بعد تقديم تعريف التقنين وحركته ونشأته، فقد ظهر في التاريخ الإسلامي تجارب منها إشارات  من بعض العلماء والخلفاء، ونتج عن ذلك و من خلال تأليف الفقهاء للموسوعات الفقهية تأليف كتب الفتاوى وكتب النوازل مثل الفتاوى الهندية بحيث تصبح أجوبة يعتمدونها دون إلزام الناس بذلك خاصة في الخلافة العثمانية التي بنت على ذلك وضع قوانين تأثرا بالقانون الغربي، ثم وضع قانون على أساس القواعد الفقهية المعروف بمجلة الأحكام العدلية ، ثم تتابعت المؤلفات على هذا النسق في مصر والسعودية وأن كل ذلك تردد فيه الفقهاء بين القبول والرفض.

لاحظ المهتمون بالتقنين الفقهي من المعاصرين أن الفقهاء المتأخرين خاصة أتباع المذاهب الأربعة حيث كثر نقل رأي إمام المذهب والاختلافات داخل المذهب الواحد مما دفع بكثير منهم إلى تأليف مختصرات ارتكزت على استخدام الرموز والاصطلاحات قصد التمكن من الاطلاع على كل مسائل المذهب وأصوله و التعليم والحفظ واجتهادهم في الترجيح بالرواية والدراية. وقد سلك أتباع كل مذهب منهجا خاصا بهم في التأليف، مع ما لوحظ فيها من التعقيدات والألغاز، بل اعتبرها ابن خلدون إخلالا بالبلاغة وهو فساد للتعليم وإخلال بالتحصيل وهو ما جعل الجمود وعدم القدرة على مسايرة العصر.

 وقد تسببت هذه المختصرات إلى الحيرة في معرفة أحكام المستجدات تطلب من الحكام ضرورة اللجوء إلى التقنين الفقهي  للحد من الاختلاف والبلبلة بين الناس، وتسهيل عمل القضاة ولو كانت المواد المصاغة مأخوذة من مذهب واحد.  

 إنه من بين ما قام عليه التقنين الفقهي القواعد الفقهية والضوابط الفقهية مثل مجلة الأحكام العدلية، ولتوضيح ينبغي بيان مفهوم القواعد الفقهية والضوابط الفقهية ومميزاتها وحكم الاستدلال بها.

كما يتطلب معرفة الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي.

وهذا تمهيدا للكشف عن دور القواعد الفقهية والضوابط الفقهية في التقنين الفقهي حيث يستفيد منها منهجها وصياغتها لتعميم أحكامها وتسهيل الحكم بها، فهي لا تخرج عن الفقه الإسلامي وذلك بدراسة مجلة الأحكام العدلية التجربة الأولى في الخلافة العثمانية. 

 إن علاقة التقنين بالسياسة الشرعية هي التأسيس التقنين في القضاء، حيث يصدر الحاكم أوامر وقرارات، ولبيان ذلك يحتاج إلى معرفة معنى السياسة الشرعية وهو ما جعل الفقهاء يختلفون في أصلها وحكمها، مثل قيام السياسة على الاجتهادات كأحكام التعازير أو محصورة في النصوص الشرعية أو كليهما لارتباطها بالمصلحة، وهو ما ترتب عليه وضع القوانين السياسية وما يمكن أن تحققه من العدل والعمل على توحيد الكلمة وتجنب المحاذير التي تمس مكانة النص الشرعي كالغوص في القوانين استغناء عنها، وصون الدولة الإسلامية ومراعاة الحاكمية والسيادة.

كما أنه لا يتحقق ذلك إلا بما اشترطه الفقهاء في الحاكم والقاضي أن يكونا من المجتهدين أو الرجوع إلى مستشارين في حال عدم توفر ذلك الشرط.