في هذه المادة يتعرف الطالب عبى مختلف المؤسسات الاجتماعية، إنطلاقا من مؤسسات التنشئة الاجتماعية الى باقي المؤسسات الاخرى الموجودة في المجتمع، كما نتاول في هذه المادة عملية التطور، لمختلف المؤسسات المدروسة مع عملية تحليل سوسيولوجي و لو مبسط، حتى يكتسب الطالب تقنيات التحليل السوسيوولوجي من عملية التحليل السوسيولوجي للمؤسسة.

المحاضرة السادسة: دور العبادة (المسجد كمؤسسة إجتماعية)

الإنسان كائن ديني هو اقتباس متداول بأشكال مختلفة ويميز حقباً تاريخية كالفترة التي عاش فيها الفيلسوف توما الأكويني (1225 - 1274) أو الكاتب الروسي فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي (1821 - 1881) أو الشيوعي لينين ( 1870 - 1924)، فتعدد الأديان ذات التقاليد العريقة التي تتجاوز مئات وآلاف السنين دليل على أن الدينَ يُعتبر حاجةً إنسانيةً ضروريةً بدون استثناء، فالدين هو بمثابة تعبير عن شوق الإنسان لبعد رباني لوجوده وأيضا عن شوقه إلى الخلود، فالطقوس الدينية، وأيضا أماكن العبادة، هي بمثابة ملاجئ يسعى فيها المؤمنون لتحقيق ذواتهم والبحث عن الله.

المسجد كدار عبادة: يشكل المسجد واحدا من أكثر الدلالات الجلية والواضحة على الحضور الإسلامي وتوجد في جميع أنحاء العالم تقريباً. المعنى الحرفي اللغوي للمسجد هو "مكان السجود"، كان المسجد المكان المؤسساتي الرسمي المؤسس بغرض التأدية الجماعية للطقوس والصلاة ومواجهة الحاجات الاجتماعية للأمة الناشطة.

بالرجوع إلى تاريخ الإسلام يعتبر مكان التعبد، وتحديدا المسجد أول مؤسسة فعلية أقامها قائد الدولة الفتية وذلك عقب إرساء دعائم المساواة والإخوة والسلم، ومن تم أخذ هذا الفضاء يحتل مكانة جوهرية في حياة المسلم، مكان للتعبد أولا، ثم لتربية الإنسان وتدبير الشأن العام ثانيا، ومع ثورة الإدارة في عهد الدولة الأموية بدأ يتم تهميش دور المسجد، بحيث أصبح للصلاة والتعليم، وانتقلت السياسة وتدبير الأمور الدنيوية إلى البلاط كمكان لتدبير أمور الرعية، وشهدت أماكن التعبد في الإسلام تنوعا، حسب الدور والمساحة وعلاقتها بالدولة، ولقد صنفت إلى عدة أنواع، المدرسة، الزاوية، المصلى، المسجد والجامع.

يتفق معظم المؤرخين أن المجتمع الأولي في الأيام الأولى للإسلام (أي في بداية القرن السابع في مكة) لم يكن له مكان خاص أو محدد للصلاة وبأن تنظيم العبادة المشتركة كان أمرا غير رسمي، وبالنسبة إلى الحديث المشهور للرسول "إن العالم بأسره مسجد" [1] كان هذا فقط بعد الهجرة إلى المدينة، إذ ظهر وتطور مكان محدد للمسلمين حيث استطاعوا تأدية الصلوات الطقسية جماعة إضافة إلى إدارة شؤون الدولة، ومنذ ذلك الوقت وأينما أصبح المجتمع الإسلامي الحديث النشأة مستقرا بصورةٍ دائمة بأعداد كبيرة أصبح الجامع نقطة محورية لحياتهم الاجتماعية والدينية، وقد ظهرت محاولات بشكل أولي في أراضي المسلمين الجديدة هذه لإعادة صورة المسجد الأول في المدينة شكلاً ووظيفة. على كل حال فمع انتشار الإسلام عبر الجغرافية صارت في تماس واتصال مع ثقافات وتقاليد مختلفة لها صيغها الخاصة من أماكن ومؤسسات، وبالإضافة إلى العوامل الداخلية كإمكانية تنامي الثروة والرعاية، وتدفق الداخلين الجدد في الإسلام، والتنوع في مفاهيم التقوى، والحاجات المعتمدة لجماعات المستخدمين، كل هذا ساهم مساهمة جماعية في تغيير وتطوير سريعين في الجامع على صعيدي الشكل والاستخدام.

تطور وظيفة المسجد: خدم المسجد الأول في المدينة كمكان للصلاة الجماعية وكمركز ثقافي اجتماعي معا، وقد تضمنت وظائفه:

-         الصلوات الجماعية والفردية والتلاوات القرآنية والعظات الدينية وخطب الجمعة وتلاوة الذكر ومكان للاعتكاف والتهجد – وبخاصةٍ خلال شهر رمضان والاحتفال بالأعياد.

-         وأدت الجوامع كذلك دور مراكز التجمع والمساهمة بالزكاة حيث كان يجد الفقراء والمسافرون  والمشردون غالباً ملجأ وسنداً لهم.

-          ويتم أيضاً عقد الزواج واتفاقيات العمل هناك[2].

وبالنظر إلى الشكل والوظيفة المتطورين للجوامع فإن تطورا مهما أخذ يبرز حول ممارسات مترافقة مع بناء جوامع المزارات (التي تدعى مقبرة، أو مشهد، أو مقام) فوق أضرحة،  ومع نشوء الصوفية ونفوذها فإن بناء المقامات الجوامع المكرسة لشيوخ الصوفية أو الحجج (البير) أو الحكماء، وزيارة هذه المقامات من أجل البركة والشفاعة قد أصبحت معلما نظاميا للتقوى والولاء والمشهد الديني لدى المسلمين[3].

من المهم هنا أن نشير إلى أنه حتى خلال المرحلة التأسيسية لتاريخ الإسلام وبالتماشي مع "الجوامع الرئيسية" (في مركز البلدة) بدأت نماذج أخرى للجوامع تتطور، كان هنالك ميل لدى الجماعات التي تنتمي إلى مدارس فكرية مختلفة ولديها تفسيرات مختلفة بتأسيس جوامعها الخاصة بها، وهكذا ظهرت جوامع متعددة على نطاق واسع من قبل الجماعات الشيعية والسنية مصحوبة بمدارس فقهية.



وبالإضافة إلى الوظائف والأدوار السابقة للمسجد في المجال الديني. ظهرت أيضا توسعات هامة فيما يختص باستخدام المساجد لأغراض فكرية وتعليمية، إن المساجد باعتبارها أمكنة للتعليم الديني والأخلاقي مارست دورا تعليميا أكثر رسمية من خلال حلقات الباحثين الدينين والطلاب المجتمعين لدراسة القرآن والحديث والفقه...إلخ. فمثلا، أسس الأئمة الخلفاء الفاطميون الأزهر ليكون مسجدا ومكانا للتعليم في الوقت ذاته.

إن التحولات الناتجة عن الاستعمار والاستقلال والمعاصرة في المجتمعات الإسلامية سببت بعض التحركات والتغيرات في استخدام الجامع اليوم، وكما في الماضي يبقى الجامع هو الرمز والمحور للنشاط الثقافي والاجتماعي الكثيف سواء كان المسلمون أقلية أم أغلبية في المنطقة[4].

في المجتمعات الإسلامية بقي الجامع وبخاصة الجامع العام أو الرسمي معلما بارزا يعلن هويتها الإسلامية، أما في الأراضي غير المسلمة حيث يعمل ويعيش ملايين المسلمين الآن فيمثل الجامع الحضور الإسلامي أمام غير المسلمين ويمثل الوطن للمؤمنين[5].

عموما شهدت أماكن التعبد في الإسلام تنوعا، حسب الدور والمساحة وعلاقتها بالدولة، ولقد صنفت إلى عدة أنواع، المدرسة، الزاوية، المصلى، المسجد والجامع.

ورغم التعدد إلا أنها في الأصل مكان واحد. احتلت منذ فجر الإسلام مركز المدينة-الكعبة نموذجا مركز الكون أو اليابسة على الكرة الأرضية-  ونفس الشيء بالنسبة لبيت الله قباء في المدينة، كان نقطة انطلاق العمارة والبناء بها، ثم أصبح مكانا للتعبد والتقرب وفضاء سياسيا واجتماعيا، يرسم خطط الدولة الفتية ويعمل على نشر القيم والأخلاق الجديدة يختزل التربوي التعبدي والسياسي الاجتماعي. و بالتالي فالمسجد في تلك المرحلة يقوم بوظيفة مزدوجة، ساهم في نحت مجتمع بملامح جديدة يمكن وصفها عن طريق استعارة مفهوم المجتمعات العاطفية (communautés emotionnelles) لعبد الرحمان المساوي، الذي يرى أن الهوية lidentité داخل أرض الإسلام لا يمكن أن تتكون بعيدا عن مؤسسات الدولة، ومن أهمها المسجد.

 

وعند الحديث عن مكان التعبد في الإسلام تطرح إشكالية التسمية، لكن الطوبونيميا قد تقدم لنا تفسيرات لتنوع هذه الصفات، حيث تعتبر الوظيفة والبنية والعلاقة بين هذه الفضاءات والسلطة العامل الحاسم في ذلك. فعندما يكون المكان بيتا لله، فالقداسة والعصمة والمكانة المتميز ة تقدم له، وعندما يكون زاوية، تكون قدسيته من قدسية الولي أو الشيخ، باعتباره الساهر عليه والممثل لله ورسوله، أما عندما يكون مسجدا معاصرا فإن قيمته وحرمته من حرمة الدولة وقائدها، خاصة عندما ينصب نفسه وليا باسم الدين وأميرا للمؤمنين أو خادما للحرمين. وهنا تختلف وظيفة هذا الفضاء، بين التقرب من الله وعبادته بهدف الجنة، أو بهدف السعادة الدنيوية أو البحث عن الراحة النفسية أو لحقيق مطالب دنيوية (الزواج، العمل، حب الناس، السلطة..). فمكان التعبد إذن والمسجد على وجه الخصوص مظهر لوعي المجتمع ودرجة تطوره وثقافته وانعكاس للإضطرابات الإجتماعية والاقتصادية التي يعيشها هذا الأخير، علما أن الوعي العربي لا يمكنه أن يتخلص من الفكر المزدوج، التفكير القائم على الموروث والأصولية والدوغمائية dogmatique والسلوك البرغماتي pragmatique  العقلاني rationnel . وهنا تبدو الأهمية الكبرى لفضاء التعبد.

لكن رغم الوظيفة النظرية لفضاء التعبد إلا أنه لم يعرف نفس الاهتمام الذي حضي به منذ البدايات الأولى للدين الجديد، خاصة بعد تنظيم الدولة وتوزيع السلط القضائية والجبائية والعسكرية كأول ما تم تنظيمه داخل الدولة الإسلامية الأولى، واستمر الأمر إلى اليوم. و في المجتمع يتمازج فيه الديني بالدنيوي والأمازيغي بالعربي، تعرف نوعا من الخصوصية وكثيرا من التبعية، لأن الدولة المعاصرة او الحديثة قامت على أسس دينية.

ومع الأهمية الكبرى لمكان التعبد في الإسلام إلا أن السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وخاصة الكولونيالية لم تولي أهمية كبرى لمكان التعبد وبالأساس للمسجد، وهو ما يؤكده كل من عبد الله حمودي في كتابه "جدلية بناء انثروبولوجية الإسلام" وعبد الغني منديب . بخلاف الزوايا، التي شغلت بالهم باعتبارها مؤسسات قوية لها أتباع وغالبا ما تتخذ من الجبال مقرا لها، قائمة على مبدأ العزلة أو الفردانية كرد فعل على الفتن. وتعمق هذا التوجه إلى اليوم، حيث يعاني المسجد كمكان للتعبد من جدلية العلاقة بين الديني والسياسي. هذا واستطاعت الدولة من إعادة النظر في طريقة تدبير الحقل الديني، تم بموجبها خضوع الدين الرسمي لمؤسسة ، حيث أصبح الديني من اختصاص المخزن والدولة العميقة، ومكن من تعميق ذلك عدم اهتمام التيارات التقدمية المفتونة بالإشتراكية والشيوعية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والحرية والمساواة وتوزيع السلط ودمقرطة البلاد، والتي شغلها ذلك عن الاهتمام بتخليق وتحديث الشأن الديني، وهنا يتكشف التأثير الغربي العميق على الفكر السياسي والاجتماعي المغربي المعاصر وأساسا على تدبير المسجد. بحيث لم تعترف هذه المؤسسة إصلاحات كبرى كما عرفتها باقي إدارات الدولة.

دور المسجد في مكافحة الجريمة:من المعروف أن مؤسسات المجتمع تستمد مادتها من المجتمع الذي توجد فيه إذ إنها رهينة المجتمع مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت، لذلك فقد كان من أهم وظائفها إعداد الإنسان للحياة، والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به. كما تعمل تلك المؤسسات على تحقيق انسجامه المطلوب مع ما يحيط به من كائنات ومكونات، وذلك من خلال توليها مهمة تربية الإنسان وتكيفه مع مجتمعه، وتنمية وعيه الإيجابي، وإعداده للحياة فيها، وتعد المؤسسات الاجتماعية بمثابة الأوساط او التنظيمات التي تسعى المجتمعات لإيجادها تبعاً لظروف المكان والزمان، حتى تنقل من خلالها ثقافاتها، وتطور حضارتها وتحقق أهدافها وغايتها التربوية[6].

ومعنى هذا أن تربية الإنسان ووقايته من الانحراف نحو الجريمة لا يمكن أن تتم إلا من خلال بعض مؤسسات المجتمع المختلفة ونظراً لكثرة هذه المؤسسات وتنوعها واختلاف إشكالها وأنماطها، فقد عرف المجتمع عبر تاريخه الطويل عدداً من المؤسسات الاجتماعية التي كانت نتاجاً طبيعياً للعديد من المطالب والتحديات والتغيرات الحضارية التي طرأت بين حين وآخر على العالم ومن ثمة في المجتمع حيث نعيش، بل إن كل مؤسسة من تلك المؤسسات التي عرفت إنما أنشأت استجابة لحاجة وظروف اجتماعية معينة، وبما أن موضوع البحث يتعلق بدور المسجد في الوقاية أو الحد من الجريمة[7].

بذلك يعد المسجد من أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ارتباطاً وثيقاً نظراً لعدد من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك الارتباط والتلازم .تعد المساجد في الإسلام مؤسسة اجتماعية بجانب كونها مؤسسات دينية ، لتقديم خدمات اجتماعية متعددة، أن المسجد في الإسلام دعامة قوية من أهم الدعائم التي قام عليها المجتمع الإسلامي . وفي العصر الحالي نجد أن المساجد تعقد فيها حلقات لتحفيظ القرآن الكريم ، وصرف المساعدات وتلقي حلقات التعليم وفتوى المسلمين في أمور دينهم ، وغير ذلك من أنواع الرعاية الاجتماعية التي تديرها جمعيات، وبالتالي يتضح بأن المسجد يمكن أن يؤدي دوراً هاماً في منع الجريمة والحد منها[8].

وبذلك يمكن القول أن المسجد في الإسلام يُعد جامعاً وجامعة، ومركزاً لنشر الوعي في المجتمع، ومكان

لاجتماع المسلمين، ولم شملهم وتوحيد صفهم، وهو بذلك أفضل مكان، وأطهر بقعة، وأقدس مما أن تم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ، ليكون فرداً صالحاً في مجتمع صالح.

والحكمة أن المسجد بوثقة لا بد منها، لتنصهر فيها النفوس، وتتجرد من علائق الدنيا وفوارق الرتب

والمناصب ، وحواجز الكيبر والأنانيات ، ولا بد أن تلقي أحكام الشريعة الإسلامية ، بما فيها من واجبات ومحرمات وإداب، من المسلم الذي رباه المسجد هذه التربية ، صدى تجاوب وإذعان فيشعر بمعاني الأخوة راسخة بينه وبين سائر المسلمين على اختلاف منازلهم . فالتعليم في المسجد له سمة فريدة ، وخاصة مميزة عن التعليم في أي مكان أخر، فالفرق بين التعليم في المسجد والتعليم في غيره من وجوه منها، التعليم في المسجد يكتنفه جو عبادي، وأشمل حيث يدخل من شاء من العلماء المؤهلين ليعلم، كما يدخل من شاء من المتعلمين أو المستمعين ، فيستفيد في المسجد جمع غفير، العالم والمتعلم والمستمع[9].

منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد كان هو الموجه لحياة المسلمين، فكان هو المدرسة والجامعة، وكان المنارة التي يسترشد بها المسلمين في حياتهم، ومنه يستمدون مقومات دينهم، ومعرفة أصوله ومبادئه.

وإذا كنا لا نستطيع العيش دون غذاء كذلك لا نحي بلا أمن، ومن هنا يأتي الدور الذي يلعبه المسجد لتحقيق ما نحن بحاجة إليه، فيقدم لنا الغذاء الروحي، وتنعم بالحياة في جو من الأمن الفردي والجماعي

فالمصلون يشكلون شريحة اجتماعية واحدة لها تأثيرها الكبير على الاتجاه العام في المجتمع، ويلعبون دوراً في إصلاح العلاقات الأسرية، وإزالة الخلافات بين بعض من يستهلكون أوقات رجال الأمن، ويمكن كذلك بما لهم من تأثير فعال منع الجرائم والمنكرات والإخلال بالأمن.

 

 

 

 

المحاضرة السابعة: المجتمع المدني (الجمعيات كمؤسسة إجتماعية)

الممارسة و الفعل الجمعوي، نابع من وعي اجتماعي كونه أفراد المجتمع، فهو وعي  مكون من المعرفة و الإدراك و التنبيه و الفهم للذات و العالم الخارجي و الانتماء الاجتماعي و الذي نتج عن التأمل للعالم الموضوعي و العمل والفعل الاجتماعي بكل أوجهه ويؤدي إلى اتخاذ فردية وجماعية عملية أي أنه مرتبط بالسلوك، و لا ننكر أهمية الدور الذي تؤديه الجمعيات في المجتمع المعاصر باعتباره قوة مؤثرة في بناء المجتمعات و تنميتها و تعزيز التفاهم بينها.

مفاهيم أساسية:

تعريف المجتمع المدني: مؤسسات المجتمع المدني أو المجتمع المدني هو مجموعة من البني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، تنتظم في إطارها شبكة من العلاقات والممارسات بين القوى والتكوينات والهياكل الاجتماعية المختلفة في المجتمع ، وتنشأ هذه المؤسسات الطوعية بمعزل عن الدولة لتعد من الفردية المجتمع السياسي بالسلطة، وإن صفة الطوعية والاختيار هي أحد أهم سمات منظمات المجتمع المدني الأساسية فضلا عن خضوعها لقواعد واضحة من ضمن تكويناتها في المجالات المتعددة كالمؤسسة التعليمية والدينية والإنتاجية والاتحادات المهنية والنقابات العمالية والأحزاب والقوى السياسية[10]. أما المفهوم للمجتمع المدني هو ذلك المجتمع الذي يتمتع بحرية التشكيلات الذاتية الطوعية التي تهتم وترعى الشؤون اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية[11].

والمجتمع المدني يمثل أسلوب حياة ونمطاً معيشياً معيناً وشقاً اقتصادياً أو بناءً اجتماعيا، وبنية ثقافية محددة، وهو مقابل المجتمع البدوي أو ال زراعي، أي أنه حالة اجتماعية متطورة وحالة حضرية تمثل تفاعل الإنسان مع الطبيعة وسيطرته عليها، وشيوع نمط من العلاقات الاجتماعية يختلف عن الحياة في البادية أو القرية، وأهم مظاهر المجتمع المدني التطور التكنولوجي، والتقدم في مجال الصناعة وشيوع العلاقات الاجتماعية، واهم ما يميز المجتمع المدني تطور التجارة والخدمات والانتماء إلى المدينة في مقابل الانتماء للعشيرة والقبيلة في المجتمع البدوي. وبالتالي يعتبر المجتمع المدني نسق سياسي متطور يتيح صيرورة تماسكه وتمفصله في مؤسسات مراقبة المشاركة السياسية[12].

إذا مؤسسات المجتمع المدني، تعتبر الجمعيات أو ما يطلق عليها أيضاً منظمات المجمع المدني من المؤسسات التي تلعب دوراً بارزاً لإحداث التنمية بكل صورها في المجتمع وكذلك التعامل مع المشكلات التي يعاني منها المجتمع والتي يصعب على المؤسسات الحكومية الضخمة التعامل معها مباشرة ، كما أنها ليست مكبلة بالقوانين والإجراءات التي لا بد أن تعمل في إطارها المؤسسات الحكومية مما يوضع أهمية العمل مع هذه الجمعيات واستثمار جهودها لمواجهة المشاكل التي يواجهها المجتمع وفي مقدمتها الجريمة[13].

النسيج الجمعوي: هذا المصطلح يدل على كثرة مؤسسات المجتمع المدني بإطاريها الرسمي و غير الرسمي، ونشاطها الفعلي المنتظم و المنسق بين مختلف جمعيات. إن النسيج الجمعوي يمس مختلف البنى و النظم الاجتماعية، فهناك ممارسة فعلية منذ عقود من الزمن تحاول التأسيس لمجتمع معاصر هو مجتمع المؤسسات، و هو مجتمع تساهم في بنائه مختلف مؤسسات المجتمع، و يلعب فيه المثقف بطريقة مباشر أو غير مباشرة دورا هاما، من خلال الأفكار التفسيرية و المنظمة بصفة عامة, والتي تستعمل لوصف و تفسير و تبرير وضعية المجتمع، كما يقدم الفرد من خلال القيم  التي يحملها عملية توجيه محدد للفعل التاريخي للمجتمع.

إن الفرد فاعل اجتماعي و من خلال فعله الاجتماعي يشكل وسيلة ثقافية تحدد وتشكل و توسع العناصر الأخرى (الفاعلين في مختلف الجمعيات) التي تسعي لتوجه أو تسيـر المجتمع نحو مسار معين لتحقيق الغاية المسطرة, وهذا النظام الفكري الذي يحمله المثقف يشكل الوعي لفئة اجتماعية أي يمكن لها أن تشكل نوع من القناة التي توجه المجتمع من خلال توضيح و تفسير الواقع الاجتماعي و القوى و الجماعات الأساسية له.

و للفاعل الجمعوي وظيفتين أساسين، فالوظيفة الأولى تظهر و تعبر بطريقة معينة مصالح و أمال و تطلعات المجتمع المحلي بكامله ثم أنها تضعه في طريقه المنطقي و الصحيح أما الوظيفة الثانية فباعتباره المحرك الأساسي لكل التصرفات فيه يحدد السبب و الباعث و يصور نوعية السلوك الذي يجب أن يمارس تجـاه البناء العام للمجتمع المحلي.

الجمعيات في المجتمع من الحركة الجمعوية إلى الديموغرافيا الجمعوية و أخيرا النسيج الجمعوي:

الحركة الجمعوية شكل من أشكال الحركات الاجتماعية الجديدة التي أصبحت ميزة للعمل الاجتماعي والثقافي...في المجتمعات الحديثة تستهدف إحداث التغيير المرغوب لصالح فئاتها الاجتماعية أو حقوق الإنسان، و الحركات الاجتماعية الجديدة هي نمط من الفعاليات الاجتماعية مختلفة عن الأحزاب السياسية و النقابات، وتعبر عن مجموعات وفئات اجتماعية تجاهلتها في السابق الحركات ذات الطبيعة السياسية والطبقية، ولا تهدف هذه الحركات إلى الاستيلاء على السلطة وإنما إحداث تغييرات على مستوى القواعد الشعبية وفق تكتيكات قصيرة المدى .

بينما يعتبر العالم الاجتماعي المعاصر الفرنسي رونيه غاليسو أن الانتقال من دراسة الحركات الاجتماعية إلى البحث في الحركات الجمعوية أصبح سمة العصر، وذلك نظرا لأزمة الحركات الاجتماعية (الكلاسيكية) التي كانت تركز على المطالب الاقتصادية والمهنية والمادية فحسب بواسطة النقابات، أما اليوم فقد ظهرت تنظيمات اجتماعية مستقلة جديدة تتميز بالأفعال الاجتماعية خارج الفضاء الاقتصادي والإنتاجي .

و هناك أوجه اختلاف عديدة بين الحركات الاجتماعية والحركة الجمعوية أو المنظمات غير الحكومية على اعتبار أن المفهوم الأول يشير إلى تلك القوى الاجتماعية التي تدفعها أزماتها لبلورة وعيها بالتعبير عنه في شكل انتفاضات احتجاجية أو حركات مطلبية منظمة كالنقابات أو الاتحادات المهنية، أما المنظمات والجمعيات فهي تلك الجماعات الطوعية التي تعمل على تعبئة أوسع عضوية ممكنة حول هدف يتطلب التمكين لتحقيقه وتتخذ شكل جمعيات أو روابط.

إن مصطلح الحركة الجمعوية الذي عادة ما يستخدم بكثرة في المجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات الاخرى، مستمد من مفهوم الجمعية نفسه، وتدل لفظة الحركة على الجهود والمساعي الحثيثة والديناميكية المتواصلة لأعضاء الجمعيات والمتطوعين من أجل تغيير وتحسين أوضاعهم الحياتية بواسطة التعبئة الشاملة والمشاركة الواسعة والاختيارية في برامجها وأنشطتها دون انتظار تدخل الدولة

وهذا ما سعت اليه مختلف الجمعيات في المجتمع، حيث سعت إلى ممارسة أشكال من الضغط السلمي عليها لتوفير الإمكانيات البشرية والمادية لحماية مصالحها ومصالح المجتمع ككل، وينبغي للحكم على حيوية وقوة الحركة الجمعوية بالمجتمع تفاعل أنشطة الجمعيات وتنسيقها في إطار حيز من التنافس والحرية لتحقيق أهدافها المشتركة، فالحكم على الحركة الجمعوية لا يكون بناء على عدد الجمعيات وإنما على نوعيتها واستجابتها لمطالب المجتمع.

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثامنة: مؤسسات الاعلام و الاتصال (الاعلام كمؤسسة إجتماعية)

 

تعد وسائل الإعلام من بين المؤسسات الاجتماعية التي كشفت عن جدارتها في التأثير على حياة الأفراد خلال مراحل عملية التنشئة، إذ لم يعد للشك بمكان في التأثيرات العميقة التي باتت تتركها وتبصمها في حياة أفراد المجتمع، سيما على الأطفال منهم الذين يكونون محط استقبال لكل ما تقدمه هذه الوسائل الإعلامية، وخاصة عندما زادت من فعاليتها وحِدَّة أثرها بشكل كبير نتيجة للتطورات التكنولوجية الحديثة.
وتختلف وتتفاوت تأثيرات هذه الوسائل (وسائل الإعلام) على الأفراد والجماعات بحسب مقدرة أشكالها ووسائلها الكثيرة والمتنوعة، المقروءة منها والمرئية والمسموعة وغيرها..، من حيث قدرتها على نقل الخبر في حينه، وإشراك المتلقي مع المضمون الإعلامي، واستقطاب عددا كبيرا من الجماهير.
وللإعلام عموما أهمية كبيرة لا يمكننا أن ننكرها، وهي ما جعلته يصنف من بين المؤسسات الفاعلة والمدعمة لدور الأسرة في التنشئة، ويتضح ذلك من خلال الوظائف والأدوار المتعددة التي يقدمها للأفراد والجماعات، والتي نذكر من أهمها: إفهام أفراد المجتمع لمهامهم واحتياجاتهم في التربية على الإعداد النفسي للعمل والحركة، ومساهمته في تكوين الاتجاه، والترويح على النفس، وتنمية الخبرات والمعارف والمهارات، ونشر القضايا المهمة والقيم السائدة في المجتمع، والضبط الاجتماعي، وصياغة الواقع وغيرها.
ولعل ما يشير إليه أحد أقطاب السوسيولوجيا المعاصرة أنتوني غيدنز في نفس الصدد أن " لوسائل الإعلام أهمية تعادل ما للمدارس والجامعات في إقامة مجتمع المعرفة"[14] . يؤكد على مدى هذه الأهمية في تدعيم دور الأسرة من خلال نشر الوعي والمعرفة والتثقيف..، لكن، وفي المقابل، قد تعمل وسائل الإعلام في بعض الحالات على تعميق ميل فئات من الأطفال والشباب إلى الانحراف، وتغيير الاتجاه بفعل التأثير السلبي الذي يمكن أن تبثه في غياب مراقبة الأسرة، بمعنى أن الإعلام بقدر ماله من إيجابيات فله سلبيات وما يوضح ذلك التلفزيون كأحد وسائله حينما نجده يتخلى عن وظائفه المتوقعة التي هي تدعيم ومساندة دور الأسرة والمدرسة في التنشئة بات يستهدف الأفراد ويثري لهم اهتمام مبالغ فيه لكرة القدم والأفلام المدبلجة التي تحمل في طياتها ثقافة وقيما هجينة وغير رصينة، وهو ما يتضح من خلال اتفاق عدد من المهتمين بقضايا التنشئة الاجتماعية من علماء السيكولوجيا وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع وغيرهم في كثير من الأبحاث والدراسات والمناقشات التي تناولت بالدرس والتحليل قضايا التنشئة الاجتماعية، إلى أن لوسائل الإعلام وخاصة التلفزيون بوصفه وسيلة إعلامية واتصالية بصرية تأخذ اهتمام كل الجماهير وتستقطب القارئ وغير القارئ أثر بالغ وجلي ومنافسة قوية لدور كل من الأسرة والمدرسة.

بل ربما أصبح هناك تخوف كبير من تأثير التلفزيون كوسيلة من وسائل الاتصال على الأطفال وبكثرة في مراحلهم التنشئوية الأولى، كونه أصبح مصدرا موثوقا بالنسبة إليهم بكل ما يبثه، وخاصة أنه أصبح ينقل مَشاهدا وقيما منافية ولا تستند على معايير أخلاقية واجتماعية. وذلك ما أشار إليه أحد الخبراء الإعلاميين "جامس هالوران" إلى أن إحدى الدراسات الميدانية في هذا المجال توصلت إلى نتيجة مرعبة على حد تعبيره. وتتمثل هذه النتيجة في أن 87% من الأطفال في سن الحادية عشر، الذين شملتهم الدراسة، أعلنوا أنهم يثقون بالتلفزة كمصدر إعلامي أكثر من ثقتهم بأي مصدر آخر. ويضيف: "وعندما سألنا هؤلاء الأطفال: إذا سمعتم قصة من والديكم أو من مدرسكم أو من التلفزيون، فأية رواية تصدقون، أجاب 54% من هؤلاء أنهم يصدقون التلفزيون"[15] ، وهو ما يبين بأننا أصبحنا أمام ظاهرة تأثير وسائل الإعلام على السلوك الإنساني حينما أصبح يشكل إطارا مرجعيا يضبط سلوك الأفراد، وأن القيم التي كانت مأخوذة من الأسرة أخذت محلها قيما مأخوذة من وسائل الإعلام، إثر مجموعة من التغيرات والتحولات التي أصبحت تعرف فيها الأسرة تراجعا واضمحلالا في سلطتها إذا لم نقل أخذت تقاعدها وفقدت وظيفتها، حيث "تحولت من مؤسسة اجتماعية تربوية إلى مؤسسة للسكنى والاستهلاك فقط"[16]  والطامة الكبرى هي كون القيم التي أصبحت مأخوذة من وسائل الإعلام كما ذُكر لا تستند على معايير أخلاقية واجتماعية أو خصوصيات ثقافية وقيمية، وسبب ذلك ربما يعود لعدة عوامل كخروج المرأة للعمل وتردد الآباء في المقاهي لوقت يطول زمنه في متابعة كرة القدم وغيرها..، وهو ما يفسر الخلل الواضح والفادح الذي يتجلى في غياب المراقبة والتواصل، علما أن الأفراد في مراحلهم التنشئوية الأولى يكونون في حاجة ماسة إلى قدوة حسنة والتي من المفترض أن يمثلها الوالدين باعتبارهما الأقرب إليهم يجدون أنفسهم منصاعين بكيفية أو بأخرى أمام تقمص الشخصيات التي تقدمها وسائل الإعلام، والتي أصبحت غالبا مشحونة بأيديولوجيا وديماغوجيا لا يجد الأفراد بدا في سنهم لمقاومتها، بمعنى أننا أصبحنا أمام "مِحْنَةِ التلفزيون" كما هو العنوان الموسوم لأحد الكتب، وهنا نشير إلى أنه إذا ما احتجنا إلى تدعيم ومساندة الإعلام لدور الأسرة وجب عليها تقوية دور المراقبة المهم في حذف القنوات التي لا تُعنى إلا بنشر مسلسلات وقيم غربية تسعى إلى الغزو الثقافي وتفسد القيم المجتمعية الراسخة التي تحدد خصوصية هوية مجتمع أو قطر ما، لضمان الانضباط والتقليل من التجاوزات قدر الإمكان، مع الإشارة والتأكيد أخيرا إلى أن المجتمع ككل بجميع بنياته وأنظمته ومؤسساته مسؤول وبدون استثناء على هذه العملية المهمة (التنشئة) التي عن طريقها تنتج أفرادا سليمين مندمجين ومتكيفين سويا داخل المجتمع أو منحرفين ومعلنين عن عصيانهم وعدم رضاهم عن هذا المجتمع. وهو ما يستدعي دعم جهود الأسرة للحد من الانفلات الإعلامي الذي أصبح تأثيره قويا وخطراً داهما يهدد استقرار الأسر والمجتمع ككل حينما أصبحنا نجده يساهم في المعضلات العويصة بدرجة واضحة.

اتصال الجماعات الصغرى: لا يختلف كثيرا عن الاتصال الشخصي ويمكن ان يكون امتدادا له في كثير من الاحيان، حيث انه يكون مباشرا ويتسم بالعفوية.يتعدى في اغلب الاحيان الشخصين لكن في اطار جماعات محدودة العدد .تتقلص وتتوسع حسب العلاقات الاتصالية داخل المجموعة، تشترك معظم هذه المجموعات في اطار قيمي وانتمائي مشترك .

يمكن ان تتسم بالاتفاق والاختلاف والصراع والإتباع والنظام والفوضى والكاريزما و القيادة والتضامن التي يكون الاتصال مرجعها الرئيسي، والذي يمكن ان يساهم احيانا في زيادات حجم التفاعل وتعتبر الأسرة أكثر تجسيدا لشكل هذا الاتصال[17].

الاتصال الجماهيري: اتصال منظم ومدروس يقوم على ارسال رسائل علنية صادرة عن مؤسسة للاتصال الجماهيري، ويعد من اعقد الانواع الاتصالية باعتباره يتم بين مصدرر وجمهور متباعد ومختلف سواء في الجنس او الوعي او المستوى الثقافي وغيرها، ويتم هذا النوع من الاتصال عن طريق وسائل اتصالية مسموعة  او مسموعة مرئية، أو مكتوبة تمتاز بان لها قدرة بث العديد من الرسائل لهدا الجمهور متجاوزة حاجز الزمان والمكان أو العلاقة بين الطرفين، بهدف التأثير على سلوكهم او دفعهم لتبني مواقف او اتجاهات بعينها او الترفيه او تزويدهم بالمعلومات او الاخبار ويلعب الاتصال الجماهيري دو ا ر في صناعة ال أ ري العام المحلي والعالمي اتجاه القضايا المعاصر.

الاتصال الثقافي : هو اتصال يتم بين مختلف البنيان الثقافية من خلال تفاعل الأنساق الثقافية في شكل عمليات اجتماعية يهدف الى خلق نوع من التفاهم، فالاتصال الثقافي يقوم على الاهتمام بالمتغيرات الثقافية التي تؤثر على الاتصال الانساني والتنظيم والتفاعل الاجتماعي القائمة على المعلومات  و المؤتمرات والمنظمات وتلعب فيها الجماعات ادوارا[18].

الاتصال المؤسساتي: هو أحد انواع الاتصالات التي شهدت رواجا في العصر الحديث بعد ظهور اشكال جديدة للمجموعات والنظم الاجتماعية تخضع لقوانين وشروط تسيرها كالمؤسسات والجمعيات ومختلف التنظيمات سواء الاقتصادية سياسية او ثقافية ويكون هذا الاتصال بين اف ا رد هذه المؤسسات او مع غيرها. ويمتاز باختلاف الوسائل الاتصالية المستخدمة فيه ويتسم هذا الاتصال اما بالرسمية او غير

الرسمية، و يعتبر ذلك الاتصال الانساني المنطوق او المكتوب الذي يتم داخل المؤسسة على المستوى الفردي او الجماعي، والذي يساهم في تطوير اساليب العمل والعلاقات الاجتماعية بين الموظفين[19].

 

المحاضرة الثامنة: مؤسسات إعادة التربية (السجن كمؤسسة إجتماعية)

 

يقصد بالسجون تلك المؤسسات المعدة خصيصا لاستقبال المحكوم عليهم بعقوبات مقيدة للحرية[20]، وسالبة لها وهي تشترك في ذلك مع الحكم بالأشغال الشاقة والاعتقال، حيث يحرم المحكوم عليهم من الخروج أو متابعة الحياة بشكل عادي وفي أجواء طليقة، والحيلولة دون ممارسة أي نشاط ما، وعادة ما يرتبط بالسجون عدة مفاهيم وتسميات مثل مراكز التأديب أو دور الإصلاح والتهذيب أو التقويم أو مؤسسات إعادة التربية أو غير ذلك من التسميات، وحتى تسمى بالإصلاحيات التي تختص بإيواء وحفظ وعلاج من صدرت ضدهم أحكام قانونية لارتكابهم بعض الأفعال المخالفة للشرع أو النظام العام في المجتمع وتختلف في معاملتها للسجناء باختلاف أهدافها ووظائفها[21].

 كما يعرف النظام القانوني الجزائري السجن أو المؤسسة العقابية على أنها "هي مكان للحبس تنفذ فيه وفقا لقانون العقوبات السالبة للحرية، والأوامر الصادرة عن الجهات القضائية، والإكراه البدني عند الاقتضاء" ، وهذا التعريف لا يختلف عما ذهب إليه تعريف هيئة الأمم المتحدة "السجون والمؤسسات العقابية أو الإصلاحية " يقصد بها جميع المؤسسات الممولة تمويلا عاما أو خاصا التي يجرد فيها الأشخاص من حريتهم. و يمكن أن تشمل هذه المؤسسات، على سبيل المثال لا الحصر، المرافق العقابية والإصلاحية ومرافق الطب النفساني التابعة لإدارة السجون. ويشترط في السجن أن يكون مكانا لاستقبال كل من كان على استعدا د للإصلاح والتربية والتقويم، لأنه لو يفقد المحكوم عليه هذه القابلية للإصلاح

فلن يجدي إيداعه في السجن، وبالتالي وجوب تسليط آلية أخرى لتطبيق الحكم عليه كبديل للإيداع في مؤسسة السجن.

إذا كان من الثابت حتى الآن، أن السجون لم تستطع تحقيق رسالتها في إصلاح المسجونين بالقدر المنتظر منها، فإن أمرها في ذلك يعتبر هينا، لأن السجون لم تفتح أصلا للتهذيب، إنما فتحت للعقاب[22] حسب نظرة البعض، من هنا أرتبط مفهوم إعادة التربية بمفهوم السجن، الذي هو الآخر مرادف لمفهوم الحبس، كما عبر عن ذلك الباحث الفرنسي جون شازال- عندما تحدث عن إعادة تربية الأحداث الجانحين بقوله أن دور هذه المؤسسات "لا تعني فقط إعادة تكييفه مع الحياة الاجتماعية بتربية أنماط سلوكية معينة عنده، ولكن وفي حدود الممكن- أن ندمجه في المجتمع بتشجيع تفتحه ونموه، وبإثارة مظاهر الوعي لديه، و بجعله يعيش المواقف بشكل حي. وهو بقدر ما يعي نفسه ومكانته في المجتمع بقدر ما يرتفع تدريجيا إلى وضعه الإنساني. فيرفض، أو يختار، أو ينتمي. أي يصبح بالاختصار، مسئولا [23]".

 وحتى يتحقق هذا الهدف أضاف شازال  بأن "هذه المراكز، وبعد أن عززت بالمربين المختصين ووضعت بإشراف تقنيين في علم النفس التربوي وفي التحليل النفسي الطفولي والعصبي، توفر للفتى الجانح، عموما إطارا من الحياة العائلية الحرة، المنفتحة باتساع على العالم الخارجي، إطارا يمكن أن تطبق في أرجائه الطرائق المعتمدة على الثقة، والمراقبة الذاتية، والتربية الحديثة، ولا يستبعد الاعتماد اللجوء إلى قيم التربية الجماعية".

 وهو العمل المنوط بمؤسسات السجون حتى تحقيق غايتها في العمل على مواجهة السلوك الإجرامي وعلاج المنحرفين، باعتبارها مؤسسات ليست عقابية بقدر ما هي مؤسسات إصلاح وتقويم للمجرمين وهذا الاعتبار الذي يصنف السجون كمؤسسات للتأهيل والعلاج لم يكن من قبل، وإنما جاء بعد مراحل، لتحل بذلك " فكرة التهذيب والإصلاح محل فكرة الإهانة والانتقام، وتجاوزت رسالة السجن عن حد وقاية المجتمع من الخارجين على نظمه، إلى المساهمة إيجابيا في تقدم المجتمع بتخريج أكبر عدد ممكن من نزلائه إلى الحياة الاجتماعية مهيئين مهنيا وثقافيا واجتماعيا، وصالحين جسميا وعقليا، لاستعادة أماكنهم في عملية الإنتاج في المجتمع"[24]  ، وهو ما يفسر الاتجاه بمعنى السجن إلى "الحرمان من الحرية، لكن دون حرمان النزيل من حقه في التعليم، والتكوين، والحق في الرعاية، وتحسين مستوى الاحتجاز، بعيدا عن ضروب التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية المهينة، وهو ما تحرص عليه القواعد الدنيا لمعاملة السجناء للأمم المتحدة 1955.

وبهذا لا فرق بين مؤسسة إعادة التربية والمؤسسة  الإصلاحية في التسمية، ذلك أن مراكز إعادة التربية لم تكن سوى بيوتا للإصلاح والتقويم و هذا يعتبر تحول دور السجن من العقاب إلى الإصلاح وأنه "لم يصبح الغرض من إرسال السجين إلى السجن القضاء عليه أو الانتقام منه، وإنما إبعاده عن المجتمع فترة

يشعر فيها بالندم، ويعاد علاجه وتأهيله للتعاون مع المجتمع تعاونا مثمرا بناءا"،  ومن هذا تصبح مؤسسة إعادة التربية مؤسسة علاج، ورعاية، وتأهيل، وإدماج، وهو ما قد يدفعنا إلى تكرار تسمية المؤسسات ال عقابية والإصلاحية بشكل دائم خلال هذه الدراسة وذلك إيمانا منا بالدور العقابي والإصلاحي في نفس الوقت لمؤسسات السجون.

يعامل المحبوسون وفق برامج تضعها السياسة الجنائية للمجتمع، والقائمة على أسس ومبادئ الدفاع الاجتماعي، وهو ما أقرته المادة الأولى من قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين والتي أقرت "يهدف هذا القانون إلى تكريس مبادئ وقواعد لإرساء سياسة عقابية قائمة على فكرة الدفاع الاجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية والإدماج الاجتماعي للمحبوسين"[25]، هذا التعامل مع المحبوس ليس الغرض منه الانتقام، وإنما الهادف إلى:

-         إصلاح وتقويم وتأهيل المسجونين من خلال استخدام كافة الوسائل التربوية والتعليمية والطبية والتدريب المهني والخدمات الاجتماعية والأنشطة الرياضية والترفيهية.

-         خلق الرغبة والجنوح لدى المسجونين نحو الحياة الشريفة والمواطنة الصالحة.

السجن و عملية التأهيل: تختلف النظرة للتأهيل حسب كل اختصاص وكل عالم أو باحث، أو حسب نوعية البحث ومجال تموقعه، وفي هذا نجد أن نظرة علماء النفس لعملية التأهيل على أنه "العملية التي يصل بها الراشدون في المراحل المختلفة من مشاعر العجز والاضطراب الانفعالي والتبعية إلى تحقيق

استبصار جديد في ما يتصل بأنفسهم، وإلى اكتساب المهارات اللازمة لحالتهم الجديدة، وإلى أسلوب جديد من السيطرة على انفعالاتهم وبيئتهم"[26].

والمقصود من هذا هو العمل على تحرير الشخص من كل ما يحمله من سمات شخصية سلبية مثل العجز واليأس، وبعث فيه روح التمسك بالحياة من خلال الاستناد إلى ركائز ودعامات قوية للتصدي لأي عارض سلبي.

أما علماء الاجتماع فينظرون إلى عملية التأهيل على أنها عملية تستند ما وسعها الاستناد إلى قوة الجماعة ومؤازرة الجماعة، ولكنها تشكل بدقة على مقاس الطابع الفرد للشخصية والمشكلات النوعية الخاصة بكل فرد الذي تجرى له عملية التأهيل، كما يتضمن معناه  "إثارة الحوافز الإيجابية عند الشخص بحيث يؤمن بالقيم والمواقف الجديدة التي يراد غرسها في نفسه، فيحترم القوانين بعد أن كان متمردا عليها، ويندمج في الحياة الاجتماعية بعد أن كان منعزلا عنها"[27].

 وهذا يشير إلى إمكانية تعدد أوجه عملية التأهيل وثرائها، وفي نفس الوقت أن يكون التأهيل كلا متكاملا وكما ينبغي أن يبدأ من موقع المؤسسة التي يودع فيها الشخص، وبذلك تتنوع إجراءات التكفل والتأهيل وفق ما تفرضه مبادئ وسياسات الدفاع الاجتماعي.

فالتأهيل كما عملية  "تهدف إلى مساعدة الأفراد والجماعات عن طريق الأنشطة الموجهة نحو علاقاتهم الاجتماعية، بما في ذلك التفاعل بين الإنسان والبيئة المحيطة، وتؤدي هذه الأنشطة ثلاث وظائف رئيسية وهي علاج يلحق بالأفراد من أضرار في قدراتهم وتقديم الخدمات الفردية والجماعية والوقاية من الآفات الاجتماعية"[28]، وهنا تكمن الفائدة الفردية، كما أنها توجد مصلحة اجتماعية، مما يجبر المجتمع على تطبيقها قهرا بصرف النظر عن إرادة الجاني، مثل الأداء يستوجب توفر طاقات كبرى لأنها تلقي بأعباء

جسيمة على هيئة الأخصائيين، ذلك أن التأهيل الحقيقي هو "علم وفن مما يتطلب سعة في المعرفة والخبرة، كما يتطلب القدرة على منح الحب الناضج، إنها تتطلب القدرة على تقديم العون، والقدرة على سحب هذا العون في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة، فكل عون ينبغي أن يكون عونا في اتجاه الاعتماد

على الذات، وفي هذا يبدو لنا برنامج التأهيل في صورته العامة بمثابة نسيج مرهف تتداخل فيه المهارات والاتجاهات لصالح الشخصية الكلية.

 أي أن التأهيل قبل أن يكون مهمة مسؤولية إنسانية بالدرجة الأولى من تعديل اتجاهات الأفراد المنحرفين وتهذيب طبائعهم وتهيئتهم للحياة العادية وتعويدهم على احترام النظام، والامتثال لضوابط المجتمع، أي أن التأهيل في مؤسسات السجون يقصد به مجموعة العمليات أو الأساليب التي يقصد بها  تقديم أو إعادة توجيه الأشخاص المنحرفين أو المجرمين نحو الحياة السوية وهو ما يدفع بنا إلى القول أن عملية التأهيل تمثل دراسة وتقييم قدرات وإمكانات الفرد العاجز، والعمل على تنمية هذه القدرات لتحقيق أكبر نفع ممكن

له في الجوانب الاجتماعية والشخصية والبدنية والاقتصادية، هذا التأهيل لا يمثل غاية، بل هو وسيلة إلى هدف نهائي وهو تحقيق زيادة في القدرات الشخصية إلى أقصى حد ممكن، وتحقيق القوة الجسمانية والمعنوية، حتى يقبل على الحياة ويعيش فيها حياة طبيعة، ويشمل التأهيل أنواعا مختلفة منها الجانب الاجتماعي والنفسي والصحي، والتأهيل المهني والتعليمي، والتهذيب الديني والأخلاقي وحتى الخدمات الترفيهية والترويحية التي يكون توفيرها أمرا ضروريا، ليكون السجناء أفرادا صالحين، ويتم تخليصهم من النزعة الإجرامية المعادية للمجتمع.

 

المحاضرة التاسعة: جماعة الرفاق كمؤسسة إجتماعية

 

يشير اصطلاح الرفاق إلى هؤلاء الأطفال الذين يشبهون الطفل في المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي أو السن، هي مجموعة من رفقاء الفرد بينهم خصائص مشتركة كالسن والمستوى الاجتماعي

والميول وكذا الانتماء البيئي يتفاعلون فيما بينهم ويتأثرون ببعضهم البعض[29]، كما تعتبر كذلك الجماعات الأولية الصغيرة التي تتكون داخل المجتمع بشكل عفوي تلقائي بين الأفراد داخل أوساط متعددة وتقوم في

الغالب على أساس التجانس في العمر والميول.

وتعرف أيضا بأنها جماعة أولية عادة ما تتكون من أفراد من نفس المرحلة العمرية والمكانة، تتميز بالعلاقات الشخصية القوية[30]، فالبرغم من أن المصطلح يستخدم للإشارة إلى جماعة الصداقة للأطفال إلا انه أيضا ينطبق على الفئات العمرية الأخرى في نفس المرحلة وممن لهم نفس المكانة الاجتماعية مثل المراهقين و الراشدين.

أنماط جماعة الرفاق: يمكن تصنيف أنماط جماعة الرفاق على أساسين رئيسين هما :

على أساس السن: و تتمثل في الجماعة المتماثل أعضائها في السن كجماعة الصف الد ا رسي أو الجماعة المتفاوت أعضاؤها في السن، أي أن يكون للطفل رفقاء أكبر منه سنا أو اقل كجماعة اللعب في الحي، و  في مرحلة الطفولة الجماعة التي تتشكل عادة يطلق عليها مسمى جماعة اللعب في حين أنه

في مرحلة المراهقة تأخذ تسمى الشلة.

على أساس عمق العلاقة بين الأعضاء:  فالعلاقة بين الطرفين تحددها طبيعة الجماعة فقد تكون جماعة الأصدقاء والعلاقة هنا تكون حميمية قوية حيث عادة ما يكون لدى الفرد اثنين أو ثلاثة من الأصدقاء الحميمين، وقد تكون الجماعة جماعة اللعب وهي مختلف الجماعات التي يرتبط بها الطفل في المراحل الأولى من حياته بعد الأسرة، و يعتبر المرح واللعب أساس مشترك تقوم عليه العلاقة مع الأقران في كل المراحل فهو يمثل وظائف العلاقة مع الأقران حيث أهمية اللعب تفوق المساعدة وأنماط السلوك الغيري فلا يمكن توقع إستمرار صداقة بين شخصين تخلو من المرح ومشاعر السرور والارتياح، فوظيفة المرح واللعب وظيفة وجدانية .

وقد تسمى الجماعة بجماعة الشلة وهي جماعة غير رسمية صغيرة يرتبط أعضاؤها بعلاقات اجتماعية حميمية وروابط صداقة قوية، وهي تختلف عن جماعة اللعب من حيث أنها تضم الجنسين في حين جماعة الشلة تبدأ في مرحلة البلوغ وتتكون من جنس واحد فقط ، فالأولاد يكونون شللا خاصة بهم وكذلك البنات.

إضافة إلى جماعة الصف الد ا رسي التي يكونها الطفل عندما يلتحق بالمدرسة ثم يستمر عبر مراحل التعليم المختلفة يتلقى المعارف والمعلومات ويكتسب المهارات في مجالات متعددة بشكل مباشر في ارتقاء شخصيته فالصفوف الدراسية تعتبر جماعات متعددة يتفاعل فيها الطلبة ويؤثر بعضهم في البعض الأخر من خلال عملية التفاعل الاجتماعي التي تتولد عن الأنشطة المدرسية المختلفة.

وقد تشكل جماعة الأقران نوعا آخر من العلاقات وهو ما يعرف جماعة العصابة وهي جماعة أكر تنظيما من الشلة وهي معادية للمجتمع وتتميز هذه الجماعة بوجود شفرة أو كلمة سر متفق عليها وبينت الدراسات أن نسبة كبيرة من جنوح الأحداث كانت بدايتها نتيجة الانضمام إلى جماعة العصابة.

عوامل الانتماء إلى جماعة الرفاق: تتعدد العوامل وتختلف التي تساعد في الدخول والانتماء إلى جماعة.

السن :يكون السن مهما في انتماء الأفراد إلى جماعة واحدة التي هي جماعة الرفاق، فالتقارب العمري أساس تكوين هذه الجماعة لأنه من غير المعقول أن تتشكل الجماعة من أفراد تتراوح أعمارهم ما بين 6 و 20 سنة، لان السلوك والتعامل والتفكير يختلف حسب العمر الزمني في الكثير من الأحيان لأنهم لا يجدون إي حرجا بينهم في التعامل ولا يتعقدون من بعضهم البعض.

الطبقة الاجتماعية: تتفاوت الطبقات الاجتماعية فيما بينها من الناحية الاقتصادية  والاجتماعية وهو الذي يؤثر على الأبناء والذي يتدخل في تحديد طبيعة الجماعة التي ينتمي إليها الطفل، ففي هذه الجماعة نجد تنابز بالألقاب والمكانة الاجتماعية أو الاقتصادية والحاجات المتوفرة والمال والألبسة وأنواع المأكولات حتى أن الطفل لا يصمد أمام هذه الأشياء إذا لم يكن يتقاسمها معهم .

الجنس: يختلف الجنس لدى الإنسان فنجد الذكور يكونون جماعة الرفاق الخاصة  بهم كما نجد جماعة الرفاق للبنات، فالأمر يرجع إلى الاختلاف في النواحي البيولوجية والفيزيولوجية والنفسية بينهم، لذلك فكل فرد يميل إلى مصاحبة الأف ا رد من بني جنسه خاصة في المجتمعات المحافظة التي تخضع أفرادها إلى قوانين ومعايير، د يعاقب الفرد إذا انتمى إلى جماعة ليست من جنسه من خلال نظرة الاستهجان و الازدراء.

الاهتمامات الاجتماعية: من أهم الدوافع التي تشكل جماعة الرفاق اهتماماتهم   الاجتماعية ووحدة ميولهم ورغباتهم المشتركة لذلك نجد جماعة الرفاق المدرسية وجماعة الرفاق الرياضية وأخرى تابعة للكشافة ومختلف النوادي وأخرى تابعة للجامعة وأخرى أساسها طبيعة العمل.

المكان الجغرافي: المنطقة أو الحيز الذي يقطن به الفرد يكون عاملا في ارتباطه بالجماعة التي ينتمي إليها لهذا نجد الطفل يميل إلى مصاحبة الأقران الذين يجاورونه في الإقامة ويقطنون معه في نفس الحي[31].

جماعة الرفاق كأسلوب ضبط في إجتماعي: تستخدم جماعة الرفاق مجموعة من الأساليب والآليات في سلوك الفرد المنتمي إليها أو في احد عناصرها ومن هذه الوسائل :

الثواب الاجتماعي: يتجسد في القبول الاجتماعي لشخصية الفرد بسلبياتها و ايجابياتها فالطفل إذا وجد رفضا اجتماعيا من طرف الأسرة من خلال شعوره بالاحتقار والدونية لان الطفل حسب الأسرة يجب أن يكون مستمع فقط دون نقاش، وعدم وجود الحرية في التعبير عما بداخله

سيضطره إلى البحث عن فضاء آخر للتعبير عن آرائه وإشباع حاجته وهذا ما يجده في جماعة الرفاق[32].

العقاب الاجتماعي: هو أسلوب ردعي يستخدم لأف ا رد الجماعة الذين تسببوا في إثارة المشاكل داخل الجماعة وانصاعوا عنها ورفضوا الانضباط الذي تسنه الجماعة ولعل

العقاب يكون إما بالرفض أو النبذ الاجتماعي والإهمال الاجتماعي لهم، ولعل الهدف من هذا الأسلوب المتبع هو محاولة تعديل أو تغيير هذا السلوك أو اللجوء إلى جماعة أخرى قد يجد فيها وجوها جديدة وأجواء اجتماعية مغايرة.

النمذجة :ويتمثل هذا النوع من الأساليب في تقديم نماذج سلوكية يتوحد معها أعضاء الجماعة.

التحفيز: تدفع جماعة الرفاق أفرادها إلى المشاركة في مختلف النشاطات كاللعب   والرحلات بل تحفزهم على ذلك وهو ما يؤدي إلى انفتاح شخصية الطفل فالتحفيز عامل مهم يؤدي في كثير من الأحيان إلى تخليص الطفل من الكثير من الأعراض السلوكية السلبية كالخوف والارتباك والخجل والخوف والاكتئاب وبالمقابل تربي فيه صفات ايجابية كالشجاعة والمرح والانبساط والطلاقة في الكلام والتعبير.

طبيعة الأفراد في جماعة الرفاق: بينت الدراسات أنه توجد أنواع من جماعة الرفاق وهي :

الأفراد الشعبيون: هم الأف ا رد الذين يجدون قبولا اجتماعيا وتأييدا كبي ا ر من طرف زملائهم في نفس الجماعة التي ينتمون إليها.

الأفراد المنبوذون :هم الأفراد الذين يجدون رفضا اجتماعيا من طرف زملائهم لذلك  فهم يحضون بأقل تأييد من طرف زملائهم نتيجة سلوكهم السلبي .

الأفراد المجادلون :هم مختلف الأفراد الذين يتحولون من نظرة إلى أخرى من طرف زملائهم فمرة يحضون بتأييد وقبول ومرة أخرى يجدون رفضا وقلة التأييد.

الأفراد المهملون :هم أفراد عادة ما يتلقون قليلا من القبول والرفض ويكونوا غير معروفين نظرا لدورهم وسلوكهم وتأثيرهم السلبي داخل جماعة الرفاق حيث لا يهتم بهم غيرهم فهم دائما على الهامش حسب الجماعة لذلك يتطلب منهم مسايرة الجماعة في كل أفكارها و قرراتها.

الأفراد المعتدلون : هم أفراد يتوسطون الجماعة , حيث يلجأ هؤلاء إلى محاولة التوفيق بين الأفراد ويقفون موقفا وسطا بينهما , حتى أن درجة القبول والرفض عندهم تكون متوسطة .

وقد بينت الدراسات والأبحاث الاجتماعية تميز كل مجموعة عن غيرها بصفات تنعكس على سلوكاتها فالأطفال المنبوذين مثلا أكثر عدوانية من غيرهم إما الأطفال المهملين فمن ميزتهم التطرف والرؤية

الاجتماعية المتدنية أما الأف ا رد الشعبيون فينتج عنهم طفل شعبي أكثر اجتماعية واقل عدوانية .

جماعة الرفاق الافتراضية: تعتبر جماعة الصدقات ذات الاهتمامات المشتركة، و التي تضم في عضويتها جماعة من الاشخاص يتم الاتصال بينهم من خلال أي وسيلة اتصال الكترونية مثل شبكات التواصل الاجتماعي و غيرها.

جرت العادة أن يختار الاطفال رفاقهم أو أقرانهم من جيرانهم الأقربين، أو من رفاق المدرسة بسبب صغر دائرة معارفهم، أما  عندما يكبرون و خاصة في مرحلة المراهقة  تتسع أكثر، فيبدؤوا بختيار رفاقهم من الذين يشاركونهم في اهتماماتهم و أذواقهم و ميولاتهم، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

إن استخدام وسائل الاتصال على شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت في تكوين الصدقات لبعض الفئات الاجتماعية مثل الاشخاص الخجولين، و النساء، و كبار السن، و المعاقين، غذ يمكنهم التواصل مع الاخرين و تكوين صدقات من الصعب تكوينها عن طريق الاتصال الشخصي وجها لوجه، متجاوزين حالات القلق و الخوف و الخجل عند اللقاء الأول، و يشعرون بالارتياح أثناء اللقاء الافتراضي نظرا لوجود تجربة سابقة للتعامل و تبادل الافكار، مما يشجع هذه الفئات على التواصل، و غالبا ما يتحول التواصل عبر الانترنت إلى تواصل على أرض الواقع بعد أن تقوى العلاقة.

و قوة العلاقات الافتراضية تتوقف على أساس الخلفية المشتركة في العالم الواقعي من اهتمامات و هوايات و ميول مشتركة، فمواقع التواصل الاجتماعي مثلا تضم أفرادا من خلفيات مشتركة غالبا (علمية، مهنية تجارية...الخ) فمثلا قد تنشأ تجمعات حول قضية فكرية، رياضية، أو شخصية سياسية.

و حول تكوين الصدقات في المجتمعات الافتراضية تقوم في مجملها على الاختيار، بعكس المجتمعات الواقعية التي تقوم على الجبر و الالزام بحكم صلة القرابة أحيانا أو زمالة أو الجيرة او الزمالة، فلا يستطيع أحد ما قبول صداقة غيره عنوة.



[1] - صحيح مسلم، ترجمة أ. صديقي (لاهور،1976، ج1)، مجلد 1 فقرة عن "المساجد".

[2] - ج. بيدرسن، المسجد في مختصر موسوعة الإسلام، ليدن، 1974، ص337.

[3] - المسجد في موسوعة اكسفورد للعالم الإسلامي الحديث، تحقيق. جون إيسبوسيتو، المجلد 3، 1995، ص134.

[4] - محمد أركون، "تحول المقدس"، في المسجد: تاريخ، التطور المعماري والتنوع الإقليمي، تحقيقات م. فريشمان وهـ. خان لندن، 1994، ص 271.

[5] - أوليغ غابر، "المسجد في المجتمع الإسلامي اليوم"، في المسجد، ص 244.

[6] - عمر بن حزام بن قرملة ، رسالة ماجستير ، دور مؤسسات المجتمع المدني ، جامعة نايف للعلوم الأمنية 2007 ، ص 195.

[7] - صالح بن علي أبو عراد، مقدمة في التربية الإسلامية ، الرياض ، دار الصولتيه للتربية ، ص 5.

[8] - منصور بن عبدالرحمن بن عسكر ، دور المؤسسات الاجتماعية في التبصير عن الجرائم ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

، الرياض ، ص6.

[9] - صالح بن غانم السدلان ، المسجد ودورة في التربية والتوجيه ، ط 1،1994 ، ص ص 7-15.

 

[10] - نبيل محمد الخناق ، الشفافية التنظيمية 2006 ، ص10.

[11] - منصور الحميري ، دروس حول المفاهيم الأساسية ، ما هو المجتمع المدني ، ص2.

[12] - - سعيد سعد وآخرون ، المجتمع المدني في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997 ، بيروت ، ص 79.

[13] - سامية أحمد جابر ، الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث ، النظرية والتعييندار المعارف جامعة الاسكندرية ، 1983 ،ص 4.

[14] - نطوني جيدنز، علم الاجتماع، تر: فايز الصيّاغ، ط4، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، ص503.

[15] -  جامس هالوران، بحث في موضوع الاتصال بالجماهير، التوجهات والمسؤوليات، مجلة البحوث، إتحاد الإذاعات العربية. 1983، ص: 167.

[16] -  خالد المير وإدريس قاسمي، سلسلة التكوين التربوي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، العدد 8، 1998، ص34.

[17] - ابراهيم ابو عرقوب، الاتصال الإنساني و دوره في التفاعل الاجتماعي، دار المجدلاوي للنشر و التوزيع، الأردن، ط 120، ص ص120- 122.

[18] - عبد الباقي زيدان، وسائل وأساليب الاتصال في مجالات الاجتماعية والتربوية والإدارية و الإعلامية، دار الشباب للطباعة والنشر مصر، د.ط، 1974 ،ص13.

[19] - ابراهيم ابو عرقوب، الاتصال الإنساني و دوره في التفاعل الاجتماعي، دار المجدلاوي للنشر و التوزيع، الأردن،  ط 1، 2010 ص136.

[20] - اسحاق إبراهيم منصور، الموجز في علم الإجرام والعقاب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط 31989 ، ص 163.

[21] - مصطفى متولي، نموذج مقترح لبرامج تعليمية تربوية داخل المؤسسات الإصلاحية والعقابية في )الدول العربية، بحث مقدم في الندوة العلمية (التعليم داخل المؤسسات الإصلاحية) المنظم من قبل أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض وبالاشتراك مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بتونس خلال الفترة ما بين 23/26  يوليو1995، الرياض، 1998 ، ص158 .

[22] - محمد عبد القادر قواسمية، جنوح الأحداث في التشريع الجزائري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر،  1992 ، ص 201.

[23] - جون شازال، الطفولة الجانحة، ترجمة أنطوان عبده، منشورات عويدات، بيروت، 1972 ، ص 101.

[24] - سلوى عثمان الصديقي وآخرين، انحراف الصغار وجرائم الكبار، المكتب الجامعي الحديث، الازاريطة 2002 ، ص263.

 

[25] - المادة ( 7) من قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.

[26] - توماس. ج. كارول، رعاية المكفوفين نفسيا، اجتماعيا، مهنيا، تر: صلاح مخيمر، عالم الكتب، القاهرة، 1964 ، ص 132.

[27] - مصطفى محمد موسى، إعادة تأهيل المتهمين والمحكوم عليهم في قضايا الإرهاب، منشورات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2006 ، ص 13.

[28] - أحمد مصطفى خاطر، الخدمة الاجتماعية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1995 ، ص 124.

[29] - صالح أبو جادو، سيكولوجية التنشئة الاجتماعية، دار المسيرة للنشر والتوزيع، الأردن، 1998، ص 267.

[30] - سميرة أحمد السيد، مصطلحات علم الاجتماع، مكتبة الشقرى، 1997 ،ص 114.

[31] - مصباح عامر، التنشئة الاجتماعية والانحراف الاجتماعي، دار الكتاب الحديث ،الجزائر، ص 246.

[32] - زهران حامد عبد السلام، علم النفس الاجتماعي، القاهرة، عالم الكتاب، 1984، ص262.