محاضرات في مقياس الأدب الشعبي العام والأدب الشعبي المغاربي

محاضرات مادة الأدب الشعبي           إعداد الأستاذ الدكتور عاشور سرقمة

 

الأدب الشعبي العام: قائمة بأهم المصادر والمراجع

 

ـ الفولكلور قضاياه وتاريخه، تأليف يوري سوكولوف، تر: حلمي شعراوي و عبد الحميد حواس.

ـ نظريات الفولكلور المعاصرة، ريتشارد دورسون، تر: محمد الجوهري و د. حسن الشامي.

ـ الفكر الإغريقي، محمد الخطيب.

ـ المعتقدات الدينية لدى الشعوب، جفري بارندر، تر: إمام عبد الفتاح إمام، ع. الغفار مكاوي.

ـ الماضي المشترك بين العرب والغرب، أصول الآداب الشعبية الغربية، أ. ل. رانيلا، تر: د. نبيلة ابراهيم.

ـ الديوان المُغرب في أقوال عرب إفريقية والمغرب، سونك.

ـ الميثولوجيا عند العرب: دراسة لمجموعة من الأساطير والمعتفدات العربية القديمة، عبد الملك مرتاض.

ـ الأدب الشعبي في تونس، محمد المرزوقي.

ـ الأدب الشعبي، أحمد رشدي صالح.

القصة الشعبية الجزائرية ذات الأصول العربية، روزلين ليلى قريش.

أمثالنا العامية: مدخل إلى دراسة الذهنية الشعبية، د. زاهي ناضر.

ـ الخصائص الشكلية للشعر الملحون الصوفي في شمال الغرب الجزائري ( 1871ـ 1954)، د. عبد الحق زريوح.

ـ شعراء ذوي منيع الشعبيون تراجم ونصوص، بركة بوشيبة.

أمثال جزائرية ومغاربية، محمد بن أبي شنب.

 

 

 

 

 

 

تحديد مفهوم " التراث الثقافي " و "العمل الثقافي "  و"الفولكلور:

 

لم ترد كلمة ( ثقافة ) إطلاقاً في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية المطهرة، كما لم ترد في نصوص العرب وأشعارهم لا في جاهلية ولا في إسلام، وقد وصفها المعجم الوسيط بأنها كلمة محدثة في اللغة العربية، مما يدل دلالة قاطعة على أنه لم يكن لها عند العرب والمسلمين ذلك الوزن الذي يُعطى لها اليوم، ومن هنا فإن العرب والمسلمين حتى ما قبل قرن من الزمان لم يكونوا يولونها أي حظ من الاهتمام، بينما هي اليوم كل شيء في حياة البشرية بل مرآتها.

إن جذر كلمة " ثقافة" هو ( ث ق ف ).

ويبين ابن منظور في " لسان العرب " أن معنى ثقف: جدَّد وسوَّى، ويربط بين التثقيف والحذق وسرعة التعليم. ويعرف المعجم الوسيط الثقافة بأنها ( العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب فيها الحذق).

ويقول مرتضى الزبيدي في هذا الصدد: « ( تَقُفَ ككَرُمَ، وفَرِحَ، ثقفاً) ... ( وثقافة ) مصدر ثَقُفَ، بالضم: ( صار حاذقاً خفيفاً فَطِناً) »[i].

هذا في اللغة العربية، أما في اللغة الإنكليزية، فكلمة culture التي تُترجم إلى العربية على أنها " الثقافة " والتهذيب والحِراثة وقد يعطونها أحياناً معنى الحضارة، هذه الكلمة جذرها cult ، ومعناها: عبادة ودين، ومن مشتقاتها cultivation ، ومعناها: حِراثة، تعهد، تهذيب، رعاية،      و cultural ومعناها ثقافي...

ونلاحظ أن معناها في الإنكليزية لا يخرج عن معناها في العربية غير أنه يضيف مصداقاً آخر من مصاديقها وهو: حراثة الأرض، ورعاية الزرع، والاستنبات والتوليد، لكنه بشكل ما يربط مفهوم الثقافة بالدين والعبادة، فهما من جذر واحد، فالدين كان المنبع الأول؛ إن لم نقل الوحيد للثقافة قديماً. وأظن أنه حتى الآن ما يزال المنبع الأساسي والمرتكز الأهم للثقافة.

كانت الثقافة تعني الدين أو الحكمة أو الفلسفة وكان المثقف هو النبي أو الحكيم أو الفيلسوف أو الأديب. وكان السلاطين والملوك يختارون لأبنائهم مؤدبين يُعلِّمونهم مختلف الآداب والفنون والعلوم، وكل ما يحتاجونه ليصبحوا مؤهلين لإدارة دقة الحكم.

ومن علماء الغرب الذين عَرَّفوا الثقافة نجد إدوارد تايلور Edward Taylor (1832ـ 1917) حيث يقول: « الثقافة هي ذلك المُرَكَّبُ الكُلِّي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى؛ التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع»

ومن علماء العرب نجد المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه " مشكلة الثقافة " يقول: إنها « مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه»

ويَعتبر مالك بن نبي الثقافة شرطاً من شروط النهوض الحضاري، إضافة للإنسان والتراب والوقت، وذلك حين اهتم بعالم الأفكار بدلاً من عالم الأشياء.

وإذا بسطنا الموضوع قليلاً، وتجنبنا محاولة تعريف الثقافة تعريفاً جامعاً مانعاً كما يقال، واكتفينا بالحديث عن الثقافة كمفهوم حديث أو كمصطلح حديث، فلربما أمكننا القول: إن الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة كمركب كلي ونمو تراكمي مكون من محصلة العلوم والمعارف والأفكار والمعتقدات والفنون والآداب والأخلاق والقوانين، والأعراف والتقاليد؛ والمدركات الذهنية والحسية، والموروثات التاريخية واللغوية والبيئية؛ التي تصوغ فكر الإنسان وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية؛ التي تصوغ سلوكه العملي في الحياة.

وينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا أن مفهوم الثقافة يختلف باختلاف الزمان والمكان، ولعله لا يطول بنا الزمان لنرى الثقافة قد خرجت من أسر القومية والطائفية والإقليمية والعرقية لتدخل أفق العالمية وتنشر ظلالها الصحية على البشرية في جميع أرجاء المعمورة.

وتتميز الثقافة بعدة خصائص منها:

1.    أنها ظاهرة إنسانية، أي أنها فاصل نوعي بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأنها تعبير عن إنسانيته، كما أنها وسيلته المثلى للالتقاء مع الآخرين.

2.    أنها تحديد لذات الإنسان وعلاقاته مع نظرائه، ومع الطبيعة، ومع ما وراء الطبيعة، من خلال تفاعله معها، وعلاقاته بها، في مختلف مجالات الحياة.

3.    أنها قوام الحياة الاجتماعية وظيفة وحركة، فليس من عمل اجتماعي أو فني جمالي أو فكري يتم يتم إنسانياً خارج دائرتها.

4.    أنها عملية إبداعية متجددة، تُبدع الجديد والمستقبلي من خلال القرائح التي تتمثلها وتعبر عنها، فالتفاعل مع الواقع تكييفاً أو تجاوزاً نحو المستقبل، من الوظائف الحيوية لها.

5.    أنها إنجاز كمي مستمر تاريخياً، فهي بقدر ما تضيف من الجديد، تحافظ على التراث السابق، وتجدد قيمه الروحية والفكرية والمعنوية، وتوحد معه هوية الجديد روحاً ومساراً ومثلاً.

ويحيلنا مصطلح " ثقافة " على مصطلحات أخرى منها " الثقافة الشعبية" و" الفولكلور "          و" التراث " و " التراث الشعبي " و " الخصوصيات السوسيوثقافية "...

 

فـ " الثقافة الشعبية " أو " ثقافة الشعب" هي: مجموع العناصر التي تشكل ثقافة المجتمع المسيطرة في أي بلد أو منطقة جغرافية محدودة، تنتشر غالباً باستخدام طرق إعلام شعبية، تنتج هذه الثقافة من التفاعلات اليومية بين عناصر المجتمع، إضافة لحاجاته ورغباته التي تشكل الحياة اليومية للقطاع الغالب من المجتمع، هذه الثقافة تتضمن أي من الممارسات وعادات الطبخ والمأكولات، والثياب والإعلام، ونواحي التسلية المستخدمة، إضافة للرياضة والأدب والطب والعمران، وغالباً ما يستخدم مصطلح " ثقافة شعبية" كمصطلح مضاد ومخالف لـ"لثقافة العليا " أو النخبوية"...

 

أما " الفولكلور" فقد ظهر كميدان جديد من ميادين الدراسة في ق18 عندما بدأ دارسو الآثار في إنجلترا والباحثون في ألمانيا يُبدون اهتماماً كبيراً بأساليب معيشة الطبقات الدنيا. ففي ألمانيا بدأ الأخوان: ياكوب وفيلهيلم جريم[ii] عام 1812م في نشر مجموعة كتب كان لها تأثيرها الكبير على القصص الشعبي الشفاهي، وتفسيرات للميثولوجيا الجرمانية.

وكان الاسم الذي استخدماه للدلالة على هذا الموضوع هو فولكسكنده[iii]، وبعد ذلك وفي الثاني والعشرين من شهر أغسطس عام 1846م أرسل الأثري الإنجليزي ويليام جون تومز W.Jhon Thomas خطاباً إلى مجلة أثينيوم athenaeum، وهي مجلة تخاطب ذلك القطاع من المثقفين المهتم بالغرائب والطرائف، ويقترح فيه تبني كلمة " فولكلور folklore   بحيث تستخدم منذ ذلك الوقت تصاعداً بدلاً من عبارة الآثار الشعبية الدارجة popular antiquities التي يصعب جريانها على الألسن بسهولة.

وتعني كلمة فولكلور " حكمة الشعب " أو " المعرفة الشعبية".

وقد شهدت السنوات الأخيرة بعد ذلك منافسة مصطلح آخر هو "الحياة الشعبية" [iv]folklife لمصطلح فولكلور؛ لدرجة هددت سيطرته على هذا الميدان، ويدَّعي مؤيدو مصطلح " دراسات الحياة الشعبية " أن الفولكلوريين يركزون اهتمامهم على جانب ضيق من مادة الدراسة، ألا وهو الأشكال الأدبية، ويُهملون المنتجات الملموسة؛ التي تُبدعها أيدي الحرفيين الشعبيين مثلاً، ويؤكدون أن دراسة الحياة الشعبية تستوعب كافة مظاهر الثقافة التقليدية؛ بما في ذلك التراث الشعبي الشفاهي، وعلى عكس من ذلك فإن المدافعين عن مصطلح فولكلور يؤكدون أنه يشتمل أيضاً على الفنون والحرف التقليدية؛ وجميع التراث الملموس.

 



[i] / مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، 1385هـ ـ 1965م، ص: 60.

[ii]/ ياكوب جريم عاش من 1785 حتى 1863، وفيلهيلم عاش من 1786 حتى 1859، من علماء فقه اللغة الألمان، اشتهرا بدراساتهما في الميثولوجيا والقصص الشعبي والقانون القديم واللغة الألمانية.

[iii]/ الفولكسكنده volkskunde   هي الإثنولوجيا الأوربية الإقليمية (الألمانية أساساً) والفولكلور كما تدرس في البلاد الناطقة بالألمانية، والتعريفات التي وُضعت للفولكسكنده كثيرة جداً، ولكن أبرزها أنها تدرس الثقافة الشعبية بصفة عامة؛ أو الحياة الشعبية.

[iv] / هي حياة الشعب وأساليبه كموضوع للبحث العلمي، وأصبحت جزءاً من علم الإثنولوجيا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جامعة غرداية         كلية الآداب واللغات          قسم اللغة والأدب العربي

 

                  مقياس الأدب الشعبي .

 

محاضرة: حول الشعر الشعبي الجزائري ( الملحون)

 

إن الشعر الشعبي الذي وصل إلينا من شعرائنا الماضين ينقسم إلى نوعين: نوع الشعر البدوي وهو فرع من الشعر الهلالي، وله خصائصه وسماته ونوع الشعر الحضري؛ وهو فرعٌ عن الموشحات والأزجال وله كذلك خصائصه ومميزاته.

أما الشعر البدوي الهلالي وهو أقدم عهداً في المغرب الأوسط من الموشحات الأندلسية فإنه تسرب إلى الشعراء الشعبيين بالمغرب الأوسط من شعراء بني هلال الذين رافقوا الحملات العسكرية التي زحفت على القيروان سنة 449هـ ، وعلى الجزائر سنة 460هـ.

الزجل:

بعد أن ازدهرت الموشحات وشاعت بين مختلف الطبقات الشعبية عملت عملها في نفوسهم، وحركت قرائحهم فحاكوها بمنظومات موزونة وأطلقوا عليها اسم الزجل أي الصوت.

يقول ابن خلدون في مقدمته: « ولمَّا شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه؛ نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها، واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاؤا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغة مجالٌ بحسب لغتهم المستعجمة»[iv].

 

وقد تعددت التسميات بين العلماء التي تطلق على الشعر غير المُعرب، فهناك من اختار له اسم: " الشعر الشعبي"، وهناك من سمَّاه " الشعر الملحون" ومن سماه " الشعر العامي والزجل والقوما والمواليا والكان كان...وغيرها من التسميات.

 

وأقدم ما عُرف من الأدب الشعبي المنظوم هو تلك الأراجيز المروية عن قدماء أجدادنا العرب، والتي اختلطت فيها لهجات العامية بالفصحى، وقد دوَّن لنا منها القدماء كثيراً من الأمثلة وذلك مثل قول بعضهم:

 

يا قبَّح الله بني السعلات
 

عمرو بن يربوع شرار النات
  

ليسوا أعِفَّاء ولا أكيات
  

وهو يقصد " الناس" و" أكياس" ، وقلْبُ السين تاء لهجة من لهجات إحدى القبائل ليست من اللهجات الفصيحة.

ومن خصائص الشعر الشعبي أنه:

ـ يُكتب باللهجات العامية.

ـ له أوزانه وإيقاعاته الخاصة به والتي يحتكم فيها ـ في رأينا ـ إلى السماع.

ـ التوقيع والتأريخ.

ـ أغلبه ما يزال شفوياً.

ـ يرتبط في كثير من الأحيان بالموسيقى والإيقاع.

ـ بعضه مجهول المؤلف.

ومن أشهر شعراء الشعر الشعبي في الجزائر نجد:

ـ محمد ابن مسايب ( ولد بتلمسان أوائل ق 12هـ).

ـ الأخضر بن خلوف ( مدفون بضواحي مستغانم، عاش في ق09هـ/ أوائل العهد التركي).

ـ أبو مدين شعيب ( توفي سنة 594هـ قُرب تلمسان).

ـ محمد بن سهلة ( عاش بتلمسان في ق 12هـ ).

ـ أحمد بن التريكي ( عاش بتلمسان في ق 11هـ/ 17م).

ـ أبومدين بن سهله ( كان كفيفاً توفي في النصف الأول من ق 13هـ/ 19م).

ـ عبد الله بن كَرِّيو

ـ محمد بن قيطون ( أصله من قرية سيدي خالد ضواحي بسكرة، توفي أواخر ق 19م) اشتُهر بمرثيته "حيزية ".

ـ مصطفى بن ابراهيم ( عاش في ق 19م ، ولد حوالي 1800م،  بضواحي سيدي بلعباس).

ـ محمد بن المبروك البودوي ( توفي 1195هـ بتوات ولاية أدرار).

ـ أحمد كرومي (  ولد 1918م بالعبادلة ولاية بشار).

 

وهذا مقتطف من قصيدة : " الحُرم يا رسول الله" لابن مسايب.

 

الحرم يا رسول الله
 

الحرم يا رسول الله
  

خيفان جيت عندك قاصد
 

الحرم يا رسول الله
  

خيفان جيت عنك قاصد
 

يا صاحب الشفاعة الامجد
  

خوفي بزلتي نتمرمد
 

عند الوقوف عند الله
  

عاري عليك يا محمد
 

عار الغلام على مولاه
  

عاري عليك يا بالقاسم
 

صاحب اللوا والخاتم
  

راني على افعالي نادم
 

ما درت باش نلقى الله
  

ما تبت ما قريت اللازم
 

ابليس غرني بهواه
  

بليس غرني شيطاني
 

في شبكة الذنوب ارماني
  

ضيعت في الغرور زماني
 

والشيب للعدار اطماه
  

ما فقت به أن اكساني
 

راس بغير مال شراه
  

إلى أن يقول:

محمد بن مسايب مدحك
 

على الناس يفتخر بمقدارك
  

في الخلد ديرنا جيرانك
 

يا سعد من خدم مولاه
  

سبحان ربنا من نصرك
 

واعطاك الفضل والجاه
  

خيفان جيت عند قاصد

الحرم يا رسول الله
  

 

الصوفية والشعر الملحون الجزائري:

 

ينبع الأدب الصّوفي من أربعة فنون شعرية، كالشعر الديني عامة، وشعر الغزل، ثم  الخمريات، والشعر المنبني على الرمز.

    إن الشعر الصوفي لون من ألوان الشعر الإسلامي الرفيع الذي عُني بالنفس الإنسانية والحديث عنها عناية فائقة، وهو نوعٌ يكون إلهيًا محضًا يستخدم فيه المادة العربية للرمز على الحقائق، وهو شعر مؤوَّل لا يقصد ظاهره، إنّما له مَحامل يحمل عليها وتليق به.

أصل كل حُبِّ، ولا يصحُّ حُبّ شيء آخر ما لم يرجع إلى الأصل وهو حُبّ الله، لكونه تعالى الخالق والمدبِّر والمُوجِد والمعدِم، وإلى هذه الفكرة أشار الغزالي في معرض حديثه عن حُبّ الله قال:  «من أحَبَّ غير الله لا من حيث نسبته إلى الله، فذلك بجهله وقصوره في معرفة الله تعالى، وحُبّ الرّسول-صلّى الله عليه وسلم- محمود لأنّه عين حُبّ الله تعالى…، محبوب المحبوب، محبوب وكل ذلك يرجع إلى حُبّ الأصل...فلا محبوب بالحقيقة عند ذوي البصائر إلاّ الله ولا مستحق للمحبَّة سواه ».(3)

     فغاية الصوفي من حب الله هي ذات الله نفسه لا غيره، وهذا النوع من المحبّة لا يؤتى بها إلا من صفت سريرته، وكان له مقام مرضيّ عند الله تعالى، والحُب عند الصوفية لا يمكن تحديده ولا تعريفه ولا شرح حقائقه وإنّما يحدد باللّفظ فقط، ويعرف بالعُرْفِ والاصطلاح، ولم يكن الصوفية أول من أسند مادة "حُبْ" إلى الله تعالى، فقد استمدوا أصول هذا المذهب من نور آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن حًب الله لعباده(1)، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّد مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ....﴾.(2)

و قوله: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ ... ﴾.(3)

- رموز الحُب الإلهي: لقد عبّر الصوفية عن هذا الحب بثلاث رموز تمثلت أساسا في رمز المرأة ورمز الخمرة، ورمز وصف الطبيعة:

  * رمز المرأة: اعتمد المتصوفة كثيرا على رمز المرأة، لأنّها الأساس في المعجم الغزلي، فكانت رمزاً للعشق والتّوحيد مع معالم المثل العَليا، ولقد كانت لغة الغزل العفيف ملائمة للتّعبير عن الحب الإلهي، هذا إلى جانب استعمالهم لغة الغزل الصريح؛ أي الطّابع الشهواني الحسِّي، وهذا لأجل التغنيِّ بجمال الحبيبة.(4)

  *رمز الخمرة: إنّ استخدام رمز الخمرة الدّال على حالة السُّكر كان من فسيح إبداع وخيال الصّوفي الذي قارب بين حالة السّكر والمحبّة التي تجعله في حالة أشبه بمن يتعاطى الخمرة المحسوسة، والتي تنشأ عندهم عند مباغتة الجمال للسِّر المحبوب في حضرة مُشاهداتهم.(5)

 *رمز الطبيعة: استخدمه شعراء الصوفية نتيجة لجمالها ومناظرها الخلاَّبة، فالطبيعة عندهم هي مظاهرها الحيّة والمجاهدة والجميلة والجليلة مثل:( الشّمس، اللّيل، الفجر، النّهـار، الرّيح، الطّـير،

الحجر ....)، حيث أن الشّاعر الصّوفي عند وصفه للطبيعة يقوم بإسقاط مواجيده وأذواقه التي تتناسب في باطنها مع تلك المظاهر المحسوسة، وذلك حينما يتجلَّى له العفو فيها.(1)

ومن أشهر الشعراء الشعبيين الجزائريين الذين كتبوا في الشعر الصوفي نجد:

 ـ الأخضر بن خلوف ( مدفون بضواحي مستغانم، عاش في ق09هـ/ أوائل العهد التركي).

ـ أبو مدين شعيب ( توفي سنة 594هـ قُرب تلمسان).

ـ محمد بن المبروك البودوي ( توفي 1195هـ بتوات ولاية أدرار).

حيث نجد للأخضر ابن الخلوف ديواناً كاملا في المديح النبوي عنوانه: " جنى الجنتين في مدح خير الفرقتين" المعروف بـ" ديوان الإسلام" وقد ححقه الدكتور العربي دحو[iv].

وللشيخ أبي مدين الغوث عدة قصائد في التصوف ضمها ديوانه المطبوع.

ومن الشعراء الذين كتبوا في الشعر الشعبي الصوفي بالجزائر نجد الشيخ  قدور بن عشور الزرهوني ( 1850 ـ 1938) ومن قصائده " أدركت منيتي " التي يقول في مطلعها:

 

نبتدي باسم الغوثية يا الحضار
 

نلتها بالكد ليلي مع نهاري
  

جاتني البشرى من عند النبي المختار
 

جا يخبرني في مكاني في وسط داري
  

صرت غوث الجنه سما وارض والنار
 

جات جميع الاشيا تطوف باوكاري[iv]
  

ومن هؤلاء الشعراء نجد أيضاً العربي بن أحمد بن القزقاز وقيل القرباز وقد أورد له سونك قصيدة  في " الديوان المغرب في أقوال عرب إفريقية والمغرب" يمدح فيها الشيخ أحمد التيجاني[iv]

ومنهم الشيخ ـ محمد بن المبروك البودوي ( توفي 1195هـ بتوات ولاية أدرار).

من قصائده في الزهد:

[ الله الله يَا الدَّايَمْ] ([iv])

[1 ]اللَّــــهْ يَــا الدَّايَــــمْ ***   يَا عَالَـمْ كُلّْ عِلْـمْ شُــوفْ     

[2 ]مَا دَا([iv]) وَاسِيـتْ([iv]) مَنْ جْرَايَمْ***   تَغْفَـرْ ذَنْبِي بْلاَ كْلُـوفْ([iv])

[3 ]اغْفَـرْ ذَنْبِـي اوْلاَ تْحَافِـي([iv]) ***   يَا رَبِّي مَا اخْفَـاكْ خَـافِـي

[4 ]حَمْلِـي ثَقَّـلْ اعْـلَى اكْتَافِــي***   عَيَّانِـي([iv]) غِيرْ بَالْوْقُـوفْ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة: حول المثل الشعبي

 

الأمثال الشعبية أوالعامية عبارة عن حكم جُمعت في تعابير تمتاز بالإيجاز والبلاغة والذوق، وهي تدخل في جميع مظاهر الحياة. فهناك أمثال تخص التعامل اليومي بين الناس، وأخرى تخص التربية والأخلاق التي تواضع عليها المجتمع، وغيرها تخص الدين أو المجتمع، ومن بلاغتها وحسن صوغها يسهل على الإنسان حفظها؛ وتتعلق بالذهن بمجرد سماعها لأنها تدل على حقيقة من حقائق الحياة الثابتة التي لا تتغير، فهي صالحة لكل زمان ومكان لأنها نتيجة تجارب اجتماعية أو فردية، وهي خلاصة حقائق حضارة المجتمع الإنساني، أي أنها تكاد تكون حقائق إنسانية شاملة[iv].

وتعتبر الأمثال أحد الموضوعات الأساسية في الثقافة الشعبية الجزائرية، هذه الثقافة التي بموجبها يعبر أصحابها ( الشعب) عن تجاربهم اليومية الواقعية، وبالتالي عن آرائهم وخلجات أنفسهم بل عن تصوراتهم حاضراً ومستقبلاً.

والتعبير المثلي شكل قديم من أشكال التعبير الشفهي، في حقل التواصل الاجتماعي، وتبادل الثقافة بين الناس، يظهر في كل عصر ومكان، ويتردد يومياً على ألسنة البشر، ويكاد يكون مفهومه عاماً لجميع الأمثال عند جميع الشعوب، ومن الأمور التي تسترعي الانتباه أن الناس سرعان ما تميز المثل عن غيره من أساليب الكلام المُعتاد، ذلك لأن المثل قول سائر يجمع في بنيته عناصر تكوينية وفنية محددة تساعده على الذيوع وسرعة الانتشار.

 

 

تتميز الأمثال بـ:

1ـ الاختصار.

2ـ الدقة في اختيار الكلمات والعبارات.

3ـ السجع والموسيقى الداخلية.

4ـ تنوع الموضوعات.

5ـ انتشارها عالمياً ( التكرار أحياناً بمعاني مختلفة).

6ـ قد يكون جملة أو كلمات محدودة كلمتين، أو ثلاثة بل وقد يكون كلمة واحدة.

 

وتواجه الباحث في الأمثال الشعبية بعض الإشكاليات منها:

ـ إشكالية جمع الأمثال من الميدان، ويعتمد فيها على " التلقٌّف ".

ـ إشكالية تدوين الأمثال الشعبية التي يعتمد فيها إما على الحرف الأول، أو الاعتماد على التصنيف الموضوعاتي.

ـ إشكالية التفريق بين المثل والحكمة والقول السائر.

ـ إشكالية التفريق بين أيهما الأصل؛ هل المثل أم الحكاية ( المثل الحكاية/ الحكاية المثلية).

ـ تحديد البيئة الأولى للمثل.

 

وقد اهتم بعض الباحثين الجزائريين بجمع الأمثال الشعبية مثل:

الدكتور محمد بن أبي شنب في كتابه " أمثال شعبية جزائرية ومغاربية".

عبد الحميد بن هدوقة " أمثال جزائرية".

 

عينة من الأمثال:

 

ـ لا تبدَّل الزَّهْو بالشقا / إذا لقيت الزهو والطرب ما تبدلو بالشقا والتعب.

ـ الدنيا اللي ما عياتو ترشيه.

على كرشو يخلي عرشو.

دير اللي دارْ جاركْ ولاَّ بدَّلْ بابْ داركْ.

ـ القط ايعلَّمْ ابَّاه النَّطّْ.

ـ كي اتحزمتْ العَمْشَا لْقَاتْ النّْهار امْشا.

ـ ارْبَعْ نْسَا والقربه يابْسا.

ـ حطّْ فالتاقْ تْصيبْ فالتَّاقْ.

 بعض الكتب الجزائرية التي ج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة: حول اللغز الشعبي

إن اللغز في حقيقة كنهه هو وصف شيء معين بأوصاف شيء آخر، قد يكون شبيهاً له على مستوى المظهر paraître ، فهو لا يهدف إلى ذكر الأشياء بمسمياتها الكلية المصطلح عليها وإنما يهدف إلى الإشارة إلى مغزى هذه الأشياء وإلى معناها العميق، فاسم الشيء في اللغز يحتوي على كثير من المعاني، وقد لا يتحدد الشيئان أي الموصوف وصاحب الوصف الحقيقي المستتر إلا في مستوى التشابه السطحي.

واللغز الشعبي جنس أدبي قائم بذاته له أصوله ومقوماته الفنية واللغوية والبلاغية، فهو يُعتبر من الأشكال التعبيرية الشعبية الأكثر رواجاً وشيوعاً كالمثل والنكتة.

وقد يُطلق عليه لفظ ( الحجاية ) أو ( المتحاجية) أو ( المُعقيزة).

فيقال: " راه ايحاجي ويفك".

يقول ابن منظور عن اللغز؛ في مادة لَغَزَ: ألغَزَ الكلام وألغزَ فيه عمَّى مُراده وأضمره على خلاف ما أظهره.

 

مميزات اللغز:

ـ الجُمل القصيرة.

ـ السجع.

ـ الجناس.

ـ الموسيقى والإيقاع الداخلي الخفيف والسريع.

ـ قد يكون في قالب شعري أو نثراً.

 

وظائفه:

ـ وظيفة ترفيهية.

ـ وظيفة تعليمية ( تنمية الذكاء، الطب النفسي...).

 

←اللغز في قصة أوديب

 

أقسامه:

 

1ـ المقدمة ← حاجيتك ما جيتك لوكان ماشي هوما ما جيتك/ كلت عشايا أو خليتك...

2ـ السؤال.

3ـ الجواب.

4ـ قسم مرتبط بالتحدي ( فكها ولا نوض من حدايا ...).

أمثلة:

ـ حاجيتك ما جيتك ما تسمى بالسين والسين في خيوط البنَّايا فكها ولا نوض من حداي

الجواب: سيما: الإسمنت: ciment.

ـ طفله وطفل جاو من بلاد النصارى الطفله تخدم الربح والطفل يخدم لخصارى.

الجواب: الإبرة والمقص.

ـ عمي شايب ضهرو يضرب ضربة لمصايب.

الجواب: المسدس.

ـ يبدا بالسين عندوالرجلين أو ما عندوش الراس.

الجواب: السروال.

ـ تبكي بلا عيون أو تمشي بلا رجلين.

الجواب: السحابة/ الغيمة.

ـ زُوجْ بنا قَدْ قَدْ وحدا تبيع أو تشري أو الاخره ما شافها حدْ.

الجواب: الدنيا والآخرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة: الحكاية الشعبية

                            

تقابل كلمة " حكاية " في الثقافة الشعبية الجزائرية لفظة " حُجَّايه " و " خُرَّيفه "، بحيث نسمع العبارات " حاجيني يا جدي " و " خرّْفيني يا جدتي " والمقصود الدلالي واحد أي " احك لي حكاية أو قصة ".

وقد غابت لفظة " حُجاية " وأصبحت تُطلق على اللغز.

وأصل الحكاية من حاكى يُحاكي، ومنها المُحاكاة والتقليد ومُجاراة الواقع والنسج على منواله فضاء خيالياً يقتنع البعض بوقوعه وحدوثه.

وقد عرَّفتها الدكتورة نبيلة ابراهيم ناقلة عن المعاجم الألمانية قائلة « الحكاية الشعبية هي الخبر الذي يتصل بحدث قديم، يُنقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لآخر، وهي خلق حر للخيال الشعبي ينتجه حول حوادث مهمة وشخوص ومواقع تاريخية »[iv].

وعن نفس المرجع نقلاً عن المعاجم الإنجليزية تقول: « الحكاية الشعبية هي حكاية يُصدِّقها الشعب بوصفها حقيقة؛ وهي تتطور مع العصر وتُتداول شفاهاً، كما أنها قد تحظى بالحوادث التاريخية والعرف أو الأبطال الذين يصنعون التاريخ »[iv].

 

وظائف وأدوار الحكاية الشعبية:

للحكاية عدة أدوار منها:

ـ الترفيه.

ـ الجانب التربوي والتعليمي.

ـ الترابط بين الأسرة.

ـ تنمية الخيال.

ـ كسب الرزق.

 

راوي الحكاية الشعبية:

يجب أن تكون للراوي موهبة كبيرة في رواية الحكاية الشعبية؛ وأن يجعل السامعين متشوقين لسماع أحداثها ووقائعها دون ملل أو كلل.

 

أنواع الحكايات:

للحكاية عدة أنواع منها:

ـ الحكاية اللغزية.

ـ الحكاية المثلية.

ـ الحكاية النكتة.

ـ الحكاية الشعرية.

ـ حكاية الحيوان.

ـ حكاية الأولياء.

ـ حكاية الجانب الأخلاقي.

ـ حكاية الجانب الاجتماعي....إلخ

 

وسائل الباحث لتدوين الحكايات الشعبية:

ـ كنانيش للتدوين.

ـ آلة التسجيل.

ـ آلة تصوير ثابتة ومتحركة ( فيديو).

ـ معرفة شخصية الراوي.

 

تدوين الحكاية الشعبية:

تمثله ثلاثة اتجاهات:

 

الاتجاه الأول: تمثله تلك الأعمال التي استنسخت نصوص الحكاية الشعبية باللغة الفرنسية ومن بين من يمثلونه الباحث يوسف نسيب بكتابه:

Contes algériens  du Djurdjura – contes populaires- ed publisud Paris 1982

عدد صفحاته 70 صفحة ـ 07 نصوص.

الاتجاه الثاني: وتمثله تلك الأعمال التي استنسخت نصوص الحكاية الشعبية باللغة العربية الفصحى، ومن بين من يمثله الباحث رابح بلعمري بكتابيه " بذور الألم " و " الوردة الحمراء".

ـ عنوان الكتاب الأول: بذور الألم قصص شعبية من الشرق الجزائري، مطبعة بيليسيد باريس 1983.

الاتجاه الثالث: وتمثله الأعمال التي استنسخت نصوص الحكاية الشعبية باللهجات المحلية.

 

دراسة الحكاية الشعبية وتحليلها:

 

من بين أهم الباحثين الذين اهتموا بدراسة وتحليل الحكاية الشعبية نجد فلاديمير بروب، الذي وضع الأسس الأولى لما يُعرف بـ " المنهج المرفولوجي"، وقام هذا العالم بدراسة الحكايات الشعبية الروسية، وقد كانت الدراسات قبله تدعم مبدأ الإثنومركزية مثل أعمال الألمانيين الأخوين جاكوب جريم   و  فيلهيلم جريم.

إن الإشادة بمنهج فلاديمير بروب في تحليل الحكاية الشعبية يُعتَبر رفضاً لتلك الأفكار القديمة، وذلك الاستنباط القائم على النزعة العرقية المشبوهة، خاصة بعد صدور كتابه سنة 1928 الذي عنوانه:

بالعربية: مورفولوجية الخرافة.

بالفرنسية:  morphologie du conte

بالإنجليزية: morphology of folk tale

بالإسبانية: morfologia del cuento

 

يقول بروب مُعرِّفاً كلمة مورفولوجيا: « تعني كلمة مورفولوجيا، دراسة الشكل، وفي علم النبات تهتم المورفولوجيا بدراسة الأجزاء المكونة للنبات؛ والعلاقات فيما بينها؛ وفيما بينها وبين المجموع، بعبارة أخرى دراسة بنية النبات ».

وقد قام بروب بدراسة مائة (100) حكاية روسية، ولاحظ أن بعض الوحدات النصية تتكرر من نص إلى آخر على عكس بعض الوحدات النصية التي تختلف من نص إلى آخر، فسمَّى الأولى بـ " قِيَم ثابتة " valeurs constantes ، وسمَّى الثانية " قِيَم ثابتة " valeurs variables، ووجد أن عدد هذه الوظائف لا يتعدى 31 وظيفة، وتتكرر في النصوص بنسب مختلفة، وسمَّى النص الذي يحتوي عليها جميعاً بـ " النص المثالي ".

وكمثال على ذلك:

ـ أعطت العجوز بساطاً للشاب، طار البساط  بالشاب إلى بلاد بعيدة.

ـ وَهَبَ الأب لابنه عصا، تحولت العصا إلى طائر وحلَّق بالابن إلى مملكة أخرى.

 

ما تغير هي الشخصيات والأوصاف والأسماء والأدوات والزمان والمكان، وما هو ثابت الأفعال والحركات أو الوظائف fonction.

فتجمع بين النصين وظيفة العطاء ووظيفة التنقل.

العجوز تُعطي بساطاً للشاب ـ الأب يهب لابنه عصا.

البساط ينتقل بالشاب إلى بلاد بعيدة ـ العصا تنقل الابن إلى مملكة أخرى.

 

 

 

 

الوظائف التي حددها فلاديمير بروب هي:

 

الوظيفة 0: هي وظيفة التقديم للحكي: " كان يا مكان" أو " حاجيتك ما جيتك"......

الوظيفة 1: النَّأْي أو الرحيل: البحث عن شيء ـ السَّفَر ـ الموت...

2ـ المَنع.

3ـ خرق المنع.

4ـ الحصول على إرشادات ( شخصية شريرة).

5ـ حصول الشخصية الشرية على معلومات ( اطِّلاع).

6ـ الشخصية الشريرة تخدع الضحية ( الشخصية الشريرة تخدع الضحية ( الخداع).

7ـ يُخدع البطل.

8ـ إلحاق الضرر بأحد أفراد العائلة ( إساءة) و ( افتقار). ← وهذه هي أهم وظيفة في نظر بروب.

9ـ وساطة أو تفويض: شيوع خبر الإساءة وظهور لبطل الذي يسعى لسد الافتقار.

10ـ قبول البطل القيام بالمهمة.

11ـ وظيفة انطلاق.

12ـ امتحان واختبار: يحصل البطل على أدوات مساعدة.

13ـ رد الفعل.

14ـ الحصول على الشيء السحري.

15ـ وظيفة انتقال.

16ـ يتصارع البطل مع المُعتدي أو الشخصية الشريرة.

17ـ وظيفة علامة: يصاب البطل بجرح في جسده يبقى واضحاً.

18ـ وظيفة انتصار: انتصار البطل.

19ـ إصلاح الإساءة.

20ـ العودة.

21ـ مطارَدة.

22ـ إسعاف: يحصل البطل على مساعدة.

23ـ العودة: الوصول متستراً.

24ـ ظهور البطل المزيف والخائن.

25ـ وظيفة امتحان وعرض مهمة صعبة.

26ـ وظيفة إنجاز المهمة الصعبة: ينجح البطل.

27ـ وظيفة اعتراف بالبطل الحقيقي.

28ـ كشف البطل المزيف أو المعتدي على البطل.

29ـ البطل في مظهر جديد.

30ـ معاقبة البطل المزيف أو المعتدي.

31ـ مكافأة البطل ( مكافأة مالية ـ زواج بابنة السلطان ـ ارتقاء العرش...).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السيرة الشعبية: هي قصص مستقاة من التراث العربي. تمجد فيها الأخلاق العربية الأصيلة كقوة العربي وعزته وشهامته وتنكر فيها الأخلاق السيئة كالخيانة والغدر. السيرة الشعبية نوع أدبي قصصي طويل، من أنواع القصّ في الأدب الشعبي العربي. وفيه يتابع القاصّ مراحل حياة البطل القصصي الرئيسي، الذي تُنْسب إليه السيرة عادة، ويعرض القاصّ وقائع اشتباك حياة هذا البطل مع الأبطال الآخرين المناوئين وتلاقيها مع الموالين، كما يبين تداخلها مع المواقف المصيرية في حياة قومه وحروبهم مع الآخرين. ويتم سرد السيرة الشعبية نثرًا، يتخلله الشعر في المواقف المتوترة قصصيًا، وإن كانت هناك روايات شعرية كاملة لبعض السّير الشعبية.

حدود المصطلح

تُستخدم كلمة سيرة في الإطار التاريخي لتعني ترجمة حياة شخص. ويُقصد بها، كما استُخدمت عنوانًا لعديد من الكتابات في التراث العربي القديم، السرد المتابع لدورة حياة شخص، وذكر الوقائع التي جرت له أثناء مراحل هذه الحياة منذ ميلاده حتى وفاته. وقد افتتح تيار هذه الكتابات في السّير وثبته في التراث العربي بالكتابات المتوالية حتى اليوم عن سيرة الرسول ³، والتي كانت أولاها سيرة ابن هشام.

وتستخدم السيرة الشعبية كلمة سيرة بمعنى قريب من هذه الدلالة فيما يخصّ بطلها الرئيسي، الذي تُنْسب إليه السيرة عادة. وكأن السيرة الشعبية تريد أن تستفيد من الدلالات المصاحبة التي يستدعيها إلى الذهن التراث العربي الوفير من الكتابات في السّير، ومايتصل بها من كتب المغازي والفتوح، ومادُوّن من أخبار العرب وأيامهم في الجاهلية والإسلام.

وبهذا تُحقّق السّيرة الشعبية غرضين: فهي من ناحية، تُؤسّس لمصداقيتها، ومن ناحية أخرى تُلمّح إلى بعض مصادرها الأولى التي استقت منها شيئًا من عناصرها المكوّنة، سواء على مستوى هيكلها البنائي أو على مستوى المادة القصصية.

أما بالنسبة لوسم السّيرة الشعبية بمسمى الشعبية، ونسبتها إلى الشعب، فهو لتحديد هُويتها وطبيعتها النوعية، ولتمييزها عن السّير المكتوبة الوفيرة في التراث العربي، سواء أكانت هذه السّير مكتوبة باللغة الفصحى أم باللهجات العامية. فكتابات السّيرة كما وردت في التراث العربي ألفها أفراد يعبرّون فيها عن ذواتهم، ويجسدون بها رؤيتهم الفردية. والواقع أن معيار شعبية السّيرة ليس المستوى اللغوي الذي تُؤدَّى به، فصيحًا كان أم عاميًا، وإنما المقوم الذي تتأسس عليه شعبية السيرة هو جمعيتها. والجمعية هنا تعني أن السّيرة من إنتاج الجماعة الشعبية، وأن أبناء هذه الجماعة يتواترون السّيرة، ويتداولون روايتها، ويتبنونها باعتبارها معبّرة عن مُثُلهم وقيَمهم ورؤاهم الجمعية. ومن ثَمّ، تكون السّيرة الشعبية مشاعًا مشتركا بينهم، يتملّكونها جميعًا. ولامثار هنا لقضية جهل المؤلف أو العلم به، فالسّيرة الشعبية عندما تتبناها الجماعة، وتتواتر روايتها، تكون قد أصبحت من إنشائها، ويتم إقرار صياغتها بوساطة الإبداع الجمعي.

عروبة المصطلح

ولخصوصية نوع السيرة الشعبية العربية، ولصلتها الحميمة بالتراث العربي، يفضّل الدارسون العرب، حتى عند الكتابة بلغات غير عربية، استخدام مصطلح السّيرة الشعبية كما هو، ولا يفضلون ترجمته إلى مصطلح ملحمة أو غيره من المصطلحات القريبة في اللغات الأخرى. فالسّير الشعبية العربية، وإن كانت تشترك مع الملاحم في جانب من ملامحها وخصائصها الفنية، إلا أنها تنفرد بخصائص تجعل منها نوعًا قائمًا بذاته.

حصر السّير الشعبية

تتعدد السّير الشعبية في المأثور الشظعبي العربي؛ ويكشف لنا الحصر الميداني عن اختفاء عدد منها، ومع ذلك مابقي منها كثير إذا قُورن بالموجود لدى الشعوب الأخرى. وأبرز السّير التي لازالت راسخة في الذاكرة الشعبية العربية: 1- السّيرة الهلالية (أو سيرة بني هلال). 2- سيرة الزير سالم. 3- سيرة عنترة بن شداد. 4- سيرة الملك سيف بن ذي يزن. 5- سيرة الأميرة ذات الهمة. 6- سيرة السلطان الظاهر بيبرس. 7- سيرة الأمير حمزة البهلوان.

كما توجد أعمال أخرى أطْلق عليها مصطلح السيرة، غير أنها لاتتسم بالطول المعتاد في السّير السابقة، ولابنفس السعة في المعالجة القصصية؛ إذ إنها تركز على معالجة موقف أو صراع محدد لبعض الشخصيات التاريخية ذات المكانة الدينية، مثل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وبالمثل تُنسب أعمال أخرى إلى السّير الشعبية، وإن كانت قد دخلت ضمن مجموعات قصصية أخرى، مثلما نجد في ألف ليلة وليلة، التي ضمَّت إلى قصصها سيرتي عمر النعمان وعلي الزيبق.

خطوطها القصصية. يعتمد التخطيط القصصي للسّيرة الشعبية على خط محوري ممتد طولياً، تتشابك معه مجموعة من الخطوط، وتتفرع على نحو عنقودي. ويتابع الخط القصصي المحوري مراحل حياة البطل الرئيسي، الذي تُسمّى باسمه السّيرة الشعبية عادة (عنترة، سيف، أبو زيد … إلخ)، ويسرد الوقائع المؤثّرة قصصيًا في أطوار حياته منذ ميلاده حتى وفاته. وتتشابك مع هذا الخط المحوري خطوط قصصية أخرى تنسجها علاقات الأبطال الآخرين العديدين الذين تعجّ بهم السّيرة الشعبية، وتتنوع أدوارهم مابين: الموالي أو المعادي، والندّ الحليف أو المناوئ، والمانح أو السّالب، والتابع النصير أو المعوّق.

وفي الوقت نفسه، يتركّب مع هذه الخطوط القصصية المتداخلة خط آخر، يتمثَّل في متابعة حياة الجماعة، التي ينتمي إليهم، سواء في مسلكهم في الحياة، أو في مصالحهم وصراعاتهم مع الآخرين.

مادة موضوعها. يطفو على سطح السّيرة الشعبية موضوع الحرب والمعارك المتوالية بوصفه جسدًا كليًا، بحيث يبدو وكأن الصراع الموصول بين الأبطال والأقوام المتناحرين هو موضوعها. غير أن تيار السّيرة الشعبية التحتي، يتكون من موضوعات أخرى متعددة. فمنها مايعرض لمختلف المشاعر الإنسانية كالحب والتوادّ ونقيضها، ومنها ما يصف المواقف السلوكية المتباينة كالنخوة والإيثار أو الغدر والخديعة ونحوها، ومنها مايتناول العلاقات البشرية، كالأبوة والبنوة والصداقة والتحالف في مواجهة العداوة والحقد والضغينة.

كما تحرص السّيرة الشعبية على أن تضم في ثناياها مايخدم أغراضها من المعلومات والبيانات المُفسّرة، سواء أكانت تاريخية أم تتعلق بالعادات والتصورات الجمعية. ومن ثم نجد فيها سردًا لقوائم نسب الأبطال وقبائلهم وتاريخ أسلافهم، وأوصافها لأقاليم ومعالم جغرافية يمرّون بها، وشروحًا لعادات وتقاليد يمارسونها، وهلم جرًّا.

مرونتها. إن تعدد الخطوط القصصية في السّيرة الشعبية، ووفرة مادتها الموضوعية، قد أكسبها امتدادًا في السرد وبعدًا موسوعيًا في العرض القصصي؛ الأمر الذي منح السّيرة الشعبية نَفَسًا قصصيًا طويلاً له ميزاته وإشكالاته البنائية في الوقت نفسه؛ حيث إنه يُهدّد السّيرة الشعبية من جهة تماسك هيكلها وتلاحم مكوّناته، وخاصة في رواياتها الشفوية. ومن المعروف أن السّيرة الشعبية لا تُؤدَّى كاملة في جلسة واحدة، ولافي عدة جلسات محدودة، ولايوجد راوٍ يُتْقن رواية كل أجزائها وفصولها بنفس الدرجة من الإجادة واستقصاء التفصيلات.

بيد أن السّيرة الشعبية تواجه عوامل التفكك، باعتمادها على خطها القصصي المحوري، ومايتشابك معه من خطوط فرعية، لتقيم إطارًا كُلّيًا، يقوّي هيكلها، ويحافظ على صورته العامة. وفي الوقت نفسه، تستفيد من ميزة أن مجرى الأحداث في السّيرة الشعبية ينبني في الحقيقة على مجموعات من الأحداث والمواقف والحبكات، تكاد كل مجموعة منها تكوّن حلقة مستقلة. وهذا يُحقق مرونة لروايات السّيرة الشعبية شفويًا، ويتيح إمكانية لتقسيمها إلى أجزاء وفصول ومقاطع قصصية، يُمكن أن يُروى كلّ منها على حدة. وربما دعّم هذه الآلية وجود الرواة المحترفين، ووجود نسخ مطبوعة يسَّرت إمكانية الرجوع إليها مصدرًا للتوثق والمذاكرة.

ولاتوفّر السيرة الشعبية جهدًا لكي تُعطي هذه المرونة دفعة باستخدام كل إمكانات التأثير الفني. ومن هنا نجدها لاتتحرّج من أن تجمع بين أجناس ووسائل أدبية وفنية متنوعة. وأوضح ماتقوم به من عمليات الجمع الفني هذه، جمعها بين السَّرد النثري والنظم الشعري، وجمعها بين القصّ المرسل، والأداء الإلقائي الدراميّ، والأداء الغنائي الموسيقي.

صلتها بالتاريخ. تشير عناوين السّير الشعبية إلى شخصيات، أغلبها مذكور في التاريخ العربي والإسلامي. والواقع أن استعمال السّير الشعبية للمادة التاريخية أبعد من هذه الإشارة في العنوان. فأغلب هذه السّير يدور حول شخصيات ووقائع لها أصل تاريخي، وغير قليل من المعالم والمواقف والأحوال الموصوفة فيها تحوي أصولاً تاريخية.

ولكن هذا لايعني أن السّير الشعبية مؤلفات تؤرخ لأشخاص أو فترات أو أحداث، ولا يعني أيضًا أنها تلتزم بضوابط الصحة التاريخية والتوثيق المنهجي. ويجب ألا ننسى أن السّير الشعبية أعمال فنّية أدبية قصصية تلتزم في المقام الأول، القواعد الفنية القصصية في رسمها للشخصيات، وتحريكها للأحداث ووصفها لمجال حركة هذه الشخصيات والأحداث. وعندما تتعامل السّير الشعبية مع وقائع التاريخ، فإنما تتعامل معها باعتبارها مادة تستعملها وخيوطًا تَجْدلُها مع خيوط أخرى في نولها الفني، حيث يجري على المادة التاريخية مايجري على المواد الأخرى من إعادة التشكيل والصياغة، إلى أن تتسق سائر العناصر الفنية وتتكامل، وفق منظور مُنتجيها ومعاييرهم الجمالية.

نشأتها ونموها. لاتقدم المصادر التاريخية المتاحة حتى الآن إلاّ إشارات مقتضبة، تذكر وجود قصص فيها أسماء مما في بعض السّير الشعبية الحالية، ولكنها لم تورد تفاصيل شافية تُجلّي صورة أي سيرة شعبية في أطوارها الأولى. وربما كان من أقدم الإشارات إلى وجود مصطلح السّيرة مقرونًا بأسماء سير نعرفها إشارة ابن كثير (ت 774هـ) في تفسيره للقرآن الكريم، عندما انتقد رواة سير مثل الأميرة ذات الهمَّة وعنترة. أما أكثر الإشارات تفصيلا فهو ما أورده ابن خلدون (ت 816هـ) من شذرات من سيرة بني هلال مدوّنًا نصوصًا من أشعارها البدوية.

ولكن افتقاد المعلومات والتفصيلات الواضحة لم يثن الباحثين عن الاجتهاد في محاولة التوصل إلى الكيفية التي نشأت بها السّير الشعبية ومراحل تطورها. وتتلخّص افتراضات الباحثين في هذا الصدد في نظرتين: أولاهما، تأثرت بدراسات تاريخ الأدب القديم وتحقيق نصوصه، فضلاً عن اقتصار اعترافها بالسّير الشعبية على النسخ المخطوطة والمطبوعة منها. ولذا تغلب على هذه النظرة المعايير النقدية السائدة بين مؤرخي الأدب، ولذا يمكن أن نطلق على الآخذين بهذه النظرة أصحاب النظرة التأريخية الأدبية. ومن هنا نراهم يتعاملون مع السّيرة الشعبية على أنها عمل أدبي، كتبه مؤلف واحد في الأغلب، وظهر إلى الوجود دفعة واحدة. ومن ثم شغل هؤلاء الدارسون بالبحث عن مؤلفيها الأفراد، وسعوا إلى تحديد الزمن الذي ألفت فيه، ولازالوا ينشدون العثور على أُمَّهَات مخطوطاتها. أما النظرة الثانية، فأصحابها مشغولون أكثر بالروايات الشفهية، ويرون أن كلا من النسخ المخطوطة أو المطبوعة منها الآن ليست إلاّ رواية من الروايات تمّ تثبيتها وتدوينها. وهم يفترضون أن السيرة الشعبية نشأت بفعل التراكم القصصي خلال زمن طويل من التحوّل والنموّ على ألسنة رواتها. ولذا يمكن أن نطلق على الآخذين بهذه النظرة أصحاب نظرية التراكم. وشواهدهم البحثيّة توضح أن نواة هذا التراكم تتكون من بعض الشخصيات والوقائع التاريخية التي تثبت في الوجدان الشعبي. وأن هذه الشخصيات وتلك الوقائع المختزنة في الذاكرة الشعبية تستقطب حولها مجموعة من الوحدات القصصية الموجودة في المأثور الشعبي في حينها. ومثلما تتكون البلّورات في الطبيعة، وتتراكم طبقاتها، تتراكم الطبقات القصصية في السّيرة الشعبية حول نواتها. وبفعل مرور الزمن، وبتأثير عمليات التعديل والصقل المُسْتمر اللذين يتم خلالهما تداول رواية السّيرة الشعبية، تنمو وتلتحم أجزاؤها وتتكامل في شكل السيرة الشعبية التي نجدها بين أيدينا الآن.

ومهما يكن من أمر، وسواء أُخذ بإحدى النظرتين أو بغيرهما، يُجْمع غير قليل من الباحثين على أن نضج السّير الشعبية العربية تمّ فيما بين القرن الثامن والعاشر الهجريين (الرابع عشر والسادس عشر الميلاديين). ثم جرى بعد ذلك تدوين بعض صور من رواياتها، خاصة في المدن. وعن المخطوطات المدونة هذه، نُقلت طبعات رخيصة، أخذت في الانتشار منذ القرن التاسع عشر الميلادي في الأسواق الإقليمية. أما في الأرياف والبوادي فقد واصلت السّيرة الشعبية حياتها الشفهية، تتجاوب مع متطلبات الأداء وتقاليده، وتخضع لآليات الصيرورة، ويسري عليها قانون التغير العام، الذي شمل كل وجوه المجتمعات العربية.

أداؤها المحترف. ليست السّيرة الشعبية قصة تُقرأ على انفراد، وإنما هي عمل يؤدَّى في مجلس أو محفل. وهذا الأداء له تقاليده التي تتوافق مع التقاليد الفنية للجماعة الشعبية؛ ولهذا تتنوع صور الأداء وفق تباين أحوال المجتمعات الشعبية العربية. ومن ثم، نجد صورًا من الأداء ترتكز على الإلقاء المسرحي، بينما تضيف أخرى العزف على الرباب والغناء المنفرد، وتتوسع ثالثة في العزف والغناء مكوّنة فرقة متعددة الآلات والأدوار .

والواضح أن اتجاه التوسع هذا يرجع إلى وجود محترفين متفرغين لعملية الأداء؛ حيث يتوافر هؤلاء المحترفون وأشباههم على تجويد جوانب الأداء وتنمية أساليبه وأدواته، في حين واصل الأداء بين عامة أبناء الجماعة الشعبية صورة النمطية البسيطة. وتُفيد المعلومات، التي وصلتنا من القرن التاسع عشر الميلادي، وجود تنويعات من المحترفين منذ ذلك الوقت. فقد ورد أن طائفة من المؤدّين كانوا يلقون السّير الشعبية على الناس في المدن وأطْلق عليهم اسم المحدّثين، ويبدو أنهم كانوا يقرأون من كتب، أو على الأقل يرجعون إليها، ويبدو أيضًا أن هذا كان مرتبطًا بسير شعبية مثل الظاهر بيبرس. بينما اختصت طائفة برواية سيرة عنترة أطلق عليهم العنترية، وانفرد راوي السّيرة الهلالية بكونه الشاعر .

كما تفيد المعلومات الواردة عن صور الأداء السائدة في المجتمعات العربية حتى العقود الأخيرة أن وجود المحترفين كان مقتصرًا على بعض المراكز وفي المدن عمومًا، بينما كانت الأرياف والبوادي تتداول أداء السّير الشعبية بين أبنائها الحفظة والموهوبين دون اعتماد على المحترفين، إلا في الحالات التي يقوم فيها مؤدون جوَّالون بالوصول إلى تلك البيئات بين الحين والآخر.

 

 

النكتة والفكاهة الشعبية

 

يزخر التراث الشعبي العربي بأنواع متعددة من الأدب الفكاهي سواء كان شعرا ونثرا أو نكتة. والنكتة الشعبية هي خبر قصير ضمن سياق حكائي مختصر يثير الضحك، والنكتة تركيبة لغوية معقدة.
وليست وسيلة النكتة في ذلك هي وسيلة اللغة المألوفة التي تهدف الوصول إلي فهم عن طريق التسلسل المنطقي وإنما تنقطع في النكتة سلسلة التعبير المنطقي، ومع ذلك فهي تهدف إلي إدراك العبث أو المحال أو إدراك متناقضات الحياة من خلال المعنى المزدوج، وتختلف النكتة الشعبية عن الفكاهة الشعبية في أمور عدة منها:
ــ النكتة تحتاج إلي حيز زمني محدد وهي تهدف إلى الوصول إلي إدراك مفاجئ لبعض مظاهر الحياة ويتحقق هذا عن طريق وظيفتين أساسيتين للنكتة هما المقارنة والإصغاء.
ــ النكتة الشعبية حالة من الانشراح الذهني تعتمد علي حسن اختيار قائلها للوقت المناسب لقولها.

 ــ تتلازم النكتة الشعبية مع حلم الإنسان كما يؤكد فرويد في نظرية (التحليل النفسي) وتبعا لهذه النظرية تنبثق النكتة من الشعور الإنساني.

أهداف النكتة:

1ـ الضحك.

2ـ الاعتبار.

أنواع النكتة:

تتنوع النكتة الشعبية بحسب الموضوع الذي تتناوله سياسياً كان أم اجتماعياً أم اقتصادياَ ودينياً وفكرياً...

النكتة والفكاهة في كتب التراث العربي:
حفلت كتب التراث الأدبي بمساحات واسعة من النكتة والفكاهة حيث نلمس حضورها من خلال بعض كتب الجاحظ (البخلاء) وقد خصص لها بعض الكتّاب أقساما من كتبهم (عيون الأخبار) وأبو حيان التوحيدي في كتابه (الإمتاع والمؤنسة) كما ظهرت المواقف الفكاهية في بعض الكتب التي اقتصرت على عالم الفكاهة مثل كتاب (جمع الجواهر في الملح والنوادر) للحصري القرواني وكتاب(الموشى) لأبي الطيب محمد بن اسحق... الخ.
شخصيات فكاهية في التراث الشعبي:
احتل (جحا العربي) المرتبة الأولى في قائمة هذه الشخصيات الشعبية شهرة وتداولا على ألسنة الناس، ومن الشخصيات الفكهة شخصية(أشعب وأبي دلامة والشعبي وأبو نواس) وقد ظهرت شخصية (جحا العربي) قبل ظهور شخصية (جحا التركي) حيث ترجح أغلب المراجع الأدبية والتاريخية على أن جحا العربي قد ظهر فجر الدولة العباسية وقد حظيت هذه الشخصية الفكهة المثيرة للجدل بالكثير من الدراسات حيث ذكر أحد الباحثين (أما الصبغة البارزة التي تسلك مجامع الحكماء فقد اكتشف جحا بعبقريته أو بعبقرية الشعب العربي أن المأساة يمكن أن تتحول إلى ملهاة، فإن موقف الإنسان من أعباء الحياة ليس هو الذي يحدد الفرق بين البكاء والضحك ولكن الزاوية النفسية هي التي تحدد هذا الفرق، فاندماج الإنسان في الموقف يضنيه خروجه منه؛ وفرجته عليه يسري عنه ويضحكه، وهكذا استطاع جحا أن يكابد الحياة ويضطرب فيها وأن يخلق من نفسه شخصا آخر بعيد عن الأول يتفرج عليه ويسخر منه، وهكذا تحولت المآسي عنده إلي طرائف تُسري عنه وعن الشعب العربي.


مفهوم الفكاهة الشعبية
لمصطلح الفكاهة معنى محدد نجده واضحا في أذهاننا وضوحا كاملا فكل ما يسبب الضحك هو فكاهة (سواء كان هذا الذي يسببه مفارقة لفظية أو عيبا أو تناقضا صريحا لمواصفات حياتنا).
والفكاهة كما يشرحها الفيروز أبادي، في موسوعة (القاموس المحيط) هي من اللغة اسم من التفكيه وهو المزاح وما يتمتع به المرء من حديث مستملح ونحوه.
وفي العموم الفكاهة نوع أدبي وشعبي يثير الضحك ويدفع السأم عن الإنسان ويبعث في نفسه السرور والحيوية والنشاط.

الفكاهة في السير الشعبية
لقد حظيت السير الشعبية بتغلغل الروح الفكاهية فيها بصورة واضحة، حيث اعتمدت على أصول حقيقية في البؤرة الرئيسية للأحداث والأبطال؛ فضلا عن التراكمات الفلكلورية للشعب العربي.
ويقول الباحث فاروق خورشيد في كتابه (وتكاد لا تخلو سيرة شعبية من سيرنا كلها من وجود الشخصية الجانبية التي هي بطبيعتها شخصية حادة الذكاء، قادرة على توليد الفكاهة؛ وقادرة أيضا على خلق المواقف الضاحكة سخرية بأعداء البطل.
وهذا التقليد تقليد وجود معاون البطل صاحب الذكاء والحيلة إلي أجواء البطل صاحب القوة والمهارة القتالية، تقليد قديم بدأ منذ سيرة عنترة بن شداد واستمر في كل السير الشعبية التالية لهذه السيرة     ونجد إلى جوار حمزة البهلوان عمر العيار، و إلى جوار عنتره شيبوب، ونجد محمد البطال إلى جوار ذات الهمة، وعثمان بن الحبلى وشيح إلى جوار الظاهر بيبرس، ويضيف أيضا (إن فكاهة عمر العيار تتسم بالخفة والذكاء ولكنها غليظة ثقيلة الوقع على أعداء حمزة البهلوان؛ وتكلفهم حياتهم في أغلب الأحيان ولكنها تنجو بالأمير حمزة من المهالك؛ بفضل ما بها من سعة الحيلة والقدرة على حسن التصرف.

أنواع الفكاهة الشعبية
تنطوي الفكاهة الشعبية على أنواع عديدة تتقاطع بينهما قواسم مشتركة كثيرة ومن أهم وأشهر وأطرف الفكاهات الشعبية.
ــ التهكمية:
وهي قول مأثور أقرب ما يكون إلي المثل في صيرورته علي الألسن، يثير
فينا مختلف المشاعر والأحاسيس وعلي الأخص مشاعر الهزء والسخرية.
وتعتمد التهكمية في تحقيق أهدافها علي وسائل كثيرة من المفارقات والأضداد وازدواجية المعاني العفوية والتصوير التعبيري والكوميدي ومن التهكمات الحلبية التي أوردها الباحث محمد حسن في كتابه (الأدب الشعبي في حلب).
تنقل التهكمية التالية ( مرَّ نحوي على بقال وقال له بكم هاتان البرتقالتان اللتان كأنهما بطيختان خضراوتان؟
فأجابه البائع بسكينتان تقطعان منه اللسان ورصاصتان تهرهران منك الأسنان.

الحكاية الهزلية
وهي الحكاية التي تنتهي بما يبعث على الضحك وهي أطول من النكتة ومن الحكايات الهزلية الحلبية (نام صهر امرأة مع ابنتها في فراش وإذا مرت بهما قالت لصهرها: الدنيا برد لفو بعضكما بتدفوا، وفي الطرف الثاني كان ابنها نائما مع كنتها في فراش فقالت:
لكنتها حمي وقريضة أي ابعدي عنه قليلا ألم تلاحظي أنه (عرقان).

النادرة أو الطرفة:
وهي تقع في مرتبة وسط بين الحكاية الهزلية والنكتة وهي حكاية قصيرة جدا تضم خبرا سارا تعتمد على قول غير مألوف ونوادر جحا هي من هذا النوع.

الدعابة
هي أخف أنواع الفكاهة الشعبية تدعو إلي الابتسام الخفيف دون الإضحاك.
وأخيرا تبعث النكتة الشعبية البناءة و الفكاهة الشعبية الطريفة أجواء الفرح والمرح في النفوس وتخفف من وطأة المتاعب وهما وسيلتان من وسائل الثقافة الشعبية.

 

 

 

 

 

 

 

الأغاني الشعبية

 

الأغاني الشعبية:

يرى أحمد رشدي صالح أن " أغاني العمل " هي عامود الأدب الشعبي، حيث يقول:  « نحن نعتبر أغاني العمل عامود الأدب الشعبي التقليدي، الذي يجمع سماته، في المحتوى والشكل على السواء »[iv]، ثم حدَّد السمات المميزة لأغاني العمل في قوله: « الحق أن سمات أغاني العمل هي عينها السمات العامة للأدب الشعبي التقليدي، ففيها الجماعية، والصدور عن الضرور، والاحتفاء بالمعتقد والعرف والاصطلاح، وفيها التاريخ الشعبي بواسطة الأدب... وأول ما يُطالعنا من صفات العمل السائد لدى جمهرة الفلاحين أنه يؤدى بأدوات عمل بدائية لابد للعامل بها من أن يبذل مجهوداً بدنياً متصلاً؛ ومن أن يكرر الوحدة الحركية طوال وقت عمله، يَمُدُّ الذراع ويُثنيها، يبسط الييد ويقبضها، يرفع القدم ويُنزلها، ويشد عضلاته ويُرخيها فكأنما جسمه آلة تدور في حلقة مُفرغة من الحركات المتكررة »[iv].

ويعرِّفها ( أغاني العمل) بأنها: « تلك الأغاني المعروفة منذ العصور القديمة للغاية، وهي الأغاني الشعبية المميزة التي وصلتنا في شكلها البدائي وكانت قد أنشأت لتصاحب عملاً عنيفاً، ولتضفي عليه النغم وتمده بالوحدة الحركية»[iv].

وتشمل الأغاني الشعبية كل مناسبات الحياة أفراحاً وأحزاناً، وتصاحب الإنسان من ميلاده حتى وفاته، ومن تلك المناسبات:

ـ الميلاد والنفاس.

ـ العقيقة.

ـ الختان.

ـ مناسبات تعليمية.

ـ خطوبة وزواج.

ـ أعياد ميلاد.

وفاة.

ـ مناسبات دينية ووطنية.

ـ أعمال مختلفة: كالزراعة والحرث، الأعمال المنزلية المختلفة...

وقد تكون هذه الأغاني من تأليف جماعي حيث تشترك المجموعة في تأليفها، فكل فرد يُعطي بيت أو كلمة أو عبارة حتى تتشكل الأغنية، وبالتالي فإنها تتصف بصفة " الجماعية " بامتياز.

وقد تكون هذه الأغاني عبارة عن قصائد لشعراء معروفين أو مقاطع منها، ولهذا يرى البعض أن الشعر غير المعرب يلقب بـ " الملحون ".

وقد تكون هذه الأغاني قصائد مما يُعرف بـ " الزَّجَلْ "، وهو شعرٌ يدخل تحت باب الحكمة والنصح والإرشاد مثل رباعيات الشيخ عبد الرحمن المجدوب.

ومثل " الْعْرُوبِي " بمنطقة توات[iv] ( ولاية أدرار حالياً ) بالجنوب الغربي من الجزائر.

ومما يمكن أن تُدخل ضمن الأغاني الشعبية ما تُعرف بـ " البوقالات ".

وكلمة " بُقالة " متفق عليها في التراث الشعبي، فهي تعبر عن العادات والتقاليد الشعبية ولكن تختلف من منطقة إلى أخرى ومن أشهر مناطقها العاصمة والبليدة.

والبوقالة تعتبر من عادات الأجداد كانوا يستخدمونها للفال وهي خاصة بالنساء تُلعب عادة ليلاً.

أما عن تاريخها فلم يعرف تاريخ نشأة البوقالة، ولكن بُقال أنها ظهرت مع ظهور البوقالات الريفية التي اشتهرت بها بنت اسمها" وحيدة بنت الريف"، فقد كانت تكتب بوقالات ريفية تخص الحيوانات مثل: الحمام، العصافير...، وعن بعض النباتات مثل الشجر، المرجان...، وبعدها تطورت وأصبحت تقال في المناسبات السعيدة كالزواج والخطوبة، وأيضاً في شهر رمضان المعظم...

نماذج من البوقالات:

ـ يا زارع الخير حبة ويا زارَعْ الخِيرْ يَاسَرْ، مُولْ الخِيرْ يَنْبَا وْمُولْ الشَّرْ خَاسَرْ.

ـ جُزْتْ عْلَى دِيكْ السَّاقْيَه صَبْتْ المَا ايْوَلْوَلْ، اللِّي يَتْمَنَّى حَاجَه انْشَا الله رَبِّي ايْكَمَّلْ.

ـ لُونْجَه بَنْتْ السُّلطَانْ عْلِيهَا ثْلاَثَه خُطَّابْ، وَاحَدْ رْمَاهَا مشْوارْ، والثاني رَاكَبْ حْصَانْ، وَالثَّالَثْ وَاسْمُو مُخْتَارْ وْقَلْبُو مَقْدِي بَالنَّارْ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأسطورة

 

ويطلق عليها في اللغة الفرنسية  mythe  وفي الإنجليزية  myth  وفي الإسبانية mito  ولقد ربط كثير من الباحثين ـ من بينهم بيير سميث P. Smith في الموسوعة العالمية ـ بين الأسطورة وبين العمل السردي recit  والحكاية conte  والحكاية الشعبية التاريخية legende  والخرافة fable.

ويمكننا القول إنه « لا يستطيع أحد من العلماء الإنسانيين المعاصرين، سواء أكان سوسيولوجياً أم إثنولوجياً، أو ثقافالياً culturalste أم فلكلورياً، أو مؤرخ أديان أم مؤرخ أديان أم مؤرخ أفكار، أو حقوقياً أم اقتصادياً، أو أثرياً أم نفسانياً، أو كلامياً ( علم الكلام) أم فيلسوفاً: أن يضرب صفحاً عن الأسطورة في دراساته»[iv]

أما تعريف الأسطورة عند العرب فإننا نلفي المعاجم العربية تحاول تقديم تفسيرات لهذا المعنى: إما مرتبطاً بالإبداع الأدبي، وإما منعزلاً عنه، فنلفي ابن منظور يفسر الأسطورة بالخيال الباطل إذ يقول : « والأساطير: الأباطيل، والأساطير: أحاديث لا نظام لها ... وسطَّرَها: ألَّفها. وسَطَر علينا: أتانا بالأساطير...إذ جاء بأحاديث تشبه الباطل»[iv].

فالأسطورة في مفهوم ابن منظور ليست إلا هذياناً من القول، وباطلاً من الخيال، وغياباً من دائرة المنطق إذ هي في رأيه:

ـ أباطيل.

ـ أحاديث لا نظام لها.

ـ أحاديث تشبه الباطل.

أما مفهوم الأسطورة عند الزمخشري الذي هو أسبق من ابن منظور فقد سلك المسلك نفسه حين عَرَض للأسطورة لدى تفسير قوله تعالى: ﴿ يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ الأنعام: 25، حين قرر بأنها محض « خرافات وأكاذيب »[iv]. والحق أن هذا هو المدلول الديني الذي وردت عليه في الآيات التي تكررت ما يقارب تسع مرات في القرآن الكريم حكاية عن كفار قريش حين رفضوا ما جاء به محمد" من رسالة سماوية، بين أن الزمخشري لا يقوم هذا المقام حين يعرض للأسطورة مجردة عن الآيات، ويتضح ذلك في معجمه حيث يقول:  « ... وهذه أسطورة من أساطير الأولين: مما سطروا من أعاجيب حديثهم »[iv].

فالأسطورة إذن آتية من سَطَرَ بالمعنى الذي أورده ابن منظور، أي من سَطَرَ علينا: إذا أتانا بالأساطير ويقول: عبد الملك مرتاض: الأسطورة: « جنس قريب من القصة ( تحت أي شكل من أشكالها السردية الكثيرة المختلفة)، وهي لا تكون كذلك إلا إذا ارتبطت بقضية دينية من نوعٍ ما، أي من نوع لا صلة له في الحقيقة بالدين الصحيح، فهي إذن قصة مرتبطة بمظهر ديني خرافي، فهي تتناقض إذن بشكل صريح مع الحقيقة من حيث هي، سواء علينا أكانت دينية أم تاريخية أم غير ذلك شأناً، ويمثل هذا المفهوم العام تُشيعُ الأسطورة في الأدب العربي قديمه وحديثه، إذ ليس في الأدب العربي إلا ما كان من أمر الأساطير القليلة التي كان الناس ينسجونها حول الآلهة التي كانوا يعبدونها قبل ظهور الإسلام، ولاسيما تلك الأصنام التي استُجلبت فيما يقال من الشام ونُصبت بمكة ...ولكن كثيراً من الأساطير نفترض ضياعها بحكم زهد الرواة فيها، وتورعهم في نقلها، خشية أن يسيء بعض ذلك إلى الإسلام، أو يفضي إلى شيء من الشرك بالله تعالى » [iv].

تحتل الأسطورة في الأدب الشعبي مركزاً هاماً جداً، فهي زيادة عما فيها من متعة ومن  حبكة [iv] ومن تشويق، وخيال، تستطيع غالباً أن تنقلك من حادثة إلى أخرى أشد غرابة منها؛ ومن مكان إلى غيره، ومن بلد، ومن زمن إلى آخر، ومن بلاط إلى كوخ صعلوك، سابحاً في البحر أو مناكب الأرض، أو أجواء السماء أحياناً، زيادة عن هذا كله، فهي لا تخلو من توجيه وتربية وضرب للأمثال، وحشر لعجائب والغرائب، التي تخرج بك من الخيال إلى الواقع، ومن الواقع إلى اللاواقع.

والأسطورة تعتمد على أصول وركائز لا بد من توفرها في الحادثة أو الأحداث التي اشتملت عليها، ومن هذه الركائز:

1ـ التشويق: بأن تشتمل الأسطورة على مفاجئات وعُقد غريبة يسلك لحلها طريقاً يجعل السامع متيقظ الإحساس، متتبعاً الأحداث بشوق، حتى يُفاجأه الحل مفاجأة، ويختلف التشويف بحسب قدرة القاص على جمال الأسلوب وطريقة التنقل بين الأحداث.

2ـ ذكاء القاص وفصاحته: التي يستعين بها على تسلسل الأحداث وعلى إبداع كلمات التشويق.

3ـ الخيال: وليس الخيال الذي تعتمد عليه الأسطورة كالخيال الذي تعتمد عليه القصة، فخيال الأسطورة يمتاز بغرابته حتى يصل في الغالب إلى درجه الوهم، والمعروف أن الخيال هو اختراع حادثة أو أحداث يمكن أن يكون لها نظير في الواقع، كالمعارك مع الجن، والطير في الجو، والكرامات الغريبة الخارجة عن النطاق الطبيعي.

والأسطورة كالقصة يتفرع موضوعها إلى فروع متعددة فمنها:

أـ الأسطورة الاجتماعية: التي تقص حوادث أخذت من صميم المجتمع، وتتعرض غالباً إلى علاقة الفرد بالفرد كعلاقة المرأة بالرجل، أو علاقة الفرد بالحاكم أو بالمجتمع.

ب ـ الأسطورة السياسية: وتقص غالباً أحداثاً توضح سياسة الحاكم في رعيته، أو مع المحكومات المجاورة، مُلوِّحة بالاستنكار للتعدي والظلم، منوهة بالعدالة والمساواة.

ج ـ الأسطورة البطولية: وهذه تقتصر على أحداث حربية واقعية أو خيالية، ولا بد من صبغ الواقعية منها بنصيب وافر من الخيال أو الوهم للمبالغة في وصف بطولة بطل معين أو أبطال معينين.

د ـ الأسطورة العقائدية: وهي ما يسمى بالميثولوجيا الشعبية، وهذا النوع يَقُصُّ أحداثاً عن الإله أو الآلهة، أو الرسل، أو كرامات الصالحين والجروايش، أو خوارق الطبيعة ، أو أقاصيص الجن والغيلان والسحرة.

هـ ـ الأسطورة التاريخية: التي تعتمد على سرد وقائع تاريخية معينة، مُضافاً إليها نصيب من الخيال للمبالغة.

و ـ الأسطورة الأدبية: التي تعتمد على المُلح الأدبية كالأشعار، والأمثال السائرة، والألغاز التي تتطلب ذكاء خاصاً لحلها.

ي ـ ثم أساطير الأطفال: وهي التي تعتمد غالباً الحيوانات والصبيان كأبطال للأسطورة، وترمي دائماً إلى التربية بأسلوب يقبله ذهن الطفل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المركز الجامعي غرداية

قسم اللغة والأدب العربي

مقياس الأدب الشعبي

 

محاضرة: الأسطورة عند اليونان ـ

 

 

الآلهة اليونانية:

 

كان هوميروس ( القرن التاسع أو الثامن ) و  هزيود ( حوالي القرن السابع ) هما الشاعرين اللذين زودا العالم بذخيرة ضخمة من الأساطير وحددوا إطارها. إذ تزخر الإلياذة  بأخبار كثيرة عن آلهة أوليمبوس وصفاتهم وعلاقات بعضهم بالبعض الآخر. وكذلك تحفل الأوديسا بأقاصيص خيالية كثيرة، وأما ( أنساب الآلهة ) لهزيود فهو محاولة لتجميع الأساطير وتنسيقها فيما يشبه الموسوعة.

كانوا  يصورون آلهتهم أنها بشرية ، مع زيوس هو رب الآلهة والناس وأكثرهم قوة وهيبة / كان القدر moira   لا سيطرة لهم عليه.

وقد قسَّمَ محمد الخطيب هذه الآلهة إلى سبع مجموعات: آلهة السماء ـ آلهة الأرض ـ آلهة الخصب ـ الآلهة الحيوانية ـ وآلهة ما تحت الأرض وآلهة الأسلاف أو الأبطال، والآلهة الأوليمبية.

1ـ آلهة السماء:

ـ أورانوس ← السماء.

ـ زيوس ← مُرسل السحاب مُسقط المطر جامع الرعد.

ـ هليوس ← إله الشمس.

 

2ـ آلهة الأرض:

ـ كانت الأرض في باديء الأمر هي الإلهة جي ge  أو جيا gaea   الأم الصابرة السمحة الجزيلة العطاء، التي حملت حين عانقها أورانوس ( السماء) فنزل المطر.

ـ كان يسكن الأرض نحو ألف إله آخر أقل من جي شأناً.

 

3ـ آلهة الخصب:

ـ عبد اليونان رمزي الإخصاب في الرجل والمرأة إلى جانب عبادتهم خصب التربة.

ـ من بين هذه الآلهة ( بريابوس) priapus الذي وُلد نتيجة تزوج ديونيسيوس و أفروديث.

ومن أجمل الأساطير اليونانية أسطورة تصف كيف اختطف بلوتو pluto إله العالم السفلي          ( برسيفوني) ابنة ديمتر( إلهة الأرض المزروعة) ونزل بها إلى الجحيم، وكيف أخذت أمها الحزينة تبحث عنها في كل مكان حتى عثرت عليها، وأقنعت بلوتو بأن يسمح لابنتها بأن تعيش على وجه الأرض تسعة أشهر في كل عام ـ وذلك رمز لموت التربة السنوي وتجددها. فقد علَّمت سكان ألوسيس وآتيكا سر زراعة الأرض، وأرسلت تربتولموس triptolemus ابن ملك ألوسيس لينشر هذا الفن بين بني الإنسان، وهذه الأسطورة تتفق في جوهرها مع أسطورة إيزيس             و  أوزوريس في مصر، وأسطورة تمُّوز وعشتار في بابل، وأسطورة عشتروت وأدونيس في سوريا.

 

4ـ الآلهة الحيوانية:

ـ لم تكن الحيوانات ترقى لتصبح آلهة ولكنها كانت تُعظَّم وتُتَّخذ آلهة ـ لأن دياناتهم كانت آدمية.

ـ كان الثور حيواناً مقدساً لقوته وقدرته، وكثيراً ما كان يوصف بأنه رفيق لزيوس و ديونيسيوس أو صورة لهما تنكرا فيها، أو رمزاً لها.

ـ كان الخنزير أيضاً مقدساً لكثرة تناسله.

ـ كانت الأفعى تقدس لأنها في ظنهم لا تموت، وكثيراً ما كانت الأفعى تًتَّخذ رمزاً للإله الحارس للهياكل والمنازل، وربما كان كثرة وجودها حول المقابر سبباً في اعتقاد الناس أنها روح الموتى.

 

5ـ آلهة ما تحت الأرض:

ـ كانت تعيش في المغارات والشقوق وأمثالها من الفتحات، كان اليونان يعيدونها ليلاً عبادة مصحوبة بالأناشيد والطقوس التي تنم عن التوبة والخوف، وكانت هذه القوى غير البشرية هي العبودات الحقيقية الأولى لبلاد اليونان وكانت أقدم من الآلهة.

ـ أهم هذه الآلهة هو ( زيوس) الأرضي وأخوه هاديس  Hades وهو رب ما تحت الأرض، وأراد اليونان أن يُسكِّنوا غضبه فسموه ( بلوتو) أي واهب الوفرة لأنه يستطيع أن يبارك أو يبيد جذور كل ما ينبت على سطح الأرض.

ـ وكان أشد من بلوتو روعة ورهبة الإله هيكتي  Hecate وهي روح خبيثة تخرج من العالم السفلي وتسبب البؤس والشقاء بعينها الحاسدة الشريرة لكل من تزوره من الخلائق.

 

6ـ آلهة أرواح الموتى:

كان الموتى في العصور المبكرة من تاريخ اليونان يعتبرون أرواحاً قادرة على أن تفعل للناس الخير والشر، وتُسترضى بالقرابين والصلاة، ولم تكن هذه الأرواح آلهة بالمعنى الصحيح ولكن الأسرة اليونانية البدائية كانت تعظم موتاها تعظيماً يفوق تعظيمها لأي إله من الآلهة، شأنها في هذا شأن الأسر الصينية.

فكانوا يسترضونها في عيد أنثيستريا Anthestria .

 

7ـ آلهة الأوليمب:

نجد عند هوميروس الآلهة وقد انتظموا في شكل أسرة يرأسها زيوس على غرار الأسرة الآدمية، ونجد عند هزيود أقدم رواية عن كيفية حدوث ذلك كله، وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أن هوميروس هو الذي جعل من هؤلاء الآلهة أسرة واحدة بالرغم من اختلالهم في الأصل والنشأة.

 

أولاً: زيوس وإخوته:

هناك أسطورة ابتدعها خيال الأدباء تقول إن زيوس اقتسم وإخوته العالم ووزعوه فيما بينهم بطريق القرعة فكانت السماء من نصيب زيوس، وكسب بوسيدون البحار، أما باطن الأرض فكان من نصيب هاديس.

 

أـ هيرا Hera : كانت ربة قديمة في بلاد اليونان واسمها يعني " السيدة" فهو مؤنث هيروس Heros بمعنى سيد أو فارس، وقد جعل الإغريق منها أختاً لزيوس وزوجته شرعية. وكانت بوصفها ربة للزواج تُلقَّب بألقاب مناسبة مثل: زوجيا Zugia أي التي تربط الرجل والمرأة برباط الزواج، و  جاميليا  Gamelia  أي راعية الزواج الشرعي المصحوب بالمراسم الدينية.

 

ب ـ هاديس Hades : بينما كان زيوس إله السماء والفضاء والضوء، كان أخوه هاديس إله العالم السفلي المظلم حيث كانت تذهب أرواح الموتى وفقاً لتصور الإغريق، كان إله الموتى الخفي الذي لا تراه العين كانت زوجته هي كوري Kore ابنة ديمتر.

 

ج ـ ديميتر Demeter : يعني اسمها أم الأرض أو ربة الأرض، كانت أيضاً ربة ثمار الأرض  ولاسيما القمح.

 

د ـ بوسيدون Poseidon : إله البحر المتوسط أصلاً وإله البحر عامة، بل إله المياه العذبة والبحيرات والأنهار وهو ابن كروتوس  و  ريا  ، وحين تمَّت قسمة العالم بين أبناء كرونوس كان البحر نصيبه.

 

هـ ـ هستيا Hestia : هي ابنة كرونوس و ريا ، وأخت زيوس، ولعلها كانت أخته الكبرى، هي ربة الموقد ورمز الحياة العائلية وما يسودها من تضامن وسلام وهناء.

 

ثانياً أبناء زيوس:

 

أـ آثينا  Athena  إلهة الحكمة والعقل والعلوم والفنون.

ب ـ أبولون Apollon إله الشمس المتلأليء.

ج ـ أرتميس Artemis أخت أبولون معروفة عند الرومان باسم ديانا Diana إلهة الصيد العذراء.

د ـ هيبايستوس Hephaistos إله النار.

هـ ـ آريس Ares إله الحرب عند اليونان.

و ـ هرمس Hermes رسول الآلهة ومنفذ إرادتها كان إلهاً لكل ما يقوم على الفطنة والحيلة كالتجارة والفصاحة.

 

ثالثاً الآلهة الأخرى:

 

أـ بروميثيوس: Promethe: وتعني النبي.

ب ـ ديونيزيوس Dionysos: اتحد عند اليونان بباخوس وليبر باتر، حملت به الحسناء الآدمية     ( سيميليه) من كبير الآلهة زيوس، ثم حوله زيوس ( جدي).

ج ـ هرقل Heracles : هو أشهر أبطال اليونان وأكثرهم شعبية.

 

 

 

 

صورة الغول في الذهنية الشعبية العربية:

 

" الغول " تعني: الهلَكة والهول، وهي آتية من غاله الشر واغتاله بمعنى أهلكه وجاءه من حيث لا يدري[iv].

السعلاة: هي أنثى الغول.

وتُجْمع " سعالي".

الهاتف: وهو المُنادي في المعتقدات الشعبية الجزائرية، والرئي، والشق والنسناس.

والهاتف هو من تسمع صوته ولا تبصر شخصه.

 

هاتف لقمان بن عاد:

كان لقمان بن عاد رجلاً صالحاً، وكان تقياً مُصلِّياً، وكان يدعوالله عقب كل صلاة في شعر له أن يُطيل عمره فنودي يوماً: « أن قد أُعطيت ما سألت، ولا سبيل إلى الخلود فاختر إن شئت سبع بقرات من ظبيات عُفر[iv]، في جبلٍ وعرٍ، لا يمسها قطر، وإن شأت بقاء سبعة أنسرٍ كلما هلك نسرٌ، أعقبه نسر. فكان اختياره بقاء النسور»[iv].

الرئي: هو الذي يوحي إلى الشعراء ليقولوا الشعر، وإلى الكاهن ليقع موقع الصواب؛ ويُحيط بالغيب ويتنبأ بالمستقبل.

الشَّقُّ: يعتدي على المارة المنفردين، والمسافرين المنعزلين، بل هو لا يتورع في قتل الأبرياء، والاعتداء على الضعفاء، فهو رمز الشخصية الشريرة التي تظلم ولا ترحم.

النسناس: هو كائن ضعيف مظلوم: فهو إما إنسان غير مستوي الخلقة، أو غير مكتمل الأعضاء، وإما حيوان أشبه بالإنسان، وإما إنسان وقع عليه المسخ وأصابته اللعنة.

وهناك حديث ينسب إلى أبي هريرة رضي الله عنه ﴿ ذهب الناس وبقي النسناس﴾.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة: النظرية التاريخية الجغرافية.

 

لقد ظهرت بدايةً لتجد بعضاً من الروابط التي تربط الشعر الشعبي بالتاريخ الروسي للكشف عن التربة التاريخية التي نما وتطور فوقها الفولكلور الروسي.

ومن هنا ظهرت المدرسة التاريخية، ونحن عادة نعتبر عمادها الرئيسي ـ وبحق ـ فزفولود فيودوروفتش  V.F.Miller ( 1848 ـ 1913) التي تدين له بتنظيم وتفصيل أساسها مع أن الطريق لتلك المدرسة كان مرئياً لسنين قبل أن يحدد ميللر وضعها في منتصف التسعينات ( 1890)، هاجراً بذلك نظرية الاستعارة التي كان يدافع عنها بحرارة، ظهر بعدها كتاب مايكوف L.N.Maykov " بيلينات عصر فلاديمير".

قارن ما يكوف بين أسماء أبطال البيلينا ( الأمير فلاديمير ودوبرينيا وغيرهم)، والأسماء التاريخية التي تحتفظ بها سجلات التاريخ، كما يقارب صورة الأخلاق والعادات في البيلينا بما هو معروف من أساليب الحياة بين حاشية الأمراء ... وكل ما يُعاب عليها ـ خاصة ـ اعتبار البيلينا أثراً تاريخياً أكثر منه شعراً فنياً.

ويحاول دارسو الفولكلور المقارن باستخدام ما يعرف باسم " المنهج التاريخي الجغرافي " ( الفنلندي) إعادة بناء تاريخ حكاية شعبية مركبة، وأحيانا تاريخ أغنية شعبية أو أي عنصر آخر من عناصر التراث الشعبي. ولقد تمَّ تطوير هذا المنهج من أجل مقاومة التعميمات الطائشة المتعلقة بنشأة ومعنى الحكاية الشعبية، وذلك عن طريق الدراسة المدققة غير المتحيزة لكل حكاية على حده، وتسمى تقنية البحث هذه " منهجاً " بدلاً من " نظرية "، ولكنها مع ذلك تركز على مسلمات نظرية معينة، أدت إلى ظهور كثير من الجدل النظري حول هذا الموضوع.

وقد اختار المنهج الفنلندي احتمالاً بعينه من بين عدة احتمالات لتفسير نشوء وانتشار الحكايات الشفاهية. إذ تُقرر قضايا هذه المدرسة أن الحكاية التي توجد لها مئات الروايات الشفاهية لا بد وأنها قد نشأت في زمان ومكان محددين عن طريق عملية اختراع إرادية واعية. ويترتب على هذا أنه لابد وأن تكون هذه الحكاية قد ارتحلت من مكان الاختراع في شكل دوائر تتسع باضطراد، ويتأثر هذا الانتشار للقصة الشعبية الذي يشبه الموجات الآخذة في الاتساع بدروب التجارة والسفر، وربما أيضاً بالتأثير الثانوي للنصوص المخطوطة والمطبوعة، ولكن الانتشار يحدث فوق رقعة جغرافية تتسع باستمرار.

وعلى ذلك فإن المنهج الفنلندي يرفض النظريات الشاملة في تفسير نشأة المواد الثقافية مثل نظرية الأصول المتعددة polygenesis أو الاختراع المستقل[iv] للحكايات المُركَّبة،والنظريات التي تجعل الأحلام مصدراً للقصة الشعبية، والنظريات الطقوسية ritual ، والنظريات التي ترجح نشأة تلك المواد إلى ملاحظة الظواهر الكونية أو نظريات العقلية المتوحشة[iv]، أو النظريات القائلة بأن أصول الحكاية تكمن في التعبير عن الخيالات الطفولية المكبوتة، كذلك ترفض المدرسة الفنلندية النظريات ضد الانتشارية التي تؤكد أن القصص الشعبية لا يمكنها أن تتخطى الحدود اللغوية والثقافية.

ويفرض المنهج الفنلندي على الباحث في التراث الشعبي المقارن بعض الالتزامات الشاقة.

فبعد اختيار الحكاية marchen أو الأسطورة sage  أو قصة الحيوان ، أو الأغنية القصصية كموضوع للبحث، وهي بالضرورة واحدة من مئات الروايات variants الموجودة منها، بعد ذلك يجب على الباحث جمع نصوص هذه الروايات من التجمعات المطبوعة وأرشيفات الفولكلور، والكتب المختلفة، ويقوم الباحث بتحليل الحبكة الأساسية إلى وحدات أو عناصر أساسية، وإعداد جداول النسب المئوية لعدد مرات ظهور كل عنصر على حده في منطقة معينة، وإعداد خرائط تبين التوزيع الجغرافي لهذه العناصر، كذلك يقوم بتقييم التسجيلات الأدبية المبكرة، ثم تحديد أقدم عناصر القصة. ويستهدي في الوصول إلى حُكمه ببعض مباديء التنوع التي تتم نتيجة عملية النقل الشفاهي مثل التركيز compression والإحكام elaboration ، والإبدال substitution ، وفي نهاية مطاف البحث المُرهِق يقدم الباحث نتائجه الموثقة توثيقاً غنياً. وهي الطراز المُنشيء؛ الذي انبثقت عنه في صورته الأصلية كل روايات القصة أو الأغنية القصصية. ونقطة البدء الجغرافية، وله دروب ارتحاله التاريخية.

وما زالت المدرسة الفنلندية تمثل حتى اليوم القوة السائدة في علم الفولكلور، إلا أن قضاياها النظرية وطرقها في البحث قد توقفت وما زالت تتعرض لهجوم متزايد، كما أن مؤيديها قد تخلوا عن بعض قضاياها، فنجد عالماً فذاً من علماء الجيل السابق مباشرة، هو النمساوي ألبرت فيسلسكي Albert Wessalski ( 1871 ـ 1939) يؤكد بإصرار أن الصياغات الأدبية لقصة من القصص قد أثَّرت تأثيراً شديداَ على تداول هذه القصة لدرجة تجعل أي محاولة لتتبع انتشارها الشفاهي أمراً عقيماً لا جدوى منه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملخص  حول محاضرة: المدرسة الميثولوجية

 

كان عمل جاكوب جريم الذي خصصه لتنظيم وشرح الأساطير الألمانية إلى حد ما السبب الذي جعل مفهوم " جريم " العلمي في الفولكلوريات يُعرف بأنه " النظرية الميثولوجية " أو " المدرسة الميثولوجية " وهو الاسم الذي ثبت في تاريخ علم الفولكلور.

ولقد كان لـ " جريم " كثير من الأتباع نخص بالذكر من بينهم الدارسين الألمان " ما نهارت " Manhardt   و " شفارتز " Schawartz و " كون" Kuhn، والباحث الإنجليزي " ماكس موللر" Max muller والفرنسي " بكتي " Pictet وأخيراً من الروس " بسلاييف " Buslayev و " أفانسييف و موللر O.F.Miller .

ولكل من هؤلاء ايضاً موضوعاته العلمية الخاصة وآرؤه النظرية الأصيلة، فقد كان " أولبرت كون " ( 1812 ـ 1881) لغوياً قبل كل شيء، ودرس أساطير الشعوب الهندية ـ الأوربية متبعاً أُسس علم اللغة الهندية ـ الأوربية المقارن ومطبقاً المنهج المقارن على أوسع نطاق بما يفوق جاكوب جريم، وفي كتابه " أصل النار وشراب الآلهة " شَرَحَ أسطورة بروميثيوس اليونانية الذي أنزل النار إلى الأرض، بما لاسم بروميثيوس من صلة بالكلمة السنسكريتية pramatyas التي تعني ( الثاقب).

وهي من الطريقة البدائية في الحصول على النار عن طريق ثُقب الشجرة.

وفي وقت أكثر تقدماً ـ عندما أصبح في السبعينات ـ كتب كتاباً عاماً عن " مراحل نمو الأساطير".

وقد نُقدت من طرف أبنائها منهم " فلهلم مانهارت  W.Manhardt ( 1831 ـ 1880)، في كتابه ( عبادات الغابة والحقل ).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملخص محاضرة حول: النظرية الأنثروبولوجية

 

مؤسسها الباحث الإنجليزي تيلور Taylor وتابعه الباحث الإنجليزي أندرولانج     A . Lang.

نشَرَ تيلور في نهاية الستينات من القرن التاسع عشر كتاباً بعنوان " دراسات في تاريخ البشرية القديم"، ويُشير عنوانه إلى أن تيلور كان مهتماً بالمراحل الأولية لتطور الثقافة الإنسانية، وفي عام 1871 نشر تيلور كتابه المشهور " الثقافة البدائية "، وعلى أساس الكمية الوافرة من المواد التي جمعها عن أساليب الحياة والأفكار والعمل الإبداعي لشعوب العالم المتباعدة، انتهى تيلور إلى أن الشعوب تكشف عن تشابه كبير في أساليب حياتها وعاداتها وإبداعها وعاداتها للتصورات الدينية والشعرية، ووجد تيلور تفسيراً لهذه في الوحدة الجوهرية للطبيعة البشرية، وفي العقل والتفكير البشري، ووحدة مختلف مسارات التطور في الثقافة الإنسانية، وبالإضافة إلى ذلك اكتشف عديداً من أوجه الاتفاق بين مظاهر حضارة الشعوب البدائية وعناصر معنية في أفكار الشعوب المتمدنة، وخاصة بين الطبقات الثقافية المختلفة في هذه الأخيرة.

ولمَّا كانت مشكلة تشابه الموضوعات القصصية بين مُختلف الأمم قد تجلَّت، فقد اتخذت نظرية تيلور  و  لانج  الأنثروبولوجية اسم " نظرية التوالد الذاتي للموضوعات".

ممن تأثروا بهذه النظرية عالم الفولكلور والإثنوجرافي الإنجليزي جيمس فريزر J.Frazer، خاصة في مؤلفه الشهير " الغُصن الذهبي" الذي نشره سنة 1890، وركَّز فيه على ( عامل السحر)[iv].

ووجدت هذه النظرية تعبيراً عنها في مؤلفات الأستاذ سيمتزوف N.Sumtsov الذي وصلها بالنظرية الميثولوجية، وبالمثل كان الحال في بعض مؤلفات الأستاذ كريتشيكوفA.I.Kirpichikov.

ومع ذلك فقد بدا تأثير " المدرسة الأنثروبولوجية " قوياً في عنصر جوهري من نظرية فسلوفسكي Veselovsky( 1837ـ 1906)، الذي ترك تراثاً علمياً ضخماً، ففي قائمة حَصْر مؤلفاته التي نشرتها أكاديمية العلوم سنة 1921؛ ذكرت فيها 281 مؤلَّفاً، شغلته طوال دراساته مسألة التداخل المتبادل حضارياً وأدبياً بين مختلف الشعوب.

وقد نُقدت هذه النظرية لأنها تدرس تطور الظواهر الهامة دائماً بعزلها عن تطور الحياة الاجتماعية في مجموعها، منفصلة عن تطور الأسس المادية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة: النظرية الوظيفية

 

تتحاشى هذه النظرية المقنعة في دراسات التراث الشعبي الخوض في موضوعات الأصول والانتشار وتركز على الدور الذي يلعبه التراث الشعبي في ثقافة معينة.

وقد اعتنق علماء الأنثروبولوجيا الثقافية الأمريكيون على وجه الخصوص هذا الاتجاه، وذلك تبعاً لدرجة اهتمامهم بعملية تكيف أجزاء المجتمعات الأمية مع بعضها البعض، والسؤال الذي يطرحونه هو: كيف يُسهم التراث الشعبي folklore ـ وهي كلمة يتجنبونها؛ ويستخدمون بدلاً منها مُرادفات مثل: "الفن القولي" ( أو اللفظي) varbal art، و" الأدب التعبيري" ـ في الحفاظ على النظم الاجتماعية، فالسؤال ببساطة يدور حول: كيفية أداء التراث الشعبي وظيفته في الثقافة.

 

وقد كان فرانز بواس[iv] ـ أبو الأنثروبولوجيا الأمريكية الحديثة ـ يُبدي دائماً تحيزاً لمواد التراث الشعبي في رحلاته الميدانية التي كان يقوم بها، وفي تعاليمه لتلاميذه ـ الذين أصبح كثيرون منهم من المشاهير ـ بفضل جهودهم الذاتية وكذلك طوال توليه رئاسة تحرير مجلة الفولكلور الأمريكي[iv] التي استمرت أمداً طويلاً.

 

ولم يكن بواس نفسه وظيفياً بقدر ما كان بعض تلاميذه، حيث كانت جل جهوده مكرسة لإقامة الأدلة على انتشار القصص الشفاهي من قبيلة إلى لأخرى عند نقط الاتصال الثقافي، وذلك بهدف دحض نظرية التطور الثقافي وحيد الخط، وفكرة الاختراع المستقل للقصص الشعبي، وقدم ويليام باسكوم[iv] ـ تلميذ ميلفيل هيرسكوفتس [iv]ـ الذي كان بدوره تلميذاً لبواس ـ أكثر تعريفات النظرية الوظيفية وضوحاً، ينظر باسكوم إلى " الفنون القولية " ـ وهو الاسم الذي يطلقه على التراث الشعبي ـ على أنها التآلف الخلاق لمجتمع يقوم بوظائفه، وعلى أنها عناصر ثقافية دينامية  وليست استاتيكية، متكاملة  وليست منعزلة، ذات مركزية وليست ثانوية. ولقد وسَّعَ باسكوم وجهة نظر برونيزيلا مالينوفسكي[iv] التي كان قد قمها في كتاب     " الأسطورة الخرافية في السيكولوجيا البدائية"، فيلفت الأنظار إلى الأدوار الوظيفية المتعددة التي يلعبها التراث الشعبي، فالفوازير تشحذ الأذهان، والأغاني الهجائية تنفس عن مشاعر العداء المكبوتة، والحكايت توسع الخيال... وهكذا يبحث الأنثروبولوجيون عن السياق العام مثلما يبحثون عن النص، فالحكاية ليست مجرد نص يُملى تتخلل سطوره ترجمة للنص الأصلي، وإنما هي إلقاء حي لجمهور متجاوب من أجل تحقيق غايات ثقافية معينة مثل تأكيد بعض العادات المحرمة ( taboos) في نفوس الناس، والتنفيس عن بعض مشاعر العداء عن طريق الخيال، وتقديم بعض التفسيرات التعليمية للعالم الطبيعي، وممارسة الضغوط من أجل تحقيق السلوك التقليدي.

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة:   النظرية البنائية

 

تمثل البنائية أكثر النظريات التي ظهرت في دوائر الفولكلور الأمريكي إبان الستينات تأثيرها وأكثرها جميعاً جباً للانتباه. وكان أصحاب التحليل البنائي قد استطاعوا تطوير بعض آرائهم قبل الستينات، نذكر منهم على سبيل المثال العالم الألماني " أندريه يوليس"André Yoles في كتابه الأشكال البسيطة enfache formen ( الذي ظهر عام 1930) ، ويمثل هذا الكتاب محاولة لتحديد الأشكال الأولية الأساسية للتعبير الشعبي الأدبي، كما يدخل ضمن هذه الفئة اللورد راجلان Raglan بكتابه الذي أثار كثيراً من الجدل الموسوم بـ: " البطل" ( الصادر عام 1930) وقد حدَّد في هذا الكتاب تحديداً محكماً النمط العام لأحداث حكايات الأبطال الكلاسيكية والأسطورية، ثم جاءت دراسة العالم الروسي ـ ذي الاتجاه الصوري ـ فلاديمير بروب V. Propp لتفوق هذه المحاولات وغيرها من محاولات التشريح البنائي. وقد نُشرت الدراسة لأول مرة باللغة الروسية في عام 1958، ثم صدرت لها ترجمة إنجليزية في عام 1958 بعنوان: " مورفولوجية الحكاية الشعبية" morphology of the folktale، وإزاء ازدياد شهرة كتاب بروب هذا أُعيد طبعه في عام 1968 مع مقدمة كتبها له " ألان دندس"Alan Dundes، وهو أحد أقطاب المذهب البنائي الجديد، لخَّص فيها الكتاب تلخيصاً بارعاً.

 

ويسمي بروب ثنائيات الحدث  action slots التي تملؤها الشخصيات المختلفة بـ " الوظائف"، كما أطلَق على الشخصيات العامة واسعة الانتشار اسم " البطل"، وقد عدَّد بروب إحدى وثلاثين وظيفة من هذا النوع، كما يشكل ترتيبها المتتابع مورفولوجية الحكاية الخرافية.

 

وقد قام دندس في كتابع عن مورفولوجية الحكايات الشعبية لهنود أمريكا الشمالية بإدخال بعض التعديلات على خطة بروب الواردة في كتابه المذكور، فنراه يستبدل مصطلح بروب " الوظيفة" بمصطلح " الموتيفيم" motifeme وهي صياغة مشتقة من عالم اللغويات " كينيث بايك" K. Pike.

 

وقد قدم عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس منهجاً آخر من مناهج التحليل البنائي للنصوص الفولكلورية، قائم على النظرية اللغوية، وقد اقترح في مقال هام مؤثر؛ نشره بعنوان: " الدراسة البنائية للأسطورة"[iv] اتجاهاً جديداً تماماً في تفسير الأساطير. والسؤال الذي حاول أن يجيب عنه هو: لماذا تتصف الأساطير بكثير من الملامح المتشابهة في أرجاء العالم المختلفة؟

 

يعتقد ليفي شتراوس أننا يمكن أن نعثر على إجابة على هذا التساؤل في البناء المنطقي الموجود داخل العقل الإنساني، بما في ذلك العقل البدائي الهمجي، وقد استشهد ليفي شتراوس بأسطورة وبعض أساطير هنود أمريكا الشمالية فشرحها على أساس مجموعات أو حُزَم العلاقات.

 

 

 

 

 

 

 

مقياس الأدب الشعبي العام          المدرسة البنائية                

 

من بين أهم الباحثين الذين اهتموا بدراسة وتحليل الحكاية الشعبية نجد فلاديمير بروب، الذي وضع الأسس الأولى لما يُعرف بـ " المنهج المرفولوجي"، وقام هذا العالم بدراسة الحكايات الشعبية الروسية، وقد كانت الدراسات قبله تدعم مبدأ الإثنومركزية مثل أعمال الألمانيين الأخوين جاكوب جريم   و  فيلهيلم جريم.

إن الإشادة بمنهج فلاديمير بروب في تحليل الحكاية الشعبية يُعتَبر رفضاً لتلك الأفكار القديمة، وذلك الاستنباط القائم على النزعة العرقية المشبوهة، خاصة بعد صدور كتابه سنة 1928 الذي عنوانه:

بالعربية: مورفولوجية الخرافة.

بالفرنسية:  morphologie du conte

بالإنجليزية: morphology of folk tale

بالإسبانية: morfologia del cuento

 

يقول بروب مُعرِّفاً كلمة مورفولوجيا: « تعني كلمة مورفولوجيا، دراسة الشكال، وفي علم النبات تهتم المورفولوجيا بدراسة الأجزاء المكونة للنبات؛ والعلاقات فيما بينها؛ وفيما بينها وبين المجموع، بعبارة أخرى دراسة بنية النبات ».

 

لقد قام بروب بدراسة مائة (100) حكاية روسية، ولاحظ أن بعض الوحدات النصية تتكرر من نص إلى آخر على عكس بعض الوحدات النصية التي تختلف من نص إلى آخر، فسمَّى الأولى بـ " قِيَم ثابتة " valeurs constantes ، وسمَّى الثانية " قِيَم ثابتة " valeurs variables، ووجد أن عدد هذه الوظائف لا يتعدى 31 وظيفة، وتتكرر في النصوص بنسب مختلفة، وسمَّى النص الذي يحتوي عليها جميعاً بـ " النص المثالي ".

وكمثال على ذلك:

ـ أعطت العجوز بساطاً للشاب، طار البساط  بالشاب إلى بلاد بعيدة.

ـ وَهَبَ الأب لابنه عصا، تحولت العصا إلى طائر وحلَّق بالابن إلى مملكة أخرى.

 

ما تغير هي الشخصيات والأوصاف والأسماء والأدوات والزمان والمكان، وما هو ثابت الأفعال والحركات أو الوظائف fonction.

فتجمع بين النصين وظيفة العطاء ووظيفة التنقل.

العجوز تُعطي بساطاً للشاب ـ الأب يهب لابنه عصا.

البساط ينتقل بالشاب إلى بلاد بعيدة ـ العصا تنقل الابن إلى مملكة أخرى.

 

والوظائف التي حددها بروب هي:

الوظيفة صفر (0): هي التقديم الذي يكون قبل الحكايات؛ مثل: " حاجيتكم ما جيتكم...".

الوظيفة 1: النَّأْي أو الرحيل: البحث عن شيء ـ السَّفَر ـ الموت...

2ـ المَنع.

3ـ خرق المنع.

4ـ الحصول على إرشادات ( شخصية شريرة).

5ـ حصول الشخصية الشرية على معلومات ( اطِّلاع).

6ـ الشخصية الشريرة تخدع الضحية ( الشخصية الشريرة تخدع الضحية ( الخداع).

7ـ يُخدع البطل.

8ـ إلحاق الضرر بأحد أفراد العائلة ( إساءة) و ( افتقار). ← وهذه هي أهم وظيفة في نظر بروب.

9ـ وساطة أو تفويض: شيوع خبر الإساءة وظهور لبطل الذي يسعى لسد الافتقار.

10ـ قبول البطل القيام بالمهمة.

11ـ وظيفة انطلاق.

12ـ امتحان واختبار: يحصل البطل على أدوات مساعدة.

13ـ رد الفعل.

14ـ الحصول على الشيء السحري.

15ـ وظيفة انتقال.

16ـ يتصارع البطل مع المُعتدي أو الشخصية الشريرة.

17ـ وظيفة علامة: يصاب البطل بجرح في جسده يبقى واضحاً.

18ـ وظيفة انتصار: انتصار البطل.

19ـ إصلاح الإساءة.

20ـ العودة.

21ـ مطارَدة.

22ـ إسعاف: يحصل البطل على مساعدة.

23ـ العودة: الوصول متستراً.

24ـ ظهور البطل المزيف والخائن.

25ـ وظيفة امتحان وعرض مهمة صعبة.

26ـ وظيفة إنجاز المهمة الصعبة: ينجح البطل.

27ـ وظيفة اعتراف بالبطل الحقيقي.

28ـ كشف البطل المزيف أو المعتدي على البطل.

29ـ البطل في مظهر جديد.

30ـ معاقبة البطل المزيف أو المعتدي.

31ـ مكافأة البطل ( مكافأة مالية ـ زواج بابنة السلظان ـ ارتقاء العرش...).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاضرة: نظرية التحليل النفسي

 

تُعتبر نظرية التحليل النفسي  ـ التي تُخلِّد اسم سيجموند فرويد Sigmond Froud ـ أكثر نظريات الفولكلور الجارية اعتماداً على الحدس، وهي كذلك النظرية التي يمقتها الفولكلوريون المُحافظون أكثر من غيرها.

وقد اعتمد فرويد اعتماداً كبيراً على الأساطير والحكايات، والتابو ( المحرمات)، والنوادر، والخرافات في تأييد استكشافه للعقل الباطن.

ويعرض في كتابه " تفسير الأحلام"[iv] ( الذي ظهر عام 1900) نظريته بأن الأحلام تعتبر هي تخفية رمزية عن الرغبات والمخاوف الكامنة المكبوتة لجنسية الطفولة، وكانت الخطوة التالية هي معادلة الأحلام بالأساطير وغيرها من عناصر التراث الشعبي.

وفي هذا يقول أبراهام كارل[iv] Abraham Karl : « إن الحلم هو بمثابة الأسطورة عند الفرد »، فالميكانيزمات السيكولوجية التي تعمل في الأحلام هي نفسها التي تعمل في الأساطير الخرافية، وقد أُخضعت لنفس الأسلوب في التفسير. فإذا كان الحلم يكشف عن الرغبات الطفولية عند الكائن البشري، فالأسطورة تُفصح عن مشاعر الكبت النفسي المتكونة في مرحلة الطفولة العرق race، فميكانيزمات مثل التكثيف [iv]، والإحكام[iv] والإبدال[iv] تحوِّلُ الحاجات الطفولية المُلِحَّة التي أصبحت شبه منسية إلى أشياء وصور تخيلية مأخوذة من الحياة اليومية ، وتحكي أشكال الرمز ـ إذا ما تمَّ فهمها على النحو الصحيح وترتيبها ترتيباً منطقياً ـ قصصاً عن الجوع الجنسي، والشعور بالذنب، والخجل. إذ تكمن تحت المحتويات الظاهرة تخيلات مستترة عن الخصي، وإلحاق الضرر بالجسد، وحسد الذكورة، والزنا بالمحارم.

وقد وجد فرويد في " أسطورة أوديب " مثالاً ممتازاً للرواية الأسطورية الخرافية التي تزيح الستار عن الرغبات والدوافع الغامضة المكبوتة عند الأطفال الذين نموا وأصبحوا بالغين. فالطفل الذكر يعشق أمه جنسياً ( عقدة أوديب)، ويحلم بقتل أبيه. هذا هو النموذج الذي بُنيت على منواله كل التشعبات اللاحقة المتعلقة بدراسة التحليل النفسي للتراث الشعبي. إلا أن النموذج في الواقع ـ على نحو ما أشار إليه إليه أبراهام ـ واضحٌ ومبسط أكثر من اللازم، فالرغبات الطفولية لا يتم البوح بها عادة بهذه الطريقة المكشوفة، فالأنا الأعلى يقوم بتنصيب " رقيب " لتصفية الرغبات الوحشية للغريزة الشهوانية الجنسية، والتي تظهر في الأحلام والأساطير الخرافية في ثوب رمزي. ومهمة عالم الفولكلور النفسي التحليلي أن يخترق الحُجُب التي يُقيمُها الرقيب وأن يتفهم المحتوى الحقيقي للخيال.

وقد انكب تلاميذ فرويد بشراهة على هذه المهمة المتعلقة بفك رموز المعاني الكامنة للعادات، والمعتقدات، والطقوس، والقصص والألعاب الشعبية، وقد نُشرت تفسيراتهم في بعض الدوريات العلمية مثل:

Psyconalytic quarterly and american imago

وفي سلاسل دراسات مونجرافية وفي الكتب الجماهيرية واسعة الانتشار.

ويمكن التعرف مناهج هؤلاء الدارسين من خلال تأمل أعمال ثلاثة من أكثر محللي التراث الشعبي نشاطاً وهم أرنست جونز A. Jones (عاش من 1879 إلى 1959) وهو صديق مقرب لفرويد و  إيريش فروم  E. Fromm الذي ولد في ألمانيا عام 1900؛ وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1984، والذي ألَّف كتاباً سمَّاه " اللغة المنسية ".[iv]

أما العالم الثالث فهو  جيزا روهايم Géza Rohiem الذي ولد عام 1891 وتوفي عام 1953، وقد بدأ روهايم حياته العلمية كجامع للتراث الشعبي المجري، ثم ألَّف بعد ذلك مؤلَّفه المُركَّز " بوَّابات الحُلم "[iv].

ولقد وُجِّهَتْ لهذه النظرية ( النفسية ) عديد الانتقادات من طرف بعضٍ من كبار الباحثين، نذكر منهم الباحث السوفييتي يوري سوكولوف الذي يقول: « ... وقد تميزت الصورة النمساوية " للمدرسة السيكولوجية "، ممثلة في الطبيب والمُحلل النفسي فرويد وتلاميذه، بضيق النظر إلى حدِّ كبيرٍ. لقد أرجعت الفرويدية في الفولكلوريات ( وفي دراسة الأدب ) أصل الخيال الديني والشعري ـ طبقاً للمبادئ العامة للنظرية الفرويدية ـ إلى عوامل الطبيعة الجنسية»[iv]، وهو ما لم يتقبله يوري سوكولوف علمياً ومنهجياً.