مقدمة:
يعتبر العمل من المواضيع الهامة جداً والتي تناولها العديد من العلوم، وذلك لما أثير حول حوادث العمل وصعوبته وعدم تأقلم الإنسان مع بعض الأعمال أو المواقف في العمل
لذا فإنا الأرغونوميا هي ذلك الميدان الذي يسعى من خلال الاستفادة من نتائج عدة علوم تكييف الآلات وبيئة العمل للإنسان لتجعله أكثر راحة وإنتاجية.
1- نشأة وتطور الأرغونوميا :
إن نشأة وتطور أي علم أو ميدان يتأثر بالتيارات الفكرية والمتطلبات البيئية الاجتماعية والاقتصادية . وهذا ما جعل الأٍرغونوميا تتأثر بالعوامل السابقة الذكر في نشأتها وتطورها عبر مراحل زمنية متسلسلة .
وحسب Mechiel Nebot رئيسة جمعية الأرغونوميا الفرنسية SELF فإن نشأة الأرغونوميا
مرة بمراحل نذكرها في ما ياي :
1-1- البدايات الأولى :
إن أول القياسات المنهجية التي أجريت في ميدان العمل كانت من طرف مهندسين ونظمي اعمل والباحثين ، وحتى الأطباء ، وهذه القياسات كانت تهدف إلى تحسين مردودية وإنتاجية العمل ، وقد كان فوبان Voban في القرن السابع عشر ، و بيليدور Beldor القرن الثامن عشر من الأوائل الذين قاموا بدراسة عبء ، وقد توصلوا إلى أن عبء العمل الزائد يِدي إلى أمراض كما توصلوا إلى أن التنظيم الجيد لمهمات أثناء العمل يؤدي إلى رفع المردودية .
إن ظهور الإدارة العلمية على يد تايلور ساهم إلى حد كبير في إحداث تغيير جذري في النظرة إلى تنظيم العمل من خلال المبادئ العلمية للإدارة وقياس الحركة والزمن .
ولا يمكن تجاهل الدور الذي قام به الفيزيائيون والفزيولوجيين مكن خلال اهتمامهم بنشاط الإنسان والقيام بأبحاث عديدة لفهم وظائف الجسم البشري.
وفي بداية القرن 20 كان لاهي Lahy 1916 و جول آمار Jol Amar 1923 وفي ظل الحركة التايلورية أكدوا على تجاهلها للنتائج السلبية التي يسببها التعب أثناء العمل.
كما أن الأطباء اهتموا بصحة ونظافة العمال في بيئة العمل، ففي فرنسا نجد أن Ramazini المؤسس لطب العمل أول من تحدث عن الأمراض المهنية في عدة أعمال ونشاطات مختلفة أما Villemere فهو جراح قام بدراسات إحصائية حول أوضاع العمل في عدة مصانع في مناطق متعددة في فرنسا والتي نشرها في تقرير سنة 1840 حول الحالة الفيزيائية والنفسية للعمال.
1-2- ظهور الارغونوميا وتطورها:
تعددت الدراسات النفسية في بدايات القرن 20، وتطورت المعارف في علم بالنفس إلا أنها كانت قليلة في مجال مشاكل العمل والعمال، وفي بدايات هذا القرن بدأ الاهتمام بهذا الجانب من طرف بعض السيكولوجيين من ألمانيا والو.م.أ وانجلترا من خلال إنشاء مراكز البحث ومعاهد الموجهة لدراسة هذه المشاكل.
إن مصطلح الارغونوميا لم يظهر لأول مرة فقط على يد Murel سنة 1949، ولكن تم تصوره من خلال البولندي Wojciech Jastrzebowski سنة 1857.
وقد ظهر هذا المصطلح مع السيكولوجي البريطاني Murell لوصف الدراسة المتعددة التخصصات للأنشطة الإنسانية المطبقة في الحرب العالمية الثانية والمتعلقة بمدى فعالية الجنود في الحرب.
وقد تم إنشاء جمعية البحث في الارغونوميا سنة 1949 من طرف Murell وزملائه.
1-3- الارغونوميا بين الدول الفرنكوفونية والدول الانجلوسكسونية:
بعد التطور الذي حصل في مجال البحوث النفسية والبحوث الفيزيولوجية حول جسم الإنسان، وظهور حركة العلاقات الإنسانية مع التون مايو في و.م.أ، وظهور دراسات مماثلة في بريطانيا، كانت هناك دراسات مماثلة في فرنسا وبلجيكا. هذا أدى إلى اختلاف التسميات ففي و.م.أ كانت تسمى بالهندسة البشرية Human engeneering, أما في بريطانيا فكانت تسمى Ergonomics أما الألمان فقد اقترحوا تسميتها بالـ Enthropotecnologie
بالنسبة للدول الانجلوساكسونية كانت تتميز الدراسات الارغونومية بمشاركة الأطباء والفزيولوجيون وحتى المهندسيين في انجازها، أما الدول الفرنكوفونية كانت الأبحاث فيها من اختصاص السيكولجيين خاصة علماء علم النفس التجريبي.
1-4- الارغونوميا وتحليل العمل:
لقد كان إصدار كتاب "تحليل العمل" 1955 من طرف Ombedan و Faverge خطوة جد هامة في تاريخ الارغونوميا، والذي يعتبر نقطة مهمة جداَ في ظهور الارغونوميا باللغة الفرنسية وكذا في بلجيكا تم إصدار كتاب بعنوان "تكييف الآلة للإنسان" لـ Faverg وLeplat والذي يعتبر من أهم الكتاب في مجال علم النفس الارغونومي.
2- تعريف الأورغونوميا :
- اختلفت التعاريف وتعددت وهذا لتعدد مقتضيات استخدامها :
* فتعرف الأرغونوميا أحيانا على أنها دراسة علمية للإنسان في بيئة العمل ، ونعني بالبيئة هنا ما يدور بالإنسان من ظروف " أصوات ، ضوضاء ، ضوء ، حرارة ، تهوئة ....إلخ" وكذا معدات وآلات و أدوات وأساليب عمل .
* تعرف أيضا على أنها " دراسة علمية لكفاءة العمل ".
ومن أهم التعاريف الشائعة للأرغونوميا أنها " دراسة التفاعل بين الإنسان والعمل خاصة فيما يتعلق بتصميم الآلات والأدوات ، لتلاءم الجسم البشري ولتكفل أدائه لعمله بأقل جهد ، ولتوفر أكبر قدر من الأمن والراحة في الاستخدام ..."
تعريف رابطة الأرغونميكس العالمية IEA :
إعتبر هذا التعريف من بين أهم التعاريف وأدقها " الأرغونوميا هي دراسة علمية للعوامل البشرية في علاقتها ببيئة العمل وتصميم المنتجات والمعدات ".
*كما تعرف كذلك على أ،ها كم هائل من المعلومات عن القدرات البشرية ، وأوجه القصور فيها والصفات والخصائص البدنية الأخرى المتعلقة بالتصميم .
أرغونوميا التصميم ERGENOMICS DESIGN :
نعني هنا تطبيق هذا الكم من المعلومات عن القدرات البشرية في تصميم الأدوات والماكنات والنظم و المهام ، وبيئة العمل للحصول على إستخدام كفء آمن ومريح.
تعريف المجلس التنفيذي لرابطة الأرغونوميا IEA:
يعرفها على أنها نطاق من العلم يتعلق بفهم التفاعل بين البشر والمكونات الأخرى في نظام حياتهم .
تعريف موسوعة كومبتون Compton Enecyclopedia :
هي التأكد من أن الآلات والمعدات و الأدوات و الأثاث المتعلق بأداء مهمة أو وظيفة ما ،يلاءم العاملين الذين يِؤدون هذا العمل أو المهمة ، وهو نطاق من العلوم الهندسية يسمى الأرغونوميا أو الهندسة البشرية ، وهذا بهدف تقليل الجهد، وزيادة في آمان العامل خلال تأديته لعمله.
القاموس القانوني Legal Dictionnaire :
هو علم هندسي يتعلق بالملائمة الفيزيائية والنفسية بين الآلات والأشخاص الذين يستخدمون و يستعملون تلك الآلات.
قاموس التصميم والهندسة Design et Engineering Dictionnaire:
هو الجانب التطبيقي من تصميم المعدات وتصميم مكان العمل يتم بغرض تنظيم الإنتاجية بتقليل إجهاد المشغل وتحسين راحته .
كما تسمى بالتكنولوجيا الحيوية والهندسة البشرية وهو كأحد عوامل التصميم و استخدامه في تصميم أماكن العمل .
تعريف مورل MURREL 1949 :
هو محاولة دراسة وتحليل العمل بغية تكييفه مع الإنسان و قدراته ومهاراته " تكييف العمل للإنسان ".
تعريف ويسنير WISNER 1988 :
عرفها على أنها مجموعة المعارف العلمية المتعلقة بالإنسان والتي تعد ضرورية لتصور وسائل العمل والآلات.
3-دور المختص الأرغونومي :
تتمثل مهمة المختص الأرغونومي في البحث عن أفضل وسيلة ممكنة لإحداث تكييف بين العامل والآلة ، كما يشمل مجال تدخله في أمن العمل ، النظافة الأدوات التي يستعملها العامل أثناء تأديته لعمله .
لقد كان يتمثل دور المختص الأرغونومي في الماضي بمحاولته التدخل لمنع وقوع حوادث العمل ، وتحسين وتطوير ظروف العمل داخل المؤسسة ، خصوصا فيما يتعلق بالأعمال الشاقة والتي قد تسبب خطر على العاملين في المصانع التي تتعامل مع المواد الكيمائية ، وكذا في المصانع أين يكثر الضجيج مثلا.
كما يقوم المختص الأرغونومي بالتنقل إلى مكان العمل ليلاحظ الظروف التي يشتغل تحتها العمال ، ويقوم بتسجيل الحركات الجسمية التي يقوم بها العمال ، وقد يلجأ إلى استجواب العمال للتعرف على مدى تطابق وصف العمل الذي تلقاه العمال مع ما هو موجود في الواقع.
كما يعتمد المختص الأرغونومي في عمله على العديد من الوسائل والأدوات التي التي تساعده على جمع المعلومات (مقياس الضغط ، مقياس الصوت ، مقياس الحرارة ، تسجيل الفيديو ، صور عن مكان العمل ، الاستبيانات والمقاييس ).
- بعد عملية جمع البيانات والمعلومات وتحليلها يقوم المختص بتشخيص وإقتراح الحلول المناسبة للممشاكل التي تنشأ في مكان العمل والمشاكل التي تجعل الآلة غير موائمة للعامل وهذا كله من أجل تحسين ظروف العمل .
حديثا أصبح دور المختص الارغونومي أكثر إتساعا وتطورت مهامه فقد أصبح وبمساعدة المسؤولين والمهندسين أن يقوم بوصف وتحليل الوظائف ، كما أصبح يشارك في برامج التهيئة بالمؤسسة ، وكذا في تحديث أو تجديد مبنى المؤسسة أو مكان العمل وفق أسس علمية تخدم العامل ةوفر له الصحة والسلامة والراحة ، كما أصبح يتدخل في تسهيل استخدام الآلات و الأدوات .
إن المختص الأرغونومي يمكنه العمل حرا أو ان يكون موظف داخل المؤسسة ، العمل الحر يكون من خلال إنشاء مكتب استشارة ، وهذا بعد اكتساب خبرة لا تقل عن 04 إلى 05 سنوات حسب القوانين المعمول بها في فرنسا، ويتراوح راتب الأٍغونومي من 1800 Єإلى 2000 Є في فرنسا.
4-تطبيقات الارغونوميا:
توجد العديد من التطبيقات للارغونوميا نذكر في ما يلي أهمها:
- يتم تطبيق الارغونوميا في تصميم وتطوير وتشغيل وصيانة أنظمة الملاحة في مجال الطيران والفضاء في المجالين المدني والعسكري.
- تطبق الارغونوميا في تغطية احتياجات الأشخاص المتقدمين في السن من اجل تأمين الكثير من التسهيلات لهم في الحياة اليومية.
- تطبق الارغونوميا في الأنظمة الطبية وتصميم المعدات الطبية وجودة الحياة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.
- تتدخل الارغونوميا في أنظمة تفاعل الإنسان والحاسب خاصة في مجال تصميم واجهات التخاطب ومعالجة البيانات، وكذا تصميم البرامج الحاسوبية ومواقع الانترنت.
- تطوير المنتجات والمعدات لتكون مفيدة وقابلة للاستخدام بشكل آمن ومرغوب فيه.
- تصميم البيئات المختلفة معمارياً وداخلياً في البيت والعمل والمكتب لتوائم الإنسان.
- تحسين الأمان في العمل، والإنتاجية ورفع جودة العمل.
5- أهداف الارغونوميا:
- تحسين طرق العمل وتغييرها لتتلائم مع العمال، وايجاد أفضل الطرق التي تؤدى بها الأعمال.
- تصميم الآلات والأدوات وتكييفها بهدف زيادة الراحة للعمال وبالتالي الإنتاجية.
- تصميم وترتيب مكان العمل بحيث يساعد العمال على إيجاد المواد والأدوات العمل بسهولة.
- دراسة الظروف الفيزيقية الملائمة للعمل مثل الضوضاء والحرارة والإضاءة وما ينجم عنها من تعب. (شحاتة 2006، ص221)
6- أنواع الأرغونوميا:
- الارغونوميا الانساق : ظهرت نتيجة المشاكل والصعوبات
التي واجهتها والتي تقوم على 3 اسس رئيسية :
ا_ تعاون السيكولوجين
والمهندسين في مراحل التصميم.
ب_ تحديد الوظائف بين الانسان
والالة.
ج_ تطوير تقنيات الاختيار
والتدريب.
- ارغونوميا الاخطاء : تتميز هذه المرحلة بإدخال مفهوم
الخطأ الإنساني في سيكولوجيا الإنسان وذالك بدراسة جوانب سوء التحكم.
المراجع:
- الكتب:
1- د. محمد مسلم: مدخل إلى علم نفس العمل، ط1، دار قرطبة،
الجزائر، 2007
2- د. محمد شحاتة: أصول علم النفس الصناعي، ط3، دار غريب،
القاهرة، 2006
- معلم: khatara Abederahmane