سواء ما كان من هذه الأحكام أمرا يطبق على الرغم من إرادة المتعاقدين أو مكان تكميلا لإرادتهما

في حالة عدم تضمين اتفاقهما مسألة من المسائل سواء عن طريق القصد أو عن غير قصد ، و القاضي في قيامه بتكييف العقد يخضع لرقابة محكمة النقض ، إذ أننا بصدد مسؤولية قانونية ، ومن هذا يتضح أن التكييف وسيلة لتحديد مضمون العقد إذ يضعه في إطار القانوني الذي يسمح في بيان أثره .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثانـــــي : تحديـــد نطـــاق العقــد وتنفيـــذه .

المطلب الأول: تحديد نطاق العقد

بعمليتي التفسير والتكييف يتحدد مضمون العقد

الفـــــرع الأول : المقصــــود بتحديـــد نطـــاق العقــــــد .

   يتم تحديد نطاق العقد أولا على أساس ما ارتضاه الطرفان بالفعل وما يعتبر القانون أنهما ارتضياه حكما ، وقد نصت لمادة 107 من القانون المدني، في هذا الخصوص على انه ( يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبحسن النية ولا يقتصر العقد على التزام المتعاقد بما ورد فيه، فحسب ، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام .[179]

الفرع الثاني: العوامل التي يسترشد بها القاضي في تحديد نطاق العقد .

   يتضح من نص المادة 107 من القانون المدني أن مضمون العقد و نطاقه لا يتحددان فقط بما اتجهت إليه النية المشتركة للمتعاقدين بل يسترشد القاضي في تحديد مستلزمات العقد بعوامل ذكرها القانون على سبيل الحصر، فالآثار المترتبة عليه حتى يقوم كل متعاقد بالتزاماته وعوامل هي :

أولا : طبيعة الالتزام :

يقتضي من القاضي أن يستكمل نطاق العقد، بما تفرضه طبيعة وفقا للقانون والعرف والعدالة .

ثانيا : القانون في أحكامه التكميلية المفسرة :

فالقاضي يرجع إلى الأحكام التكميلية والمفسرة في المسائل التي تركها المتعاقدين .

ثالثا: العرف يكمل العقد :

إذا كان العرف في عوامل تفسير العقد فانه أيضا يكون عاملا في تحديد نطاقه وذلك جليا في مسائل التجارية والمعاملات البحرية .

رابعا : العدالة تكمل العقد : فقد استرشد القاضي العدالة للاستكمال العقد ومثال على ذلك التزم البائع المنتج بعدم منافسة المشتري وذلك للامتناع عن انتزاع عملاء المتجر. [180]

المطلــــب الثانـــــي : تنفيـــــــــذ العقــــــــــــــد .

الفرع الأول: نظريـــــة الظــــروف الطارئــــــة .

      تنص الفقرة الثالثة للمادة 107 على نظرية الظروف الطارئة ، فالأصل أن العقد شريعة المتعاقدين ويجب كل منهما أن ينفذ التزاماته الناشئة من بأمانة وحسن النية ، وغير أنه قد تجد خلال تنفيذ العقد ظروف استثنائية عامة ولم تكن متوقعة عند انعقاد العقد تجل تنفيذ التزامات احد المتعاقدين مرهقا ، يهدد بخسارة فادحة فتقضي العدالة التوازن في التزامات المتعاقدين ، ومن هنا نشأت نظرية الظروف الطارئة المستمدة من القانون البولوني والقانون المدني الايطالي الجديد، ولقد أخذ بها القانون القضاء الإداري ، ومنها القانون الجزائري .

الفرع الثانـــــي: شـروط تطبيـــق النظريــــة :

يشترط لتطبيق هذه النظرية ثلاثة شروط هي :

أولا: أن يكون تنفيذ العقد والالتزامات المترتبة عليه، يستلزم فترة من الزمن ، واغلب ما يكون ذلك في العقود الزمنية التي تنفذ الالتزامات فيها فترات متعاقبة من لمن والمهم هو أن تفصل بين انعقاد العقد وتنفيذ الالتزامات فترة زمنية فلا تطبيق هذه النظرية إذا كان قد تم تنفيذ الالتزامات فوريا ، وتأخر المدين في تنفيذها بخطئه أو بإهماله حتى حدثت الظروف الطارئة .[181]

ثانيا: أن تكون بعد انعقاد العقد ظروف استثنائية عامة لم تكن متوقعة عند إبرام العقد، فإذا كانت عادية تحدث دائما فلا تدخل في مفهوم الظروف الاستثنائية ، مثال ذلك ما يحدث في مصر سنويا من تعرض الزراعة القطن للدودة ، والظروف الاستثنائية كالزلازل أو فيضان غير عادي أو غارة جراد أو انتشار وباء .

ثالثــــا: أن يكون من شأن هذه الظروف أن تجعل تنفيذ العقد أو بالأحرى التزامات أحد المتعاقدين مرهقا بحيث يهدده بخسارة فادحة . بمعنى آخر أن تكون هذه الظروف عامة لا خاصة بالمدين ، ومثال الظروف العامة للحرب أو وباء، أما ظروف المدين الخاصة ، ولو كانت استثنائية ، مثل حريق شب في محصوله ، فلا نؤخذ في مفهوم الظروف الطارئة، وكذلك الإفلاس المدين أو موته أو كساد أعماله ، كل هذه ليست ظروف عامة .

أن تكون هذه الظروف غير متوقعة عند التعاقد ولا كان من الممكن توقعها فمثلا ارتفع أسعار مواد المعيشة أو تقلب أسعار العملة .[182]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                       

 

 

 

 

البحـــــث الثامـــــــن : فســـــــــخ العقـــــــــــــــــد .

خطــــة البحث :

مقدمــــــــــــــــــــــــــــــة

المبحـــــث الأول: مفهوم فســخ العقــــد

المطلب الأول: تعريف فسخ العقد

المطلب الثاني: شروط فسخ العقــــد

المطلب الثالث: آثار فسخ العقـــــــــد

المبحث الثاني: حالات فسخ العقـــــد

المطلب الأول:  الفسخ الرضائــــــــي

المطلب الثاني:  الفسخ القضائـــــي

المطلب الثالث: الفسخ بحكم القانون

المبحث الثالث: مفهوم الدفع بعدم التنفيذ

المطلب الأول: تعريف الدفع بعدم التنفيذ

المطلب الثاني: شروط المطالبـة بالدفع بعدم التنفيذ

المطلب الثالث: آثار الدفع بعدم التنفيذ

خاتمـــــــــــــــــة

مقدمــــــــــــــــة :

     سبق أن عرفنا بأن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني ، ويجب على المتعاقدين تنفيذ الالتزامات المترتبة على العقد ، فإذا لم يقم احد العاقدين بتنفيذ التزامه جاز لطرف الآخر أن يطلب فسخ العقد ؛ أي حل الرابطة العقدية ليتخلص من الالتزامات التي فرضت عليه ، ويمكن أيضا لكل متعاقد أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم بــــه .

فكيف يتم فسخ العقد ، و ما شروطه ، وما هي الآثار الناتجة عن هذا الفسخ ؟

المبحث الأول : مفهوم فسخ العقــــد .

الفسخ نظام قانوني وهو يتمثل في الجزاء على عدم قيام احد العاقدين لما رتبه العقد من التزامات في ذمته ، 

المطلب الأول : تعريف فسخ العقــــــد .

  هو انحلال الرابطة التعاقدية بأثر رجعي ولا يكون إلا في العقود الملزمة للجانبين أي تلك التي يلتزم فيها كل متعاقد تجاه المتعاقد الآخر على وجه التبادل بمقتضى الاتفاق المعقود بينهما .[183]

    وفيما يتعلق بالفسخ نصت المادة 119 من القانون المدني على أنه " في العقود الملزمة الجانبين إذا لم يوف احد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقدين الآخر بعد اعذراه المدين أن يطالب تنفيذ العقد أو فسخه مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك " .

المطلب الثانـــــي : شــــروط فســــخ العقـــــد .

   ليتم فسخ العقد لا بد من توفر الشروط الأربعة الأساسية للفسخ : و هي أن يكون العقد ملزما للجانبين ، عدم قيام احد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ، وفاء طالب الفسخ بالتزامه ، و إعذار الطرف المطالب بالفسخ .

الفرع الأول : أن يكون العقد ملزما للجانبين : لا يتصور الفسخ إلا في العقود الملزمة للجانبين فهو مبني على فكرة عادلة يراد بها أن يسمح للطرف الذي لم يحصل على حقه المقرر له بمقتضى العقد أن يتحلل هو مما التزم به في هذا العقد .

الفرع الثانـــــي : عدم قيام احد المتعاقدين بتنفيذ التزامه : يشترط في طالب الفسخ أن يثبت بأن الطرف الآخر لم يوف بالتزامه سواء كان الوفاء كليا أو جزئيـــــا.

الفرع الثالــث : وفاء طالب الفسخ بالتزامــــه : أي يجب أن يكون طالب الفسخ قد نفذ التزامه أو مستعد لذلك وفي إمكانه إعادة الحالة إلى ما كان عليه إذا حكم بالفسخ

الفـرع الرابــــع : الإعــــــــــــــــذار : يجب إعذار الطرف الذي نطالبه بالفسخ عن طريق المحضر القضائي أو بأي وسيلة أخرى كافية لحصول هذا الإعذار ، بأنه إذا لم يتم تنفيذ التزامه خلال أجل معين ، فيمكن للطرف المتعاقد معه فسخ العقد مع تحميله هو الكافة الخسائر الناتجة عن ذلك والمصاريف ، وهو ما أكدت عنه المادة 119 بنصها على أنه "     " في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك ".

المطلب الثالـــــث: آثــــــــار فســــــخ العقــــــــــــــــــد .

     تنص المادة 122 ق م ج على أنه "إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز للمحكمة أن تحكم بالتعويض" فإذا فسخ العقد سواء بالاتفاق أو بحكم الفاصل أو الانفساخ بقوة القانون زال العقد بأثر رجعي يستند إلى يوم العقد، فيعتبر العقد كان لم يكن، ويعاد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها من قبل العقد ويزول العقد بأثر رجعي سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير .[184]

 

 

 

 

 

 

المبحث الثانـــــــي: حـــالات فســـــخ العقــــــــــد .

   تنقسم حالات فسخ العقد إلى ثلاث حالات أو أنواع و هي الفسخ الإتفاقي أو بالتراضي ثم الفسخ القضائي الذي يكون يحكم القاضي ثم الفسخ بحكم القانـــــــــــون .

المطلب الأول : الفســــخ الإتفاقــــــــــي .

     تنص عليه المادة 120 ق م ج مدني على أنه " يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخا بحكم القانون عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بمجرد عدم تحقيق الشروط المتفق عليها وبدو ن حاجة إلى حكم قضائي ، وهذا الشرط لا يعفي من الإعذار الذي يحدد حسب العرف عند عدم تحديده من طرف المتعاقدين ".

       يتبين من نص المادة أنه يجوز للمتعاقدين الاتفاق على فسخ العقد سواء كان ذلك قبل البدأ في تنفيذ العقد ، أو أثناء التنفيذ متى كان لهما مصلحة في ذلك ، حيث لا يتصور أن يقدم المتعاقدان على فسخ العقد إلا إذا كانت لهما مصلحة في ذلك ، وهما اللذان يقدرانها ، وكذلك يجوز الاتفاق على فسخ العقد إذا لم يقم أحدهما بتنفيذ ما التزم به في مواجهة الطرف الآخر .

       لكن الاتفاق على الفسخ لا يعفي من اللجوء إلى القضاء ، وإنما يجب رفع دعوى من الدائن يطالب فيها فسخ العقد لعدم التنفيذ إنما يلاحظ في هذا المقام أن حكم القاضي لا يعتبر حكما منشئا وإنما مقررا للفسخ ، وذلك لأنه وقع بحكم الاتفاق قبل رفع الدعوى بمجرد عدم التنفيذ ، وما على القاضي إلا أن يكشف هذا الفسخ بحكم قضائي . 3

المطلب الثانــــــــــــي: الفســــخ بحكــــم القانـــــــــــون .

    تنص المادة 121 على الانفساخ بقولها "في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه ، انقضت الالتزامات المقابلة له و ينفسخ العقد بحكم القانون  ".

   فقد لا يرجع عدم تنفيذ الالتزام العقدي إلى المدين ، وإنما إلى سبب أجنبي عنه لا يد له فيه كقوة قاهرة ، ففي هذه الحالة يترتب على استحالة تنفيذ الالتزام انقضاء الالتزام المقابل له وبالتالي انفساخ العقد بحكم القانون وهذا النوع من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 172 .

لا يحتاج إلى إعذار من الدائن للمدين ، لأن الإعذار عبارة عن تكليف المدين بالوفاء وهذا لا يكون إلا في حالة إمكان تنفيذ الالتزام عينيا ، أما في حالة ما يستحيل تنفيذ الالتزام بسب أجنبي عن المدين فلا يكون أمام الدائن فرصة مطالبة المدين بالتنفيذ .

  كذلك لا يحتاج هذا النوع من الفسخ إلى حكم القاضي لأنه يقع بحكم القانون لكن إذا اقتضى الحال اللجوء للقضاء من أجل التحقق من توافر السبب الأجنبي فإن دور القاضي يقتصر على هذا فقط دون أن يتعدى ذلك من الكشف عن وجود السبب الأجنبي ، وبالتالي فإن حكم القاضي بالفسخ لا يكون إلا حكما مقررا وليس منشئا .

    لكن تثور في حالة الفسخ بحكم القانون مسألة تحمل التبعة عند استحالة تنفيذ الالتزام بقوة قاهرة ، لأنه من المعروف أنه في العقود الملزمة للجانبين أن المدين هو الذي يتحمل تبعة هلاك العين بقوة قاهرة وأساس ذلك فكرة الارتباط بين الالتزامات المتقابلة فإذا هلك الشيء المبيع في يد البائع فإنه يتحمل تبعة الهلاك باعتباره المدين بتسليم هذا الشيء إلى المشتري ، وبالتالي ينقضي التزام المشتري بدفع الثمن أما في العقود الملزمة لجانب واحد فإن الدائن هو الذي يتحمل تبعة الهلاك كما في عقد العارية أو الوديعة . [185]

المطلب الثالـــث: الفســــخ القضائـــــي .

       نصت المادة 119 من ق م ج على أنه " في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك ، ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف ، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات ".

   كما تنص المادة 122 ق م ج على أنه " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا استحال ذلك جاز للمحكمة أن تحكم بالتعويض ".

   يعرف الفسخ القضائي بأنه ضرورة  اللجوء إلى القضاء المختص من طرف الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ للمطالبة بحل العلاقة التعاقدية لكي يحق له بعد ذلك التحلل من التزاماته نحو المتعاقد الآخر الذي لم يقم بتنفيذ ما رتبه العقد من التزاماته على عاتقه .[186]

المبحث الثالث: مفهـــوم الدفع بعدم التنفيــــذ .

   نبين في هذا المبحث المقصود بالدفع بعدم التنفيذ وما هو الفرق بينه وبين الفسخ ، ثم بعد ذلك نحدد شروط المطالبة بالدفع بعدم التنفيــــــــــذ .

المطلب الأول : تعريف الدفع بعدم التنفيــــذ .

        تقضي المادة 123 ق م ج بأنه " في العقود الملزمة للجانبين إذا الالتزام المتقابلة مستحقة الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذه ما التزم به ".

     فالدفع بعدم التنفيذ هو حق كل متعاقد في العقد الملزم للجانبين في أن يمتنع عن تنفيذ التزامه ، إذا لم يقم المتعاقد الآخر في نفس العقد تنفيذ ما عليه من التزام ، وهو بذلك يمهد إما إلى عدم تنفيذ الالتزام وإما إلى الفسخ ومن ثم يتصل بالجزاء الذي يترتب على القوة الملزمة للعقد . [187]

المطلب الثانـــــــي: شروط المطالبـــة بالدفع بعدم التنفيــــــذ .

يتضح من نص المادة 123 ق م ج أنه ينبغي أن تتوافر ثلاث شروط لإمكانية التمسك بالدفع بعدم التنفيذ هي :

الفرع الأول : أن يكون العقد ملزما للجانبيـــــــن :

     يتحدد نطاق الدفع بعدم التنفيذ وفقا لأساسه القانوني بالعقد الملزم للجانبين أي الالتزامات المتقابلة الناشئة عن العقود الملزمة للجانبين ، أما خارج هذا النطاق، تكون بصدد حق حبس لا الدفع بعدم التنفيذ ، فيجوز لكل منهما أن يحبس ما اخذ حتى يرد الآخر ما تسلمه منه .

الفرع الثانــي : أن تكون الالتزامات المقابلة مستحقــــــة الأداء :

    يشترط عند تمسك المتعاقد بالدفع بعدم التنفيذ أن تكون الالتزامات المتقابلة التي يتحملها كل متعاقد مستحقة الأداء وواجبة التنفيذ ، ويجوز هذه الحالة لكل متعاقد أن يدفع بعدم التنفيذ ما لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه ، وقد يقتضي حل هذا النزاع الرجوع إلى القاضي .[188]

    وليس للمتعاقد أن يدفع بعدم التنفيذ إذا كان التزامه قد حل أجله في حين أن الالتزام المقابل الذي يتحمله المتعاقد الآخر لم يحل أجله بعد ، كأن يكون المتعاقدان قد اتفقا على أن تنفيذ الالتزامات لا يتم في وقت واحد ، كما هو الحال بالنسبة للثمن المؤجل في البيع ، وقد تقتضي طبيعة العقد كذلك أن يكون تنفيذ الالتزامات المتقابلة الواحدة تلو الأخرى ، ومثل ذلك العقود الزمنية التي تتضمن أداءات دورية ، وقد يستخلص ذلك من العرف .... الخ

     لا يجوز كذلك الدفع بعدم التنفيذ إذا كان الالتزام مقترنا بأجل واقف طبقا للمادة 212 ق م ج ، أو سقط الالتزام بالتقادم فأصبح التزاما طبيعيا غير قابل للتنفيذ الجبري .

الفــــرع الثالـــث :  إخلال المتعاقـــــد بالتزامـــــــــه .

    سبق القول أن الغرض من الدفع بعدم التنفيذ هو تأجيل تنفيذ الالتزام الذي يتحمله المتعاقد الذي يتمسك بهذا الدفع إلى حين تنفيذ الالتزام المقابل، وهذا يفيد حتما امتناع المتعاقد الآخر عن تنفيذ التزامه ولا تشترط المادة 123 مدني أن يكون عدم التنفيذ كليا أو جزئيا ومن ثم يمكن الدفع بعدم التنفيذ ولو أخل المتعاقد الآخر هو المتسبب في امتناع المتعاقد عن تنفيذ التزامه، أو كان قد امتنع هو الأول عن تنفيذ التزامه، أو أن ما تأخر من تنفيذ التزامات المتعاقد الآخر يعد ضئيلا .[189]

المطلب الثالــــث: أثـــــــر الدفــــع بعدم التنفيــــــــــــــــذ .

     يترتب على استعمال الحق في الدفع بعدم التنفيذ إما أن يقوم المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه فيترك التمسك بهذا الدفع ، ويوم هو الحر بتنفيذ التزامه اختيارا أو يجبر على ذلك جبرا إذا لم يعد هناك مبرر لاستمراره في تمسكه بعدم التنفيذ بعد أن قام الطرف الآخر بتنفيذ التزامـــــــه .

·       آثار الدفع بعدم التنفيذ فيما بين المتعاقديــــــن :

-       إذا دفع المتعاقد بعدم التنفيذ فلا يستطيع المتعاقد الآخر إجباره على التنفيذ وفي نفس الوقت لا ينقضي هذا الالتزام ولا ينحل العقد .

·       آثار الدفع بعدم التنفيذ بالنسبة للغيـــــــر :

-       إذا كان هذا الغير قد اكتسب حقا بعد ثبوت الحق في التمسك بالدفع بعدم التنفيذ ، فلا تسري آثار الدفع بعدم التنفيذ في مواجهة هذا الغير إذا كان هذا الأخير قد اكتسب حقه قبل ثبوت الحق في التمسك بالدفع بعدم التنفيذ .[190]

 

 

 

 

   خاتمـــــــــة :

    ختاما نرى أن انحلال العقد يكون موجودا منتجا لآثاره بين طرفيه ولكنه بعد الوجود يزول وينعدم بسبب إرادي سمي الفسخ أو غير إرادي سمي الانفساخ والمبدأ العام في نتائج انحلال العقد سواء بالفسخ أو الانفساخ أنه يوجب إعادة المتعاقدين إلى سابق وضعهما قبل التعاقد وهذا المبدأ لا يسري على جميع العقود بصورة منتظمة لوجود عقود لا يمكن فيها إعادة المتعاقدين إلى سابق وضعهما قبل العقــــــــد .

 

 

 

 

 

 

قائمــــــــة المراجــــــــع :

 

    القوانيـــــــــــــــــــــن :

1- القانون المدني ، الأمر 75/59 المؤرخ في 26/09/1975 .

2-الأمر 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 المعدل للقانون المدني .

3- قانون 07/05 المؤرخ في 13 ماي 2007 المعدل للقانون المدني .

4- قانون التأمينات ، الأمر 95/07 المؤرخ في 25/01/1995 .

 

الكتــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :

1- علي فيلالي ، الالتزامــــات ، النظريـــــة العامـــــة للعقـــــد ، الطبعة الثالثـــــــة ،  موفم للنشـــــــر، الجزائــــــــــــر ، 2013 .

2- فاضلــــي إدريــــس الوجيـــــز في النظرية العامة للالتــــزام ، ديـــــوان المطبوعات الجامعيـــــــة ، الجزائــــــــــــــــر ، 2009 .

3- خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائــــــــر ، 1994 .

4-العربي بلحاج ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، الطبعة السادسة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائــــــر، 2008 .

5- علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائــر، 2005 .

6- علي علي سليمان ، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائــر، 2006 .

7-  محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون الحديث ، دار الهدى ، عين مليـــــلة ، الجزائــــــــر ، 2012 .

8- فرج علواني هليل ، البطلان في قانون المرافعات المدنية ، ( د، ط ) ، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ، مصر ، 2008 .

9- محمد السعيد جعفور ، نظريات في صحة العقد وبطلانـــــه في القانون المـــــدني و الفقه الإسلامــــــي ، دار هومــــــة ، الجزائـــــــــر ، د ت ن  .

10- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح قانون المدني الجديد ( نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام) المجلد الأول ، الطبعة الثالثــــــة ، القاهــــــــــــرة .

11- توفيق رضا فرج ، دروس في النظرية العامة للالتزام ، دون طبعة ،  مؤسسة النقابة الجامعية ، الإسكندرية ، مصر ، د ت ن  .

12- منصري السعدي شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالتزام ، التصرف الثانوي ، العقد و الإرادة المنفردة، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، دار الهدى ، عين مليــــــــلة ، الجزائــــــــــر ، 2004  .

13- حليم نوشي ، انحلال العقد ، دراسة تطبيقية حول عقد البيع وعقد التنازل ، الطبعة الأولى ، الدار الخلدونية للنشر والتوزيع ، الجزائـــــــر ، 2007 .

 



[1] علي فيلالي ، الالتزامات ، النظرية العامة للعقد ، الطبعة الثالثة ،  موفم للنشر، الجزائر ، 2013 . ص ص10، 11 .

[2] فاضلي إدريس الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائــر ، ص05 .

[3] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1994 ، ص7 .

[4] علي فيلالي ، المرجع السابق ، ص19 .

[5] فاضلي إدريس الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص19 .

[6] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص 15 .

[7] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص ص 18 ، 19 .

[8] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص9 .

[9] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص ص 22 ، 23 .

[10] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2015 ، ص 38 .

[11] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص ص26 ،27 .

[12] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 40 .

[13] علي فيلالي ،  الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص29 .

[14] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 44 .

[15] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص ص 40 ، 41 .

[16] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص17 .

[17] فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق  ، ص39 .

[18] فاضلي إدريس، المرجع نفسه ، ص ص 41 ، 42 .

[19] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص 218 .

[20] علي فيلالي ، النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق  ، ص45 .

[21] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق  ، ص 17 .

[22] فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص56 .

[23] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 72 .

[24]  فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 108 .

[25] خليل أحمد حسن قدادة ، المرجع السابق ، ص 73.

[26]  العربي بلحاج ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، الجزء الأول، الطبعة السادسة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر، 2008 ، ص42 .

[27] العربي بلحاج ، نفس المرجع ، ص43 .

[28] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص 18 .

[29] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنـون ، الجزائــر ، 2005 ، ص 21 .

[30] خليل أحمد حسن قـــدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص22 .

[31] علي علي سليمان ، النظرية العامـــة للالتــــزام ، المرجع السابــــق ، ص 24 .

[32] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص25 .

[33] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 19 .

[34] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص23 .

[35] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 12 .

[36] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات ، المرجع السابق، ص116 .

[37] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، ص 27 .

[38] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات ، المرجع السابق، ص116 .

[39] أنظر المادة 60 من القانون المدني الجزائــــــري .

[40] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني ، المرجع السابق ، ص 34 .

[41] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني ، المرجع السابق ، ص 35 .

[42] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص ص 137 ، 138 .

[43] محمد صبري السعدي ، المرجع السابق ، ص 83 .

[44] محمد صبري السعدي ، المرجع نفسه ، ص 84 .

[45] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 139 .

[46] محمد صبري السعدي، المرجع السابق، ص88 ، و أنظر كذلك بلحاج العربي ، المرجع السابق ، ص ص 140 و 141 . 

[47] محمد صبري السعدي، مرجع سابق ، ص90 .

[48] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 146 .

[49] محمد صبري السعدي ، مرجع سابق ، ص 90 .

[50] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 146 .

[51] محمد صبري السعدي ، مرجع سابق ، ص 91 .

[52] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 147 .

[53] محمد صبري السعدي ، مرجع سابق ، ص 95 .

[54] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 149 .

[55] محمد صبري السعدي، مرجع سابق، ص 96 .

[56] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 149 .

[57] بلحاج العربي ، المرجع نفسه ، ص 150 .

[58] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص ص 151 و 152 .

[59] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 36 .

[60] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع نفسه ، ص 37 .

[61] بالحاج العربي ، النظرية العامة الالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 83 .

[62] بالحاج العربي ، المرجع نفسه ، ص 84 .

[63] بلحاج العربي، المرجع نفسه ، ص 83 و ص84 .

[64] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، الطبعة الثامنة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2008 ، ص 42 .

[65] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 39 .

[66] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع نفسه ، ص 42 .

[67] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 39 .

[68] أنظر المادة 75 من القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم .

[69] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 40 .

[70] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام  ، المرجع السابق، ص 45 .

[71] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 40 .

[72] بالحاج العربي ، النظرية العامة الالتزام في ق. م ج مرجع سابق ، ص 45 .

[73]  خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ص 40 ، و أنظر أيضا المادة 75 من القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم .

[74] علي علي سليمان، مرجع سابق ، ص ص 65 و 66 .

[75] علي علي سليمان، مرجع سابق، ص 65 .

[76] علي علي سليمان، المرجع نفسه ، ص 45.

[77]  خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ص 36 ، و أنظر أيضا المادة 62 من القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم .

[78] بالحاج العربي ، النظرية العامة الالتزام في ق. م ج ، المرجع السابق ، ص ص 153 و 154 .

[79]  خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص 46 .

[80]  محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون الحديث ، دار الهدى ، عين ميلة ، الجزائـــــر ، 2012 ، ص 152 .

[81] محمد صبري السعدي ، المرجع نفسه ، ص ص 153 ، 154 .

[82] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 47 .

[83] محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون الحديث ، المرجع السابق ، ص 156 .

[84] محمد صبري السعدي ، المرجع نفسه ، ص157 .

[85] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، 301 .

[86]  محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون الحديث ، المرجع السابق ، ص158 .

[87]  محمد صبري السعدي ،  الواضح في شرح القانون الحديث ، المرجع السابق ، ص161 .

[88]  إدريس فاضلي ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2009 ، ص79 .

[89] إدريس فاضلي ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق  ، ص 80 .

[90]  محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون الحديث ، المرجع السابق ،  ص 168 و ص 172 .

[91]  بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص103 .

[92] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص ص104، 105 .

[93] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري  ، المرجع نفسه ، ص ص105 ، 106 .

[94]  علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، الطبعة الثامنة، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2008 ، ص ص 58 ، 59 .

[95] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 55 .

[96]  فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 84 .

[97] فاضلي إدريس ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع نفسه ، ص85 .

[98] خليل أحمد حسن قدادة ، المرجع السابق ، ص 56 .

[99] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 334 .

[100] فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 87 .

[101] فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع نفسه ، ص87 .

[102] خليل أحمد حسن قدادة ، المرجع السابق ، ص 58 .

[103] فاضلي إدريس ، المرجع السابق ، ص 88 .

[104]  فاضلي إدريس، المرجع السابق ، ص89

[105]  بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات قي القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 352 و 353 .

[106]  خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز قي شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 59 .

[107]  خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز قي شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع نفسه ، ص 60 .

[108]  بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات قي القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 116 .

[109]  فاضلي إدريس،  الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 92 .

[110]  فاضلي إدريس، المرجع نفسه ، ص 94 .

[111] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز قي شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 63 .

[112] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز قي شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 63 .

[113] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات قي القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 369 .

[114] بلحاج العربي ، المرجع نفسه ، ص 371 .

[115]  فاضلي إدريس ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص96 .

[116] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز قي شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 64 .

[117] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزامات قي القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 374 .

[118]  فاضلي إدريس ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص96 .

[119]  فاضلي إدريس ، المرجع نفسه ، ص97 .

[120]  فاضلي إدريس ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق  ، ص97 .

[121]  فاضلي إدريس ،  المرجع نفسه ، ص98 .

[122]  فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص98 .

[123]  بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص129 .

[124]  فاضلي إدريس،  المرجع السابق ، ص99 .

[125]  خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 68 .

[126]  فاضلي إدريس، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص100 .

[127] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع نفسه ، ص 68 .

[128] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص71 .

[129] إدريس فاضلي ، الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص 102 .

[130] علي علي سليمان، النظرية العامة للالتزام ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الطبعة 8 ، ص69 .

[131] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 74 .

[132] فاضلي إدريس،  المرجع السابق ، ص 104 .

[133] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص77 .

[134] فاضلي إدريس، المرجع السابق ، ص ص103 ، 104 .

[135] فاضلي إدريس، المرجع السابق ، ص 105 .

[136] علي علي سليمان ، المرجع السابق ، ص 73 .

[137] فاضلي إدريس، نفس المرجع السابق، ص108 .

[138] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، ج1، ط6 ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، 2008 ، ص ص158، 159 .

 

[139] فاضلي إدريس،  المرجع السابق، ص ص 111، 112 .

[140] بلحاج العربي ، المرجع السابق ، ص ص159 ، 160 .

[141] بلحاج العربي،  المرجع السابق ، ص ص160 ، 161 .

[142] فاضلي إدريس ، المرجع السابق ، ص ص 110 ، 111 .

[143] فاضلي إدريس ، المرجع السابق، ص ص 112، 113 .

[144] فاضلي إدريس ، المرجع السابق ، ص 113 .

[145] بلحاج العربي، المرجع السابق، ص 110 و ص 111 .

[146] بلحاج العربي، المرجع السابق، ص 170 .

[147]  فرج علواني هليل ، البطلان في قانون المرافعات المدنية ، (د،ط) ، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ، مصر ، 2008 ، ص9 .

[148]  عبد الحكيم فودة ، الموسوعة العلمية في ضوء الفقه وقضاء النفي (البطلان في القانون المدني وقانوني خفة) ، ج1 ، 2008 .

[149] فؤاد أفرام البستاني، منجد الطلاب، ط45، دار الشرق، بيروت ، لبنان ، 1986، ص36 .

[150] محمد سعيد جعفور، نظريات في صحة العقد وبطلانه في قانون المدني والفقه الإسلامي، (د،ط) دار هومة ، الجزائر (د ت ن) ، ص95 .

[151] عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح قانون المدني الجديد ( نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام)/ مجلد 1 ط 3 .

[152] بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص 172 .

[153] توفيق فرج، دروس النظرية العامة للالتزام ، د.ط ،  مؤسسة النقابة الجامعية ، الإسكندرية ، مصر ، ص 157 .

[154] عبد الحكيم فودة ، المرجع السابق ، ص19 .

[155] منصري السعدي شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالتزام ، التصرف الثانوي ، العقد و الإرادة المنفردة، ج1، ط1 ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، 2004 ، ص 243 .

[156] حليم نوشي، انحلال العقد دراسة تطبيقية حول عقد البيع وعقد التنازل ، ط1، الدار الخلدونية للنشر والتوزيع ، الجزائر ، 2007 ، ص 26 .

[157] محمد سعيد جعفور ، المرجع السابق ، ص37 .

[158] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد، د.ط موفم للنشر و التوزيع ، الرغاية ، الجزائر ، 2005 ، ص ص 330 ، 331 .

[159] محمد صبري السعدي ، شرح قانون المدني الجزائري النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق، ص248 .

[160] خليل أحمد حسن قدادة ، شرح القانون المدني الجزائري – مصادر الالتزام - ، مرجع سابق ، ص86 .

[161] علي فيلالي، الالتزامات ( النظرية العامة للعقد) ، مرجع السابق، ص ص 151، 152 .

[162] عبد الرؤوف احمد المنصوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، المرجع السابق ، ص414 .

[163] محمد سعيد جعفور، نظرية صحة العقد وبطلانه في القانون المدني والفقه الإسلامي ، المرجع السابق ، ص163 .

[164] علي فيلالي، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص 546 .

[165] علي فيلالي ، المرجع نفسه ، ص346 .

[166] خليل أحمد حسن قدادة ، شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص87 .

[167] خليل أحمد حسن قدادة ، شرح القانون المدني الجزائري ، ج 1 ، المرجع  نفسه ، ص 88 .

[168] عبد الرزاق احمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، المرجع السابق ،  ص 543 .

[169] توفيق فرج ، دروس في النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 172 .

[170] عبر الرزاق احمد السنهوري ، المرجع السابق ، ص543 .

[171] محمود علي دريد ، النظرية العامة للالتزامات ، ( مصادر الالتزام ) ، ط1،  بيروت لبنان ،  2012 ، ص217 .

[172] بلحاج العربي ، النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، الطبعة السادسة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2008 ، ص239 .

[173] بلحاج العربي ، المرجع نفسه ، ص 239 .

[174] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق , ص240 .

[175] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص 140 .

[176] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري , المرجع السابق ، ص241

[177] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، ط03 ، موفم للنشر ، الجزائر ، 2013 ، ص420 .

[178] بلحاج فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد ، المرجع السابق ، ص421 .

[179] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص246 .

[180] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، مرجع سابق ، ص 143 .

[181] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، ط8 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2008 ، ص97 .

[182] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 98 .

[183] علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص108 .

[184] علي علي سليمان ، النظرية العامة للإلتزام ، المرجع السابق ، ص109 .

[185] خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 173 .

[186] فاضلي إدريس ، المرجع السابق ، ص 153 .

[187] بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري ، المرجع السابق ، ص 294 .

[188] علي فيلالي ، الالتزامات النظرية العامة للعقد، الطبعة الثالثة ، موفم للنشر، الجزائر ، 2013 ، ص 474 .

[189]علي فيلالي ، المرجع السابق ، ص475 .

[190] علي فيلالي ، المرجع نفسه ، ص476 .